مراسيم في بيت الفحم / بقلم د. تارا ابراهيم

تلقينا وبأسى شديد نبأ وفاة أستاذ جامعي فرنسي يعمل معنا في نفس القسم، وتضامنا معه ولمواساة عائلته إرتأينا أن نذهب جميعا الى مراسيم دفنه، ولكن يبدو أن الأستاذ المعني كان قد أوصى بأن تحرق جثته لدى موته بدلا من دفنها، الأمر كان غريبا بالنسة لي بعض الشيء ولم أتجرأ على السؤال عن السبب، كون الفرنسيين يكرهون من يسألهم أسئلة شخصية تتعلق بحياتهم الخاصة.

من هذا المنطلق، قررت أن أنتحل صفة المراقب لما سيحدث في المحرقة وأن أحتفظ بتكهناتي لنفسي، فمهما كانت الأسباب التي دعت الأستاذ الى هذا القرارسواء أكانت أسبابا تتعلق بالبيئة، إذ يمكن أن يكون منتميا الى الحزب البيئي الأخضر، أو لديه فلسفته الخاصة بالحياة أو لعله من المرعوبين من فكرة أكل الدود لجثته لدى مواراته التراب أو كونه بوذيا أو حتى لأسباب إقتصادية، فقراره يجب أن يحترم وأن ينفذ بالحرف الوحد من قبل عائلته.

بمناسبة عيد الموتى شاهدت تقريرا مصورا عن إزدياد ظاهرة حرق الجثث في فرنسا، فبعد أن كانت تشمل 1 % من الفرنسيين قبل ثلاثين عاما إزدادت نسبته الى 30% في يومنا هذا ويتوقع أن يصل الى 50% من الفرنسيين الذين يودون أن يحرقوابعد وفاتهم في غضون 10 سنوات المقبلة، الأمر ليس مفاجئا في مجتمع حتى الموت فيه يمثل مادة تجارية قابلة للمساومة والتفاوض، فالمترالمربع الواحد لدفن الميت يتجاوز سعره 3000 يورو في المدن الكبرى وأقل قليلا في المدن الصغيرة. فضلا عن ذلك يجب البحث عن شركة مختصة وجيدة لتشرف على مراسيم الدفن، وهذا يتطلب مبلغا كبيرا من المال الى جانب العقد الذي يبرمه مع إحدى الشركات كي تصون وتنظف وتضع زهوراعلى الضريح بصورة مستمرة، فيما لا تتجاوزتكاليف عملية الحرق 600 يورو.

من الجدير بالذكر أن المذهب الكاثوليكي في المسيحية لا يمانع البتة في عملية حرق الموتى كما هو الحال لدى المسلمين واليهود والمسيحيين الأرثوذكس، بل ويمكن أن تتم المراسيم الدينية قبل عملية الحرق كل ذلك يعتمد على رغبة ووصية الميت مما لا يتناقض مع إيمان الأشخاص المتدينين الذين يرغبون في أن يحرقوا.

بناية المحرقة كانت جميلة وبيضاء دخلناها جميعا مع أهل الميت، كان التابوت في صالة واسعة ذات إنارة جيدة، وما أن اكتمل الحضور حتى عزفت قطعة من الموسيقى الكلاسيكية لبيتهوفن والذي يبدو أن المرحوم كان يعشقها في حياته، الصالة كانت مرتبة كما الكنيسة ولكن أية مراسيم دينية لم تقم للمتوفى. بدأ أفراد العائلة والمقربون بإلقاء خطب عن الأستاذ وخصاله الحميدة، واحدا تلو الآخر، ومن ثم تم توديع التابوت من قبل الجميع.

وبعد ذلك أخذ الى المحرقة على انغام عزف موسيقى حزينة ، وكانت البناية من الداخل مجهزة بأحدث الأجهزة التقنية التي من شأنها أن تحرق الجثة سريعا، ومن ثم غادر الجميع الى مأدبة الغداء المقامة على شرف الميت، بعد ان طلب من عائلته الانتظار مدة ساعتين لاستلام الرماد في قارورة جميلة تم إختيارها مسبقا.

يذكر أن منذ عام 2008 منعت الحكومة الإحتفاظ بالرماد في منزل المقربين وعلى العائلة أن تكتب رسالة الى البلدية عن موضع الرماد وهل يتم نثره في الطبيعة أم لا، أما الذين لا يودون نثر رماد موتاهم، فعليهم أن يضعوا القارورة في مكان ما في المقبرة التي غالبا مايتم وضع صناديق صغيرة فيها لهذا الغرض.

 د. تارا ابراهيم

عن/ مجلة صوت الاخر/ أربيل

(الفحم) اسم بناية المحرقة

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *