هل تمكن النسر الأيراني من نتف ريش النسر الأمريكي في العراق ؟ بقلم : فلاح علي

أنطلق في النظر لمجمل الاوضاع في العراق الى ابعد من عملية تشكيل الحكومة , التي خضعت لصراع قوى دولية وأقليمية منها محور أمريكا وايران – وتركيا والسعودية وسورية . وبعد هذا الصراع والمناورات والجدل الطويل تم الاتفاق على محاصصة طائفية وقومية لتشكيل الحكومة . رغم انها لم ترى النور بعد إلا أنها نتاج توافقات هذه القوى , مع وجود خصوصية للدور الايراني في هندسة وصنع الشكل والمحتوى, هذا ما نقلته وكالات الانباء ومحللون سياسيون استراتيجيون قريبين من مراكز صنع القرار , أي جاء شكل الحكومة الحالي إنتصار للارادة الايرانية , وهذا مايثير تساؤلات ومخاوف على مستقبل الديمقراطية والعملية السياسية في العراق .

 

ومن هذه التساؤلات المشروعة :

1- امريكا لديها قوات في العراق وايران لاتملك قوات عسكرية في العراق وصراع القوى في العراق محسوم للولايات المتحدة الامريكية ,إذاّ لماذا خضعت الولايات المتحدة للارادة الايرانية في مسألة تشكيل الحكومة الحالية ؟

2- وبنفس الوقت لدى أمريكا قوات في الخليج ولديها مصالح استراتيجية وحلفاء ثابتون هم دول الخليج العربي ,إذاَ هل التوافق الايراني – الامريكي حول تشكيل الحكومة في العراق  له ابعاد خليجية أيضاَ ,من خلال خلق بيئة جديدة في العراق والمنطقة يكون فيها دور لايران في أمن الخليج وفي الامن الاقليمي ؟

3- لا سيما وأن هناك متغير آخر قادم عند سحب القوات الامريكية من العراق في نهاية عام 2011 وبهذا سيكون ميزان القوى لصالح ايران , هل هذا مؤشر على استجابة الولايات المتحدة لبعض الاوراق التفاوضية الايرانية حول مشروعها النووي ؟ هذا مجرد افتراض بناءَ على مؤشرات , ان صح ذلك فهذا يؤكد على ان النسر الامريكي نتف ريشه و إنهزم في العراق في صراعة مع النسر الايراني .

4- هل ان امريكا بصنعها هذه البيئة الجديدة , إنها تهدف من وراء  ذلك لجعلها ذريعه لأبقاء جزء من قواتها في العراق ؟ بحجة تغيير موازين القوى لصالح ايران الذي يشكل خطر على مصالحها في المنطقة  و تسوقه بان هذاالخطر يهدد مستقبل النظام السياسي في العراق .

5- لماذا الآن إزداد وتناما الدور الايراني في العراق وفي منطقة الخليج والشرق الاوسط ,  وفاق عما هوكان علية أبان حكم الشاه الذي كان متحالفاَ آنذاك مع الولايات المتحدة الامريكية ؟

بلا شك أن هذه البيئة الجديدة التي أوجدتها أمريكا في العراق والمنطقة تتحمل الكثير من التساؤلات , هذا أولاَ وثانياَ يتطلب التوقف عند اسبابها وثالثاَ تأثيراتها أي نتائجها على العراق والمنطقة . وقبل هذا لا بد من الاجابة على السؤال التالي :

 

هل أن أمريكا في عملية تشكيل الحكومة  إنهزمت أمام الارادة الايرانية ؟

من وجهة نظري أرى أن النسر الايراني لن يتمكن الى الآن من هزيمة النسر الامريكي في العراق  , وأن الدورالامريكي كان مؤثر واضح وموازي للدور الايراني في إخراج وهندسة هيكل وطبيعة وشكل ومحتوى الحكومة الحالية . وذلك من خلال فرضه ( لمجلس السياسات الوطنية العليا) . وهي بهذا تدحض كل الادعاءات التي اطلقتها القائمة العراقية وبعض الاوساط وعدد من المحليين , بأن أمريكا تخلت عن حلفائها في العراق المقصود بحلفائها ( اياد علاوي والقائمة العراقية) وخذلتهم وسلمت العراق لايران .  صحيح كان لايران دور واضح في تشكيل الحكومة لكن من وجهة نظري أن أمريكا قد إنتصرت لحلفائها في العراق بفرض هذه التشكيلة التي خلقت توازن لصالحهم . وأرى أن الولايات المتحدة الامريكية لديها معطيات وحقائق أن أي حكومة ترأسها القائمة العراقية فأنها ستهزم , لان إيران ترفضها وقادرة على خلق أجواء غير مستقرة في العراق , تؤدي بالنتيجة إلى الفشل والاطاحة بأي حكومة تشكلها القائمة العراقية سواء رئسها أياد علاوي أو غيره . وبهذا فأن الولايات المتحدة أزاء مصالحها في المنطقة لاتراهن على دور أياد علاوي وقائمته , وارتباطاَ أيضاَ بسحب قواتها في عام 2011 , فان القائمة العراقية غير قادرة على خلق الاستقرار في العراق في ظل الدور الايراني . فجاء الانتصار الامريكي للقائمة العراقية بخلق توازن في تشكيل الحكومة العراقية بتشكيل المجلس الوطني للسياسات العليا هذا أولاَ وثانياَ ضمان عدد مناسب من المقاعد الوزارية في التشكيلة الحالية للقائمة العراقية . وبهذا تمكنت أمريكا ايضاَ من إعطاء دور للتحالف الكوردستاني في تشكيل الحكومة , وتكلل الدورالكوردستاني بنجاح مبادرة السيد مسعود البارزاني رغم موقفهم بعدم التنازل عن رئاسة الجمهورية . وبهذا أكدت أمريكا لحلفائها في العراق والمنطقة أن النسر الامريكي تراجع وقدم تنازلات ولكن لم ينهزم ولم ينتف ريشة بعد من قبل النسر الايراني .

 

تشكيل الحكومة دخل ضمن الورقة التفاوضية في الحوار الامريكي الايراني :

إذا كان الحوار الامريكي الايراني حول البرنامج النووي الايراني قد إنحصر في إطار اللجنة السداسية , لكن تميزت العلاقات الامريكية الايرانية آنذاك بالتوتر, وبفوز أوباما في رئاسة جديدة للولايات المتحدة الامريكية , أطلق مبادرة حسن النوايا مع ايران وبهذا أراد تحقيق نجاح في خلق الثقة بين الدولتين , فوجهة رسالة سلام لايران وذلك في 20-3-2008 ,من خلال دعوة الحكومة والشعب الايراني إلى إنهاء عقود من العداء والدخول في حوار . هذه الرسالة تؤشر إلى ظهور استراتيجية جديدة للولايات المتحدة الامريكية فيها متغير في العلاقة مع ايران . فقد جاء التفاهم الامريكي الايراني حول العراق هو إمتداد للغة الحوار التي أطلقها الرئيس الامريكي أوباما .

هنا يطرح سؤال : إذا أمريكا استجابت للورقة الايرانية في تشكيل الحكومة العراقية فهل ستستجيب لاوراقها الاخرى من أجل إيقاف برنامجها النووي من خلال الحوار؟

هناك أوراق عديدة تلعب بها ايران : وبما ان مصالح ايران الاقليمية والدولية تتطلب في كل جولة مفاوضات ان تطرح شروط جديدة واوراق جديدة مع نفس تفاوضي اطول .

من  وجهة نظري هناك اوراق ضاغطة معلنه وغير معلنه تحتفظ بها طهران منها .

1- شكل الحكم في العراق وليس فقط تشكيل الحكومة .

2- ورقة حماس وحزب اللة ودورهما في الخارطة الجديدة في المنطقة .

3- الدور الايراني في الامن الاقليمي الخليجي .

4- الدور الايراني في خارطة الشرق الاوسط الجديد .

5- دورها في افغانستان .

6- هناك اوراق تلعبها تتعلق بدورها  بمناطق النفوذ في افريقيا واماكن أخرى في العالم .

7- قد تطمح بدور في السياسة الدولية كما تطمح لهذا الدور الهند واليابان .

8- إمتيازات إقتصادية وتجارية وتكنولوجية وعلمية .

السؤال هو : هل تستجيب وتلبي الولايات المتحدة الامريكية لكل الاوراق والشروط الايرانية التي تطرحها طهران لاجل ايقاف تخصيب اليورانيوم ؟ رغم أن هناك كثير من الامتيازات التي ستقدمها الولايات المتحدة الامريكية كسلة الحوافز لتشجيعها على إيقاف برنامجها النووي , ولكن ما يهم الشعب العراقي هو الدور الايراني في العراق هل ستستجيب له امريكا ام تحدده بشروط ؟

 

الدور الايراني في العراق ومستقبل النظام الديمقراطي فيه :

كما هو معروف في علم العلاقات الدولية , أن السياسة الدولية تحكمها مصالح هذا أولاَ وثانياَ هذه العلاقات الدولية تتعرض لمتغيرات سريعة ومفاجئة أي إنه لاتمتاز بالثبات وثالثاَ تتصف العلاقات الدولية بالتعقيد وبالتشابك ويصاحبها انعطافات وتغيرات مفاجئة مع انها متنوعة تأخذ مجالات متعدددة .ايران لن تتوقف لحظة واحدة لتأمين مصالحها في العراق , وإمتلاك عناصر القوة فيه وتغيير موازين القوى لصالحها , دون الانتظار لاقامة تفاهمات مع الولايات المتحدة كما حصل في مسألة تشكيل الحكومة , ولكن ايران تدرك ان ضمان مصالحها في العراق على الصعيد الاستراتيجي ,لا يمكن ان تتحقق إلا بصفقة مع الولايات المتحدة الامريكية .

1- أكدت تجربة العراق ان ايران هي احد اللاعبيين الاساسيين في العراق , ولكن ما يقلق شعبنا , هو الترتيبات ما بعد تشكيل الحكومة اي هل سيكون لها دور في رسم مستقبل العراق السياسي والاقتصادي وتحديد طبيعة نظامة السياسي .

2- ما تعرضت له الحريات الشخصية في العراق من اعتداء وتجاوز وانتهاك , رغم ان الدستور كفلها وضمنها , ولكن يلاحظ ان حركة التجاوز على الحقوق والحريات هي في تصاعد متواصل , ابتدأت بمجلس محافظة بابل بالغاء مهرجان الموسيقى , وانتقلت الى البصرة بمنع مجلسها عرض سيرك وانتقلت الى بغداد باغلاق مجلسها ومحافظها النادي الاجتماعي للاتحاد العام للادباء والكتاب , ثم انتقلت إلى وزارة التربية باصدار الوزارة قرار في 7-12-2010 حسب ما نقلته وكالات الانباء بايقاف الدراسة بمادتي المسرح والموسيقى في معهد الفنون الجميلة وازالة التماثيل الفنية الابداعية من مدخل المعهد .

3- هذه الاجراءات التصاعدية تعيد الى الذاكرة تجربة الاسلام السياسي في الحكم في بلدان عدة , تؤكد التجربة انها خطوات مدروسة, تهدف الى تقويض النظام الديمقراطي في العراق على المدى القادم , ولكن السؤال هو هل تتمكن ايران من خلال ادواتها باقامة نظام ديني في العراق ؟ ان واقع العراق يختلف عن اي بلد آخر ولا يمكن اقامة نظام ديني في هذا البلد المتعدد القوميات والاديان والافكار والمعتقدات . ومع هذا لاتوجد تجربة لحكم ديني قبلها وإرتضاها اي شعب من هذه الشعوب التي خضعت لسيطرة الاسلام السياسي في الحكم. بلا شك ان القوى المعادية للديمقراطية كانت غير موفقة عندما اختارت هذه الفترة للبدأ بهجومها على الحريات الشخصية, وشجعها لكشف نواياها المعادية للديمقراطية بوجود متغيرات داخلية واقليمية ودولية تصورت خطئاَ أنها ضمنتها لصالحها , ومع هذا صحيح انها تستهدف جس نبض القوى والجماهير المعارضة لهذه الاجراءات , ولمعرفة ردود أفعالها على الصعيد الداخلي الرد الشعبي والعالمي والاعلامي , لتقرر بعدها ان تتواصل في انتهاكاتها للحقوق والحريات أم تتوقف لفترة من الزمن لغرض المناورة واللجوء الى آليات جديدة في مصادرة الحقوق والحريات , لكنها كانت غير موفقة لانها لاتستطيع ان تضع نفسها فوق الدستور الذي صوت عليه الشعب . لكنها معركة مصيرية بدأت ملامحها واختار اعداء الديمقراطية زمان ومكان خوضها .

ومع هذه التداعيات الواقع العراقي يؤكد انه لا تزال هناك امكانيات  بيد قوى الشعب تمكنها من وقف هذه الانتهاكات , لوجود عناصر قوة ليس بمقدور قوى الردة من إمتلاكها والسيطرة عليها .

 

عناصر القوة التي يمتلكها الشعب وقواه الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني :

1- عناصر القوة القانونية وهو الدستور العراقي , حيث خصص الباب الثاني للحقوق والحريات بما فيها الحريات الشخصية وهناك فقرات قانونية تضمن وتكفل هذه الحقوق والحريات .

2- وجود قضاء عراقي مستقل , حيث جاء في المادة (19) في الباب الثاني من الدستور ( القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون ) .

3- المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان التي وقع عليها العراق , ومنها اتفاقيات عام  1966التي ضمنتها الامم المتحدة الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والقسم الآخر خاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية .

4- الامم المتحدة حيث هي الراعية لبناء العملية السياسية في العراق .

5- توجد ارادة لدى القوى الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني ومثقفي الشعب , للقيام بالنشاطات الجماهيرية السلمية , وتشكيل قوة ضغط جماهيرية على الحكومة والبرلمان ودفعهم للانتصار للدستور ومن خلال القانون بالتوجه للمحكمة الاتحادية لمقاضاة المتجاوزين على الدستور.

4- ان جماهير الشعب هي مصدر وينبوع وروافد لهذه القوة المتنامية .

5- الجهات التي صادرت الحريات الشخصية , هي غير قادرة في الدفاع عن قراراتها امام القانون لانها إنتهكت الدستور الذي هو القانون الاساسي في البلد .

6- هناك سلطات سيادية في البلد , وهي رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية والبرلمان والقضاء , هذه السلطات مسؤولة امام الشعب على حماية الحريات التي كفلها الدستور , إذا كانت هذه القوى ومعها العامل الاقليمي تراهن على تحييد رئيس الجمهورية , علماَ إنه سبق ان وقف مع الطائفيين في تغيير قانون الانتخابات وساهم بانتاج قانون لاديمقراطي , فان هذه الانتهاكات هي اختبار جديد لرئيس الجمهورية ليؤكد للشعب مصداقيته في الدفاع عن الحقوق والحريات وتطبيق الدستور وبناء النظام الديمقراطي . وقد تراهن هذه القوى على تحييد رئيس الوزراء ايضاَ بسبب عدم تشكيل الحكومة بعد , فانها لاتستطيع ان توقف تحرك البرلمان لغرض حماية الدستور , وفي نفس الوقت انها غير قادرة على الصمود امام القضاء  فالمحكمة الاتحادية هي الجهة القانونية في البلد القادرة على حماية الدستور .

كما ان الولايات المتحدة الامريكية هي معنية بهذا الاختبار الجديد امام شعبها وامام الامم المتحدة والراي العام العالمي , حيث انها رفعت شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان , رغم ان الواقع العراقي أكد إنها شعارات تسويقية , وان شعبنا لا يثق بالولايات المتحدة لبناء نظام ديمقراطي في العراق , ومع هذا في حالة سكوت الولايات المتحدة الامريكية على انتهاك الحريات , فأن هذا يعني ان الولايات المتحدة الامريكية قد ساومت على العراق وشعبه ومستقبل نظامة السياسي الديمقراطي , وتبقى الثقة بالشعب كبيرة وفي القضاء العراقي , وبقدرة قوى التيار الديمقراطي ومنظمات المجتمع المدني على وضع حد لهذه الانتهاكات للحريات الشخصية التي كفلها وضمنها الدستور .

11-12-2010

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *