مقدمة إنجيل البشير مرقس الجزء الثاني/ اعداد الشماس سمير كاكوز

أسلوب مرقس

أثني على مرقس لمهارته في الرواية فإذا كانت مفردات لغته قليلة وغير متنوعة إلا للتعبير عن الأشياء الحسية وعن ردود الفعل التي يثيرها يسوع فإن جمله غير مترابطة وأفعاله المصرفة من غير الاهتمام بتوافق الأزمنة بل اضطراب اسلوبه نفسه تساهم في حيوية رواية قريبة من الإشياء الشفهي ولكن من خلال التفاصيل التي تصور الأحداث تصويراً حياً كثيراً ما تبدو اللحمة في طابع مخطط يكشف عن وجود مواد تقليدية أو مسبوكة لاستعمال الجماعات وعندما يمثل الرواي مشهداً حياً لا يأتينا بمحضر ساذج لمراقب مباشر ثم أن عدم وجود أي ترتيب زمني مترابط وعدم الاكثرات بشعور الأشخاص وصورة الجمع المفرغة في قالب واحد تحول كلها دون مطالعة هذا الانجيل كأنه مجرد سيرة ليسوع ولكن مرقس من غير تكلف بارع في إيحاء صورة حية لإنسان تناقض الصور المبتذلة بما في ذلك الصورة الحية من رودود فعل يسوع المنتظرة وشفقته أو سرعة انفعاله واستغرابه أو لهجته القاطعة وكل نفسه تظهر في نظرة واحدة ولكن تلك النظرة قد تكون مليئة بالغضب أو الرأفة راجع ( مرقس 3 : 5 ، 34 ) والاستفهام أو الانتباه المركز راجع ( مرقس 5 : 32 ، 11 : 11 ) والعطف راجع ( مرقس 10 : 21 ) والرزانة المكاسفة أو المشرقة راجع ( مرقس 10 : 23 ، 27 ) وأمام هذا الإنسان فجميع المواقف أيضاً ممكنة من الدهش إلى الإعجاب ومن الحذر إلى العزم على القتل ومن التعلق غير الواعي عند التلاميذ إلى الفهم والهجر

أصل الكتاب

منذ نحو السنة 150 أثبت بابياس مطران هيرابوليس نسبة الإنجيل الثاني لمرقس لسان حال بطرس في رومة وكانوا يقولون أن الكتاب ألف في رومة بعد وفاة بطرس راجع مقدمة الرد على مرقيون في القرن الثاني ايريناوس أو قبل وفاة بطرس راجع اقليمنضس الاسكندري أما مرقس فكانوا يعتقدون أنه يوحنا مرقس المولود في أورشليم راجع ( رسل 12 : 12 ) ورفيق بولس وبرنابا راجع ( رسل 12 : 25 ، 13 : 5 ، 13 ، 15 : 37 ، 39 ، قولوسي 4 : 10 ) ثم رفيق بطرس في بابل أي رومة على الأرجح وفقاً لما ورد في راجع ( 1 بطرس 5 : 13 ) ويكاد أن يكون إجماع على ان الكتاب ألف في رومة بعد اضطهاد نيرون السنة 64 وقد تدل ذلك بعض الالفاظ اللاتينية في صيغة يونانية وبعض التركيبات اللاتينية ويقدر ان الكتاب موجه إلى غير اليهود خارج فلسطين لما يظهر فيه من الاهتمام بشرح العادات اليهودية راجع ( مرقس 7 : 3 ، 4 ، 14 : 12 ، 15 : 42 ) وترجمة الألفاظ الآرامية والتشديد على أهمية الانجيل للوثنيين راجع ( مرقس 7 : 27 ، 10 : 12 ، 11 : 17 ، 13 : 10 ) أما الالحاح في ضرورة اتباع يسوع وحمل الصليب فذلك أمر كان موافقاً موافقة خاصة لحاضر جماعة يهزها اضطهاد نيرون ولما كان مرقس ينبئ بخراب الهيكل من غير أن يلمح تلميحاً واضحاً إلى النحو الذي جرت عليه الأحداث فما من شيء يحول دون القول أن الأنجيل الثاني ألف بين السنة 65 والسنة 70 أما صلة الكتاب بتعليم بطرس فهي عسير التحديد أن عبارة بابياس لسان حال بطرس غير واضحة ولكن المكان الذي يشغله بطرس يدل على كلام شاهد عيان ولا يبرز من جماعة الاثني عشر سوى يعقوب ويوحنا كأنهما كفيلان لشهادة بطرس ومع ذلك فلا يكال له المذبح واذا لم يخض بإحسن مقام فليس في ذلك على حملة عليه إن مسألة تبقى هي بأسرها فالنقاد يتخيلونه على وجه يختلفون فيه على قدر ما يجعلونه لمرقس من شأن عندما يقارنونه بمتى ولوقا فيرى بعضهم أنه الأصل الذي استندا إليه ويرى غيرهم أن هناك قبل مرقس مجملاً أول فيه تقليد على يسوع ومهما يكن من أمر فإنه يسشف من تأليف انجيل مرقس أن هناك مرحلة سابقة للتقليد كان الناس يتناقلون فيها أعمال يسوع وأقواله بمعزل عن أي عرض شامل لحياته أو لتعليمه ولا شك أن رواية الآلام بدت في البدء سلسلة روائية فيها عدة حلقات ومن الممكن أن بعض المجموعات الأولية كيوم في كفرناحوم راجع ( مرقس 1 : 21 – 38 ) أو مناظرات راجع ( مرقس فصل 2 ، 3 : 6 ) قد وضعت في وقت مبكر وكانت من مراجع مرقس وهناك سؤال لم يلق جواباً كيف كانت خاتمة الكتاب؟من المسلم به على العموم أن الخاتمة كما هي الآن راجع ( مرقس 16 : 9 ، 20 ) قد أضيفت لتخفيف ما في نهاية كتاب من توقف فجائي في الآية 8 ولكننا لن نعرف أبداً هل فقدت خاتمة الكتاب الأصلية أم هل رأى مرقس أن الاشارة إلى تقليد التراثيات في الجليل في الآية لا يكفي لاختتام روايته

أهمية الكتاب

كتاب مرقس هو في نظرنا أول نموذج معروف للفن الأدبي المسمى إنجيلاً كثيراً ما فضلت عليه في أستعمال الكنيسة المجموعات اللاحقة والأوسع التي أنشأها متى ولوقا وقد أعيدت إليه قيمته بفضل الدراسات الأدبية والتاريخية في القرن التاسع عشر والعشرين أن النقاد تخلوا اليوم عن وضع سيرة ليسوع معتمدين على فقرات مرقس وحدها ومع ذلك ففي خشونته وعفويته ووفرة عباراته السامية وطابعه البدائي في التفكير اللاهوتي دليل على قدم المواد التي استعملها والأشخاص والأماكن المذكورة مأخوذة من تقاليد قديمة إن تعاليم يسوع والتشديد على اقتراب ملكوت الله والأمثال والمناظرات والتعزيمات ليس لها موقع تاريخي أصلي إلا في حياة يسوع في فلسطين ولا تصدر الذكريات مباشرة عن ذكراة أفراد فأصلها يعود إلى شهادة التلاميذ الأولين بعد أن صيغت تلبية لحاجات الوعظ أو التعليم المسيح أو الرد على الخصوم أو الطقس في الكنائس وفضل مرقس أنه دون تلك الذكريات يوم كانت حياة الكنائس المنتشرة في خارج فلسطين والتفكير اللاهوتي الذي اشتد نشاطه لدى التقائه الثقافات الأجنبية قد حصلا في خطر لأن يفقدا صلتهما بينابيع الإنجيل وقد في أن يحفظ رؤية حية لا تمحى سيرة حافلة بالأحداث يعسر فهمها فمن هو ذاك الانسان؟عن هذا السؤال يأتينا مرقس بجواب المؤمنين الأولين الذين كانوا أول الشهود وان اكتفى أحد بتكرار هذا الجواب مرقس يعيد السؤال إلى بساط البحث ويذكره بأن الإيمان يمتحن بالالتزام الخالي من الترخص وباتباع يسوع وهو لا يزال إلى اليوم بلانجيل في الناس والمجد لله دائما

اعداد الشماس سمير كاكوز

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *