من خفايا باريس وأسرارها / د. تارا إ براهيم

تعد باريس العاصمة مدينة النور وعاصمة الثقافة والموضة من اكثر الاتجاهات السياحية إقبالا في العالم، حيث ان وسطها من اكثر المناطق روعة للسياح وإلهاما للشعراء والادباء والفنانين ولكن الكثير منهم وحتى بعض الباريسيين يجهلون ان قلب العاصمة الخلابة كانت في يوم من الايام مقبرة كبيرة دفن فيها قرون من الاجيال الباريسية، وتدعى هذه المقبرة (مقبرة الابرياء المقدسة) ويعود تاريخها الى عام (1137) وقد بدأت صغيرة في بادئ الامر ولكن سرعان ما اتسعت نتيجة الحروب المتتالية والاوبئة والمجاعات التي اجتاحت فرنسا في القرون الوسطى.

ففي القرن الثامن عشر ارتفعت المقبرة الى اكثر من مترين فوق مستوى الارض مما ادى الى صعوبة تحلل الجثث فيها، وان التحلل المستمر والمتجدد لملايين الجثث بات احد الاسباب على إنتشار الامراض والاوبئة مما زاد من غيظ المواطنين وشكاواهم وخصوصا الاطباء، والازمة هذه دفعت الكاتب والمفكر فولتير الى إنتقاد السلطات الدينية التي استمرت في دفن الموتى بصورة منافية للصحة العامة الى حد ان بخار الجثث المتحللة بات يتخلل ابواب البيوت ونوافذها ويطفئ الشموع. لذا فقد امر المفتش العام لصحة باريس بغلق المقبرة ومنع دفن الموتى فيها لمدة خمس سنوات إلا ان هذا الحل لم يجد نفعا بسبب الانبعاثات والروائح النتنة الصادرة عن المقبرة.

في عام (1785) حكم مجلس الدولة بازالة المقبرة ونقل العظام والرفات الى تجاويف المدينة على أثر مشروع مقدم من قبل لندن الى السلطات العليا في باريس وتحويل المقبرة الى اسواق للخضروات والفواكه. فبدأت عملية نقل الرفات في عام (1786) وكانت مراسيم النقل عبارة عن مواكب من العربات تبدأ السيرعندما يحل الظلام ويرافقها رجال الدين من القساوسة ينشدون التراتيل الدينية على طول الطريق. لدي وصول الموكب الى السراديب يقوم الرجال بجمع العظام وتحميلها على عربات لوضعها في قطاع مخصص لها في عمق (20) مترا تقريبا تحت الارض مع وضع لوحة تشير الى مصدر وتاريخ النقل. وان حوالي ستة ملايين من الرفات تم نقلها واستمرت عدة سنوات من الزمن الى هذ ه السراديب التي تسمى في يومنا هذا (سراديب الموتى) او(catacombs) الامرالطريف انه منذ بداية إنشاء هذه السراديب ولحد الان بات هذا المكان يثير الفضول لدي الكثيرين كونه اول مشروع فريد من نوعه، لقد قام العديد من الملوك والامراء الاوربيين بزيارة الموقع ومن بينهم نابليون الثالث حتى ان كثيرا من الحفلات الموسيقية كانت تقام هنالك.

في عام (1983) تم نقل إدارة سراديب الموتى الى دائرة الشؤون الثقافية لمدينة باريس التي اعلنت بدورها في عام (2002) ان تصبح هذه السراديب موقعا رسميا ممجدا لتاريخ وذاكرة العاصمة. فسراديب الموتى اليوم تغطي العديد من 2كم من المتاهات المصطنعة تحت سطح ارض العاصمة الفرنسية وبأمر من وزارة الثقافة تم تحويل (3) 2كم من هذه السراديب إلى متحف يقع في الدائرة (14) من العاصمة ويستقبل (300,000) سائح سنويا.

ان المتحف لا يثيرالرعب والذعر في نفوس السياح ولكنه يمنح صورة اخرى عن الموت من خلال المعارض واللوحات والموسيقى ورفات الموتى.

فاذا كنت لاتعاني من ضيق النفس او قصور في القلب او لست إنسانا حساسا فيمكنك زيارة هذا المتحف المدهش لتكتشف الجانب المظلم من مدينة النور، مدينة باريس.

 د. تارا إ براهيم

 

 

 

 

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *