مصيبة الكلدان بين كنّا وأغاجان

 

 

بعد تصريح الرئيس جلال الطالباني ضمن مقابلةٍ صحفية أثناء تواجده في فرنسا < بأنه لا يُعارض على استحداث محافظة للمسيحيين في المناطق التي يشكلون فيها الأكثرية > تُرى، ما الذي حدا بالرئيس طالباني الى المجاهرة بعدم المعارضة بعد سنوات من مطالبة مُدلَّل الأكراد سركيس أغاجان بالحكم الذاتي وبتشجيع من الحزب المنتمي إليه الديمقراطي الكردستاني الذي أبرزه للعب دور مرسوم في الساحة السياسية المسيحية، تلك المطالبة التي قابلها بالصمت لكونها مطالبة مشبوهة وغير مقبولة من غالبية الشعب المسيحي، فكيف أصبحت الآن مشروعة؟ هل كان تصريحه ردّاً على الفعل الإجرامي الذي استهدف المسيحيين أثناء تأديتهم الصلاة في كنيسة سيدة النجاة؟ أم جاء تهدئةً للغضب الشعبي الذي عمَّ العراق والعالم استنكاراً وتنديداً بالعمل الوحشي؟ أم هو اعتراف بعجز الحكومة العراقية وعدم قدرتها على حماية المكونات الصغيرة ولا سيما غير المسلمة منها وبخاصةٍ المكون المسيحي من خطر الإبادة الجماعية على أيدي العصابات الإرهابية؟

 

في رأيي جاء التصريح لنصرة سركيس أغاجان معتمَد الأكراد على يونادم كنا خصمه العنيد المسنود من الجهة الواقفة بوجه الأكراد. والضحية بين المتخاصمَين هم الكلدان الذين لا معين لهم إلا الله ويشاركهم في مصيبتهم أغلبية إخوتهم السريان ما عدا العملاء والمأجورين المتأشورين مِن أبناء الكلدان والسريان الذين باعوا أنفسهم بأرخص الأثمان وصاروا أدوات طيعة بأيدي أسيادهم قياديي التنظيمَين الشوفينيين زوعا وما يُسمى بالمجلس الشعبي. وأكبر برهان على ذلك كان رد سكرتير زوعا بأن التصريح مخالف للدستور العراقي الإتحادي بينما رحب ما يسمى بالمجلس الشعبي بالتصريح عن طريق منظريه ومأجوريه المرتزقة من العملاء الكلدان الأغاجانيين . فالعميل الأول بينهم كتب يقول ” لا يحق ليونادم كنا التصريح باسم الشعب المسيحي لأنه ليس ممثله الوحيد ولأن ذلك يعني إقصاء ممثلي المجلس الشعبي . والعميل الأخر يقول نثمن مبادرة الرئيس الطالباني ويضيف بأنه قابله عندما كان ممثلاً لحزب آشوري في سوريا وبحث معه العلاقات الأخوية بين الأكراد والآشوريين ، وأن الطالباني  قال بأن الآشوريين شركاء معنا في كردستان، فهل هنالك عمالة أكبر من كلدانيٍّ ليقدمها للأشوريين المزيفين الطارئين على العراق؟

 

ليس تصريح السيد الطالباني بمُستغرَبٍ فهو زعيم أحد الفريقين اللذين يحكمان إقليم كردستان، ولكن المستغرب فيه هو مخالفته للدستور الذي أقسم هو على الحفاظ عليه وتطبيق كافة بنوده باعتباره رئيساً للجمهورية،وقـولي هذا ليس تأييداً لموقف السيد كنا فموقفي كثيراً ما يتعارض مع توجهاته، فلو كان الأستاذ جلال خارج هذا المنصب وكزعيم كردي يهمه توسيع المجال الجغرافي لإقليم كردستان،عندذاك لَكان الأمر مختلفاً. وهنا يجدر بنا السؤال : هل التصريح يرمي الى رفع المسؤولية عن الحكومة بالمحافظة على سلامة المسيحيين وحماية أماكن عبادتهم حتى لا تتهم بالتقصير أو العجز وإلقاء هذه المهمة على عاتق المسيحيين أنفسهم؟ إذا كان الأمر كذلك فمذا يكون دور الحكومة بالنسبة لهم؟ ثم إن سيادة الرئيس وكُل المسؤولين بالدولة على اختلاف مناصبهم ومسؤولياتهم يعلمون جيداً بأن الكلدان يمثلون الغالبية العظمى من المسيحيين، وأنهم قد غُبن حقهم عندما استبدلت كوتا الإنتخابات من كوتا قومية الى كوتا مسيحية فجرى الإلتفاف عليهم من خلال هذه اللعبة غير العادلة، وفاز مَن لا يمثلونهم بل إن الفائزين بالتزوير رسم لهم هدف هو العمل على تغييبهم وهضم حقوقهم، لأنهم ضدَّ مشروع الحكم الذاتي والإنفصال عن بقية إخوتهم العراقيين من الأطياف الأخرى،ولأنهم يودون العيش فيما بينهم وفي كل مناطق العراق، فهل يُعقل أن يُحرم الكلدان من المناصب الحكومية وتُعطى لمَن لا يمثلونهم وبإسمهم؟

 

إن أيٍّ من المشروعَين، الحكم الذاتي أو المحافظة هو مصيدة كبيرة بل سيكون سجناً للمسيحيين ومسرحاً لتقاتلهم فيما بينهم أولاً، وهدفاً سهلاً للمتآمرين عليهم والعازمين على الخلاص منهم ثانياً. وهذا هو السبب الذي يتخوف منه الكلدان ويقفون بالضد من كلا المشروعَين التآمريين لأنهم سيكونون كبش الفداء والخاسر الأول والأخير. فهل فكر المنظرون المأجورون حاملو الأفكار الهشة المغرَّر بهم من قبل المخططين النفعيين بالمساويء التي ذكرناها التي ستلحق بالمسيحيين في حالة تنفيذ أيٍّ من المشروعَين المُريبَين لا سمح الله؟ إن أيٍّ من المشروعَين ليس بعيداً عن خطةٍ جهنمية مرسومة من قبل أطراف داخلية وخارجية، الهدف منها القضاء على الوجود الكلداني والسرياني المسيحي. فإذا كانت الحكومة العراقية حقاً حريصة على بقاء الكلدان المسيحيين بكل انتماءاتهم المذهبية في العراق، عليها عدم الموافقة على مثل هذه المشاريع الرامية الى عزل المسيحيين عن إخوتهم المواطنين الأخرين الإسلام واليزيديين والشبك والمندائيين، وأن توفر لهم الأمن والحماية الكاملة، وتمنحهم حقوقهم المشروعة وتشركهم في المسؤوليات الوطنية كالوظائف والمناصب ليساهموا في بناء الوطن الديمقراطي التعددي الحر .

 

 

 

الشماس د. كوركيس مردو

عضو الهيئة التنفيذية

في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان

في 25 / 11 / 2010 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *