مهما تنوعت الديكتاتوريات فهي واحدة

تسود العديدَ من بلدان العالم العربي حالاتٌ ثورية وإن كانت تتفاوت من حيث الشدة والعنفوان، فقد نتج عنها انهيار لبعض أنظمة الحكم المستبدة، ولا يزال البعض الآخر يتحدى معتمداً على استخدام أشد وسائل العنف والقمع الوحشي الدموي مع وعدٍ بإجراء إصلاحات تغلب عليها صفة المراوغة والمماطلة، مصراً على البقاء والإستمرار، ولكن مثل هذه الأساليب لا يمكنها كسرَ إرادة الجماهير الشعبية الثائرة أو ثنيها عن عزمها على اقتلاع هذه الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة من أساسها، لأن بقاءَها أصبح منبوذاً ومرفوضاً من قبلها، وتوقها الى الحرية والديمقراطية لا حدَّ له ولا ي

مكن ايقافه، وفي الحقيقة فإن هذا هو دليل على تطور الوعي السياسي والإجتماعي لديها، وفرته لها الثورة المعلوماتية العملاقة التي مَـدَّتها بسبُل التواصل والتحريك الجماهيري للتصدي لتلك الأنظمة العاتية رغم تعاملها الصلف مع شعوبها .

لم يقتصر المد الثوري الذي يجتاح المنطقة العربية على دك أسس الأنظمة الديكتاتورية فحسب، بل وجَّه إنذاراً لكل تنظيم يعتمد الفكرالشمولي يمينياً كان أو يسارياً أن يراجع ذاته، فالأجيال الصاعدة من الشباب بوسعها الوصول الى المعلومات بسهولة بفضل التقنيات الحديثة وتستطيع التأثير بتفاعلها اليومي وتواصلها الإجتماعي، ولن يخفى عليها ما يدعيه رئيس تنظيم بأن بقاءَه على هرم الرئاسة لمدةٍ طويلة لم يأتِ عن طريق القوة أو استخدام وسائل خاصة وإنما نزولاً عند رغبة الأعضاء، وليس غريباً هذا الإدعاء فقد استخدمه قياديو الأحزاب اليسارية في البلدان العربية، لك�

� يلقي هذا القائد أو الحاكم باللائمة على الذين لم يرغبوا بتغييره، وأنه بذلك غير مسؤول عما آل إليه مصير حزبه أو بلده من التردي والفشل السياسي .

قد يكون لبعض القادة اليساريين عذر لتوليهم مركز القيادة لعقدٍ أو أكثر من السنين، حيث يُعلمنا الواقع بأن عدداً منهم قد ضحى بالكثير، وطاله الإعتقال وشتى أنواع التعذيب الى الحد أن الموت كان مصير بعضهم، ولذلك لا يمكن مقارنتهم بمستبدي وديكتاتوريي المنطقة العربية، ولكن شيئاً واحداً لا يمكن التسترعليه وهو تشابههم من حيث المفاهيم وأساليب الإدارة والتنظيم، وعلى السواء إن كان ذلك في نظام حكم مستبد أو تنظيم سياسي، وفي حالة تسلم قائد التنظيم السلطة في بلده، فإنه يتحول حتماً الى حاكم مستبد ويعتمد نظام حكم ديكتاتوري شمولي، وقد شاهدنا نماذج من هذا الق�

�يل في بلدان المنظومة الإشتركية والأقطار العربية ذات التوجه الإشتراكي .

لقد تخلت بقايا الأحزاب اليسارية في العالم الغربي عن ممارسة اسلوب التنظيم الشمولي المستند الى آليات عمل وإدارة بالية اعتُمدَت في أوائل القرن العشرين، ولكن العديد من أحزاب اليسار في العالم العربي وللأسف ما زالت تتبع ذلك الأسلوب الشمولي مشوباً بجزء يسير من الديمقراطية دون أن يجري أي تغيير في الجوهر.

والظاهرة التي أشرنا إليها فيما تقدم تعود أسبابها الى عوامل كثيرة منها: عدم ممارسة العملية الديمقراطية داخل التنظيمات الحزبية، وإن مورست ففي نطاق محدود وحسب هوى القيادات، وهذا يتنافى وتبادل حوارات علنية ومؤثرة .

إقتداء قادة التنظيمات السياسية في الأقطار العربية بحكامها وملوكها من حيث التشبث بمنصب القيادة، بحجة عدم وجود بديل لهم ورغبة الرفاق ببقائهم .

فرض توَجُّهٍ فكري واحد على التنظيم، وغالباً ما يكون فكر السكرتير العام، ومَن يطرح فكراً مخالفاً أو ينتقد الفكر المفروض يتعرَّض للطرد أو الإقصاء.

عدم السماح بتشكيل كُتل داخل التنظيمات. الإختلاف في الرأي وعدم الإتفاق مع القيادة، تترتب عليهما العقوبة كالتنبيه أو التجميد أو الطرد .

انعدام التحضير الجيد عند قيام هذه التنظيمات بعقد مؤتمراتها، وهي تُعقد عادةً لتكريس وتثبيت القيادات القائمة

إن هذه العوامل لها تأثير سلبي على مسيرة هذه التنظيمات السياسية من حيث عدم تطور الفكر لديها والقصورفي ادائها السياسي بسبب عدم استخدامها للتقنيات الحديثة، وعدم تجدد خطابها السياسي ليواكب المستجدات الحاصلة على الساحة وهذا يؤدي الى تراجع شعبيتها . ولذلك فعلى هذه التنظيمات أن تضع على جدول اهتماماتها: تطبيق مباديء الحرية والديمقراطية والمسواة وحقوق الإنسان، والدعوة الى التداول السلمي للسلطة الى جانب احترام الرأي الآخر، فهي جزء من النضال الديمقراطي العام. إن واجب هذه التنظيمات الدفاع عن مصالح الشعب وأن يكون دورها ذا تأثير جـدي .

الدكتور كوركيس مردو

في 11 / 6 / 2011

You may also like...