هل تبادر البطريركية الكاثوليكية الكلدانية لجمع سياسيي شعبنا من الكلدان والسريان والآشوريين حول مائدة مستديرة ؟

الكثير يعزون اسباب الضعف الذي يعتري اوصال الشعب المسيحي من الكلدان والسريان والآثوريين ، وما حل بهم من مآسي وتهجير وإرهاب ، يعزون تلك النتائج الى سبب واحد وهو تشرذمنا الى قوميات او طوائف وأحزاب ، وهم يرون انه لو كاان بيننا وحدة متراصة لما حل بنا هذا الواقع المزري ولبقي الشعب المسيحي صامداً في مدنه وقراه ، ولما تفشت ظاهرة الهجرة بين تلك الأوساط ، وإن هذا الحديث يتكرر بشكل دائم ، الى درجة انه اصبح مملاً ، لكن يبقى موضوع الوحدة بين مكونات الشعب المسيحي شعاراً يتسم بالجاذبية لدى اوساط واسعة من المسيحيين ، وذلك نظراً لما يطال هذا المكون من ظلم وتشريد واستهداف في وطنه العراقي . ونحن نقف مع هذا الجانب الوحدوي على ان لا يكون مسيّراً او إقصائياً لأي طرف من الأطراف .

بعد هذه المقدمة اعود الى عنوان المقال ، حيث شكل انتخاب البطريرك لويس روفائيل ساكو الكلي الطوبى انعطافة جديدة في مسيرة البطريركية الكاثوليكية للشعب الكلداني ، إن كان على مستوى المؤسسة الكنسية الكاثوليكية الكلدانية او على نطاق توحيد الصف والكلمة للكنائس المسيحية في العراق ، كما كانت هنالك تحركات وخطوات ملحوظة لغبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الكلي الطوبى للتقارب مع الكنيسة الآشورية . لكن تبقى مسألة الهجرة وتفريغ الوطن العراقي من المكون المسيحي من الكلدان والسريان والآشوريين من التحديات الكبيرة التي تواجه البطريركية ، وفي الحقيقة ان البطريركية ادركت ان هذه المعضلة منوطة بالوضع العام في العراق لا سيما الوضع الأمني ، حيث ان فلتان الأمن وشيوع العنف ، الذي يستهدف الحلقات الضعيفة في المجتمع فيكون في مقدمة ضحاياه ابناء الأقليات الدينية والقومية والتي تعتبر الحلقات الأضعف في نسيج المجتمع العراقي .

هكذا أدرك غبطة البطريرك الى الناحية المهمة وهو يعلم إن مسألة الهجرة متعلقة بالوضع العام والوضع الأمني في العراق ، وهذه بدورها منوطة بشكل كبير في العملية السياسية المتعثرة في العراق وهي نتيجة حتمية للخلاف السياسي بين اقطاب الأحزاب والكيانات المشتركة في تلك العملية ، هكذا استطاع غبطة البطريرك من جمع هؤلاء الأقطاب حول طاولة واحدة ، كما قدم المكون المسيحي مبادرة لحلحلة الأوضاع السياسية في العراق ، لكن جرى التعتيم عليها ولم ترى تلك المباردة النور لكي يطلع عليها افراد الشعب .

بهذا الكلام اريد ان اصل الى نتيجة ان البطريركية تستطيع ان تعمل الكثير بما يصب في مصلحة شعبنا ، وقد تكون هذه المبادرة خطوة في الأتجاه الصحيح لرأب الصدع المستشري حالياً بين سياسيي وقادة شعبنا .

وإذا نظرنا الى الخلف سنلاحظ ثقافة مشتركة تشكل الأرث الحضاري لتلك المكونات ، الكلدان والسريان والآثوريين وينبغي ان تكون المجال الطبيعي الذي يجمعهم ويجمع اهدافهم ورغباتهم ، لأنها الصلات التي تربطهم اجمعين بالعالم من حولهم فالمجال الديني واللغوي من السمات المهمة لتكوين الثقافة المشتركة .

هذا من ناحية اما إذا نظرنا الى الجانب الآخر من المعادلة وهو الجانب السياسي ، سنلاحظ على صفحتها انعكاسات التناقضات في المواقف وتضارب المصالح وتطفو على السطح الصراعات والمصالح المكبوتة .وهي المحك الذي تختبر عليه الخطابات السياسية المختلفة لكل فريق ، والسؤال هنا هل نستطيع مغالبة ما يجمعنا على ما يفرقنا ؟ هنا تكمن اهمية أوجه ومجالات التعاون . برأيي المتواضع ان الجانب الآثوري سوف يمتنع عن الدخول في المعادلة كونه يحتكر كل الأمتيازات لنفسه إن كان المركز او في اقليم كوردستان فلا يريد ان يتنازل من ذلك الموقع المتميز ، وإذا ذهبنا ابعد في تحليل الواقع سوف نلاحظ بعض الأخوة من الكتاب الكلدان او من الموالين لتك لتلك الأحزاب نلاحظ استقوائهم على بني جلدتهم بتلك الأحزاب المتنفذة مركزين على ما يسمى الشرعية الأنتخابية ، فجرى الأستئثار بكل الأمتيازات بشكل مستفز وغير حصيف ، وجرى إهمال وتهميش اي اشتراك جدي او تمثيل متوازن لبقية القوى السياسية إن كانت كلدانية او سريانية والتي لها خطاب سياسي وقومي مستقل بمنأى عن هيمنة الأحزاب الآشورية المتنفذة .

ان الجانب السرياني منقسم على نفسه ، منهم من ربط مصيره مع المجلس الشعبي ، ويستفيد من امتيازاته وقدراته المالية والجانب الذي له رأي مستقل لا زال يحبو في المعادلة السياسية . وهذا ينطبق الى حد ما على المكون الكلداني الذي طاله الغبن من الناحية السياسية بعد سقوط النظام عام 2003 م .

العبرة هنا تكمن في الدور الذي تستطيع البطريركية الكاثوليكية الكلدانية ان تلعبه في هذا المضمار ، لا ريب ان اي تقارب في المواقف وفي وجهات النظر سيكون له صداه الأيجابي بين ابناء شعبنا وعلى نطاق الساحة السياسية العراقية وفي اقليم كوردستان ، ويمكن ان نشكل كتلة متراصة مهمة على المسرح السياسي . وبنظري ان البطريركية حينما افلحت في جمع اقطاب السياسة العراقية رغم التناقضات والتناحرات بينهم ، فسوف لا يكون عسيراً عليها ان تجمع القادة السياسيين لشعبنا حول مائدة مستديرة واحدة ، لوضع اسس من التعاون والتفاهم ، وبمنأى عن اي توجهات إقصائية لأي طرف من الأطراف . الكلداني يحضر محتفظاً بهويته الكلدانية والسرياني والآشوري كذلك كل منهما يعتز ويفتخر بهويته ، بهذه العقلية الحكيمة وبفضيلة قبول الآخر كما هو ، نستطيع ان نبني اسس راسخة للتعاون الثقافي والسياسي .

إن ما يطلق عليه اليوم تجمع الكلداني السرياني الآشوري ، لا يشكل ارضية صالحة للتعاون الندي المتكافئ ، ولهذا يجب ان نبحث عن آفاق جديدة للتعاون والعمل سوية ومن منطق التساوي بين الكلدان والسريان والآثوريين ، وبعيداً عن تسلط الأقوياء الذين يمسكون بيدهم المال والأعلام . هذه الأرضية الصالحة للعمل يمكن العثور عليها تحت رعاية البطريركية الكاثوليكية الكلدانية الموقرة وبمباركة بقية الكنائس ، لأن البطريركية الكاثوليكية الكلدانية وبقية الكنائس يهمها جداً وحدة الشعب المسيحي على ارضه ، وأن يكون متحداً قوياً وإن قوة هذه الكنائس هي بقوة شعبها ، اما إذا هاجر هذا الشعب فماذا يكون مصير كنائسه وأديرته ومدارسه ؟ ومن المؤكد ان الجميع يدرك ان خطراً هائلاً يهدد وجودنا على هذه الأرض التي هي ارض آبائنا وأجدادنا ، ويستهدف العصف بكياننا اجميعن دون تمييز .

ولهذا انا اقترح على البطريركية الكاثوليكية الموقرة ، وهي تسير بتعجيل وزخم قوي ، ارتأي ان تتوجه الكنيسة الى هذا الجانب وتضع ثقلها به ، لكي يكتسب اهمية كبيرة ويصبح الجميع امام مسؤولياتهم التاريخية ، فتجتمعم تحت سقف واحد وحول مائدة مستديرة ، واضعة الخطوط العريضة للحوار البناء والتعاون الأخوي وعلى اسس راسخة يقبل ويعمل بها الجميع .

د. حبيب تومي في 15 ـ 09 ـ 2013

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *