مقابلة مع سياسي كلداني مضطهد بويا كوركيس \ عنكاوا(4)

نتواصل سرد الحقائق التاريخية التي مر بها شعبنا العراقي بكافة مكونات القومية والأثنية عموماً وشعبنا الكلداني وبقية المكونات الأصيلة من الأزيديين والصابئة المندائيين والآثوريين والسريان والكاكائيين والشبك والأكراد خصوصاً ، تلك الحقبة التاريخية التي رادفتنا جميعاً منذ نكسة تموز عام 1963 ولحد 2003 نتيجة الفكر الفاشي القومي العنصري المطعم تغليفاً وعملاً فاعلاً بزرع بذور الأسلام السياسي الطائفي اللعين ، لتتواصل مآسينا ولحد اللحظة والعراقيون يحصدون ذلك الزرع الفاشي المقيت في ظل الأحتلال الجائر وحكم الأسلام السياسي شيعياً وسنياً على حد سواء ، ليتواصل العنف والعنف المضاد نتيجته أراقة الدماء وسريانها المستمرة في شوارع العراق وخصوصاً بغداد العاصمة ، وما أختيارنا لهذا النموذج الأنساني المعاني من ضيم وقهر وجبروت النظام الدكتاتوري الفاشي ، سوى من أجل أفهام ومعرفة الجيل الحالي والأجيال اللاحقة ما حلت بشعبنا الكلداني وبقية المكونات الأصيلة ، جراء العنف اللامبرر بالضد من الأنسان العراقي الشهم والحريص على مستقبل العراق وشعبه من خونة الوطن والأنسان معاً.

س24: سمعنا وأنت في السجن كنت متعداً للحانوت ، ممكن تذكرنا بعض الشيء من عملك وما كانت الغاية منها ، وأنت لم تكن محتاجاً لهذا العمل أصلاً؟

ج:نعم لم أكن بحاجة مادياً ، ولكن حدث ذلك للأسباب التالية:

1.لمساعدة المحتاجين من السجناء وخصوصاً الذين لم يحظون بزيارة أهاليهم لأسبابهم الخاصة والمتنوعة المتعددة ، ليس من ناحية الأكل فحسب كونه متوفر ، ولكن السجين بحاجة الى أمور أخرى كانت غير متوفرة منها مصاريف الحمام وادوات الحلاقة وغيرها ، وعليه كنت أقدمها للمحتاجين مجاناً من حسابي الخاص دون علم الأدارة.

2.العمل الأنساني أعلاه كان يخفف الكثير من تعبي اليومي ومعاناتي ووضعي النفسي داخل السجن ، مما يزيدني القوة والجبروت في مقاومة الظروف الصعبة التي ترادفني كسجين بين الحين والآخر.

3.تواجد قسم من السجناء في المحجر بوضعهم السيء للغاية والذين غالبيتهم محجوزين دون علم أهاليهم ، وهم بحاجة ماسة لمن يمد لهم يد العون والدعم والمساعدة ، وهذا كان يحز بنفسي ويؤلمني جداً لذا عملت لتخفيف ولو جزء يسير من معاناتهم.

س25:كيف كنت تتعامل مع المساجين وهم من مختلف المكونات والأتجاهات السياسية والفكرية والأثنية والقومية وأنت عراقي كلداني أصيل؟

ج:نعم كان في السجن مجموعات متنوعة ومتعددة الأتجاهات سياسياً وقومياً وأثنياً وفكرياً ، لكنهم متفقون جميعاً على حب الوطن والأنسان العراقي وضرورة أنصافه وأنهاء معاناته والوضع المتردي القائم آنذاك خلاصاً من دكتاتورية فاشية ، منهم شيوعيين والدعوة والأخوان والقوميين من مختلف مكونات الشعب العراقي ، بما فيهم بهائيين وماسونيين وكلدان وبقية المسيحيين وكرد وعرب والخ.

س26: كم أستمرت فترة عملكم في الحانون وكيف أنتهت فيما بعد؟

ج:أستمر علمي في الحانون وعلى الوضع الآنف الذكر أعلاه لمدة قاربت السنة ، حتى علم أمن السجن ليتم محاربتي وتهديدي بأحالتي الى محكمة الثورة ونقلي الى سجن آخر ، بدعوة اللقاء والاجتماع السياسي في الحانوت ، ولذا تم سحب الحانوت مني  لتنتهي مهمتي الأنسانية التي لا تروق للمجرمين القتلة.

س27:لماذا تم تحويلك من ق3 الى سجن السياسيين؟

ج:كنت سجين سياسي كما أسلفت سابقاً ، تم نقلنا الى ق3 (السجن العادي) لعدم توفر المكان في سجن السياسيين ، وبعد أطلاق سراح السجناء السياسيين الأكراد في عام 1975 كما أسلفت سابقاً بموجب قرار العفو ، أنخفض عدد السجناء السياسيين في القسم ، ولكوني سجين سياسي بالأصل تم تحويلي والبقية الى قسم السياسيين.

س28: ماذا كان شعوركم عندما تم نقلتم من ق3 الى القسم السياسي؟

ج: الحقيقة أنتابتنا الكآبة بسبب سوء المعاملة في القسم السياسي قياساً بقسم ق3 ، أضافة تم أطلاق سراح السجناء الأكراد المحكومين بنفس القضية والمواد القانونية التي حكمنا نحن أيضاً بها ، ولهذا شعرنا بالغبن الكبير كوننا من الأقليات الأصيلة نحن الكلدان وبقية المسيحيين والأزيديين ، وكان تعاملهم هذا غير وطني ولم يتقيدوا حتى بتنفيذ قوانينهم الجائرة بالتساوي أنتهاكاً لأبسط قيم وحقوق الأنسان كوننا عراقيون يفترض التعامل مع الجميع بمستوى واحد ، كانت مخلة بحقوق الكائنات الحية ومن ضمنه الأنسان.

س29: كنت في ق3 نوعاً ما ظروفك والحالة هذه أفضل بكثير من القسم السياسي ، ما هو الهم والمعاناة التي حملتها وأنت في ق3؟

ج:نعم هذا صحيح وواقع ، كان همنا ومعاناتنا الجمة لا تفارقنا قيد أنملة ، كون ق3 يقع مقابل محجر الأعدام حيث كان السجين السياسي يمر من أمامنا وهو في طريقه للأعدام ، وعند مرورهم بالقرب منّا يلوحون بتحاياهم وهم الى طريق الشهادة منتظرين تنفيذ الأعدام وخصوصاً من الشيوعيين والدعوة ، مما كان العسر والكبت النفسي والمعاناة الجمة ترافقنا لتسري فينا نار ملتهبة داخلية نفسية وشعور غضب مكبوت قاتل للنفس الأنسانية ، حيث أخوانهم من الكرد تم أطلاق سراحهم وكانوا محكومين بالأعدام أيضاً ، أما البقية من العرب والقوميات الأخرى من المكونات العراقية لم يشملهم العفو وخصوصاً الكلدان وبقية المسيحيين والأزيديين ، لينفذ بهم الأعدام لنهاية حياتهم وهذه مفارقة كبيرة  وبعيدة عن أبسط قيم الحياة  وروح المواطنة العراقية بأزدواجية التعامل بين العراقيين. 

س30: ماذا كان شعور ومواقف عوائلكم بعدم شمولكم بقرار العفو العام ، أسوة بالأخوة الكرد الذين أطلق سراحهم عام 1975؟

ج: نعم كانوا بوضع لا يحسد عليه .. حيث ذهبت المرحومة والدتي وخمسة من أمهات زملائي العنكاويين السجناء معي ،  يرافقهم المواطن يوسف شابو أخو السجين الآخر معنا الى دار البطريركية في بغداد ، يستقبلهم النائب البطريركي المرحوم  عمانوئيل دلي في حينها ، وبمجرد سماعه أولادهم سجناء سياسيين تم كبحهم ومنعهم من الكلام وطردهم من مقر البطريركية ، علماً المرحوم غبطته بعد توليه موقع البطريرك فيما بعد ، أقام الدنيا ولم يقعدها في الدفاع المميت عن المجرم المحكوم  طارق عزيز (ميخائيل حنا) ، وبهذا التصرف المشين والغير المسؤول عن حياة شعبه ، يوحي  رأس الكنيسة الكلدانية  تعامله المزدوج والغير المسؤول روحياً وأنسانياً ، ووفق المزاجيات والأهواء  الفردية والخاصة ، ليكون له وقع غريب وقاتل لتصرف هكذا نماذج مدانة من قبلنا وعوائلنا يتداولها التاريخ ما حيينا.    

؟

حكمتنا:(لا يصح الا الصحيح ، مهما غاب الزمن أم قصر الوقت ، والحقائق تظهر كاملة فالتاريخ لا يرحم كان من يكون في الكون .)

(تابعونا)

منصور عجمايا

25\5\206

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *