من العادات القَيِمة للجالية الكلدانية في مدينة ملبورن (1)

بقلم يوحنا بيداويد
ملبورن/ استراليا
27 نيسان 2011

نتحدث اليوم عن احدى العادات القيمة الموجودة بين ابناء كنيسة مريم العذراء حافظة الزروع التي تجعلهم عائلة واحدة بغض النظر عن الانقسامات الفردية والعائلية والقروية والسياسية الموجودة بين البعض (في بعض الاحيان)  الا وهي القيام بالواجب عندما تحصل حالة وفاة .(2) .

لا نبالغ  هنا ان قلنا ان اهالي ملبورن يرفعون رأسهم بهذه العادة اينما حلوا او ذهبوا التى لا توجد في بلد من بلدان المهجر. فقد  نالت هذه العادة منذ البداية رضا الجميع، كذلك نالت استحسان كل الزوار من الاكليروس او المسؤوليين السياسيين اوالمثقفين اوالزوار العاديين من كافة انحاء العالم لا سيما الذين يأتون لاجل حضور التعازي.

 لقد بدأت فكرة هذه العادة  في مدينة ملبورن  سنة 1994  من قبل مجموعة شباب (ابناء اخوية مريم العذراء حافظة الزروع في حينها) بمساعدة اهل المرحومة (ليندا شمو) التي توفيت في حادث سيارة في حينها ، ومن بعد هذا استمرت العادة  لمساعدة عائلة معظم المتوفين من ابناء  الجالية.
  
ما دفعنى ان اكتب عن هذا الموضوع الان  هو ما حصل قبل اسبوع ( الاثنين 18 /4/2011) من عيد القيامة في مدينة ملبورن، حيث  حصلت فاجعة كبيرة لاهل ملبورن حينما توفي  شاب لم يبلغ الحادية والعشرين من العمر بسبب سقوطه من العجلة النارية التي كان يقودها بسرعة عالية. فهرع ابناء الجالية منذ اللحظة الاولى من سماعهم من الاقارب والاصدقاء والمعارف لتقديم التعازي والقيام بالواجب حسب الاصول المتبعة هنا.

على الرغم من هذا الامر كان معتاد عليه في ملبورن  (كما قلنا)،  الا في هذه المناسبة الحزينة جلبت انتباهي  بعض الملاحظات المهمة  التي شدتْ ابناء الجالية الكلدانية معاً، والتي اعطت الصبر والتعزية لاهل الفقيد  اكثرعلى الرغم من قساوتها وهي :-

1-   في هذه المناسبة  الحزينة تكاتف جميع ابناء الجالية لا فقط على تقديم المساعدة المالية لاهالي المرحوم  كما هي العادة منذ 17 سنة (3)، وانما لتحضير المكان وتقديم كافة الخدمات مثل تقديم القهوة والشاي والماء وتحضير الطعام و توفير المكان، البقاء في التعزية مع اهالي الفقيد لساعات طويلة نتيجة الزخم الكبير من الحضور.

2-    جاءت فكرة تشجيع الشبيبة لحضور القداس الجنازي في  يوم الدفنة بصورة متزامنة من قبل عدد كبير من الاشخاص العاملين في الكنيسة  والمؤسسات الثقافية، فقدموا الاقتراح الى الاب ماهر كورئيل الذي تحدث مع بقية الاباء فوافقوا الجميع على الفكرة . ثم بدأت حملة اعلامية بين الشبيبة من الكبار والشبيبة انفسهم عن طريق الرسائل الالكترونية و الفيس بوك. فقد زاد عددهم عن 300 شاب وشابة الذين حضروا القداس الجنازي في يوم الدفنة.

3-   القى الاب ماهر كورئيل  كلمة خاصة  موجهة لهم باللغة الانكليزية  اثناء القداس . نصح فيها الشبيبة تقديم الصلوات عن راحة نفس الفقيد، العودة الى قراءة الانجيل والقضاء بعض الوقت في تأمله وتطبيقه في حياتهم  اليومية، كذلك نصحهم على عدم الاستعجال في اتخاذ القرارات السريعة التي غالبا ما تكون خاطئة ، شدد على ضرورة  الاستماع الى الوالدين كما توصي وصايا الله العشر. ( اكرم اباك وامك كي تطول ايام عمرك).

4-    حضروا خلال الايام الخمسة من التعزية معظم ابناء مدينة مرة او مرتين او اكثرالى قاعة الكنيسة او الى بيت والد الفقيد، وفي احد الاوقات حضر معا كهنة ثلاثة كنائس هم الاب ماهر كورئيل كاهن الكنيسة الكلدانية (كنيسة مريم العذراء حافظة الزروع) و الاب نسطورس هرمز راعي الكنيسة الشرقية القديمة، والاب انطوان  ميخائيل من كنيسة المشرق الاشورية . وفي يوم الدفنة حضر اكثر من 1500 شخص القداس والمقبرة وتقديم التعازي.

5-   ظهر الاسى والحزن العميق على وجه الجميع الذين حضروا التعزية .

6-   حمل نعش الفقيد اثناء ادخاله او اخراجه من الكنيسة او نقله الى المقبرة مجموعة من الشبيبة من اقارب والاصدقاء المقربين للفقيد بينما كان الاسى يغلب اوجه جميعهم على الخسارة الكبيرة التي حصلت بفقدان حياة هذاالشاب في هذا الحادث،  كذلك  كان امرا مقصودا لهم من قبل الكبار كي يحتكوا مع مسيرة الحياة وصعوباتها  بصورة واقعية.

7-   في اكثر من جلسة  اثناء التعزية استمعتُ الى حديث الحاضرين عن ضرورة حصول زيادة التفاهم بين الاباء والابناء لملء الهوة التي حصلت نتيجة الاختلاف في العادات والقيم بين الجيلين، جيل الكبار المولود في الوطن و جيل الشبيبة الذين تربى او ولد في المهجر.

8-   اثناء قداس يوم الثالث والسابع الذي كان في سبت النور، حضر جمع غفير مرة اخرى بصورة غير متوقعة وهنا حرص الذين لم يستطيعوا الحضور في الايام السابقة  بسبب ظروف عملهم في تقديم التعازي ، حضروا في ذلك النهار لتأدية الواجب.

9-   في الختام  نطلب من الله ان يسكن الفقيد في واسع رحماته وان يعطي لاهله الصبر والسلوان في تحمل هذه المصيبة الكبيرة  كذلك نقدم تعازينا لاقاربه واصدقائه الكثيرين الذين حضروا.  شكرا لكل من قدم اي نوع من المساعدة باي صيغة  كانت ،  شكرا لكل من اظهر حرصه على زيادة تخفيف حزن  والم اهالي الفقيد وكذلك  شكراً لكل من عمل على زيادة الروابط الاجتماعية والايمانية بين ابناء الكنيسة الكلدانية  وبقية الاخوة الموجودين في هذه المدينة.

10- املنا ان تقوم حملة  توعية سريعة وواسعة على جميع المستويات  بين الحلقات الموجودة  في الكنيسة مثل الاخويات او مراكز تعليم المسيحي او  قيام المنتديات الثقافية او الجمعيات والنوادي القروية بمحاضرات  لدراسة كيفية تفادي حصول مثل هذه المصيبة في المستقبل وكذلك  التركيز على  كيفية حماية العائلة من الذوبان او الانحلال في المهجر بصورة عامة التي فالعائلة هي الحجر الاساسي في قيمنا وايماننا المسيحي .  

……..
1-   الجدير بالذكر اصل هذه العادة تعود الى اهالي مدينة زاخو لمساعدة عوائل الشهداء اثناء الحرب العراقية الايرانية التي ذهب ضحيتها  عدد كبير (البعض يقدرها  50-60 الف شهيداً).

2-   ان الحديث عن مجتمعنا المسيحي الشرقي في دولة غربية مثل استراليا يحتاج الى دراسة وبحث وتقصي واجراء الكثير من الاحصائيات والندوات كي يتم استخلاص  المعلومات الكافية عن الايجابيات والسلبيات الموجودة فيه، لغرض معالجتها او على الاقل اطلاع المؤسسات المعنية بها.

3-   ان الغرض من المشاركة في مصاريف اي تعزية منذ البداية  لم  تكن تعني  ان اهل ذلك الفقيد كانوا عاجزين عن تسديدها ابدا، ولكن هو زيادة التقارب و التعاضد والتعاون بين ابناء الكنيسة او الجالية  في مثل هذه المناسبات وجعلهم عائلة واحدة مشاركة في الاحزان والافراح

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *