موقف الكنيسة من الخلية الصناعية الجديد

في 21 مايس 2010 الماضي تبارت الوكالات العالمية للاخبار في نقل خبر عن اهم انجاز علمي حديث، مفاده استطاع فريق من الباحثين الامريكيين بقيادة العالم كريج فينتر في صناعة اول خلية حية عن طريق نقل وتجميع اكثر من مليون من الصباغات الوراثية (كروموسومات DNA) في خلية اخرى (مضيفة). واستطاعت هذه الكروموسومات تقوم بالسيطرة التامة على هذه الخلية (المضيفة)  بعد ان فقدت هويتها القديمة بكامل اجزائها لتصبح خلية جديدة ذات خصائص جديدة حسب الكروموسومات المضافة اليها في المختبر والاستمرار في نشاطها. واطلق العالم كريج فينتر على هذه الخلية الحية بالخلية الصناعية. حيث ي  قول : ” فإذن بدأنا بخلية حية التي تم تحويلها الى نوع جديد من الخلية الصناعية.”

 

                   صورة لخلية الحية

 ويعد هذا الاكتشاف احد اهم الانجازات العلمية في القرن الحادي والعشرين. بعد اكتشاف خريطة الهندسة الوراثية قبل حوال عشرة سنوات و اجراء عملية استنساخ النعجة  (دوّلي)، وستكون هذه بداية لعلم جديد وكبير ومهم سماه هذا العالم بعلم ( البايوتكنولوجي).

 

 

الاهمية العلمية لهذا الاكتشاف:

حول سؤال عن مدى اهمية هذا الانجاز العلمي وتطبيقاته لصالح الانسانية والبيئة.

اجاب العالم كريج فينتر:” بان تطبيقاته ستكون عظيمة على مسيرة الانسان وصراعه مع الطبيعة فيمكن انتاج نوع من الكائنات الحية المبرمجة لانتاج وقود خال من كاربون اوانتاج نوع من بكتريا تمتص ثاني اوكسيد الكاربون من الطبيعة او في انتاج لقاحات خاصة ضد امراض معينة  او انتاج نوع جديد من الاطعمة او نوع من مصادر مياه الشرب النظيفة”.

  لكن العالم كريج اعترف بخطورة تطبيقاتها في حالة وقوعها في أيادي شريرية مثل ذوي الرغبة في انشاء معامل لصناعة الاسلحة البايولوجية، حينها يمكن ان تخلق دمارا شاملا للطبيعة والبشرية.

ماذا كان تقيم العلماء والمجتمع لهذا الانجاز؟:

 اجرت كثير من وسائل الاعلام  لقاءات مطولة مع رجال الدين وعلماء الاجتماع وشخصيات علمية وسياسية بارزة في عملية تقيم هذا الانجاز العلمي. فكان يشوب رد اغلبهم تحفظ كبيربسبب خطورته خوفا من استخدام هذا الانجاز في طرق غير اخلاقية تجلب الدمار لنظام البايلوجي المتزن الموجود في الطبيعة والذي استغرق اكثر من ثلاثة مليار سنة، لكن احدهم قلل من خطورتها اعتبرها مرحلة بدائية جدا .

على الرغم من اعتراف اغلب العلماء في وجود ايجابيات جمة من هذه الاكتشافات والاختراعات والابداعات وان اغلبها لصالح الحياة نفسها لكن في نفس الوقت يعتبر العلماء بهذا الاكتشاف أن الانسان عبر الخط الاحمر وبدا يتلاعب بالمباديء الاساسية المسؤولة عن جوهر الحياة على الكوكب الاخضر مثل صنع خلية حية او استنساخ الاجنة او الاجهاض .

 فهم ينصحون  من الافضل للانسان ان يميل الى حماية الطبيعة والسير بموازات خطتها دون القفز فوق نظامها او تعجيل من خطواتها او تغير اتجاه الخط العام فيها. ويرون ان الانسانية لازالت بعيدة عن مستوى الشعور بالانا الشاملة الكبيرة التي تضم بين جناحيها كل انواع الحياة وتنظر اليها بنظرة موضوعية شاملة . وربما طبيعة الانسان لم تصل الى هذه المرحلة من الطور التي  يشعر فيها الانسان بالمسؤولية الاخلاقية اتجاه الاخرين وحماية حقوقهم . لهذا هناك خطورة حقيقية لمثل هذه الانجازات العلمية الكبيرة على كل انواع الحياة.

اذا اردنا التحدث عن امثلة في التاريخ عن انحراف التطبيقات عن الهدف لعلمي الاصلي للاختراع ، ليس هناك مثال افضل من قصة اكتشاف الديناميت من قبل العالم  الكيميائي السويدي الفرد نوبل  في القرن التاسع عشر الذي كان هدفه شق الطرق والجداول وبناء السدود المائية وفتح المناجم،  وبالتالي التقليل من الجهد والصعوبة عن كهل الانسان. لكن بعد فترة قصيرة اكتشف انه كان مخطأ، حيث استخدم الانسان الديناميت (بارود من نترات كليسرين) الذي اكتشفه في تدمير المدن والحروب فاصبح من اشد الاسلحة المستخدمة في قتل الانسان في القرن العشرين لاسيما في الحربين العالميتين الاولى

 والثانية وفاقت سلبياته من ايجابياته بكثير. وحينما راى الدمار الذي جلبته يداه أعترف بخطئه ، قرر منذ ذلك اليوم بتبرع جميع امواله الى انشاء مؤسسة تحمل اسمه (جائزة نوبل) تمنح احسن اختراع او اكتشاف او عمل انساني اوانجاز فكري لصالح الانسانية. هناك القصص الكثيرة من هذه النماذج و تحت اشراف  الاكاديمية الملكية السويدية  للعلوم.

الكنيسة وموقفها من الاختراعات العلمية :

  لم تبدي الكنيسة الكاثوليكة رأيها الرسمي في هذا الموضوع  بصورة رسيمة لحد الان بسبب حداثته، الا ان المراقبين يتوقعون ان الكنيسة ستقف ضد هذا الإكتشاف مرة اخرى كما حصل في المناسبات الاخرى وقد خرجت بعض التصريحات البدائية من بعض مواقع الالكترونية المسيحية(1)  ان سبب في هذا الرفض هو المبدا الذي اعتمدته الكنيسة بعد المجمع الفاتيكاني الثاني في القضايا السابقة مثل الاجهاض واستنساخ الاجنة، حيث ان الكنيسة الكاثوليكية تنظر الى هذا الموضوع بنظرة مختلفة عن التي يراها العلماء والمفكرين، نظرة غير براغماتية او وقتية ، نظرة مبنية على حماية جوهر الحياة وح

  ط كرامة الانسان وحقه الطبيعي في الوجود (ذلك ما بدأت تنادي به احزاب حماية البئية في ربع الاخير من القرن الماضي)، اي تحقيق العدالة الشاملة، فكل فرد في نظرها هو مخلوق لله ومنه اخذ نسمة الحياة (2)، فإذن ليس من حق اي كائن اخر القضاء عليها، ولهذا وقفت الكنيسة  ضد الاجهاض، والاعدام المجرمين، ووقفت ضد عملية استنساخ الاجنة البشرية. لهذا بلا شك ستكون ضد خلق خلية حية صناعية التي قد يوما ما قد تختلط مع الخلية الحية التي خلقها الله قبل بلايين السنين عبرت مراحل عديدة  لحين بلوغها هدفها الحالي في شخصية الانسان الحالي وبقية الكائنات الحية الموجودة في الطبيع

   كما وجهها الله الخالق بتأثير قوانين الطبيعة.

دور الاخلاق في حماية الحياة من الانجازات العلمية:

عندما  كان البابا الحالي بندكتس السادس عشر رئيس مجمع الايمان في زمن السعيد الذكر يوحنا بولص الثاني وفي محاضرة له عن نظرية التطور في جامعة سوربون التي نشر مقتطفات منها في كتاب له تحت عنوان (3) (Truths and Tolerance)الذي صدر في 2004 م، اشار الى ضرورة مشاركة العلوم الانسانية كلها في كشف الحقيقة النهائية لمسيرة هذه الحياة والطبيعة ، ولكن شدد على انه لا يمكن اي منها الانفراد في صياغة التعبير النهائي لها لوحده، وان اي تفسيرلا يستطيع يوضح الهدف من وجود الاخلاق بوضوح تام ، تكون هذه المحاولة غير موضوعية وغير صحيحة ولا ينتظرها الا الفشل التام .

 

فإذن الكنيسة على حق حينما تقيم قضية ما  مثل هذا الموضوع وتنظر اليها بنظرة موضوعية شاملة وفاحصة، وتربط بين النقطة الاولى مما ذكر في سفر التكوين الى اخر اكتشاف انجزه العلماء . وان استمرار وجود الاخلاق  والضمير في التربية المسيحية من قبل العائلة هما صماما امان لاستمرار الحياة بهدوء وسلام على هذا الكوكب الاخضر الصغير في هذا الكون الواسع غير المحدود.

 

 

 

1-            LOS ANGELES, CA (Catholic Online) – “If it is used toward the good, to treat pathologies, we can only be positive” Monsignor Rino Fisichella, the Vatican’s top bioethics official said in a television report. “If it turns out not to be … useful to respect the dignity of the person, then our judgment would change.”

2-            A top Italian cardinal, Angelo Bagnasco, said the invention is “further sign of intelligence, God’s gift to understand creation and be able to better govern it.

3-            (Every explanation of reality that cannot at the same time provide a meaningful and comprehensible basis for ethics necessarily remains inadequate……….). Ratzinger, Evolution, Truth, Tolerance

 

 

                                                                              الصبغات الوراثية في DNA

 

                      د كريغ فينتر ود هاملتون سميث   المشرفان على البحث

 

الخلية المركبة الصناعية

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *