حين يرفع المسؤولون أقنعتهم، ويميطون اللثام عن وجوههم…!

 

إن ظاهرة الفساد في كافة مفاصل الدولة العراقية أمست حالة مرضية مستعصية، بحاجة إلى عملية جراحية دقيقة عاجلة لمعالجتها أو ربما عصا سحرية لأنقاذها، بعد أن أصبح الساسة المتنفذين يستخدمون أساليب مخجلة للبقاء في السلطة وفرض أرادتهم وتنفيذ أجنداتهم للهيمنة على مقدرات الوطن من أجل الإثراء الفاحش لهم ولأحزابهم عن طريق عقد الصفقات المشبوهة والمساومات المهينة على مستقبل الأجيال، حتى وصل الحال إلى سرقة بسمة الأطفال وقوت المعوزِين وحلم المشردين ورغيف المهجّرين، ودون إكتراث لمصير الوطن الذي يتجه نحو هاوية لا يمكنه تسلق منحدراتها الخطيرة ولا عودة الأمور إلى طبيعتها دون إراقة مزيداً من الدماء الغزيرة.

خلف المشهد المنفلت منذ سنين، يقبع ساسة ملثمون يعجز المراقب عن إدراك نواياهم ولا توقع خطواتهم اللاحقة، ولا تخمين إلى أي ميناء تتجه بوصلتهم، لأن كل حركاتهم السرية والعلنية يكتنفها الغموض وإزدواجية السلوك، فهم يضمرون شيئاً ويصرحون بعكسه ويفعلون ما يناقض النقيضين. إضافة إلى إستخدامهم أساليب النفاق السياسي والنكول بالعهود وتلفيق الأكاذيب وتشويه سمعة الفرقاء وحتى الحلفاء، من أجل البقاء في مواقعهم وزيادة تراكم ثرواتهم وإشباع غرائزهم المكبوتة، إضافة إلى إستخدام الأموال المنهوبة لشراء ذمم بعض الإعلاميين وضعفاء النفوس، وتكميم أفواه عدد من القضاة واللجان والمفتشين .

وعلى سطح الأحداث يطفو زعماء منقبون، بقصور خرافية كالسلاطين يعيشون، وبالترف المفرط ينعمون، بعضهم من العمولات الخيالية والعقود الوهمية يتضخمون وكأسماك القرش كل شيء أمامهم يلتهمون. يرافقهم مسؤولون فاشلون، ضمائرهم بجيوبهم يحفظون، مصائرهم بوليِ نعمتهم يربطون، وبالسحت الحرام يغرقون، ولكنهم أمام موجات البحرالعالية ينحنون وعند هبوب الرياح العاتية إلى السراديب يهرولون، والإنتظار في البقع الرمادية يفضلون لأنهم إلى الشجاعة يفتقرون ومن غضب الشارع يخشون.

قادة يؤمنون بأن وطنهم هو حزبهم وشعبهم سجين داخل خيمتهم، بالترهيب والترغيب ينالون ثقة أتباعهم، وبالكَّرِ والفرِ يتعاملون حتى مع شركائهم، بينما بالمداهنة والخنوع يستميلون الأغراب إلى جانبهم. يرتدون أقنعة داكنة تخفي ملامح وجوههم يعجزون عن رفعها، لأنها تؤدي إلى كشف عوراتهم ونسف كل ما شيدوه في ماضيهم، وبمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على مستقبلهم، فيكون مصيرهم الضياع في أزقة الغربة أو القبوع في إحدى الزنزانات المنسية، وربما يرحلون بطريقة غامضة أو يلتف حول أعناقهم حبل المشنقة !!

في واجهة الصورة الضبابية أمامنا وزراء مخضرمون بكراسيهم يلتصقون، في أية حكومة على الحقائب الوزارية الدسمة بالتهديد يحصلون، وكأنها ملكاً لأجدادهم ولها شرعاً يرثون، وبعضهم بعد تهريب أموال طائلة في الخارج يقيمون . حولهم أعضاء من أحزابهم يتمركزون، عناوينهم يعبدون، لسادتهم يتبعون، وكلهم بالفساد متهمون، ولكن تمويهاً ثوب النزاهة والزُهد يرتدون وبالحرص على مصلحة الشعب يدَّعون، بالوطنية يزايدون وعَلَمَ العراق زوراً يرفعون. خلال الأزمات يعجز المراقب عن كشف أية هوية يحملون، ومع من يتعاونون وإلى أي أرض ينتمون، وفي حقيقة الأمر خلف أي ساتر يتخندقون. وأخرون بخيوط خفية يتحركون وأوامرهم من الكبار يتلقون ومحافظات العراق بالنسبة لهم كسلع يبيعون بها ويشترون.

وعلى خشبة المسرح اليوم برلمانيون زئبقيون، غِمار صراع مُعيب كل يوم يخوضون، بالدسائس يتعاملون وبالكذب يتفننون وفيما بينهم بالتُهم يتراشقون. في وسائل الإعلام كالفرسان يتبارزون وبكافة الشؤون حتى العسكرية منها بدلوهم يَدلون. تحت قبة البرلمان باللكمات يتناقشون وبين مقاعدهم بقناني المياه يتحاورون. في كل مرحلة مع زعيم في النهار يتفقون، بينما خلف الكواليس في الليل مع غيره ينسقون وفي الصباح مع غريمه يصطفون. إنهم كالحرباء في كافة الإتجاهات يتمددون ومع كل تيار شديد يسبحون، في كل إنتخابات جلودهم يبدلون وأمام بريق الدولار كلهم ينحنون .

ومعتصمون يعلنون بأنهم بالمحاصصة لا يؤمنون، ولكن بعضهم بالفوضى والتجاوز والطرق على المناضد عن رأيهم يعبرون وعلى مطالب غير واقعية يصرّون، إلى رؤية واضحة تجمعهم يفتقرون، وفيما بينهم على المبادئ يختلفون. في المحصلة النهائية لا يمكن تخمين من يُعارضون ومن يساندون وعن مصالح من يدافعون !!! قبل هذا وخلال ثمان سنوات كان هنالك ظلم وفساد وإحتكار للسطة وهم يعترفون، لم نشاهدهم ضد الباطل ينتفضون ولا على تقسيم الغنائم يعترضون، برئيس الوزراء يستهزئون ولا بالشلع والقلع للرئاسات الثلاثة ينادون، ولا ندري كيف بدلائهم سينتخبون والحكومة يديرون…! وأضداد الأمس على أي صفقة يوقعون وعلى أي حصان يراهنون …! فهل من صحوة ضمير ينطلقون أم إلى مصالح أحزابهم وحماية رؤسائهم يهدفون..!

أما في الثقافة والأدب، فعجبي من كاتب محترم يظهر أمام القراء مقنعاً، فيرفع صوته ويهاجم كل من ينتقده ويعارضه في الرأي ويختلف معه في الإنتماء، كمحتفل يتجول في مهرجان تنكري مرتدياً قناعاً وجلباباً غريباً ليكسر حاجز الخجل والإحراج عند حديثه مع من حوله، أليس الأفضل أن يميط اللثام عن شخصه، ربما يكون أفضل مما نتخيله وأرفع من المستوى الذي رسمناه في مخيلتنا له..!

وفي مجتمعنا يقيم بيننا ممثلون بارعون بأدوارهم يتميزون، لا حاجة لهم لوضع أقنعة لأنها ظاهرة في سلوكهم وهم لا يعلمون، وكأن خفاشاً ليلياً إلتصق بوجوههم وهم غافلون، للملذات فقط يعيشون وبالمال دوماً يفكرون، وسباقاً مع الزمن وصراعاً مع الأخرين من أجله يواجهون . في كل مجلس بذاتهم يتباهون وبماضيهم يمجدون، بوجهك يبتسمون وبظهرك حينما تغادر يطعنون. عن زلة ليغتبُّوك يبحثون وبفعلهم يتفاخرون، بينما للوجهاء يمدحون ولهم يتوددون، ويظنون بأنهم هكذا يرتقون.

وأخيراً أنحني بإجلال أمام قامات شخصيات مع مفردات الحياة بعفوية يتصرفون وبنوايا صادقة مع الجميع يتعاملون، إحترامهم في كل نفس يغرسون والتواضع والمودة في كل مقام يظهرون، بالصراحة دوماً يتحدثون ومع أصحابهم للإساءة يتناسون، التجاوز بالتسامح يُغلِفون والرياء في السلوك لا يحبذون.                                                         أتمنى يا أحبتي كلنا هكذا ينبغي أن نكون …

بقلم : صباح دمّان

  الأثنين  16 – 5 – 2016                                       

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *