مواقعنا التاريخية الكلدانية حلقة جديدة في سلسلة أشورة الكلدان

 

 

 خاص كلدايا نت

القسم الأول

في منتصف تسعينات القرن المنصرم أعلنت الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية على لسان مثلث الرحمات غبطة البطريرك مار روفائيل الأول بيداويد عن مشروع أعمار كنيسة كوخي (البابلية) بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي كانت تضم شعبة متخصصة بأسم شؤون الأوقاف المسيحية، لكن ظروف الحصار المفروض على العراق آنذاك حال بين رغبة البطريركية الكلدانية الكاثوليكية وأعمار (كنيسة كوخي) التي تأسست بصفتها كنيسة عالمية (كاثوليكية) مشرقية، حيث كانت مقراً بطريركياً لآباء الكنيسة الرافدية منذ بنائها في حدود العام 70م حتى عام 799 م، عندما قام البطريرك طيمثاوس الأول الكبير 780-823م بسبب تغيرات جيوبوليتكية ألمت بالمنطقة إلى نقل مقر بطريركية كنيسة (كلدان الرافدين) أي (كنيسة المشرق) المتنسطرة (عهدذاك) إلى بغداد عاصمة العباسيين في عهد الخليفة المهدي 755-785م، وبديهي أن البطريرك طيمثاوس الأول (كلداني القومية) من مواليد (حدياب / أديابين الكلدانية) في حدود العام 728م. علماً أن حدياب وتكتب بالأكدية (أربع إيلي) بينما تقرأ (أربا إيلي) بمعنى الآلهة الأربعة، هيّ ذات جذر برتوكلدي بدلالة أسمها الذي يرجع إلى الكلدان الأوائل، مع أن أقدم النصوص المسمارية المكتشفة حتى الآن تعود إلى الملك السومري الشهير شولكي 2094-2047 ق.م، إلى جانب نصوص بابلية / آشورية.

فذلكة تاريخية :

قد تبدو الفذلكة التاريخية التالية مفصلة بعض الشيء بخاصة لمن يهتم بالقراءات السريعة، ذلك أن ما يهمني هنا (قبل أن أعرج على مسألة أشورة المواقع الكلدانية) هو توضيح خاصية (وطنية الكلدان الرافديين) التي تميزهم حتى اليوم عن جميع الأقوام التي سكنت وادي الرافدين (شاء ذلك البعض أم أبى).

أن وفاء كلدان الرافدين وولائهم (قديماً وحديثاً) أرتبط بحدود البلاد التي أسسها أسلافهم (بيث نهرين/ العراق الحديث)، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يهمني (وبشكل لا لبس فيه) توضيح مسألة هامة يتغافل عنها الكثيرون، لا سيما سياسيو المحاصصة والتوافقية، وهيّ إستغلال النساطرة المهجرين من تركيا وإيران إلى العراق من قبل جهات محلية ودولية، كرأس حربة لإحتواء وتهميش الوطنيين الكلدان وضرب شرعيتهم في وطنهم الأم (وادي الرافدين).
لذلك أعتقد جازماً، بأنه ينبغي على جميع العراقيين الذين يؤمنون بوحدة العراق أرضاً وشعباً، أن يفهموا ويستوعبوا هذه الفروق الهائلة ما بين كلدان الرافدين (الرافديين حد النخاع منذ العصر المجهول) وبين نساطرة حيكاري وأرميا الذين أستوردهم الإنكليز في عام 1918م، ولا يترددون للحظة عن بيع ولائهم لمن يجاريهم في وهمهم في البحث عن (وطن بديل) عن تلك البلدان التي ضيعوها بخيانتهم.

الحق، لقد بلغ السيل الزبى بالكلدان في ظل هذا التجاهل الحكومي (المقصود) في المركز والإقليم، لا سيما وأن التحديات الخطيرة التي يواجهها كلدان اليوم لا تتحمل المجاملة أو المساومة، فهيّ بالنسبة لنا نحن الكلدان (بالمعنى القومي الواسع والدقيق للكلمة) مسألة (وجود)، وبمعنى أشد وضوحاً لشركائنا في الوطن العراقي، مسألة (حياة أو موت)، ومن هذا المنطلق أقول: أن من ليس معنا فهو علينا.

*****

معروف لجميع المختصين بالتاريخ الكنسي الرافدي بأن كلدان الرافدين في (إقليمي بابل وآثور) قد توقفوا عن إستخدام الأسم القومي (كلدان) بعد تقبلهم للبشارة المسيحية بسبب إرتباط تسمية الكلدان (القومية) بالعهود القديمة (الوثنية)، حيث أستبدلوه بأسم سوريايي (سريان باللغة العربية) أي مسيحيون (تسمية دينية) تعبيراً عن ولائهم للدين الجديد الذي جاءتهم بشارته عن طريق سوريا، وفي الجيل الخامس أتبع الرافديون الكلدان (المتسرينون) البدعة النسطورية (تخلصاً من أذى الحكام الفرس) وتجنباً لأتهامات هؤلاء الحكام للمسيحيين الرافديين بالخيانة ومولاة معسكر الرومان وكنيسة روما الكاثوليكية، حيث كانت الدولة الرومانية آنذاك في حالة عداء وحرب ضروس مع دولة الفرس المجوسية التي كان يقع في حدودها (كرسي كنيسة المشرق) في قطيسفون/ ساليق في إقليم (بابل).

وقد بقي مقر البطريركية بعد إنتقاله إلى عاصمة العباسيين عامراً، قبل أن ينتقل في عهد البطريرك يهبلاها الثالث إلى مراغا ومنها إلى أربيل، ثم كرمليس والموصل والجزيرة، ليستقر بعدها في دير الربان هرمزد في جبل ألقوش التابع لقرية ألقوش الكلدانية وذلك عام 1554م. ولعل أفضل من كتب بهذا الشأن هو سيادة المطران سرهد جمو في موضوعه الموسوم (كنيسة المشرق بين شطريها) والذي يمكنكم قراءة تفاصيله على الرابط:

http://www.kaldu.org/1_chandean_church/patriarchate.htm

بسبب التاريخ الوطني المشرف للكلدان المزكى عام 1887م بالطرة/ الطغراء العثمانية أيام مثلث الرحمة البطريرك مار إيليا عبو اليونان علاوة على مواقفهم الوطنية العديدة، فقد أخذ ملوك العراق من الأسرة الهاشمية مكانة الكلدان بنظر الإعتبار، حيث تسنم كل من داود اليوسفاني وعبد الجبار الخياط (الكلدانيان) منصب وزارة دولة في أول وزارة عراقية وطنية، وتسنم د. حنا الخياط (الكلداني) منصب وزير الصحة في الوزارة العراقية الثانية، أما الشخصية العراقية الكلدانية المعروفة، المؤرخ الكاتب والعالم يوسف رزق ألله غنيمة فقد تسنم منصب عضو مجلس إدارة (لواء بغداد) عام 1922م ونائباً في (المجلس التأسيسي العراقي) عام 1924م الذي كان من بين مهامه الرئيسة مناقشة الضوابط الإقتصادية والعسكرية مع المملكة البريطانية، ثم تسنم منصب وزير المالية في حكومة عبد المحسن السعدون الذي أثبت فيه جدارة عالية، مما أهله لتسنم مناصب وزارية في سبع وزارات عراقية وطنية، كما كان لهذا العالم الكلداني الجليل شرف إصدار جريدة (صدى بابل) عام 1925م بالإشتراك مع الصحفي (الكلداني) المعروف داود صليوا، وتسنم روفائيل بطي وزارة الدعاية والصحافة (الثقافة والإعلام)، علماً أن بولينا حسون (الكلدانية) كانت أول أمرأة تصدر مجلة نسائية عراقية هيّ مجلة (ليلى) عام 1927م. أما على صعيد الفنون التشكيلية فيعد عيسى حنا دابش (الكلداني) شيخ الرسامين العراقيين وأحد المؤسسين الكبار الأوائل للحركة الفنية الحديثة في العراق.

بديهي أيضاً، أنه مع التباشير الأولى لتاريخ العراق الحديث، أكدّ حكام الدولة العراقية آنذاك على إيمانهم بالعراق، كما تميزوا بنظرتهم الموضوعية والوطنية إلى كافة فصائل الشعب العراقي، يلوح ذلك جلياً في خطبة الملك فيصل الأول في (مدرسة الأليانس اليهودية) بتاريخ 18 تموز عام 1921م عندما قال مخاطباً كل العراقيين: لا شيء في عرف الوطنية أسمه مسلم ومسيحي وإسرائيلي، بل هناك شيء يقال له العراق، ويستطرد في خطبته الوطنية تلك حتى يصل إلى شعاره العراقي المعروف… (لا فرق بين المسلم والمسيحي واليهودي)، وأنا لا أطلب من أبناء وطني العراقيين إلا أن يكونوا عراقيين.

وبسبب الدور الكبير الذي لعبه الكلدان في ضم (ولاية الموصل) إلى العراق، لاسيما دور غبطة البطريرك مار يوسف عمانوئيل الثاني توما ونائبه المطران مار يوسف السابع غنيمة (البطريرك لا حقاً) والقس (المطران لاحقاً) سليمان الصائغ مؤلف كتاب (تاريخ الموصل) الموسوعي الذي قدم لعصبة الأمم حقائق مثبتة عن عائدية ولاية الموصل إلى العراق، فقد لبى عاهل العراق الملك فيصل الأول رغبة البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني وقام شخصياً بزيارته في دير مار أوراها عام 1931م (قرب الموصل)، محبة وإعتزازاً من ملك العراق بدور الكلدان الوطني وتعبيراً عن إعجابه بخطاب غبطة البطريرك في الوفد الأممي الذي قدم إلى العراق لتقصي الحقائق، ذلك الخطاب الجريء والعميق الذي ساعد بشكل كبير في رسم ملامح خارطة العراق الحديث.

ولأن الكلدان (بالمعنى القومي للكلمة) وطنيون وغيورون على وطنهم الأم العراق، فقد كانوا كما أشرت آنفاً في مقدمة الذين تم الإستعانة بهم في بناء الدولة العراقية الحديثة، فكان منهم وزراء وأعيان (البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني توما والبطريرك مار يوسف السابع غنيمة) ونواب برلمانيون أمثال (د. سليمان غزالة ورؤوف شماس ألّوس والخوري يوسف خياط) ومدراء عامون ورؤساء جامعات وموظفون كفؤون شغلوا مناصب عليا في الدولة والوظائف المهمة الأخرى، من أطباء وعلماء وأساتذة وفنانون تشكيليون وسينمائيون ومسرحيون وفوتوغرافيون وصحفيون وكتّاب مبدعون. أقرأ المزيد من التفاصيل في كتابيّ الموسومين (الكلدان منذ بدء الزمان) الصادر في عام 2004م وطبعته المنقحة 2008م وكتاب القصة غير المروية عن سكان العراق الأصليين/ الكلدان الصادر باللغة الإنكليزية عام 2012م:

The Untold Story of Native Iraqis

وقد بقي حال الكلدان على هذا المنوال من الرفعة والإحترام حتى بعد أستيراد نساطرة حيكاري أورميا وإسكانهم في مخيمات تابعة للجيش الإنكليزي في بعقوبة والموصل وكركوك وبغداد، إذ بقي دور نساطرة حيكاري وأرميا وحضورهم هامشياً، وذلك بسبب إنعزالهم عن سكان البلد الجديد (العراق) الذي آواهم بعد أن (لفظهم) الأتراك والفرس لعدم معرفتهم باللغة العربية لغة العراق الرسمية، وبسبب عدم تحدثهم بلغة العراق الرسمية هذه التي يعدونها (لغة أجنبية) ترسخت هامشيتهم في الحياة العراقية، ومما ساعد على تلك العزلة أيضاَ، إقامتهم في الأحياء الخدمية التابعة لثكنات ومعسكرات جيش الإحتلال البريطاني وكانتونات (كيتوات) نائية ومعزولة عن بقية العراقيين، وإيضاَ بسبب مولاتهم المعروفة وتبعيتهم الذيلية للإنكليز.

أما التأثيرات التي تركها هؤلاء (النساطرة) المرحلون من تركيا وإيران على الشارع العراقي فكانت جلّها سلبية، بخاصة سلسلة القلاقل التي أثاروها حيثما حلّوا بسبب همجيتهم وصلافة سلوكهم الجبلي، لاسيما في كركوك، مما أنعكس سلباً على المسيحيين العراقيين بشكل عام. وإلى ذلك يشير المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني في نصٍ ملخصه: ( بأن المسيحيين العراقيين مسالمون مخلصون للعراق وميالون للثقافة بعكس الوافدين – نساطرة حيكاري وأورميا- المنعزلين وصنّاع الفتن)، ومعروف أيضاً بأن بعض من هؤلاء النساطرة من أتباع سورما خانم (المتخلفون) يتحملون وإلى حد كبير نتائج مذبحة سميل التي يطلق عليها المؤرخون العراقيون تسمية (فتنة الآثوريين).

وبرغم تاريخ القلاقل والفتن ذاك، قام حكام العراق البعثيين بالعفو عن خيانتهم للعراق في 25 كانون أول عام 1972م ومنحهم الجنسية العراقية، ضمن مؤامرة ما تسمى (إعطاء الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية)، التي كانت الغاية منها (ضرب الشرعية القومية الكلدانية) وإحتواء الكلدان ضمن البوتقة العربية الشمولية، بما يتلائم والعقلية الفاشية لحزب البعث العربي، ومن أجل تمرير هذه المؤامرة أستخدم البعثيون أبواق عروبية معروفة أمثال الدكتور بهنام أبو الصوف (رحمه ألله)، الذي تم إرساله في جولات مكوكية للتغرير بالكلدان وإيهامهم بأن الكلدان وبضمنهم (سريان العراق والآثوريين) هم (مسيحيون عرب)، ولعل خير شاهد على واقعة التغرير تلك، محاضرة الدكتور بهنام أبو الصوف في يوم الخميس الموافق 14 أيلول عام 1989م في قاعة ساوثفيلدمانر/ متروديترويت.

إلا أن الحضور الكلداني في العراق لم يتراجع ويتصدع، إلا في ظل تراجع النفس الوطني العراقي ونمو الفكر الشوفيني العروبي وتنامي حدة الصراع الطائفي السني الشيعي أواخر عقد السبعينات ومطلع عقد ثمانينات القرن المنصرم الذي شهد مأساة الحرب العراقية-الإيرانية التي كسرت البلدين، حيث أستغل المتأشورون الوضع اللاوطني الجديد للنفوذ من خلاله إلى صناع العراق وممارسة ألعابهم السياسية التي نشأوا عليها للإلتفاف على سكان العراقيين الأصليين (الكلدان)، لا سيما بعد فرض مناطق حظر الطيران في شمال وجنوب العراق عام 1991م، الذي أنسحبت فرنسا منه عام 1996م، مع ذلك، فقد تواصل حتى تغيير عام 2003م وكان من بين إفرازاته الخطيرة تصاعد المد الإسلامي المتطرف بتمويل وهابي سعودي، علاوة على تسلل المتأشورين إلى قمة الهرم السياسي العراقي بعد إقصاء الكلدان من الواجهة السياسية، ومما ساعدهم في ذلك تعفف القادة الروحيين من الدخول في ميدان السياسة وخلو الساحة العراقية من التنظيمات السياسية الكلدانية، وذلك لعدم قناعة المثقفين القوميين الكلدان بالتخلي عن شعار الكلدان الوطني التقليدي (العراق لكل العراقيين وكل الكلدان للعراق).

وبرغم هذا التراجع في الدور الكلداني الذي بدأ مع أنهيار الحكم الملكي وترسخ بعد إنقلاب عام 1963م، لا سيما بعد بزوغ نجم الدكتاتور السابق صدام حسين وخاله الفاشستي السلفي (طلفاح) منتصف سبعينات القرن المنصرم، إلا أن ذلك التراجع الدراماتيكي لم يؤثر البتة في صميمية العلاقة التي تربط الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وشرعية إنتمائها لإقليم بابل، الذي نشأت فيه بطريركية كوخي (ذات الأصل الكاثوليكي/ العالمي) وأمتدادتها المتمثلة اليوم في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية (الكنيسة الرافدية الشرعية الوحيدة)، مع هامش شرعي تمثله (الكنيسة السريانية الكاثوليكية)، التي هيّ جزء لا يتجزء من الأمة الكلدانية الرافدية.

أما مؤمني الكنيسة السريانية الأرثدوكسية العراقية، فأنهم (رافديون كلدان) رغم تبعيتهم طقسياً لكنيسة إنطاكيا إلا أنهم (عراقيون أصلاء) لا يربطهم بسريان سوريا وأقباط مصر الأرثدوكس والأرمن الأرثدوكس الوافدين إلى العراق عام 1918م غير رابطة تشابه الطقس السرياني الأرثدوكسي الإنطاكي.

وبطبيعة الحال، فأن هذا الإنتماء الرافدي الكلداني/السرياني هو ما تفتقر إليه (كنيسة المشرق الآشورية) ومقرها الحالي شيكاغو، التي لا تمت بإيما صلة بإقليم بابل، كما أنها من الناحية العملية قد قطعت وشائجها في القرن السابع عشر بالعقيدة المسيحية الأصلية التي تأسست عليها (كنيسة كوخي) في بابل في النصف الثاني من القرن الأول للميلاد.

أن كنيسة المشرق الآشورية هيّ في حقيقة الأمر (كنيسة طورانية) النشأة، بدأت غريبة في (قوجانس) مع نكوص شمعون الثالث عشر دنحا عن عقيدة الكنيسة العالمية الجامعة، وتعيش اليوم غريبة في (شيكاغو) وستنتهي غريبة، بسبب تحولها إلى (دكان سياسي)، ناهيكم عن مشاكلها التقليدية وطبيعة نشأتها العشائرية المريبة!

أن ما يمنح القدرة لرعايا هاتين الكنيستين للتواجد في محيط قمة هرم صنّاع القرار العراقي والغربي، هو دهاء المتأشوريين السياسي الذي يقوم منذ مطلع تسعينات القرن المنصرم (بدعم إقليمي ودولي)، على خلط المفاهيم عند العامة ممن لا يميزون بين الفوارق الكبيرة والبون الشاسع ما بين التاريخ القومي للشعوب وبين تاريخ المؤسسات الكنسية.

هذا الخلط ما بين المفاهيم الذي يستخدمه المتأشورون بدهاء، يهدف وبشكل رئيس إلى بناء تصور مغلوط مفاده هو، أن كنيسة المشرق (البابلية الكلدانية) ذات التقليد الرسولي العالمي، هيّ ذاتها كنيسة نساطرة حيكاري الذين أضافوا لها في سينهودس عام 1975م التسمية الآشورية التي (منّ بها عليهم) البريطانيون من أتباع الكنيسة الإنكليكانية المعادية للكثلكة. أما الغاية الرئيسة من إلصاق هذه التسمية (المشرق القديمة) بهؤلاء الحيكاريين والأورميين، فهي لإيهام الآخر (عراقياً، إقليمياً ودولياً) بأن أتباع الكنيستين البابلية/ الكلدانية القديمة (كنيسة كوخي) وأتباع هذه الكنائس (الطورانية) هم آشوريون (قومياً) خلافاً لكل الحقائق التاريخية، من أجل تحقيق وهمهم في إقتطاع سهل نينوى من العراق التاريخي (وادي الرافدين)!

الجدير بالذكر هنا أن نسطرة كنيسة كوخي لم تكن أكثر من (مرحلة إنتقالية) في تاريخ كنيسة المشرق (الكلدانية البابلية) المباركة التي بدأت بصفتها كنيسة رسولية عالمية (كاثوليكية) بطقوس مشرقية، قبل أن تغزوها البدع والهرطقات النسطورية والمونوفيزية واليعقوبية، لتعود ثانية على يد الكلدان الكاثوليك والمتسرينين إلى نبعها الكاثوليكي (العالمي) مع إستقلالية تتعلق بطبيعة ممارسة طقسها المشرقي.

حري بالذكر هنا أيضاً، أن تلك الكنيسة الغريبة (كنيسة المشرق الآشورية) التي عانت وتعاني حتى اليوم من مشاكل شقاق كبيرة، قد تأسست عملياً في قوجانس / تركيا في حدود العام 1670م، أي بعد أكثر من 1600 عام على تأسيس كنيسة كوخي (البابلية/ الرافدية)، يقودها اليوم مار دنخا الرابع خننيا المولود عام 1935م في دربندوخ لعائلة نسطورية مهجرة من نوكيا / حيكاري، وبديهي أن مار دنخا الذي كان مطراناً في (طهران) قد تسنم منصبه هذا بعد أغتيال البطريرك مار شمعون الثالث والعشرون إيشاي، الذي تمت تصفيته أمام منزله في سان هوزية/ كاليفورنيا.

من هذه الكنيسة الغريبة أنفصل عام 1968م المطران (المعزول) مار توما درمو المولود في مقاطعة (رضائية / إيران)، والذي تم جلبه من الهند بدعم (حكومي عراقي) ليحمل لقب بطريرك على كرسي سلوقيا – قطيسفون لكنيسة المشرق القديمة، أما سبب حمله لذلك اللقب الغريب (المشرق القديمة) الذي لا يمت بأيما صلة بالحيكاريين والأورميين، فقد كان من أجل إعطاء (شرعية) لكرسي هذه الكنيسة التي تأسست في العراق خلال ثلاثة أشهر!
السبب الرئيس الآخر، كان من أجل الإستيلاء على أوقاف كنيسة المشرق الآثورية بمرسوم بعثي، لقطع كل وشائج كنيسة مار درمو (المستحدثة) بكنيسة مار شمعون الثالث والعشرون ومار دنخا الحيكارية الغريبة عن بيث نهرين (العراق).

من نافلة القول هنا، أن مار درمو (الإيراني الأصل) وجميع أبناء كنيسته (المصنعة في العراق) التي أطلق عليها تسمية (المشرق القديمة) عام 1968م، كانوا على يقين تام بأنهم أصلاً من أحفاد نساطرة حيكاري وأرميا الذين أستوردهم الإنكليز عام 1918م.
علماً، أن كنيسة المشرق القديمة هذه التي لا يتجاوز عمرها (أربعون عاماً ونيف) ولا يتجاوز نسبة رعيتها في العراق نسبة 2.5% من نسبة المسيحيين العراقيين، يقودها البطريرك مار أدي الثاني جيورجيوس الذي أنتخب عام 1969م بعد وفاة سلفه مار درمو ومقر كاتدرائيته في كنيسة مار زيا في بغداد.

الخلاصة:

يتبين لمن يرغب في مراجعة تفاصيل وتواريخ الكنائس الأربعة عشر المعترف بها اليوم في بيث نهرين (العراق) بأن كنيسة بابل على الكلدان هيّ (الممثل الشرعي الوطني الوحيد) لكنيسة (كوخي) مع هامش تمثله كنيسة السريان الكاثوليك، لذلك قامت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية العراقية في منتصف عقد التسعينات بالإتصال برئاسة الكنيسة الكلدانية للتعاون مع وزارتي الأوقاف ووزارة السياحة والآثار للإشراف على ترميم هذا المعلم الرافدي العالمي العريق.

وكان هذا الدافع (شرعية كنيسة الكلدان الكاثوليك) العامل الرئيس في تشجيع القاصد الرسولي لزيارة سماحة السيد علي السستاني، مرجع الشيعة الأعلى في العراق والعالم، مع وفد كلداني للإطلاع على الآثار المسيحية التي طواها النسيان، من كنائس وأديرة كانت (بلاد بابل الكلدانية) في الفترة المسيحية عامرة بها لقرون عديدة خلت.

في القسم الثاني من هذا الموضوع سأتناول تفصيلياً خطوات (أشورة) مواقعنا الكلدانية الرافدية (الدينية والتاريخية)، مثلماً سأسلط الضوء على أهمية الإستيلاء على الوقف المسيحي والديانات الأخرى من قبل يونادم كنّا، لتمرير مؤامرة تجزئة العراق على أسس عرقية وطائفية، كما سأعرج على إشكالية زيارة قداسة الحبر الأعظم للعراق، وأهميتها (إذا ما تمت) من الناحية السياسية، لتمرير مؤامرة المتأشورين في إقتطاع سهل نينوى، إذا ما عجزت رئاسة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية عن قطع دابر هذه المؤامرة (الشريرة).

للمزيد حول مسعى الكنيسة الكلدانية لترميم (كنيسة كوخي) وزيارة القاصد الرسولي مع وفد مسيحي إلى النجف والحيرة أقرأ:

http://baretly.net/index.php?topic=11230.0

الكنيسة الكلدانية تسعى لترميم اقدم كنيسة في العراق

http://mangish.com/news.php?action=view&id=2021

قداس مسيحي في الحيرة للمرة الأولى منذ 1500 عام

خاص كلدايا نت

عامر حنا فتوحي
مختص في مجال (التاريخ الرافدي)
مستشار أول في حقل (المجاميع الدينية في العراق والشرق الأوسط)
www.amerfatuhiart.com

مقترح شعارات للحملات الإنتخابية القادمة

من يقف في صف كنّا وآغجان فأنه مشارك في تهميش وإستلاب حقوق الكلدان

يونادم كنّا وآغاجان كفتا ميزان لضرب مصالح مسيحيي العراق ولاسيما الكلدان

من يتعاون مع كنّا وآغجان فكأنه يطلق النار على الكلدان

To Yonadam Kanna & Sarkis Aghajan

You can put lipstick on a pig but it is still a pig

To Kanna & Aghajan

IF YOU WANT TO REPRESENT YOUR OWN PEOPLE,
YOU HAVE TO GO BACK TO HAKKARI, TURKEY & URMIA, IRAN

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *