ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ( لوقا 3: 4 )

 

إنَّه واقع المخلوق البشري عبَّرعنه يسوع بكُلِّ دِقة، فالجسد البشري ثنائيُّ التكوين “روح ومادة” لذلك يحتاج الى الطعام والكلمة معاً. وبما أنَّ طعامي حاجة جسدية من أجل حياتي الروحية، فإنَّ طعام أخي حاجة روحية من أجل حياته الجسدية.

الإنسان بمعزلٍ عن أخيه الإنسان هو كيان متحرك بدون روح لا حياة له. الآخر هو حياتكَ. الروابط الإنسانية حاجة حقيقية. وما هو زيفٌ ويجب نبذُه، هو العِداء والتمييز والتعنصُر وكُلُ ما من شأنه فصل الإنسان عن أخيه الإنسان!

التواضع انتصر والعنف فشل! وغدا التسامح أساس الحياة الإجتماعية، فهو يرفض التشبُّث بأخطاء الماضي ويسعى الى التركيز على المستقبل. والأهم هو الرجوع عن الخطأ وليس انتظار القضاء!

ليست أهمية الإنسان بما يملك بل بما يُنجز من عمل صالح، وبقَدر محبته لِما له، بذلك القَدر يفقد مِما هو، وبمقدار ما يبذل من ماله بذلك المقدار يُحقِّق ذاتَه! المخلوق البشري وُجد ليخدم لا ليتملَّك، لأنَّ التملُّك يُفسدُ، إلا إذا عن طريقه يُقدِّم مالكه الخدمة فيجد ذاتَه.

بالمسيح غَدت الخليقة بيتاً إلهياً مفتوحاً لكُلِّ البشر، جعلها مائدة ممدودة لكُلِّ انسان، إذا تقاسمها الجميع بحسب حاجاتهم! ولكنَّها لن تكفي الجميع إذا طمِعَ بها ولو كان الطامع واحداً!

لقد تغيَّرت المفاهيم: فالسلطة تنبثق من الحقيقة، والحقيقة ليست في السلطة. السلطة خارج الحقيقة تُصبح اداة لتحقير الإنسان وتُخضعه ليرتكب النزوات. لا تأتي الحقيقة من الأكثرية أو الأقلية كباراً كانوا أو صغاراً، ولكنَّ مَن يأتي بها هم أنقياء القلوب والمتعطشون الى البِر، ولذلك قال يسوع طوبى للودعاء فإنَّهم يرثون الأرض!

الإنسان هو المعيار للخيرالنسبي في كُلِّ شيءٍ، فهو الذي من أجله اوجدت الخليقة كُلُّها، شريعةً ومالاً ومجتمعاً وديناً، لا يجوز لأيٍّ منها الإستعلاء على قيمة الإنسان! لأنَّ الإنسان هو السيد، وكُلُّ ما سبق ذِكرُه هم ادوات لخدمته، ومن هذا المنطلق، لا يُصنَّف البشر بناءً الى معايير شرائعية او دينية او طبقية! الإنسانية هي قيمة مُحدَّدة غالية الثمن لكُلِّ حياةٍ بشرية في كُلِّ انسان خلقه الله وعليه مسحة منه، وليست مُجرَّدَ معنىً ومُواصفات خُلقية.

المسيح قلب الموازين الدنيوية بشكل مُدهش: تُعهدُ أسمى الشؤون الى البسطاء، فقد بَزَّ بطرسُ افلاطون، ولض اليمين أخزى بيلاطس. علامة صليبٍ غَيَّرت امبراطورية! ما هي القوة التي أعطت لهذا الضعف مثل هذا السلطان؟ هي الحقيقة إذا اخترقت قلباً تمتد الى اختراق كُلِّ القلوب. ومهما اشتدَّ خوف القلوب من السلطة، لا يُقلِّل من عطشها الى الحقيقة، وللحقيقة ستؤول السلطة في النهاية. ألم يختر المسيح الدخول الى اورشليم على ظهر حمار بدلاً من ظهرأسدٍ أو حصان! لأنَّ السلام أمضى من السلاح.

إنّ كُلَّ ما تفتق عنه الفكر المجتمعي سيهوى، وما سعت الطبقية العاتية الى فرضه سيسقط، حينها ستتسلسل الأمور من خلال مواهب الروح وقوته، وسيكون الأولُ أخيراً والسيدُ خادماً، ومَن بذل من الجهد أكثر تكون خِدمتُه الأفضل!

        الإستيحاء من كتاب (السائحان بين الأرض والسماء) – الله والإنسان _  ج 2.

الشماس د. كوركيس مردو

في 18 / 7 / 2015

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *