ليس دفاعاً عن طارق عزيز…ولكن!

يخطيء من يظن ولو لوهلة واحدة أننا ندافع عن أحد رموز الفترة المظلمة السابقة التي إنتهت في 9/4/2003 رغم إستمرارية الظلام الدامس لحد الآن ولكن من الإنصاف أن تُذكر بعض الحقائق والوقائع فيما يخص الحكم الجائر الذي صَدَرَ قبل ايام بإعدام طارق عزيز!،بحجة واهية تزعُم مشاركته في تصفية الأحزاب الدينية المحظورة في العراق البعثي!،وهنا نتسائل بأية وسيلة قَمَعَ طارق عزيز الأحزاب الدينية؟!.                                                 

هل كان في يوم من الأيام مُتقلداً منصباً أمنياً كوزيراً للداخلية أو قائداً للشرطة أومديراً للأمن العام أو قائداً لإحدى وحدات الجيش أو قائداً للجيش الشعبي أو قائداً لجيش القدس المليوني أو أحد أجهزة المخابرات أو الإستخبارات أو الأمن الخاص وما أكثرها من الأجهزة الأمنية الرهيبة التي يقشعر بدن المرء حين التلفظ بإسمها!.                                          

هل كان السيد عزيز رئيساً للجندرمة يوما ما او قائداً سرياً غير منظوراً لأحد الأجهزة الأمنية أعلاه ونحن لاندري؟!،أم هي تصفية حسابات أخذت روائحها الكريهة تزكم الانوف؟                                  

بالله عليكم هل يقارن طارق عزيز  بعلي الكيمياوي  مثلاً؟،وهل كفة عزيز تقارن بكفة عزة الدوري أو طه ياسين رمضان أو سعدون شاكر أو أي من الأسماء المرعبة لمسؤولي أجهزة الأمن الحديدية القمعية حتي أصغر منتسب فيها؟!.                                           

لَمْ يكن طارق عزيز منذ إنقلاب تموز 1968 إلا عضواً في مكاتب البعث الثقافية والإعلامية ولم يُنسب ولم يُنقل الى أي جهاز له علاقة بتلك الأجهزة القمعية لامن قريب ولامن بعيد!،ومع هذا يحكم وعلى الملأ بالإعدام شنقاً حتى الموت إرضاءاً مَشبوهاً لحزب الدعوة الإسلامي الذي تبنى وعلى رؤوس الأشهاد محاولة إغتيال طارق عزيز في إجتماع طلابي في الجامعة المستنصرية سنة 1979 ، وبدلاً من أن يُقيم طارق عزيز دعوى بالمحاكم العراقية(الديمقراطية!) لمحاكمة القائمين بمحاولة إغتياله والقصاص منهم بعد أن إستولوا وَوَصلوا الى الحكم على ظهر الدبابات الأمريكية وبعضهم مسؤولون 

  بار في أجهزة الأمن الحالية، يُدان الرجل بتهمة تصفية الأحزاب الدينية وكأنما هو من ألقى القنابل وأطلق النار على مهاجميه بعد أن إعترفوا علناً بجريمتهم عن سابق تصور وتصميم!!.                                              

أين العدالة وأين النزاهة في هذا الحكم من رجل كان كل عمله هو تَجميل صورة النظام في الخارج وأمام العالم،لقد تقلد طارق عزيز في بداية إنقلاب 1968 منصب رئيس تحرير جريدة الثورة الناطقة بلسان حال حزب البعث إضافة لعضويته في مكتب الثقافة والإعلام المركزي التابع للقيادة القطرية ثم عين وزيراً للإعلام عند إستلام الرئيس السابق صدام حسين السلطة من الرئيس البكر وماتلاها من أحداث التصفيات الجسدية بين أركان البعث،وفي حينه نَجى منها عزيز لمواقفه البعيدة عن قضايا التنافس والتناحر على المناصب والسلطة والجاه!،وبعدها عين وزيراً للخارجية وإستمر في منصبه اكثر 

  ن عشر سنوات كان مثابراً في عمله حائزاً على رضى وإحترام حتى من إختلف معهم في الرأي من وزراء خارجية أو رُؤساء دول أو في منابر الأمم المتحدة وسائر المنابر الدولية، والكل يتذكر لقاء طارق عزيز مع جورج بيكر وزير الخارجية الأمريكي في سويسرا أبان حرب الخليج الأولى سنة1991 وإشادة الوزير الأمريكي بطارق عزيز وكيف أنه يأسف لأنه يدافع عن صدام حسين ومغامراته ورد عزيز عليه بأنه يخدم شعبه وبلاده ويحاول تجنيبهم ويلات الحرب بكل السبل!.                                             

 كان النظام البوليسي يُشْرِكْ أعضائه من القيادين الكبار في ترؤس محاكمات صورية عند حدوث محاولة تآمر أو إنقلاب فاشل على الحزب،فقد ترأس وزير الصحة الأسبق  عزة مصطفى المحكمة الخاصة التي حكمت بالإعدام على ناظم كزار وجماعته في سبعينات القرن الماضي،ثم ترأس طه ياسين رمضان المحكمة  الحزبية في مؤامرة عبد الغني الراوي وجماعته في نفس الفترة والتي حكمت بالإعدام على اكثر من 30 شخصاً من تلك الزمرة،وترأس عزة إبراهيم الدوري المحكمة الحزبية الخاصة أيضاً التي تشكلت في تموز من عام 1979 وحكمت بالإعدام على ثلثي أعضاء القيادة القطرية ومنهم الوزراء والضباط القاد     وبعض المسؤولين الكبار في الدولة وشارك في عملية الإعدام الجماعية تلك الجهاز الحزبي الصِدامي لتصطبغ اياديهم بدماء رفاقهم وليُعَمَدْ بالدَم ولاء الجهاز الحزبي والعسكري والأمني لنظام صدام حسين!،علماً أن هؤلاء(الذين ترؤسوا المحاكمات الصورية غير القانونية) هم من نالوا الحظوة في عين القائد الضرورة وتبوؤا أعلى المناصب الأمنية في اجهزة الدولة والسلطة ومنحت لهم الرتب العسكرية الرفيعة دون وجه حق إضافةً  للقصور والهبات المالية الخيالية !،هل كان طارق عزيز مشاركاً في أحدى هذه المحاكم ليُطلب منه لاحقاً تصفية الأحزاب الدينية؟!.

نعم كان طارق عزيز كما قلنا يُجَمِلْ صورة النظام المتهاوية في الخارج ويكسب تعاطف الشعوب وبعض الحكومات وخاصة في زمن الحصار الإقتصادي الذي دمر العراق وأعاده الى عصور ماقبل الصناعة،نعم لقد كان عزيز بوقاً مقبولاً متوازناً للنظام المُترنح إستطاع أن يحشد رأياً عاماً دولياً ويلفت نظر العالم الى ِمحنة الشعب العراقي تلك، ولم يكن بوقاً كبوق وزير الخارجية الذي خلفه محمد سعيد الصحاف ذلك النشاز الذي اثار إستياء العراقين والعالم بتعليقاته السمجة وألفاظه السوقية مع وسائل الإعلام العالمية حين كان وزيراً للإعلام في فترة السقوط وكأنه أحد شقاوات بغداد أ    ام زمان وكان حقاً يُمثل أفكار وقيم سيده!!،فالأول يُحكم بالإعدام وهو وزير خارجية يعرف قدره ويتوقف عنده!،لكنه يُتهم بتصفية الأحزاب الدينية والثاني يُرحل معززاً مكرماً بطائرة خاصة الى الإمارات العربية المتحدة ويمنح قصراً ومرتباً  مجزياً ويمنح جوازاً دبلوماسياً إماراتياً لجهوده في تظليل العلوج الأمريكان والإنكليز!.

اليس الموقف في تلافيفه وتناقضاته هوموقفٌ مضحكٌ مُبكٍ في آنٍ؟!،أهذه هي الديمقراطية العرجاء التي وُعِدَ بها الشعب العراقي الجريح؟،أين الحق وأين العدالة في هذا الظلم الواقع على هذا الرجل؟!.

 إن طارق عزيز الذي لم تسجل عليه أية مشاركة في أعمال عنف جسدية لوضعه المُسالم أصلاً وهو المسيحي الوحيد في طاقم الحكم السابق حيث لاعشيرة ولاقبيلة ولامدينة يستقوي بها أو تحميه إلا افعاله وأعماله، نعم إنه  يتحمل مسؤولية أخلاقية بإعتباره أحد كبار مسؤولي النظام ولكن ألأ يكفيه الحكم بالسجن لمرتين الأولى 7سنوات والثانية 15سنة؟؟!،لقد كان الرجل في عنفوان مسؤوليته ومناصبه العديدة بين الخارجية والإعلام يمشي على حَدْ السكين كما يقال خوفاً من غلطة هنا أو هفوة هناك تودي به وبعائلته الى الجحيم!.

إن الأمر كله هو إنتقام أعمى وحكم سياسي بإمتياز لإرضاء بعض المُعَمَمْين وقد تكون له علاقة فعلية بما ورد من فضائح في موقع (ويكليكس) الذي تشعر معه الحكومة المنتهية صلاحيتها بحرج كبير أمام الرأي العام العراقي والدولي لتشبثها المُستهجن بتلابيب السلطة رغم عدم تحقيقها الأغلبية في الإنتخابات الأخيرة وهي تحاول نقل إهتمام المتابعين في الداخل والخارج الى موضوع ساخن آخر عَله ينقذهم من تداعيات (المخازي) والأهوال والإنتهاكات الخطيرة التي حَوَتْها تلكم التقارير،ولكن لايمكن أن تُخفى الشمس بغربال ويبدوا أن الجماعة إستمرؤا نعمة الحكم وسلطاته وملذاته و    نها اللعب بالقانون حسب أهوائهم وإرضاءاً لأسيادهم خلف الحدود الذين تجرعوا السُمْ في منعطف تأريخي لاينسى،لقد نُكب العراق بحكامه خلال فترة ال40 سنة الماضية ووجد أن خلفياتهم كلها قبلية طائفية تتعكز على الدين الذي يستر عوراتهم المكشوفة ويكسوا أفعالهم المشينة فلا إحترام ولاتقدير للدستور بل يُفَصَّلْ على مقاساتهم وأذواقهم ولله في خلقه شؤون والرحمة والسلام على مأتم هذه الديمقراطية السَوداء!.

             مؤيد هيلو…28/10/2010    

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *