محاضرة المطران مار أميل نونا في سدني أطروحة العصر

سـيادة المطـران أميل نـونا يحاضـر بـينـنا
وإليه إستـمعـنا، فـنـوَّرَ لـنا في قاعة لانـتانا

 

بقـلم: مايكـل سـيـﭙـي
سـدني

نيابة عـن سـيادة المطـران أميل نـونا السامي الإحـتـرام وعـن الحـضور كافة وبإسمي نـشـكـر إدارة نادي بابل الكـلـداني في سـدني عـلى إتاحة وتهـيئة قاعة النادي لـتـقـديم هـذه المحاضرة بقـلوب منـفـتحة وصدور منـشـرحة مع كافة مستـلزمات الأجـهـزة الصوتية، إنّ النادي هـو بـيت الجـميع فـشـكـراً ثانية للجـميع.

كان موعـدنا في الساعة السادسة والنصـف من مساء يوم الأحـد 3 حـزيران 2012 مع سـيادة المطـران أميـل شـمعـون نـونا رئيس أساقـفة أبـرشـية الموصل وتـوابعها في قاعة لانـتانا / نادي بابل الكـلـداني، وقـد وصل إليها قـبل الموعـد لـيُجالسنا بعـض الوقـت في محادثات ودّية جانبـية مع تحـيات وتـرحـيـب الأقارب والمعارف والأصدقاء من أبناء جاليتـنا المتـنـوّعة في سـدني حـتى حان الموعـد فإرتـقى المكان المخـصص لمحاضرته كي نستمع إليه. رحَّـبْـنا به بـينـنا نحـن إخـوته جـميعـنا مـذكــِّـرين إياه بعـبارة كـتـبناها له بمناسبة رسامته أسـقـفاً وقـلـنا: (في عـمق البحار لآلىءٌ تكمن بـين أصداف المحار، عـمـرٌ مـديـدٌ لك، عـش سـعـيداً في أبـرشـيّـتك، صلـيـبك دلـيلكَ، تـقـتـفي آثار الجـلجـلة بـصولجانك، فـهـل أوفى قـلمُـنا حـقـكَ؟) فـردّ سـيادته: نعـم أوفى، ثم شـكـرَ.

فعلاً كانـت أمسية ثـقافـية بل أكاديمية نـقـلـَـنا فـيها سـيادته عَـبر محاضرته إلى أجـواء إجـتماعـية نحـياها يومياً ولكـنـنا لسنا نـنـتبه إليها لـتمحـيصها، عـرَضها أمامنا بمناورة فـلسفـية رائعة شـدّتـنا إليها طـيلة ساعة من الزمن لم تــُتِح لـنا فـرصة الإلـتـفات إلى اليمين أو إلى الشمال ولو برهة من اللحـظات.

نعـم، لـقـد إكـتـضتْ القاعة بالحـضور شـوقاً إلى سماع محاضرة هي الأولى من نـوعـها لسـيادته بـينـنا بعـد رسامته أسـقـفاً، كانـت غـنية في مادتها غـزيـرة في مفـرداتها مثيرة في فـقـراتها فـلسفـية في مضامينها ولكـن سـيادته أوصل أفـكاره إلينا بأسـلوبه البسيط دون تعـقـيد وباللغة الكـلـدانية الدارجة (لا شك أن مصطلحات بلغات أخـرى قـد ترد فـيها للضرورة العـلمية والبلاغـية) وهـكـذا كانـت جـميع أسـئـلة الحـضور المباشـرة والبالغ عـددها 12 سـؤالاً بعـد المحاضرة ما عـدا سؤال وردَ باللغة العـربـية فأجابه سـيادته باللهـجة الألقـوشية. وبالمناسـبة فـقـد حـضر القاعة في حـوالي منـتـصف وقـت المحاضرة سـيادة المطـران جـبرائيل كـساب الموقـر مع حـضرات كـهـنة الرعـية المحـتـرمين للمشاركة معنا في الإستماع فـرحـبنا بهم جـميعاً.

العائـلة أمام صـراعات العـصـر

كان عـنـوان المحاضرة ــ العائـلة أمام صـراعات العـصر ــ موضوعاً يهـمنا جـميعاً أينما كـنا في العـراق أم في دول المهجـر فإبتـدأ سـيادته في تحـديد مفـهـوم العائـلة وفـق المنـظـور القـديم مبـيّـناً لـنا نـفاذ مفـعـوله في خـضم النـظام العالمي الجـديـد، ثم إنـتـقـل بنا إلى مفهـومها العـصري اليوم وقال: إن مشكـلة العائـلة في عـصرنا هـذا ليست الأخلاق وإنما تـكـمن في ماذا تعـني العائـلة وما هـو مفهـومها! وإنَّ إدراكـنا أولاً لـتعـريفها أهـم من النـظر والبحـث في أزماتها، وفي الحـقـيقة رسَمـَها لـنا صورة ﭙانـورامية جـميلة وعـبَّـر في ذات الوقـت عـن مفهـومها الكلاسـيكي الذي كان مألوفاً لـدى آباء الجـيل الماضي، ثم النـظرة العـصرية لآباء اليوم إليها وكـما يلي:

أولاً: المفاهـيم التـقـليـدية للعائـلة (نـظـرتان متباينـتان)

(1)- يمكـنـنا تـصـوّر العائـلة شـكـلاً هـنـدسياً هـرَمياً وهـو مصطلح مألوف في حـقـول السياسة وعـلم الإجـتماع، يـبدأ النـظـر إليه من قـمته الفـوقـية وبالتـدريج نـزولاً إلى القاعـدة الواسعة السفـلية، فالـقـمة تمثـل قائـدها الأوحـد، الآمـر والناهي لا ينافـسه أحـد، لا يعـطي أذناً صاغـية لغـيره من أعـضاء الأسـرة، تـوجـيهاته واجـبة الطاعة إلى الأبـد، إنه الأب عـلى الأغـلب وقـد تـكـون الأم أو الإبن الأكـبر أو البنت الكـبرى، إنه المؤثـر عـلى الجـميع دون أن يتأثـر بأحـد، أما القاعـدة فـهم أعـضاء في هـذا الهـيكـل متـفـرّجـون طائعـون لا رأي لهم، وحـسب الأعـمار يتـدرّجـون، وأضاف سـيادته: هـناك ثـوابت في هـذا الشكـل المجـسّم للعائلة غـير قابلة للإلغاء كالإحـتـرام والطاعة والولاء والقـيَم التي نعـرفها جـميعـنا (وبالنـتيجة كـما يراها المحـلـلـون فإن هـذا النـمط من تـركـيب العائـلة له تـداعـيات لا تـواكـب العـصر ومنها: بُـطء التـطـوّر عـنـد الأعـضاء، ومنع الأفـكار ومبادرات البناء ــ الكاتب) وهـذا المفهـوم خـدمَ العائـلة إلى زمن! وخاصة في البـلـدان الفـقـيـرة التي لا تـتوفـر فـيها فـرصة الإستـقلالية أمام أعـضاء العائـلة، فأين يكـمن صراع العـصر الحالي مع هـذا المفهـوم البالي؟ في عالمنا الـيوم دخـلتْ مفاهـيم جـديدة ألقـتْ بظلالها بل برياحها عـلى موضوعـنا الذي يشغـل بالـنا، فالنظام العالمي الجـديـد يـركـز عـلى الفـرد كـكـيان مستـقـل له قـدراته وقـراراته ومسؤولياته تخـصه لـوحـده يجـب إحـتـرامها، وعـليه فالمفهـوم الهـرمي القـديم يواجه أزمة (إنْ لم نـقـل بـدأ يتلاشى من ساحة الحـياة ــ الكاتب) لأن النظام العالمي الحالي الـمشار إليه يـدفـع بالفـرد إلى الـبحـث عـن هـويته المستـقلة وحـقـوقه الشخـصية المدفـونة فـبات في قـناعة بأنها إستحـقاقاته ويجـب أن لا يُـجَـرّد منها، وهـذا يعـني أنه لم يعُـد متـلقـياً مُـنـفـذاً فـقـط كـما كان في البناء الهـرمي، بل أمسى فـعالاً ومؤثـراً عـلى غـيره أيضاً في مجـتمعـنا العـصري، وهـذا يعـني أيضاً أنه يريد لـبصماته دَوراً كي تـترك أثـراً عـلى غـيره مثـلما الغـير يطبع بصماتِه عـليه! ومن هـنا يـبدو أن شكـلنا الهـنـدسيّ الهـرمي بـدأ يتـصدّع.

(2)- في بلدان العالم المتقـدم إقـتـصادياً ظـهـرَ مؤخـراً مفـهـوم حـديث للعائلة يمكـن تسميته ــ مجـموعة الأفـراد المستـقـلين ــ العائلة فـيه ليست شكلاً هـنـدسياً مجـسّماً مترابطاً، وإنما هي مجـموعة من عـناصر مُـفـكــّـكة أو أفـراد ليسـوا أعـضاءاً في جـسم مترابـط بل كل واحـد مستـقـل عـن الآخـر، إتـفـقـوا فإجـتـمعـوا مع بعـضهم مؤقـتاً في مؤسّـسة إجـتماعـية وعـنـد البلوغ والنضوج يتـفـرقـون (وكأنهم سـوّاح أصدقاء في سـفـرة تـنـتهي صداقـتهم بإنـتهاء سـفـرتهم ــ الكاتب) وهـذا النموذج لمفـهـوم العائـلة لا يتضمن قـيَـماً أو ثـوابتَ للعلاقات الإجـتـماعـية، ويترتب عـلى هـذا أن الأفـراد صاروا أصحاب قـراراتهم الذاتية، أما القـيم والمبادىء والثـوابت التي كانت مفـروضة في الماضي أضحـتْ اليوم إخـتيارية، وإزاء هـذا المفهـوم سَـنــَّـتْ هـذه البلـدان قـوانين عائلية عـديـدة لا تـنـسجـم مع أصحاب العائلة الهـرمية التي تجـعـل الإنسان يحـس بـذاته وبـوجـوده من خلال الحـب الذي يتـلقاه من غـيره والمتـرابـطين معه. وفي مفهـوم هـذه الدول الـمتـقـدمة وقـوانينها تكـون العائـلة خـلية منتجة فـقـط وليست حـية (أي أن هـدفـها إنـتاجي إقـتـصادي وليست حـية بروحـية الحـب والعـواطـف بـين أعـضائها ــ الكاتب). إن هـذا التـطـور الذي حـصل في مفـهـوم العائـلة ليس خالٍ من الإيجابـيات فـقـد منح الـفـردَ فـرصة كي يحـس بـدَوره ومسؤولياته وتـقـيـيمه لنـفـسه بصورة أفـضل ولكـنه في ذات الوقـت أوجـدَ وأفـرز لـنا مشاكـل إجـتماعـية لم تكـن موجـودة سابقاً وهي:

أ)- شـعـور الفـرد بالوحـدة والعـزلة والمعاناة منهما، بسبب النـظـرة إليه كـعـنـصر منـتج مجـرّد من العـواطف، وهـذه دفـعَـته إلى المشـكـلة التالية:

ب)- البحـث عـن وسائل معـوّضة لحالته تلك كالإدمان عـلى الممنوعات (أو مصاحـبة أصدقاء السـوء ــ الكاتب) تملأ فـراغه من جهة، ومن جهة أخـرى يـبتعـد عـن واقـعه المؤلم وبالتالي يفـقـد القابلية عـلى إدارة نـفـسه بنـفـسه فـيصبح عـبـداً لتلك الوسائـل وللـقائـمين عـلى إدارتها فلا يستـطيع التخـلـص من نـتائجها السلـبـية. إن هـذه السلبـيات المتعـمقة في المجـتمعات الغـنية والمتـطـوّرة إقـتـصادياً (بـدأتْ) تـدخـل أيضاًعالمنا الفـقـير المتـواضع إقـتـصادياً والسبـب يكـمن في أن هـذا الفـقـيـر يريـد الإبتعاد عـن واقـعه لينـسى هـمومه، وهـذه بـدَورها قادته إلى مشـكـلة ثالثة:

ج)- إنّ الشعـور بالوحـدانية وغـياب الحـب الرابـط بـين أفـراد الأسـرة يقـوده إلى نبـذ القـيَـم ورفـض المبادىء والتـمرّد عـلى القـوانين، ولم تـعُـد هـناك عائـلة متماسـكة يرتـبط العـضـو فـيها بل أصبح فـرداً مستـقلاً ووجـوده في العائلة مؤقـتٌ ومستـعـد للإنـفـصال عـنها في أية لحـظة ويغادرها دون أن يـبالي بها، وهـنا فـقـد الإستـمتاع بحـبها فكانت نـتيجـته:

د)- الجـنس الـمجـرد عـن الحـب! وهـو من أحـدث المخاطـر عـلى مجـتمعـنا اليوم (لأنه صار بمثابة عـملية ميكانيكية ألية، لا وجـود للمشاعـر العاطـفـية فـيها قـبل أو بعـد الإنـتهاء منها ــ الكاتب).

إنّ تـقـسيمـنا هـذا للعائلة والذي عـرضناه أمامكـم ليس خالياً ولا جاء إعـتـباطاً وإنما تـقـف خـلفه مؤسّـسات ضخـمة تخـطـط له وتـرصد مبالغ كـبـيرة من أجـل إيجاده عـلى أرض الواقع ودفـعه إلى الأمام بكـل الطـرق المتاحة لغايات إقـتـصادية بحـتة وتـكـرس جـهـودها من أجـل تـرويج بضاعـتها والتي تهـدف بل تـؤدّي حـتماً كـما أسـلفـنا إلى تـفـتـتْ العائـلة، إنه عالم ماديٌ مع الأسـف.

فالـنظام العالمي الجـديـد الـمـذكـور مبنيٌّ عـلى الـ ــ لا ثـوابت ــ وعـلى التغـيّـر المبني عـلى العـرض والطلب الإقـتـصادي المستمر، و هـذا النـظام يتبع سـتـراتيجـية إبتـكـرها لنـفـسه من أجـل تحـقـيق مآربه وتـتـلخـص في إغـراق السوق بالمعـروضات الجـديـدة والمستـخـدمة اليوم والمتـغـيِّـرة غـداً، ويُـذكــِّـرونـنا بها بإستـمرار من خلال الدعايات الغـزيرة لـتأمين الطلبات الدائمة عـليها والمتـزايـدة مع الأيام وفي نهاية المطاف تصب الأرباح المتزايـدة في جـيوب الأغـنياء وثـرواتهم المتـراكـمة، وبهـذه المناسبة فإن تسميات حـديثة ظهـرتْ لـتـعـبِّـر عـن هـذه النـوايا والخـطـط المحـفـزة للحاجات المتـغـيرة لـلفـرد يُـطلق عـليها (نـظام إيقاظ حاجات جـديـدة) والذي يهـدف إلى تجـنـب إستـقـرار القـيَـم والمبادىء الثابتة فـيوجّـهـون المجـتمع وبالتالي أفـراد العائلة إلى وجـوب التغـيّـر المستـمر إلى درجة تـوحي لـهـذا الفـرد إحـساساً بضرورة إلغاء الترابط العائلي وتـفـكـيكها والإسـتـغـناء عـنها ولم تـعـد هـنالك حاجة إلى الثـوابت المبـدئية العائلية التي ذكـرناها في البـداية كالإحـتـرام والعـطف ….. . ولـتحـقـيق هـذه الغايات نلاحـط أن هـناك دائماً تأكـيـدات عـلى الحـرية الشخـصية ــ لا حـباً بالناس ــ بل من أجـل تـكـريس التـغـيـيـر الذي يوصلهم إلى أهـدافـهم.

ثانياُ: رؤية المؤسّـسة المسـيحـية الـكـاثـوليكـية إلى العائـلة

تـتـركــّـز إهـتـمامات ودراسات الكـنيسة الكـاثـوليـكـية اليوم في عـصرنا الحاضر عـلى العائلة، وقـد قال الحـبر الأعـظم الراحـل الـﭙاﭙـا يوحـنا ﭙـولس الثاني: ((إنّ رُسُـل اليـوم هي العائلة)) يستـمـدّ المجـتمع قـوته من قـوتها. فـكـيف تـنظر الكـنيسة إليها في هـذا العـصر الـتـكـنولوجي والإقـتـصادي والمتـغـيِّـر بتسارع مـذهـل في وقـت يظهـر تـمرّدُ الفـردِ عـلى القـيـَم والقـوانـين بجـلاء؟

تـنـظـر الكـنيسة إلى العائـلة كأنها دائـرة أفـقـية ذات مسـتـوى واحـد وعـليها الأبناء يتـصفـون بالمزايا التالية: (1) يشـتـرك جـميعـهم في بنائها (2) ليس بـينهم خامل ولا متـفـرّجٌ، وليس فـقـط مُـنـفـذاً لأوامر غـيره (3) في الحـقـيقة إنه تـشـبـيه رائع وذكـيٌ فالدائـرة ليس فـيها رأس مهـيمن ولا قاعـدة خاضعة، وهـنا لا يـوجـد إرتـفاع وإنحـدار كـما ليس فـيها سـيّـد وعـبـد بل الجـميع متـساوون في الحـقـوق الواجـبات (4) كـل واحـد منهم يأخـذ ويعـطي بصورة فاعـلة ومشتـركة بسلاسة ومرونة (5) نـظـرة كـل واحـد منهم قابلة للتغـيـيـر وهـو في ذات الوقـت بحاجة إلى الآخـر (6) وأخـيراً لهـذه العائلة ثـوابت ــ قـيم لا تـتـغـيَّـر من جـهة، وغـير متحـركة من جـهة أخـرى (أي لا تـتـباعـد عـن إطار الأسـرة ولـكـنها قابلة للـتـطـوّر ـ الكاتـب.

إذن ، ما العـمل؟

لا يسـعـنا إلاّ أن نعـمل من أجـل عائـلة مرنة ومنـفـتحة متـفاهـمة مترابطة ــ لا هـرمية قـديمة لأنها لم تعـد مقـبولة، ولا متـفـكـكة منهارة ــ وهـذه هي وجـهة نـظر الكـنيسة الكاثـوليكـية بشأن موضوعـنا هـذا في عـصرنا الحالي…… وهـنا إنـتهـت المحاضرة.

قـدمنا شكـرنا إلى سـيادة المطران أميل بإسم الحاضرين وبإسم سـيادة المطـران جـبرائيل كـساب المحـتـرم بإسم حـضرات الآباء الأفاضل عـلى محاضرته القـيمة جـداً والتي تمثـل أطـروحة دراسية يـصلح إتخاذها كـلها أو جانباً منها منهاجاً متـكاملاً في رعاية عائلاتـنا إنْ كـنا في بـلـدنا الأم العـراق أو في بـلـدان المهـجـر. وقـد وصفـناها في معـرض تعـليقـنا عـليها بأنها مفاهـيم مألوفة ومشاهـد حـقـيقـية في حـياتـنا اليومية نعـيشها كـل لحـظة ولكـنـنا لم نـنـظـر إليها يوماً بهـذا الإطار الأكاديمي ولم نـلـفـت إنـتباهـنا نحـوها، كـما لم يخـطر بـبالـنا ان نـضعـها بهـذه الصورة الفـلسفية الجـميلة. إن سـيادته جـمعها أمامـنا وقـدّمها لـنا كأيقـونة رائعة النحـت طبـيعـية الخـواص جـذابة المنـظـر لا يمل الناظـر إليها. والآن نعـيد سـؤالـنا السابق: هـل أوفى قـلـمـنا في وصفـها؟

وفي هـذه الأثـناء إنـتـقـل سـيادته إلى المرحـلة التالية من برنامج المحاضرة وهي الإستماع إلى أسـئلة الحاضرين المباشـرة للإجابة عـليها، وكـنتُ السائل الأول:

(1) ـ في الماضي كان الأثـرياء يتعاملون بآلاف الدولارات ثم إرتـقـوا إلى الملايـين التي لم تعـد شـيئاً مثيراً اليوم فالكـثيرون يمكـنهم اليوم أن يقـولوا نحـن نملك الملـيون دولار بصورة أو بأخـرى، لـذا صارت الحـسابات بالملـيارات وربما أعـلى، طـيب إلى أين ينـوي هـؤلاء الأثـرياء الوصول إليه وهـم لـيـسوا بحاجة إلى هـذه الأطـنان الورقـية أو الذهـبـية؟

سـيادة المطـران: إن هـؤلاء دخـلوا الحـلقة الإقـتـصادية العالمية وليس بمقـدورهم الخـروج منها بعـدُ، وإن أموالهم ليست لهم بل لغـيرهم، وحـتى إذا صارت لأولادهم فإنهم بـدَورهم سـيتـركـونها لغـيرهم أيضاً، إنه النـظام العالمي الجـديـد أخـذ مكاناً عـلى الحـزام المتحـرك في المجـتمع ولن يقـف.

(2) ـ السـيد صباح صارو: المسيح أوصى بالهـرمية فـكـيف نـلغـيها؟

سـيادة المطـران: بالعـكـس، إن الرب المسيح كـرّس المرونة في التعامل بـين أعـضاء العائـلة حـتى الفـداء، ورغـم أن الرجـل رأس المرأة في مفهـوم الإنجـيل ولكـن في ذات الوقـت يقـول: أحـبوا نساءكم كـما أحـب المسيح كـنيسته وأسلمَ نـفـسه من أجـلها …. عـلى الرجال أن يحـبوا نساءهم كأجـسادهم وهـكـذا النساء….

(3) – السـيـد سـورو سـورو: إن الفارق التـكـنولوجي واضح بـينـنا وبـين أبنائـنا، ومن جانب آخـر نريد الحـفاظ عـلى تـقالـيـدنا فـكـيف يمكـنـنا ذلك؟

سـيادة المطـران: يمكـن ذلك بأسالـيـب عـدّة منها مثلاً عـلى الآباء أن يتأقـلموا مع البـيئة الجـديـدة والنـظام العالمي الجـديـد، ثم عـليهم أن يـطـوّروا قابلياتهم كي يقـلـلـوا الهـوّة بـينهم وبـين جـيل أبنائهم، والأهم من كـل ذلك المحافـظة عـلى الإرتـباط بالـكـنيسة فـهي الأم التي تجـمع أبناءها في منـزلها.

(4) ـ السـيد طلال ﮔـردي: إن الفارق بـين رأس الهـرم العائلي وقاعـدته لم يكـن كـبـيراً في الماضي بسبـب بُطء وقـلة التـطـوّر فـكان التـقارب بـين الجـيلين سـهلاً، أما اليوم فالفارق واسع عـلى الصعـيد التـكـنولوجي فـبات التـقارب صعـباً!.

سـيادة المطـران: لم يعـد الأب مصدراً للمعـلومات في هـذا العـصر بل أصبح دَورُه مصدراً لـقـيم الحـياة لجـيل الأبناء، ثم عـلى جـيل الآباء أن يمنحـوا الحـب لأولادهـم حـتى إذا كانـوا أرقى منهم تـكـنـولوجـياً.

(5) ـ السيد لـبرون سـيمون: هـل يـبقى نـموذج الدائـرة العائلية التي تـفـضلتَ وتـكـلمتَ عـنه من وجـهة نـظـر الكـنيسة الكاثـوليكـية، منـفـصلاً عـن البـيئة ومنغـلقة عـلى نـفـسها؟

سـيادة المطـران: كلا، إنها من البـيئة وإليها، وتـتـفاعـل معها.

(6) ـ الشماس عـيسى: عـلى الوالدين أن يكـونا قـدوة للأولاد، ثم أن يمارسـوا الصلاة أيضاً أمامهم يومياً.

سـيادة المطـران: نعـم أنا أوصي بـذلك.

(7) ـ السيد نـزار شـمـّـو: أولاً- إن معظم الوالدين ليسوا ملمين باللغة الإنـكـليزية التي يتعـلمها الأبناء بسرعة وسهـولة، لذا فالتعامل بلغـتـنا الكلـدانية بين أفـراد العائلة يزيد من الألفة والتقارب بـينهم.

ثانياً- أن نـواة الدائـرة العائلية التي تـفـضلتَ بها هي الأب والأم وليس المثـلـيّـين الذين تـشجـعـهم الأنـظمة الحـديثة.

سيادة المطران: نعـم اللغة تساعـد عـلى التكاتـف والكـنيسة تـشجع لغـتـنا الأم، أما الشـطـر الآخـر من السؤال لا أعـتـقـد أن الأنـظمة صاحـبة السـلطة تـشجع هـذا النـمط من التراكـيـب أو الممارسات الإجـتـماعـية لأن المفاهـيم الشاذة تـدمّـر العائـلة ولا تبنيها، ومن جانب آخـر فالكـنيسة هي في صراع مع الحالات الشاذة في المجـتمع، تـرفـضها ولا تـؤيـدها .

( 8 ) ـ الشماس سامي ﮔـمـّـو: إن قـوانين الغـرب هي ضـد العائـلة.

سـيادة المطـران: ليست حـكـومات الغـرب ضـد العائلة وإنما النظام العالمي الجـديـد.

(9) ـ السـيـد (؟): هـناك ثلاث مؤسّـسات يتـذبـذب أولادنا بـينها ــ الكـنيسة، المـدرسة، العائلة

ــ وهي ذات تعليمات وتـوجـيهات متـباينة، فـما العـمل؟

سـيادة المطـران: مثـلما ذكـرنا كـل له دَوره.

(10) ـ السيدة سـلوى جـلـّـو : لماذا تـسهـّـل الـكـنيسة طلاق الزوجـين؟

سـيادة المطـران: لا يـوجـد طلاق في كـنيسـتـنا الكاثـوليكـية! بل يوجـد إقـرار بـبُـطلان الزواج من أساسه وذلك من قِـبَـل المحـكـمة الكـنـسية بعـد دراسة كـل حالة بصورة مفـصلة (وأورد سيادته مثالاً نـظـرياً عـلى ذلك).

ملاحـظة: نـبّهـنا إلى ضرورة إخـتـصار السؤال وعـدم تـكـراره!

(11) ـ السـيد غـزوان أسـمرو: إن إنشغال الوالـدَين في العـمل خارج البـيت ولــَّـدَ فـراغاً أدّى إلى ضعـف الصلة بـين الجـيلـَـين.

سـيادة المطـران: نعـم إن ذلك له تأثيره السلبي.
ملاحـظة: نـبّهـنا إلى أنّ السؤال التالي سـيكـون هـو الأخـير!

(12) ـ الشماس فاضل: الكـنيسة الكـاثـولـيكـية هي بمثابة عائـلة كـبـيرة، نلاحـظ تـسـرّب كـهـنـتها إلى كـنائس أخـرى، ألا تحاسب الكـنيسة هـؤلاء؟

سـيادة المطـران: الكـنيسة لها قـوانينها … .

وأخـيراً وقـبل أن يترك سـيادته منـصة المحاضرة طالبـناه بالـتـكـرّم بـزيارتـنا كـل سـتة أشـهـر لـتـكـون لـنا لقاءات كـهـذا اللقاء فإنبهـر لطـلبنا، وشـكـرنا سـيادته مرة ثانية، ثم كانت مصافـحات ولقاءات جانبـية بـينه وبـين أبناء جاليتـنا الـمتـنـوّعة الحاضرة في القاعة، وكـما إعـتـدنا في مناسـبات كـهـذه فـقـد إلـتـقِـطـتْ صوَراً تـذكارية معه، وبعـد ذلك كانت له جـلسة ودّية مع سـيادة المطران جـبرائيل كـساب والكـهـنة وبعـض الأحـبة فـتـركـناهم في جـلستـهم الحـميمة وغادرنا النادي.

 

 

 

 

You may also like...