مهازل منتحلي الأشورية المزيفة

إنها ظاهرة لا سابقة لها في التاريخ، رجل انكليزي واحد أنكليكاني المذهب يُدعى”وليم ويكرام”  رَئِسَ بعثة كنيسته كنيسة كانتيربري استطاع خدع قوم موغل في متاهات الجهل والتأخر كان قد انعزل عن إخوته أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية واتخذ له ملاذاً في منطقة هيكاري الجبلية نكاية بهم لأنهم قاموا بتصويب مسيرة كنيستهم المأساوية في منتصف القرن السادس عشر،  وحرَّروها من عبودية واستبداد رئاستها العشائرية المتحكمة برقاب أبنائها جاعلين منهم عبيداً لمدة قرون.

تمكن هذا الثعلب الداهية أن يلعب دوراً قذراً في حياة اولئك البسطاء فقلبها رأساً على عقبٍ منذ أن وطئَت أقدام بعثته التبشيرية ظاهرياً والإستخباراتية سِرّاً موطنَ هؤلاء القوم عام 1884 حيث عمل على تجريدهم من قوميتهم الكلدانية ولكنه فشل في تغيير مذهبهم النسطوري الى المذهـب الأنكليكاني، واعتبر فشله هذا صدمة له وكظم غيظه ولكنه لم ينسَ الثأر له ولكن بإسلوبٍ ذكيٍّ لم يفطنوا له بل إستمرأوه عندما أبلغهم بأن حكومة مملكته المتحدة قد أعطت لهم وعداً بإنشاء وطن قومي لهم، ولكن ليس باسمهم القومي الكلداني المعروفين به ” كلدان نساطرة ” ولذلك عليهم أن ينبذوه وي    بنوا عوضاً عنه اسم” آثوريون نساطرة ” لكي يكون بالمستطاع ربطُه بأسم آشوريي التاريخ القدماء الذين عاشوا يوماً على جزءٍ من أرض العراق، وعلى هذا الأساس انصاع الكلدان النساطرة الإنعزاليون ورضخوا لإرادة العميل الإنكليزي” وليم ويكرام ” وقام أحفادهم في العقود المتأخرة من القرن العشرين المنصرم بتسمية أنفسهم بالآشوريين .

كتبت هذه المقدمة الوجيزة جداً لكي أدخل الى عنوان المقال” مهازل منتحلي الآشورية المزيفة ” فمنذ انخداع آبائهم بوعد المملكة المتحدة الكاذب بإنشاء وطن قومي لهم طَـلب الخادعون منهم الإنخراط في العمل السياسي تمهيدا لنشر البدعة الأشورية ثم دفعوهم للثورة على حكومتهم وكان ذلك سبباً لصيرورتهم حطباً لأطماع الإنكليز حيث قضى العثمانيون على أكثر من نصف عددهم، فاضطر الإنكليز على الإتيان بهم الى العراق الواقع تحت هيمنتهم الإستعمارية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وفي العراق بدأ بعض المتزمتين منهم بإنشاء حركات تمردية ضِدَّ حكومة العراق وبتحريض من أس    ادهم الإنكليز الذين بدورهم نقلوا أخبار هذه التحركات التمردية الى الحكومة العراقية وهو ما عُرف بالدور المزدوج للمستعمر الإنكليزي، ونتيجة لهذا الدور القذر تمخضت مأساة سميل التي راح ضحيتها حسب عدة مصادر ما لا يقل عن 350 فرداً من الرجال والنساء والأطفال، وسُمح لعدد لا بأس به من الناجين بمغادرة العراق الى سوريا ولبنان .

ومنذ هذه الحادثة المأساوية لم يتوقف متزمتو الوافدين طرداً من تركيا الباقين منهم في العراق عن العمل السياسي في الخفاء ساعدهم في ذلك موقع الغالبية منهم في المناطق الجبلية البعيدة عن مرأى الحكومات العراقية المتعاقبة وفي نهاية السبعينات من القرن العشرين المنصرم شكلوا أول نواة سياسية سرية باسم ” الحركة الديمقراطية الآشورية ” وبعد فترة قامت جماعات اخرى بتشكيل أحزاب سياسية اخرى منافسة، ولكن الحركة الديمقراطية الآشورية المعروفة بـ “زوعا” لم تُعِر اهتماماً لهذه الأحزاب لأنهم يحملون نفس الفكر السياسي وإن اختلفوا معها في العمل والإسلوب .

ولذلك ركَّزت جُلَّ اهتمامها وبشتى الطرق الملتوية على إلغاء القومية الكلدانية وإن لم يتحقق لها ذلك فلا مفرَّ لها من احتواء أبناء الأمة الكلدانية، وأيدتها الأحزاب الآشورية في هذا الهدف لأنه هدف مشترك لجميع منتحلي الآشورية المزيفة بلا استثناء، ومهما تعددت الخلافات فيما بينهم ففي المسألة الكلدانية تزول هذه الخلافات وتتفق الآراء. ولو استطاع أي كلداني الإصغاء الى أحاديثهم في غرف البالتوك لسمع ترديد ما يؤرقهم ليل نهار” لو نجح الكلدان في الحفاظ على قوميتهم مستقلة ستكون ضربة قاضية للآشوريين ” لأننا نحن الآشوريون نفتقر الى الديمغرافية البشرية ب    كل مخيف، والى الأرض الكافية في المنطقة التي نطالب بها، إنهما مشكلتان عويصتان لا يمكن حلُّهما إلا على حساب الكلدان الفقراء بقياداتهم وتنظيماتهم وضموروعيهم القومي، فعلينا السير في مشوارنا الناجح في كسب أبناء الكلدان الى صفنا وبكل الطرق فلا سبيل غيره للوقوف بوجه أيِّ نهوض كلداني كاسح .

ليس من شك بأن نجاح الإنسان في أيِّ مجال يقوي ثقته بنفسه ويدفعه الى إحراز المزيد من المكاسب، وهذا ما فعلته أحزاب منتحلي الآشورية وعلى رأسها التنظيمان الشوفينيان زوعا والمجلس اللاشعبي، عندما استطاعا جعل بعض الأحزاب الكلدانية ذات البنية الضعيفة والقيادات الخالية من الحكمة والشعورالقومي تابعة لهما وتأتمر بأوامرهما نهجاً وتخطيطاً، فراحت تنادي معهما مُجبرة بالتسمية الهجينة المركبة عند تعلق الحديث مع الكلدان في العراق، أما في خارج العراق فأحزاب منتحلي الآشورية وبالإجماع ينادون بالآشورية المزيفة، وهذا أحد أنواع مهازل منتحلي الآشورية!

والمهزلة الأخرى محاولة أحزاب منتحلي الآشورية فرض بعض المناسبات التي سرقتها من الكلدان في وضح النهار لغرض أشورتها وفي مقدمتها رأس السنة الكلدانية “أكيتو” مثالاً وعندما جابههم الكلدان النجباء بفعلهم اللصوصي، إضطروا للقيام باحتفال مشترك مع الكلدان في العراق من دون ذكر التاريخ . أما في خارج العراق فقد واصلت اتباع النهج اللصوصي المشوب بالشوفينية الآشورية .

والمهزلة الثالثة لمنتحلي الآشورية فهي محاولة أحزابهم فرض يوم الشهيد الآشوري وتحويله ليكون يوماً للشهيد الكلداني السرياني الآشوري مسخرين بذلك مأجوريهم من الكلدان الذين لقبهم الناشط الكلداني القدير نزار ملاخا بـ ( الجحوش الكلدان ) ليقوموا بهذا العمل المخزي والشنيع مستلهماً اللقب من الإخوة الأكراد الذين أطلقوا على بني جلدتهم المتعاونين مع الحكومات العراقية الظالمة ضِدَّ أبناء الشعب الكردي لقب ( الجحوش الأكراد ) وكان محقاً وموفقا بإطلاق هذا اللقب على ناكري قومهم وامتهم الكلدانية لقاء دريهمات أداة الخيانة.

نقول لكم أيها الأحبة بأنكم واهمون وخلف الجارين وراء السراب سائرون، صححوا حساباتكم الخاطئة قبل فوات الأوان، انظروا وتأملوا بمدى الخلافات السائدة بين منتحلي الآشورية المزيفة وحول كُلِّ شيء، فهل تتوقعون خيراً من هؤلاء المختلفين، وهل يُغريكم إتفاقهم الوحيد المشؤوم ألا وهو الإتفاق على إلغاء القومية الكلدانية وسلب حقوق أبنائها عن طريق الدسائس والإستقواء بالغرباء؟ إن النهضة الكلدانية قد بدأت وهي في تصاعد مستمر وأمام هذا التصاعد ستنهار جميع حساباتكم التي بنيتم عليها آمالكم بإغراء م  ن المتعلقين بالسراب الآشوري الوهمي والعقيم، فلا تدعوا المجال للتردد سارعوا بالعودة الى أحضان امتكم الكلدانية، لأنكم مهما فعلتم ستشعرون بالغربة وبالهوان بدونها! ! !

الشماس د. كوركيس مردو

عضو الهيئة التنفيذية

للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان

عضو هيئة قيادة التجمع الوطني الكلداني

في 10 /8 / 2011

You may also like...