من هم الإنفصاليون…؟

على ضوء ما يكتبه البعض مـن مواضيع إنتقائية للطعن في كل مـن لا يسير خلف أهوائهم أو لا يوافقهم الرأي من أجل تشويه صورته أمام أنظار أبناء شعبنا من ناحية ومـن أجل الكسب السياسي أو الجماهيري إن كان ملتزما مـن خلال إظهار ذاتـه وكيانه حريصا على وحدة الصف في مقالاته لذا فمن لا يؤيده الرأي يعتبـره مفرقـا وإنفصاليـا. قبـل كـل شـيء يجـب أن يعـرف هـذا النمـط مـن النـاس معنى مصطلـح (الإنفصاليون) الذي إخترعه هواة إختراع التسميات والمصطلحات الرنانة تباعا ممن إعتادوا على إطلاق التهم جزافا. فالإنفصال يعني خروج الجزء عـن الوحدة الواحدة ورفضه لها لسبب ما. ولسنا ندري متى كانت تلك الوحدة الواحدة بين شعبنا قـد تحققت!.

رغم ذلك سأركز هنا على سرد بعض الوقائع دون أن أعود الى التاريخ القديم أي الى ما قبل الميلاد، حرصا على عدم تشويش أفكارالذين يجهلون أو يتجاهلون الحقائـق، ولكي لا أحملهم أكثر من طاقاتهم، لأن الخوض في عمق التاريخ ليس شأن كل من هب ودب ونفخ في بوقه في وسائل الإعلام أو مواقع الأنترنيت.

فلو رجعنا الى القرون الأولى للمسيحية وبالذات الى القرن الرابع حين أعلن الإضطهاد ضد المسيحيين مـن قبل شابور الثاني ملك الفرس والذي طال أربعين عامـا (339 ــ 379 م) فسمي بالإضطهاد الأربعيني، لوجدنا بأن التسمية الوحيدة التي أطلقها مار ماروثا مطران ميافرقين على المسيحيين في بلاد النهرين في الصلاة التي ألفها عن شهداء ذلك الإضطهاد هي كلدايي أي الكلدان دون غيرها من التسميات والتي تتلى في صلوات الرمش أيام الجمع مع صلوات الشهداء والمحفوظة في كتاب الصلوات الطقسية للكنيستين الكلدانية الكاثوليكية والنسطورية التي غير إسمها قبل حوالي أربعة عقود من الزمن الى (الكنيسة الشرقية الآشورية)، (هذه التسمية أيضا تعتبر من التسميات المبتكرة حديثا يجب الوقوف عندها ولكن في مناسبة أخرى).

لقـد إنقسمت أمتنا منذ القرن الخامس الميلادي على نفسها بسبب ما حدث من إنقسامات مذهبية في الكنيسة وفي مقدمتها النسطورية ومن ثم المينوفيزية الأرثودكسية وغيرها من المذاهب الدينية وبذلك تصدع البنيان القومي لنا لا بل تهدم بسبب تمسك كل مجموعة من أبناء أمتنا بمذهبها أكثر من تمسكها بقوميتها، فتحول الإخوة الى أعـداء حتى بلغ الحقد بينهم مرحلة الإقتتال وإيقاع ببعضهم البعض على أعلى المستويات الكنسية لدى الملوك والقادة مـن أصحاب السلطة في العديد من المواقع أو الممالك كمملكة الفرس والمغول والرومان والخلافة العثمانية وهذا مثبت في تواريخ الكنيسة.

لقـد بدأت البعثات الكاثوليكية تتوافـد منذ القرون الوسطى الى بلادنا وهي تحاول إعادة أبناء أمتنا الى مذهبهم أو مرجعيتهم الأصلية أي الى كنيسة روما حيث كرسي مار بطرس، وفي منتصف القرن التاسع عشر شرع المبشرون البروتستانت أيضا بالتوافد الى منطقة الشرق الأوسط ومنها بلاد ما بين النهريـن وإيران وسوريا وغيرها لا لكي يبشروا بين الأديان الأخرى وإنما لكسب المسيحيين في هذه المناطق الى مذاهبهم وإتبع الجميع شتى الوسائل لتحقيق أهدافهم. كان أكثر الوفود البروتستانتية تأثيرا على أبناء أمتنا وقوض وحدتهم، وفـد رئيس أساقفة كنيسة كنتربري البريطانية برئاسة القس (دبليو . ويكرام) حيث كان مدعوما من حكومته أيضا، لأن هدفه لم يكن دينيا مذهبيا وإنما سياسيا وإستخباراتيا. لقد إتخـذ هـذا الوفـد ولاية وان العثمانية وبالذات منطقة هكاري مقرا لعمله وفق ما قررته حكومته، وحل في ديار أبناء أمتنا من الكلدان النساطرة وفق التسمية التي كانوا يحملونها قبل حلول هذا الوفد اللعين بينهم في عام 1884 م، والذين كانوا قـد عادوا ثانية الى النسطورية منذ القرن السابع عشر بعد أن كان بطاركتهم سليلي البطريرك الكلداني الكاثوليكي يوحنا سولاقا. كان جميع الذين يزورونهم من الأجانب يطلقون عليهم تسمية الكلدان النساطرة كإسم عام لهم كما كانوا هم يسمون أنفسهم أيضا، عـدا التسميات العشائرية المواقعية الخاصة بكل فئة منهم. وخير دليل على ذلك ما جاء في ختم السادة بطاركتهم الشمعونيين من عبارة وهي (محيلا شمعون بطريركا دكلدايي) أي (الضعيف شمعون بطريرك الكلدان). وفي هـذا الصـدد يقول الشماس كوركيس بنيامين الآشوتي (نسبة الى منطقة أشيثا في هكاري) في كتابه الذي عنوانه (ريشانوثا) أي (الرئاسة) الذي كان قـد ألفه في شيكاغـو عـام 1987 [كـل الذيـن كانـوا يزوروننـا كانـوا يطلقـون علينا تسمية (الكلدان النساطرة)، أمـا التسمية (ألآثورية أو ألاشورية) فجاء بها هؤلاء الأجانب الذين حلوا بديارنا] ويقصد في عبارة الأجانب، وفـد كنيسة كنتربري البريطانية، وهناك العـديـد مـن المصادر التاريخية الأخرى تنسبهم الى الكلدان وتؤيـد كلدانيتهم.

لقـد شعر مار شمعون روبيل بخطورة وفـد ويكرام هـذا رغم قيام الوفـد بتخصيص مبلغ (7000) جنيه إسترليني سنويا لمكتب مار شمعون نفسه، وهـذا كان يعتبر مبلغا كبيرا حينذاك كخطوة لكسبه، وعلم من نوايا الوفد بأنه سيسبب لهم مشاكل كبيرة في الوقت الذي كانوا يعانون الكثير منها، وبأنه سيزيد الفجوة سعة بينهم وبين بني جلدتهم الكلدان الكاثوليك. فأرسل الى مار عبديشوع بطريرك الكلدان الكاثوليك المقيم في الموصل يطلب منه الحضور في أشيثا ليعقدا إجتماعا يوحدا فيه صفوفهما وإعتذر غبطته عـن السفر الى الموصل لكبر سنه. فلبى البطريك الكاثوليكي الكلداني الدعوة وتوجه الى منطقة هكاري عام،1897 ولما وصل الى أشيثا، حال البروتستانت (وفد كنيسة كنتربري برئاسة ويكرام) دون عقـد الإجتماع بين الطرفين (لاحظوا الى أية درجة كانوا قد سيطروا على إرادة هؤلاء الإخوة)، فعاد البطريك الكلداني الكاثوليكي بعـد هذا السفر الشاق خائبا دون أن يحقق شيئا. في عام 1903 أرسل مار شمعون روبيل شقيقه المطران ابراهيم يرافقه نمرود أفندي الى الموصل ليجتمعا مع البطريرك الكلداني الكاثوليكي مار يوسف عمانوئيل الثاني ويتفقا على صيغة التوحيد، غير أن المطران ابراهيم قبل أن يجتمع بالبطريرك الكلداني الكاثوليكي وصله خبر وفاة مار شمعون روبيل ولما كان المرشح الأول لكرسي البطريركية النسطورية عاد حالا الى بلاده، وعندما وصل وجد أن الوفد البروتستانتي قـد جاء بمطران شمدين ذي صلاحية سيامة البطاركة الوحيد ورسم بنيامين المرشح الثاني لكرسي البطريركية بطريركا بدلا من المطران ابراهيم الساعي الى الوحدة وخلفا لمار شمعون روبيل، حدثت خلافات في بداية الأمر بين الطرفين وبين رؤساء العشائر غير أن المطران إبراهيم تراجع حرصا على وحدة الكنيسة النسطورية والعائلة الشمعونية خاضعا للأمر الواقع وهنا يتبين ثانية دور هؤلاء الوافدين البروتستانت وحدود تدخلهم في الكنيسة النسطورية وإفشال جميع المساعي الوحدوية بين جناحي الكنيسة الواحدة وأبناء الأمة الواحدة.

كان البروتستانت الإنكليكان المتمثلين بوفد رئيس أساقفة كنيسة كنتربري البريطانية يبذلون الجهود لكي لا تتم الوحدة بين الطرفين ظنا منهم بأن النساطرة الكلدان الذين اطلق عليهم الوفـد اللعين تسمية الآشوريين لو تكثلكوا سيكون ولاؤهم لفرنسا وليس لبريطانيا. لذا هناك من يقول بأن مار شمعون روبيل الساعي الى الوحدة لم يمت موتا طبيعيا وإنما مات مسموما على يد هؤلاء البروتستانت. وفي هذه الفترة قام الوفد البروتستانتي البريطاني بإقناع زعماء النساطرة الكلدان العلمانيين والروحانيين بحمل التسمية الآشورية لقطع أية صلة لهم ببني جلدتهم الكلدان لقاء وعود كاذبة إدعوا فيها بأن بريطانيا ستؤسس لهم دولة قومية تحت هذه التسمية وبأن أجدادهـم الاشورييـن القدماء كانت لهـم دولة قوية حكمت المنطقة لقرون من الزمن. بعـد نزوح هؤلا من ديارهم الى إيران هربا من القوات العثمانية وحلولهـم فـي أورميا وأطرافهـا تضاعـفـت محنهم، وفي هـذه الفترة نشأت علاقة حميمة بين القس الكلداني الكاثوليكي بطرس عزيز المتواجد هناك حينذاك وبين مار شمعون بنيامين. كان مار شمعون بنيامين كسلفه قـد إشتكى من تصرفات هؤلاءالأجانب عامة من الروس والبريطانيين الذين نكثوا بهم وبأن أهم ما يجب أن يفعلوه هو تحقيق الوحدة بيـن الكنيستين وبذلك يتوحد الشعب والأمة الواحدة، وقال بأن أمنيتي أن تتحقق هذه الوحدة بعـد أن تضع الحرب أوزارها كما أتمنى أن ألتقي بقداسة البابا، فوعده القس بطرس عزيز بذلك.

يبدو أن البريطانيين كانوا يتابعون مار شمعون كظله وكأنهم كانوا يسمعون كل أحاديثه فبعد فترة أعـد المستر كريس ضابط المخابرات البريطاني في إيران لقاءا بين سمكو آغا الشكاكي ومار شمعون، وهما على عـداء شديد ويبدو أنها كانت خطة للتخلص من مارشمعون بنيامين، إذ فعلا أستشهد مار شمعون بنيامين في هذا اللقاء الذي سعى اليه كريس ومعه الفرسان الذين كانوا يرافقونه وعددهم بحسب المصادر (150) فارسا بإستثناء ثلاثة فرسان منهم تمكنوا من النجاة. لقد أستشهد البطريرك مار شمعون بنيامين هو الآخر كسلفه بتدبير من البريطانيين وبتنفيذ من قبل سمكو (إسماعيل) آغا الشكاكي الكردي.

تسبب هؤلاء الأجانب في فقدان النساطرة الكلدان ديارهم وأملاكهم وجميع ممتلكاتهم لا بل حتى نصف تعدادهم البشري بدلا مـن حمايتهم من أعدائهم. وبعد إزدياد الضغط عليهم من جميع الجوانب هربوا من منطقة أورميا الى منطقة همدان حيث كان يتعسكر الإنكليز ومن هناك أوتي بهم الى بعقوبة في العراق. وقـام البريطانيون بضـم شبابهـم الى الجيـش الليفي (المتكون من الأجانب تحت إشراف ضباط بريطانيين ويعني الجيش الليفي ـ جيش المرتزقة).

وفـي بعقوبة أسيم الطفل إيشايا أو إيشاي بطريركا وكانت عمته سرما وصية عليه والتي كان لها دور سلبي في كل هذه الأحداث لتأييدها المطلق للبريطانيين. لقد قامت الآنسة سرما بزيارة للبطريرك مار يوسف عمانوئيل الثاني في العشرينيات من القرن العشرين وطلبت منه توحيد الكنيستين وصفوف شعبنا، فقال لها البطريرك الكلداني الكاثوليكي يا إبنتي متى أغلقنا أبوابنا بوجه رؤسائكم ورفضنا التوحيد؟ ألـم يأتي سلفي البطريرك مار عبديشوع قبل سنوات عندما كنتم في دياركم بناء على طلب المرحوم البطريرك مار شمعون روبيل من الموصل الى أشيثا لعقـد إجتماع معـه لغـرض التوحيـد وحال الإنكليكان دون عقد الإجتماع لكي لا نتوحد؟ ألم يأتي المطران إبراهيم ومعه نمرود من أشيثا الى الموصل ليجتمعوا بنا لتوحيد الصفوف عام 1903 وقبل إجتماعنا توفي مارشمعون روبيل رحمه الله ويقال بطريقة غامضة فعاد المطران إبراهيم أدراجه وحدث ما حدث لديكم من سيامة البطريرك وأنت أدرى بما حدث؟ فمتى بسطتم أياديكم للوحدة ورفضنا نحن؟ فقالت له سـرما سيادة البطريرك، أنا أطلب أن نوحـد الكنيستين ومن ثم نضع أيدينا بأيدي الإنكليز ليحمونا وليضمنوا حقوقنا، فرد عليها غبطته قائلا: يا إبنتي ألم تتعظوا مما سببه لكم هؤلاء الإنكليز من فواجع ومحن طوال السنوات الماضية؟ وهل تتصورون بأن الإنكليز جاءوا لمساعدتكم وضمان حقوقكم؟ أم أنهم جاءوا ليستعمروا هذه البلدان ويمتصوا دماء شعوبها وثرواتها وليحققوا أهدافهـم؟ عليه نحن على أهبة الإستعداد لتوحيد صفوفنا ولكننا لسنا مستعدين لوضع ايدينا بأيدي المستعمرين والمحتلين لبلدنا لتحقيق مصالحهم وأهدافهم.

فخرجت سرما وبلغت المراجع البريطانية بما تفوه به البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني، فجاءت قـوة من الإنكليـز سـرا وأخـذت البطريرك ورمت به في أقاصي الصحراء الغربية ليموت هناك جوعا وعطشا أو لتفترسه الحيوانات، حسب إعتقاد الإنكليز، غير أن الإرادة الإلهية كان لها حكما آخر، فعاد البطريرك الكلداني الى بغداد دون أن يصاب بأذى عـدا الإرهاق، ولما علـم الإنكليـز بذلك عادوا فنفـوه الى الهنـد ورفضوا جميع المساعي التي بذلتها الفاتيكان والدول الأخرى لإعادته، فإضطر قداسة البابا نقله الى الفاتيكان لحيـن موافقة بريطانيا على عودته الى العراق.

فترى من هم الإنفصاليون ومقوضو محاولات التوحيد؟ بعد قبول الكلدان النساطرة التسمية (آشوريين) التي جاء بها وفد رئيس أساقفة كنيسة كنتربري البريطانية وفرضها عليهم لقاء وعود كاذبة لا أساس لها من الصحة. بطبيعة الحال لما قبلت التسمية الدخيلة من قبل رؤسائهم الروحانيين وزعماء قبائلهـم دخـل تحت مظلتهـا جميع أتبـاع الكنيسة النسطوريـة مــن الموجوديـن منهم على الأراضي العراقية أيضا عـدا النازحين من هكاري، ولم يكتفوا بالتمسك بها وكأنها فعلا تسميتهم الحقيقية بل أخذوا ينظرون الى بني جلدتهم من الكلدان الكاثوليك وكأنهم أعداء لهم متأثرين بالأفكار التي زرعها وفد ويكرام في مخيلتهم لتوسيع الشرخ بين الطرفين وليتمكنوا من تفكيك الأمة الواحدة وفق السياسة البريطانية المتبعة (فـرق تسـد). ولم يتعظـوا مـن تجاربهـم مع هـؤلاء الأجانب ورغم إكتشافهم لكذبهم ولزيف وعودهم إستمروا في التعاون معهم الى أن دفعوا بعضهم وبطريقة غير مباشرة للتمرد على الحكومة العراقية والتحجج على بعض الأمور وخلق المشاكل في العراق لتدعي بريطانيا أمام المجتمع الدولي أن الأوضاع في العراق ليست مستقرة ومواتية لمنح العراق إستقلاله. كان هدف بريطانيـا من ممارسة هـذه اللعبة تجديـد الوصايا على العراق لمـدة (15) سنة أخرى وحققته.

خلال القرن العشرين وبعد سقوط النظام الدكتاتوري كانت للماكثين منهم في العراق نشاطاتهم الخاصة ومؤسساتهم الإجتماعية في معزل عن الكلدان والسريان. في عام 1972 وبعد أن أصدر النظام قرار منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية كما سماهم النظام، أصدر رئيس النظام الدكتاتوري عفوا عاما عن الآثوريين وعن جميع الجرائم التي إرتكبوها كما ورد في القرار من تاريخ نزوحهم الى العراق ولغاية ذلك اليوم، كما قرر إعطائهم الجنسية العراقية، وكان ذلك كله مخطط سياسي لإبعاد المسيحيين وقبلهـم التركمان عن الكورد، إذ بعد أن حقق النظام الدكتاتوري أهدافه بقيت الحقوق الممنوحة للتركمان والناطقين بالسريانية مجرد حبر على الورق.

كان هـؤلاء الإخـوة يطلقـون على الكلدان الكاثوليك لفظة (ﭘـاﭘـايي) أو (قليبايي). بعـد الإنتفاضة المباركة لعام 1991 أصبح توجههم الإنفصالي الإنعزالي أكثر وضوحا. من خلال حزبهـم السياسي الوحيد الموجـود حينذاك في الساحة السياسية أي الحركة الديمقراطية الآشورية التي رفضت كل المساعي الكلدانية لتوحيد الصفوف قبل فوات الأوان.

ففي أواخر صيف عام 1991 وجه الكلدان في دهوك دعوة الى الحركة الآشورية لتوحيد الصفوف وعقدت عـدة إجتماعات بيننا كان يترأس الجانب الكلداني المرحوم المطران حنا قلو وانا شخصيا بصحبته في جميع تلك إجتماعات وبعض أعضاء أبرشية دهوك ــ زاخو بينما كان يترأس وفـد الحركة الآشورية السيد يونادم كنا وطالت الإجتماعات لغاية مطلع ربيع عام 1992 دون جدوى نتيجة مراوغات الحركة الآشورية وتزمتها ورفضها التعاون مع الكلدان الذين لم يكن لهم حزب سياسي حينئذ، وبسبب تعاملها من منطلق التعالي ككيان سياسي وعضو في الجبهة الكردستانية، في آخر إجتماع بيننا تفـوه السيد يونادم كنا بكلام جارح لم يكن ليتفـوه به إنسان سياسي إلا إذا كان محدود الثقافة، إذ رفع بقايا سيكارة في نفاضة أمامه قائلا: أنني لا أشتري الكلدان بقطف السيكارة هـذا، ولا أعترف بهم كقومية بل هم مذهب ديني وهم آشوريين شاءوا أم أبوا، فغضب المطران بشدة وكان رده أقسى من رد يونادم كنا ونهض قائلا: انا كمطران جئتكم حاملا هذا الصليب وبلحيتي البيضاء هذه يرافقني عـدد من الإخوة حاولت معكم توحيد الصفوف حبا بالمسيح وبوحدة شعبنا ولعدم فسح المجال لأي إنشقاق بين الطرفين مستقبلا وتردون علي بهـذا الاسلوب؟ والآن إنتهى الإجتماع وإنتهى كل شيء وبدأت القطيعة وليكن القرار للكلدان الذين يشكلون أضعاف أضعافكم. حاول السيد يونادم كنا تصحيح الموقف ولكنه فشل، فإنتهت الإجتماعات المتعددة دون تحقيق نتيجة تذكر.

إستمر الإخوة بإنكار الوجود الكلداني ومازالوا على موقفهم دون أن يلتفتوا الى صفحات التاريخ وحقائقه. كان العامل الآخر الذي زاد من سعة الفجوة ووسع الشرخ وأطال في بعـد المسافات بيننا إنبثاق المجلس الذي سمي بالمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري بعـد تدفق مبالغ كبيرة بإسم المسيحيين الى إقليم كوردستان العراق وتسليمها الى الأب الروحاني لهذا المجلس، فشرع بشراء الذمم وبـدأ عمله وكما يبدو بخطة معدة مدروسة فحاول في البداية كسب ود رؤساء الكنائس والعاملين فيها وخصص لهـم رواتب شهرية، وهـرول بإتجاهه المرتزقة والإنتفاعيون من المحسوبين على الكلدان وغيرهم. كان سادة هذا المجلس قـد شكلوا وفـدا للتفاوض مع الأحزاب وكان من بين أعضائه السيد سامي المالح وذلك للتهيئة لعقد مؤتمر المجلس الأول لإعطاء الشرعية للتسمية المركبة المبتكرة ولإتخاذ قرارات أخرى وفي هذا المؤتمر أبعـد السيد سامي المالح ولم نعرف السبب.

لم تكمن المشكلة في إنبثاق المجلس وإنما في الأساليب والممارسات السلبية والخاطئة التي أرتكبها منذ وهلته الأولى والى اليوم، كان بإمكان زميلي العتيد الذي كانت تربطنا معا علاقات متينة منذ عام 1992 والذي لا زلت أعتز به أن يعتمد على أناس لهم الخبرة في مجالات العمل وعلى أناس يفضلون مصلحة شعبنا على مصالحهم الخاصة. وعلى أية حال حدث ما حدث. كان بإمكان قياديي المجلس الشعبي كسب ود الجميع، لو إتخذوا جانب الحياد ووقفوا على نفس الأبعاد من جميع الأطراف، ولو لم يتبنوا خصوصيات طرف ليفرضوها على الأطراف الأخرى.

والأمر الآخر الذي زاد من سعة الشرخ والفجوة بيننا قيامهم بمحاولة فرض التسمية المركبة المبتدعة والتي سموها في البداية بالتسمية الشعبية على الكلدان والسريان كتسمية قومية علما بأن الآثوريين أو الآشوريين منهم لا يقرون بها أصلا كتسمية قومية ولا بأية تسمية أخرى غير الآشورية. لو بقى المجلس على موقفه الأول وإعتبارها تسمية شعبية وإحترم التسميات الأخرى ليحملها حاملوها بكامل حريتهم ويدعوا بها وفق ما شاءوا، ولو لم يحاول المجلس إدخال التسمية المركبة في الدساتير، رغما عن إرادة الآخرين، ولو لم يرفعوا راية وخصوصيات طرف واحد ويحاولوا فرضها على الآخرين وإلغاء خصوصياتهم، لما تولدت ردود الفعل لدينا ولـدى جميع الكلدان الأصلاء الذين لا يبيعون أصلهم وتسميتهم بأموال الدنيا، وليس من الممكن حتى وفق أكثر المقاييس إبتذالا أن يعتبر المرتزق والإنتهازي والإنتفاعي المحسوب على الكلدان ممثلا عنهم.

ونقولها بصراحة لو لا ما ذكرناه أعلاه لأيدنا هذه التسمية كتسمية شعبية وبذلنا ما في وسعنا لتوحيـد صفوف شعبنا تحت مظلتها كتسمية شعبية وليس كتسمية قومية لأنها تفتقر الى الخصوصيات القومية.

ومن ثم كنا قد طلبنا مرارا من جميع الأطراف توحيد صفوفنا في هذه الظروف الحرجة التي يمر بها العراق ولم نتلق الجواب، رغم ذلك عندما طلبت جهة أخرى ذلك اسرعنا الى القبول وحضرنا أول إجتماع وقدمنا في هـذا الإجتماع ورقة عمل في غاية الإيجاز إذ لم تتجاوز بضعة أسطر وأتينا بالأفكار الواردة فيها مبنية على أسس منطقية وكانت تتضمن نبـذ نقاط وأسباب الخلاف بين الأطراف المعنية وعدم فرضها على الآخرين وترك الإتفاق عليها الى المرحلة المقبلة لكي نتكاتف ونتحـد في هـذه المرحلة الحساسة ورغم إلتزام الجميع بالسكوت وعدم التعقيب واصلنا حضور الإجتماعات إلى أن ثبت لنا بأن الإخوة مصرون على التمسك بما طبع في مخيلاتهم، فتراجعنا وقاطعنا الإجتماعات. ولعل سائل يسأل ما هي نقاط الخلاف المنوه عنها أعلاه والتي لا نقبل بفرضها على الآخرين وهنا نجيب السائل المحـرم الموقر بكل بساطة ونقول له هـا هي:ـ

1 ـ العلم الذي يعتبره الإخـوة الآشوريون علمهم فليعتزوا به ويرفعوه عاليا ولكن ليس لهم فرضه على الآخرين من مكونات شعبنا.

2 ـ التسمية المركبة المخترعة كان من الممكن إستخدامها كتسمية شعبية وليس قومية وبديلة عـن التسميات الأخرى وعـدم المطالبة بإدخالها في الدساتير لعدم وجود تسمية قومية في العالم كله بهذه الصيغة.

3 ـ يوم الشهيد الآشوري ليعتز به كل من يعتبر نفسه آشوريا ونحترمه نحن أيضا ونشاركهم الإحتفال به ولكن ليس من المنطق أن يفرض على الكلدان والسريان.

4 ـ السنة القومية وهذه ايضا كبقية الفقرات أعلاه لا يجوز تعميمها على الجميع. رغم أن الورقة التي قدمناها كانت تحمل رؤوس النقاط فقط وكنا لشرحناها لو إستوجب الأمر.

وهنا يحق لنا أن نسأل هؤلاء الإخوة الكتاب بعد ما طرحناه أعلاه، ترى من يسبب الإنشقاق والتمزق في صفوف شعبنا؟ وعلى مـن ينطبق مصطلح الإنفصاليين؟. وبدلا من الإستماع الى صوت العقل والتعامل وفق المنطق وما تتطله مصلحة شعبنا عامة إستمر الإخوة الأعزاء في مسيرتهم وفي شراء الذمم وتوزيع الأموال التي كان من الممكن أن تستخدم بطرق أفضل تخدم مصالح شعبنا بدلا من أن تسلك طريقها الى جيوب الإنتهازيين والإنتفاعيين ولبث الإنشقاق في صفوف هـذه الفئـة أو تلك وهدرها بطرق مرفوضة نحن في غنى عـن ذكرهـا. لذا نقولها بصراحة إن الشعارات البراقة التي ترفع ليست سوى لخدع البسطاء وللإستهلاك المحلي، وطالما مازالوا على مسلكهم ونهجهم الذي يتمسكون به الذي لا يمكن أن يوحد الصفوف مهما بذخوا من أموال. ولما كان هـذا هو النهج الذي يصرون على تبنيه، فمن الصعب جدا أن يتم الإلتقـاء.

وأخيرا نقول بأننا بكل جوارحنا وبملء إرادتنا ما زلنا مع التوحيد وسنبقى كذلك لو كلف الآخرون أنفسهم بدراسة هـذه الأمور بعمق وتروي ولا ينظروا اليها من منظار ضيق. وسـلام الرب مع كل من يبني بجد ولا يهدم ويوحد ولا يفرق.

أبلحد أفرام

(رأي شخصي)

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *