هل يمر المثقف الكلداني بدورة سبات

” خاهه عَمّا كَلْذايا “

يجب اولاً أن نعرج قليلاً على معنى كلمة ( السبات ) لكي لا يتفنن في شرحها المتصيدون بالماء العكر، ويستغلها الآخرون ليضعوها في غير ما نعنيه.

السبات بمعنى الراحة، والسبات بمعنى النوم، والسبات هو الدهر، المعجم الوسيط يقول عن السبات أو السبت في الطب، هو حالة يفقد فيها المريض وعيه فقداناً تاماً، ولا يفيق منها بأقوى المنبهات، وتاج العروس يقول عن السبات بأنه الراحة والسكون والقطع وترك الأعمال ، أما عن الكتاب المقدس فقد وردت هذه الكلمة مرات كثيرة وعديدة أولها في سفر الخروج 16 : 23 ( سبت مقدس للرب ) ومعناها الديني تشير إلى وقفة عن العمل ، وقد عنى بها الكتاب المقدس بأن يسكن البشر من السكون اي لا يزاولوا أي نشاط، إن هذه الكلمة لا تقلل من شأن مَنْ نعنيهم، أو تُسئ إليهم لا سامح الله، نقول ما زال المثقف الكلداني بعيداً عن المشاركة الفعلية في العملية الحياتية السياسية والإجتماعية لأبناء الأمة الكلدانية، وما زال المثقف الكلداني في حالة سبات عميقة فرضها بنفسه على نفسه، لربما بسبب تاثره بسبب الإجراءات القاسية التي كانت تمارسها أنظمة الحكم السابقة، والتي حرّمت مزاولة السياسة وعاقبت من يزاولها بغير خط سير تلك الحكومة أو ذلك النظام، كما أن الحكومات السابقة منعت على البعض مزاولة النقد الذي لا يسير وفق خط سيرها ومنعت ذلك على ابناء الشعب كافة رافضة كل فكر أو نشاط يتقاطع مع عقيدتها أو أيديولوجيتها .

ولكن اليوم أنطلق الفكر، وقطع خيوط شرنقته ، فلا حسيب ولارقيب، والحرية متاحة حتى خارج مفهومها وعلى أبعد حدودها، فنرى ابناء الشعب الكردي قد شكّلوا عدة أحزاب سياسية ومنظمات إجتماعية ، نسوية وشبابية وغيرها، فساهم الشعب الكردي بكل طبقاته في المشاركة في العملية السياسية سواء كانت مع أو ضد قيادة الإقليم، نرى مساهمة المرأة كما هي مساهمة الرجل، ومشاركة الشباب كما هي مشاركة الشيوخ، وهي سائرة على قدم وساق بكل همة ونشاط، كذلك التركمان برز منهم رجال تمكنوا من الوصول إلى البرلمان ، كما تمكن عدد آخر من التركمان من تأسيس عدة أحزاب سياسية وبناء منظمات نسوية وشبابية، وكذلك قاعدة إعلامية ، وعند العرب حدث ولا حرج، ولم يكتفِ ابناء هذه القوميات الثلاث على تشكيل هذه الأحزاب السياسية وهذه المشاركات القوية، بل تعدوهم ابعد من ذلك حيث تم تأسيس احزاب دينية سياسية مشتركة، فتأسس حزب الدعوة والمجلس الأعلى وغيرها، أما الحديث عنا نحن أبناء الأمة الكلدانية، فإنه حديث ذو شجون، فما زال المثقف الكلداني يغط في نوم عميق، وهو في حالة سبات فظيعة ومريعة، ويرفض اية مشاركة فعلية في العملية التنموية، او لنقل في عملية النهضة القومية الكلدانية في العراق الجديد، وفي أحسن أحوالنا ندخل في صراع فارغ مع إخوتنا كلدان الجبال، أو هم يجروننا إلى هذا الصراع والغاية منه هو إلهاء مثقفنا عن الإنشغال في ممارسة مسؤولياته الوظيفية التي تتطلبها عملية تحقيق وإنجاز أهداف الأمة الكلدانية في بناء مؤسسات كلدانية والوقوف بوجه المحاولات التي تسعى جاهدة للملمة شمل هذه الأمة .

إن حالة التدهور والضياع التي يعاني منها العراق ليست حالة جديدة، وما يبهرنا من الوضع في بلدان أوروبا مقارنة مع عراق اليوم، هي في غير محلها، فبلدان أوروبا مرّت في نفس هذه الحالة التي يمر بها العراق اليوم، لو عدنا إلى التاريخ قليلاً لرأينا بأن النهضة الإيطالية خفى بريقها في أواخر القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلادي بعد أن تعرضت إيطاليا لغارات الجيوش الألمانية والفرنسية والسويسرية، مما أدى إلى تعرض المدن الإيطالية إلى الغوغاء والنهب والسلب ( كما يحدث في عراق اليوم ) وعلى راس هذه المدن روما، وأخيراً سقطت روما بيد القوات الأوروبية عام 1527م وبذلك أنهارت النهضة تماماً وعادت إيطاليا إلى سابق عهدها، فلماذا لا نقارن إيطاليا عام 1527 بعراق ما بعد عام 2003 ؟ ونرى إيطاليا اليوم بعراق عام 2020 مثلاً ؟

الأمة الكلدانية اليوم ممزقة، مجزأة، منقسمة على ذاتها، بحاجة إلى لمسة مثقف كلداني ، أو شاب أو نصيحة شيخ أو مساهمة النساء، أبناء أمتنا الكلدانية من الرجال والنساء نراهم يحجمون عن المشاركة والمساهمة والإنتماء إلى الأحزاب الكلدانية، بينما نراهم قادة تنظيمات الأحزاب الآشورية، ومؤسسين فاعلين في التنظيمات الآشورية حصراً، وخير دليل على ذلك الألاقشة المنتمين إلى هذه التنظيمات والعنكاويين في كركوك وهناك الكثير من الأمثلة وبالأسماء ولكن نحجم عن ذكر هذه الأسماء إلا إذا تطلبت الحاجة ذلك .

الأمة الكلدانية اليوم مشتتة، البعض من ابنائها قد أنخرط في أحزاب وطنية أممية، والبعض الأخر راى في تنظيمات إخوتنا الكرد مجال لتحقيق مصالحه الشخصية والوصول إلى أهدافه الشخصية، والآخر كما ذكرنا آنفاً أنخرط في تنظيمات تدر عليه أرباحاً مادية، أو تكرمت عليه بمنحه جزء من فتاة موائدها كمنصب صغير، أو من يركض لاهثاً وراء حفنة مال، وبعضهم يرى شخصيته من خلال إرتمائه في أحضان دافئة يضمن فيه قوت يومه لا غير منطلقاً من إيمانه بالصلاة الربية ” اعطنا خبزنا كفاف يومنا “فهو ليس بطامع في جاه أو منصب، ويكفيه ما يحصل عليه وما حصل عليه من منصب ومهمته ونضاله ينصب في كيفية الحفاظ على هذا المكسب الفردي الذي يدر عليه مبلغاً محترماً من المال،أما هويته القومية وشعبه والأمة الكلدانية، فلا تتعدى هذه المفاهيم ( جيبه والدراهم المعدودات) والكلدان في وادٍ وكل هؤلاء في واد، ولم يبق من يدافع عن هذه الأمة ويناضل في سبيل تحقيق أهدافها سوى فئة قليلة أمنت بربها وبما هو مقسوم لها، ونذرت نفسها للنضال من أجل الأمة ضاربة عرض الحائط جميع هذه الملذات الزائفة،

أيها المثقف الكلداني : إلى متى تبقى مكمم الفم ؟ أيها الداخل في دورة سبات عميقة وطويلة، نخاطبك أنت اياً تكون ، نطالبك بقطع خيوط شرنقتك كما تقطعها الفراشة الصغيرة لتنطلق بعدها إلى الفضاء الواسع.

ايها المثقف الكلداني نطالبك اليوم بالإنطلاق في هذا الفضاء ، ففضاء العراق يَسَعَكَ ويَسَعُ إنطلاقتك وإنطلاقة أفكارك.

أيها المثقف الكلداني حاول منذ اللحظة اللقاء مع نخبة من الشباب حتى لو كانوا ثلاثة، حتى لو كانوا من أهل بيتك، ناقش معهم كيفية ترتيب أي أمر ، ناقش معهم هويتك القومية ومصير شعبك الكلداني، أشعل فيهم روح الحماسة للعمل القومي، أشعرهم بأنهم معنيون بالمشاركة في النضال القومي لأجل مستقبل شعبنا وأمتنا ضمن العراق الواحد الموحد ، أطلب منهم الحضور مرتان في الأسبوع ، أجلسوا جلسة سمر واشربوا الشاي وتناقش معهم ، تأكد ممن تختار، كوّن منهم طليعة لتكون فعلاً طليعة لأمة عريقة، أطلب منهم أن يجلبوا في المرة القادمة صديقاً واحداً، أطلب منهم أن يضعوا أفكارهم وما يجول فيها على الورق، حتى لو كانت كلمتين، أرسم، خطط، اقترح، لكي تستطيع بناء ما تريد.

أنفجر الحزب الديمقراطي الكلداني ، ولكن إنفجاره لم يأتِ بنتيجة، فالقادة الذين تركوا مقاعد النضال في الحزب، أنقسموا إلى عدة شظايا، فمنهم من أنتمى إلى أحزاب أخرى، ومنهم من تقوقع وجلس في بيته ينتظر مصيره، وفئة أرتضت لنفسها الركون في زاوية من زوايا البيت المظلمة، وسجنت نفسها في شرنقة حاكت خيوطها بنفسها بعيداً عن عالم السياسة، ومنهم من ترك العمل النضالي إلى الأبد، لماذا يا إخوتي !!!! وبهذا خَفَت صوتهم وذهب بريقهم وخسرتهم أمتنا الكلدانية على الصعيدين النضالي والسياسي، ولكن من خلال مراحل حياتنا السياسية تعلمنا وعشنا إنشطار أحزاب، وهذه حالة ليست غريبة، ولكن إنشطارهم كان يولّد أحزاباً جديدة،

إن إنشطار الأحزاب يتولد نتيجة تقاطع آراء قادة الحزب الواحد ، وهكذا كانت تشكيل الأحزاب الكردية والعربية والأممية والدينية وكذلك هو حال المذاهب في الأديان،

أيها المثقف الكلداني : اقطع حالة السبات هذه، توكل على الله وأنهض من كَبْوَتِكَ، فلكل حصان كبوة ولكل رجل هفوة، ألتحق بالركب فوراً، فها هو صوت الحادي يعلن عن بدء المسيرة الجديدة، نحن بحاجة إليك أيها المثقف الكلداني، فالأمة الكلدانية تنتظر من أبنائها أن يخرج منهم قائداً وربما تكون أنت القائد فلا تستهن بقدراتك وإمكانياتك، فالذين أسسوا أحزابا في الماضي لم يكونوا بمقدرتك وكفاءتك، ولم يكونوا أحسن منك، فالجلوس في البيت والتباكي على أطلال الماضي ليست من شيمة المثقف الكلداني

ونحن بالإنتظار .

نزار ملاخا

19/12/2012

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *