ورحل منصور بجوري الى الأخدار السماوية

habeebtomi@yahoo.no

منصور بجوري الشخصية الألقوشية الكلدانية العراقية المحبوبة ، رحل من هذا العالم الى الأخدار السماوية بعد ان ترك بيننا ذكريات جميلة لأنسان احب الجميع وأحبه الجميع .

 يصعب الحديث عن الموت وتصاب الكلمات والجمل بالحيرة لا سيما إذا تعلق الأمر بصديق عزيز ، وعموماً فإن الموت هو الزائر الطارئ الذي لا  يطرق الأبواب ولا يطلب السماح بالدخول ، بل يدخل واثقاً من عمله ، إنها الحقيقة المطلقة ، ربما الوحيدة ، التي تقول ان لكل بداية نهاية ، وهذه الحقيقة لا ندعي بل نجزم بمعرفتها فنؤكد الى ما يؤول اليه مصير الأنسان بعد سنين حياته المحصورة بين الولادة والموت .

 حينما يولد الطفل لا ندري عنه ماذا سيكون مصيره ، وهل يكون غنياً ام فقيراً ، عالماً ام امياً ذكياً ام غبياً ، رئيس جمهورية ام فراش في إحدى الدوائر ، رجل دين ام رجل سياسة ، مجرماً شريراً ام قديساً ام مصلحاً اجتماعياً ، أجل إن هذا الطفل امامنا كالمعدن الخام لا نعرف كنهه ، لكن كما قلت ، ان الشئ الوحيد الذي نعرفه حق المعرفة ان هذا الطفل سيكون الموت مصيره بعد لحظة من الزمن ، إذا اخذنا بمقاييس الزمن السرمدي .

الأنسان الذي رحل عنا بهدوء هو منصور بجوري ( ابو لهيب ) الإنسان الذي يجمع في شخصيته خصال كثيرة ، ولكن قبل الحديث عنه ، نذكر القارئ الكريم بآل بجوري وهي عائلة القوشية عريقة ، في 1959 كان هنالك وفد من شباب ووجهاء القوش متوجهاً الى قرية بيدا للتوسط وبذل المساعي الحميدة لأنهاء العداوة بين بين حجي ملو المزوري وعائلة الشيخ محمد في بيرفكان ، وفجأة في الطريق توفي اثر ازمة قلبية هرمز بجوري وهو احد اعضاء الوفد المهمين ، وكان حدثاً كبيراً القوش إذ عاد الوفد ونظم موكب مهيب لدفن المرحوم هرمز بجوري حضره اعداد كبيرة من الأكراد وهم منكسين بنادقهم احتراماً للراحل وهو يقوم بعمل إنساني .

وفي مطاوي الستينات كان المرحومين اكرم بجوري واسكندر بجوري ضمن صفوفنا مع توما توماس في قاعدة بسقين . وكان المرحوم ميخا بجوري من المدرسين الناجحين ، وبعد ذلك رحل حنا بجوري ، واليوم نودع منصور بجوري . وها هو الصديق صباح بجوري يكتب في رثاء عمه منصور بجوري ويقول :

 آه يا نفسي لقد رحل الاخوة والاقارب والاصدقاء الواحد تلو الاخر وتركوني وحيدا كورقة اصفرت على عود اجرد في فصل الخريف تتساقط الاوراق التي كانت تحميها من  هبوب الرياح  وزخات المطر.

اجل ايها الصديق العزيز صباح ، هكذا يكون ناموس الحياة اوراق تتساقط وأغصان تتهاوي لتتبرعم اغصان جديدة وتخضر اوراق وارفة ، انه ناموس الحياة يرحل جيل ليعقبه جيل آخر هكذا كانت الحياة ووفق هذا الناموس ستكون ديمومتها وسيرورتها الى ابد الآبدين .

 وأعود الى الراحل منصور بجوري لأذكر بأنه كان مستمع ممتاز ويقبل الرأي الآخر برحابة صدر ، إنه مناضل عراقي متأثر بالفكر اليساري يحب  العراق ويحب القوش ونتيجه افكاره ومواقفه طاله الأعتقال والفصل من الوظيفة والتشريد ، كان رجلاً تملؤ الأحلام قلبه في تحقيق آمال شعبه ، وهو شماس في الكنيسة ، مثقف من الدرجة الأولى ، ضليع في اللغة العربية ، مربي فاضل ومعلم ناجح في عمله حيث عمل في خدمة التعليم ما يربو على 30 سنة فتخرج على يده اجيال بلغوا مراحل عالية من العلم والوظائف .

من زامل منصور بجوري وجد فيه الأبتسامة الدائمة والروح الطيبة وسرعة البديهة وحضور النكتة البريئة في كل المناسبات  ، وله قابلية مصاحبة الكبير والصغير ، متواضع يسعده خدمة الآخرين مما عزز من مكانته الأجتماعية في المجتمع ، إنه شخص اجتماعي بكل معنى الكلمة ، وكان حضوره حينما نزور عائلة من العوائل لحل معضلة المّت فيها فيكون لمنصور بجوري مكانته وله هيبته وكلمته .

تعرفت عليه في نادي بابل الكلداني في بغداد ، وشعرت بأول لقائي معه وكأنني مع صديق اعرف قبل سنين ، وكان منصور بجوري عضواً نشيطاً في النادي فيعمل في اللجان التي يكلف بها ومن جملتها اللجنة الثقافية واللجنة الأجتماعية . وكان يساهم بنشرة نادي بابل الكلداني  ، صدى بابل ، وغالباً ما يكتب بأسم مستعار وذلك من باب التواضع لا اكثر .

 بعد نيسان 2003 حيث انفتحت ابواب الهجرة وتعاظمت اسبابها ، وكنا من الذين ركبوا هذه الموجة ، فالتقيت به في عمان بالأردن ، وعرف بأن ابني سوف يتزوج في النرويج ، فسلم لي في اليوم التالي ورقة مكتوبة بخط يده فيها الصلاة المطلوبة لبركة العريس والعروسة ، خابرته في كندا ، فكان منصور بجوري الإنسان الطيب المرح نفسه لم يتغير فلم يترك المخابرة تفوت دون قفشاته وتعابيره المحببة .

مهما كتبنا عن منصور بجوري سوف لا نوافيه حقه ، وهكذا سيبقى هذا الأنسان حاضراً في أفق ذاكرتنا كصديق طيب محبوب .

تعازينا القلبية لعائلته الكريمة ولكل عائلة (اوجاغ ) بجوري الطيبين .

حبيب تومي / اوسلو في 02 / 01 /12

You may also like...