مناقشـة هادئـة جداً للرسـالة الرعويـة لقداسـة البطريـرك مـار دنخـا الرابـع

والله اكتب هذا المقال رغماً عن إرادتي ، إذ لم اكن ارغب في طرق هذا الباب، ولكن حينما يضربك احدهم ينبغي ان تبدي شكواك من الألم وهذا اضعف الأيمان كما يقال . ومن يريد ان يعاتبني على المقال فأرشده على قول سعد زغلول الذي قرأته قبل ايام في احد المقالات لا اتذكر كاتبها يقول :
إن في الناس ناساً إذا رأوا ضارباً يضرب ومضروباً يبكي ، قالوا للمضروب لا تبك قبل ان يقولوا للضارب لا تضرب .
قرأنا رسالة الكردينال البطريرك عمانوئيل الثالث دلي الرعوية وكذلك رسالة الميلاد لغبطة بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان والرسالة الرعوية لقداسة البطريرك مار ادي الثاني ، والرسالة الرعوية للمطران لويس ساكو ، وقد قرأنا في هذه الرسائل المعاني السامية للمحبة والتعايش والسلام كما قرأنا الرسالة الرعوية لقداسة مار دنخا الرابع وكان فيها ايضاً الكثير من الكلمات المفعمة بروح المحبة والتعايش والسلام .
لكن لا يخف على ذي نظر مدى احتواء الرسالة الأخيرة على الجانب السياسي ، وليس لنا اي نقد او تحفظ إن كان الدخول في الإطار السياسي من اجل مناصرة الشعب المسيحي في وطنه ، لكن تحفظنا واستغرابنا هو التخوم التي وصلت اليها الرسالة في محاذات والتناغم مع الفكر الأقصائي الموازي لفكر السيد يونادم كنا رئيس الحركة الديمقراطية الآشورية ، الحركة التي تتميز بفكرها القومي الإقصائي المتعصب ،حيث يقحم الذاكرة تصريحه المثير للجدل لقناة البغدادية في برنامج سحور سياسي ، في قوله : ن كل آشوري ينخرط في الكنيسة الكاثوليكية يصبح كلداني . لا نكرر ردنا السابق على هذا الطرح المضحك السطحي ، والتي تتطابقت مع افكار صدام حسين الإقصائية الذي عمل وسعى الى صهر الجميع في بودقة الفكر العروبي .
وسنبقى في ما ورد في رسالة البطريرك مار دنخا الرابع حيث تخالف بشكل جلي ابسط مبادئ حقوق الإنسان في حريته في معتقده وانتمائه وفي فرض الوصاية عليه ، وليس من حق اي انسان مهما بلغ مركزه ان يلغي حق الآخر في الحرية والكرامة فيقول في رسالته : بشكل واضح ما يخالف حقوق الأنسان وكرامته ، وحينما نقرأ عبارة تقول :
اليوم نَحنُ المسيحيين الذين نعيش في بُلدان المشرق نُعرفُ بأسماء ثلاث كنائس: وهي الكنيسة الكلدانية، الكنيسة السريانية، وكنيسة المشرق الآشورية. كمسيحيين مؤمنين يجب أن نحب ونحترم ونعمل معاً كأعضاء قطيع مسيحي واحد، وكأمةٌ واحدة، لسنا ثلاث أُممٍ، لكن أمةٌ واحدة وشعبٌ واحد، بالدم، بالتاريخ، باللغة. وكلنا كأمةٌ آشوريةٌ مسؤولين لكي نُحافظ على سلامة أبناءُ أمتنا كشعبٌ واحد… كأمة واحدة: يجب أن تفتخروا وتتشرفوا لأنكم آشوريين، يجب عليكم المحافظة على لغتكم الآشورية الأم، ثقافتكم، تاريخكم، ومحبتكم تجاه بعضكم البعض تكون طاهرة وحقيقية (انتهى الإقتباس)
إنه تورط واضح في فكر ايديولجي شمولي في إلغاء الآخرين وصهرهم في بودقة الفكر القومي العنصري ، نحن نحترم انتماءكم مهما كان ، وكان ينبغي ان تبدي نفس القدر من الأحترام خصوصاً لشعبنا الكلداني وقوميته الكلدانية ، القومية العراقية الأصيلة . ونحن في هذا المقال ننناقش الجانب السياسي لرسالتكم الرعوية في العام الميلادي الجديد .
يقول حنا بطاطو في كتابه العراق الطبقات الأجتماعية والحركات الثورية في العهد العثماني حتى قيام الجمهورية ج1 ص31 يقول : في مطلع القرن الحالي لم يكن العراقيون شعباً واحداً او جماعة سياسية واحدة . وهذا لا يعني الإشارة فقط الى وجود الأقليات الدينية والعرقية والدينية في العراق ، كالأكراد والتركمان والفرس والآشوريين والأرمن والكلدانيين واليهود والأيزيديين والصابئة وآخرين فالعرب انفسهم الذين يؤلفون الأكثرية ، يشكلون الى حد بعيد ، من جملة المجتمعات المتمايزة والمختلفة في ما بينها والمنغلقة على الذات بالرغم من تمتعهم بالسمات المشتركة .
كما ان معاهدة سيفر سنة 1920 قد اعترفت بحقوق الشعب الكلداني القومية في وطنه العراقي ، إضافة الى ان الدستور العراقي يشير بشكل واضح الى القومية الكلدانية ، وسوف يكتب اسم القومية الكلدانية في دستور اقليم كوردستان ، إذ لا يقبل الشعب الكوردي والقيادة الكوردية ان تكون ظالمة لحق شعب عريق في هذه الديار ، ولا يمكن ان يقبل الشعب الكوردي بأن يكون ظالماً وأن يتبنى افكار إقصائية عنصرية بحق الشعب الكلداني .
إضافة الى ذلك قداسة البطريرك مار دنخا الرابع ، اقول : بأن اسم الكلدانيين مكتوب في الكتاب المقدس 90 مرة اجل 90 مرة بالتمام والكمال ، اعتباراً من سفر التكوين الى اعمال الرسل بصيغة : اور الكلدانيين ، جيش الكلدانيين ، على يد الكلدانيين ، أرض الكلدانيين ، مملكة الكلدانيين ، ملك الكلدانيين ، أدب الكلدانيين ، علوم الكلدانيين ، نسل الكلدانيين … الخ ومن المؤكد انكم درستم الكتاب المقدس بشكل معمق .
ولا ادري كم مرة يجب ان يذكر الكتاب المقدس اسم الشعب الكلداني لكي تصدقون وتقتنعون .
ولكن لا اريد ان هنا تأكيد وجود الشعب الكلداني وقوميته الكلدانية ، لكن فقط اريد ان اناقشكم من باب حقوق الأنسان التي تعني اهم جوانبه حرية الأنسان في معتقده وهويته ودينه ومذهبه وقوميته ولغته .. دون فرض الوصاية عليه ، وإذا حجبت عنه هذه الحرية مهما كانت الأسباب لا سيما السياسية كالتي فرضها كمال اتاتورك لخلق مجتمع متجانس في تركيا ، او التي كان يفرضها صدام حسين على الأقليات القومية ومنها شعبنا الكلداني او من السيد يونادم كنا الذي يلغي مفهوم القومية الكلدانية ، ولا نعاتبه على ذلك لأنه ربما لم يقرأ الكتاب المقدس او لم يعجبه درس التاريخ في المدرسة ولهذا اطلق فلسفته المشهورة بأن كل آشوري يتصل بروما هو كلداني ، فيبدو ان نبوخذنصر ونبوبلاصر قد اتصلا بروما ولهذا اصبحا ملكان كلدانيان !!
قداسة البطريرك مار دنخا الرابع الموقر ، لقد عرّف ارسطو السياسة بأنها علم الرئاسة، ولا شك ان ذلك يحتاج الى كثير من التحايل والدهاء وأساليب في استمالة الآخرين ، إذ في كثير من مفاصلها تخالف الأخلاق ، فإن هذا العمل يحتاج إلى قدر هائل من التحايل والألتفاف على القانون في بعض الحالات والكذب … الخ اي ان العمل السياسي هو كالدخول الى الغابة حيث صراع الوحوش فيضطر المرء في كثير من الأحيان ان يخالف انسانيته ومبادئه التي يؤمن بها .
بالنسبة لرجل الدين حينما يطرق ابواب السياسية ليس محرماً عليه ذلك ، لكن ينبغي ان يكون في إطار مفهوم المساعي الحميدة وإطار حمامة السلام مثلما يتصرف بابا الفاتيكان في روما حيث يدافع بشكل مستمر عن حق الضعفاء في الحرية ويدافع عن حرية الأنسان التي تعني في المقام الأول حرية المعتقد والأنتماء ويبارك التنوع إن كان متفقاً معه او مخالفاً له .
وفي الختام كان ينبغي ان تكون الرسالة الرعوية غير محددة بحدود الكنيسة الكلدانية والسريانية والآشورية بل كان ينبغي ان تمتد الى الكنيسة الأرمنية والكنيسة الشرقية القديمة التي مقرها بغداد .
ونحن نودع اليوم الأخير الذي انسلخ من عمرنا وتوارى في تضاعيف الزمن الأبدي .
اقول : في استقبال العام الجديد كل عام وانتم وشعبنا العراقي وشعبنا المسيحي من الكلدان والسريان والأرمن والاشوريين بخير .

حبيب تومي / اوسلو في 31 / 12 / 11

You may also like...