مذبحة الحلبجة والضمير الانساني

تمر في هذه الايام ذكرى إحدى أبشع الجرائم في تاريخ الانسانية التي قُتل فيها اكثر من خمسة الاف نسمة من الشعب الكردي (1) في مدينة الحلبجة الكردية الواقعة على الحدود العراقية الايرانية بتاريخ 16 اذار 1988م.

كانت هذه اول مرة في تاريخ الانسانية تستخدم الاسلحة الكيمائية وتترك هذا العدد الكبير من الضحايا عالميا،  الجريمة  تمت بتخطيط وتحت اوامر المجرم  علي حسن المجيد السيء الصيت الملقب ب( علي الكيميائي) (2).

حينها قام المغني الكردي الكبير شفان بكتابة وتلحين وعزف وغناء الاغنية  المشهورة ( هاوار هاوار  هاوار) التي جعل  من اوربا ان تبكي على الضحايا، بعدما رأوا مشاهد من فلم مصور عن الجريمة  التي  اظهرت جثث الضحايا المحروقة نتيجة الضربة الكيمائية.

فأستيقضت اوربا على القضية الكردية التي كانت اصبحت مطمورة حوالي 75 سنة بعد الحرب العالمية الاولى على اثر دور رجال الدين المتعصبين وبتأثير من قادة جميعة الاتحاد والترقي العثمانية في دفع  اكراد تركيا  للقيام والمشاركة  في مذابح المسيحيين (3) التي ذهب ضحيتها اكثر من مليوني نسمة  في الجبهة الشرقية ضد الاقوام الاخرى.

مذبحة جلبجة  لم تكن اول مجزرة تحصل  للاكراد في التاريخ، فهناك العشرات مثيلاتها سواء كانت على يد الاتراك او الفرس او  العرب او غيرهم عبر التاريخ، ازيلت في القرن التاسع عشر على الاقل  اربعة  من اشهر اماراتها ( الراوندوس، البدرخان، والنهيري، و البهدينان) ما عدا محاولات  الشيخ محمود الحفيد في السليمانية ومن بعد ذلك جمهورية مهاباد في ايران في القرن العشرين.

يحز علينا كعراقيين من سكان الاقليم  ان نرى الشعب العراقي متمزقاً مشلولاً في هذه  الايام بسبب الفكر الطائفي والمذهبي والقومي بعد ان قاسى جميع مكوناته جرائم الحكومات البائدة من جنوبه الى شماله  في حروب خاسرة.

من المؤسف جدا ان نرى الانسانية وصلت الى هذه الدرجة من المعرفة واليقظة بينما  نرى في نفس الوقت، ان قادة المجتمع السياسيين والدينيين يتصرفون بعدوانية مريضة بعيدة عن القيم  والضمير الانساني، وكأنهم  بعيدين عن روح العصر وقيمه الحاضرة ، فتركونا ان نُشّبه المجتمع مثل الشخص الذي لا يملك  الرأس (العقل).

عبر التاريخ  كانت الشعوب والقوميات تحاول دائما تدخل في القتال سواء كانت في حالة الدفاع او العدوان، ولهذا نرى صفحات تاريخ الامم والشعوب كلها تبدا بالدماء . هذا ما نراه مثلا في تاريخ المانيا و تركيا الحديثة والقديمة ودول البلقان الحديثة ودول الشرق الاوسط  التي هي حديثة العهد مقارنة بالانكليز او الفرنسيين او الروسيين.

في الختام نطلب الرحمة لشهداء مذبحة الحلبجة و نطلب الرحمة لكل شهداء العراق بكافة مكوناتهم وعقائدهم،  ونتمنى من الجميع لا سيما من الاخوة الاكراد (قادةً وشعباً) ان لا ينسوا اخوتهم  المسيحييين (من الكلدانيين والاشوريين والسريان والارمن ) واليزديين الذي شاركوا معهم في نضال منطقة الاقليم على الاقل  خلال نصف القرن الماضي (اي منذ سنة 1961 ولحد الان) . وان لا  يعطوا مجالاً ان يهب عليهم خريف العرب !! ولونه القاتم المملؤ من روح التشاؤم والتعصبية واللون الواحد في الحياة.

ان يحافظوا على وحدة الاقليم ويدافعوا عن نظامه الديمقراطي الذي ذهب ضحيته اكثر من 200 الف شهيد على الاقل ، وان يصونوا  تطبيق القانون والعدالة على الجميع  بدون تميِّز في جميع المواقع الحكومية ، ويتم القضاء على العنصرية والتميِّز الديني عن طريق بث الفكر الحضاري الانساني المستنير الموثق  في لوائح حقوق الانسان في الامم المتحدة.

………….

1 – كان من بين الضحايا بعض افراد المسيحيين

2- هناك عدة اراء حول من الذي ضرب حلبجة بالاسلحة الكيميائية ايرن ام العراق؟ معتمدين على التحاليل والاعراض التي ظهرت على الضحايا كي يتم التعرف على  نوعية السلاح الذي يُقال على الاغلب هو  غاز هيروسيانيد ( هديروجين سيانيد).

3-  الارمن والاشوريين والكلدانيين والسريانيين واليزديين واليونانيين.

بقلم يوحنا بيداويد

ملبورن /استراليا

18 اذار 2012

You may also like...