وداعأ أيها البيت العتيق              

 

 

مرة اخرى قدمت الى منامي ايها البيت العتيق…تحاول ان توصل لي رسائلك التي عجزت عن فهمها وتفسيرها….لقد حاولت ان انساك ولم تعد في طي ذكرياتي …كنت ومازلت حلما استيقظت منه ولم اعد أتذكره…ماذا تود ان تقول لي ؟ هل عدت لتقول أنك موجود ؟ .هل تشعر بالحزن ؟ هل يعاملك ساكنوك الجدد بما يليق ؟ هل تعانقهم كما كنت تعانقنا بحنانك في الايام الخوالي ؟ كم من طفل يلعب امام فنائك اليوم كما في الماضي ؟ هل ترى تجمعاتهم وتسمع ضحكاتهم البريئة امام بابك ؟ هل ما زلت مليئة بالالغاز الذي كان الجميع يود ان يعرف خفاياه وأسراره ؟.

منذ اكثرمن عقد ونيف…حلقت بعيدا عنك لعلني اجد بيتا آخر..حنانا آخر..املا في إقتلاع جذوري التي غرستها فيك..ولكن يبدو ان جذوري هي اعمق مما كنت اعتقد .. ربما قد نسيت بعضا منها فيك وهي التي أبت ان تتركني..هل لك ان تقول لي كيف يمكن اقتلاعها     وإلى الابد ؟؟ .

ايها البيت العتيق .. هل تود ان تقول لي همسا انك متعب ؟ متعب مما يجري، ويائس مما يحدث ؟.. فقد آويت الكثير من الناس..واطعمت افواه الكثيرين..وزارتك الملائكة عشرات المرات بحثا عن الصوت الرخيم لجدي وهو يتلو الايات ويسجد عندما يقتضي ..وجرحتك رؤية آثارالتفجيرات والرصاص من حولك…وكنت ملاذا لكل محتاج وفقير..حلت عليك البركات حينا ولعنات العقب الحديدية حينا اخر …اغرقتك مياه الامطارمن نهيرة صغيرة اياما…واحرقتك شعاع الشمس اياما اخرى.

هل قتلك الصمت ؟ هل الظلم اضناك ؟ كم من ارهابي يمر امام بابك الآن ؟ كم من قاتل وخائن وسفاح يريد ان يطرق بابك على أمل يجد احدا ليفتك به ممن احببتهم يوما ؟ كم من قدود جميلة وعيون سود ذليلة تمرأمام عتبتك ؟ كم فقدت من جيرانك ؟ كم منهم وريا الثرى ناقص بعض من اشلائه ؟ . على مدى الايام كنت الشاهد الذي لاينطق ..الشاهد الاخرس !!..كم من شرخ احدثته فيك هذه المأساة ؟…هل ما زلت قويا بعد كل هذه السنين؟.

  كلا لقد فقدت روحك..لأنك كنت تستمد القوة من افكارنا وارواحنا .. والآن من يمدك بالقوة أيها البيت العتيق، الجهلاء سليلي العنف والحقد الاسود ؟ كم محبط انت ؟؟..كم من الكآبة اصابتك ؟ من قمة واوج الايام الى اتعس واحبط الايام.. متى ستقاوم ؟ والى متى ستبقى واقفا على قدميك مرتجفا ، اصبحت بائسا جراء وضع قاس لايرحمك .

سأقول لك وبكلمات وجيزة ايها البيت العتيق، انت لم تعد بيتي ..انت لست إلا خيال وسراب.. ولن تكون بيتا للاخرين!!، ولن تستطيع اقناعي بانك مازلت هناك بكبرياء..وانك بانتظاري.. بانتظارنا.. لا لن نعود الى حيينا..لا لن نطرق بابك مجددا.. لا لن اعدك بالعودة..فلا تعيش في خيال واوهام .. لا تنعم باحلام اليقظة .. دعني وشأني لامسح دمعي بين وجوه وسيماء غريبة لاتمت الى وطني وانا اسيرعلى ضفاف البحرالابيض وفي شوارع وأزقة جزيرة سيشيليا . . فـ ” وداعا ايها البيت العتيق ” .

 د. تارا إبراهيم                    

جزيرة صقلية – إيطاليا

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *