كيف تُصادق زوجتكَ؟/ سهى بطرس هرمز

العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة  مثلما تكلمنا عنها كثيرا هي علاقةٍ قٌدسيةٍ، وليستْ مُجرد علاقة زوج بزوجتهِ وحقوق يجب إن يؤديها الواحد للآخر، وتستمر على هذا الروتين، بلْ عليهما إن يخلقا روحًا ونبضًا في حياتهما الزوجية، ويعيشا معًا كزوجين حبيبين، وصديقين وشريكين مُتكاملين وكاملين، يشعر كل منهما بأن الآخر في حياتهِ ليس فقط شريك ورقم عابرٍّ، بلْ هو مسكنهُ وأنفاسهُ التي يستنشقُها من مشاعر الطرف الآخر.
وعلاقة الرجل مع زوجتهِ لهَّا خصائص كثيرة، فأنت الزوج والأب والحبيب والعاشق والونيس والملاذّ والمُنقذ…الخ. ولكن إذا أردت اختيار خاصية واحدة تُغنيكَ عن كل هذه الخصائص مُجتمعةٍ وتضفي عليها صفة الدوام والاستمرارية والحيوية والمتعة، عليك إن تكون صديقها! لأنهُ بها تحافظ على أسرتك مُتماسكةٌ وقويةٌ. هذه الأسرة التي هي شركة إنسانية  يقوم بإدارتها شخصين، يدخلان معًا في صفقات إنسانية فيها الربح والخسارة (السعادة والحزن) فيتحملانها معًا من تحمل أعباء المنزل وتربية الأبناء وتوفر سُبْل العيش الكريم وضغوطات الحياة، فالزوجة هنا إذن ليست مملوكةٌ للرجلِ بلْ شريكة لهُ.
كما إن الصداقة بين الزوجين تعني الوحدة، وبالتالي فأن مركب حياتهما تسير طبيعية من تلقاء نفسها، الواحد يدعمَّ الآخر ويُساندّه. لأن الصداقة تحثُّ كل صديق إن يدعم صديقهُ ويتحملهُ ويتألم لألمهِ ويسعد لسعادتهِ، ويلتمس لهُ العذر، ويسامحهُ على أخطائهِ وهفواتهِ، يعطف عليه، وعند الشدائد يجده بجانبهِ، بمعنى إن الصديق يقبل صديقهُ بعيوبهِ ولا يتركهُ ولا يستمرُ في توجيه النقد إليهِ، هكذا يكون الصديق الحقيقي عندما يخطئ صديقكَ تحتضنهُ ولا تتركهُ، ثم تُعاتبهُ وتستمع إليهِ.
فالصداقة ضرورية لكل إنسان في مُختلف مراحل حياتهِ. إذ إنك فيها تجد المؤانسة والرفيق الذي تجده في وقت ضيقك وفي وقت سعتك معًا. وكل إنسان يُخير أصدقائهِ بحيث يتفق معهُ في السلوك والفكر والرأي والثقافة وأسلوب الحديث، وأيضا يكون قريب من مستواه المعيشي والاجتماعي. لكي يكونان على نفس المستوى أو نقول فكرهما يكون قريب من بعضهما، لأنهُ يسهل التفاهم والتقارب أكثر.
ولكن بسبب وجود تمييز في كثير من المُجتمعات بين الفتاة والشاب سواء كان في التعليم أو في مجال العمل، فبالتالي فإن التكافؤ الثقافي والفكري مُستقبلاً بين الأزواج يكون شبه معدُومًا! مما يزيد من الفراغ والمسافة بينهما في النقاش والحوار المشترك. فنلاحظ أفكارهم ومشاعرهم وتصرفاتهم مُتناقضة وحتى أعمالهم، وكل طرف يعمل عكس الطرف الثاني في محاولة لردِّ كرامتهِ، فينعدم الاحترام والتقدير والالتزام، وتصبح حياتهما فوضى!
وأيضا لغة التفاهم تصبح بينهما معدومة. فنجد الرجل يتجه خارج منزلهِ لمُجالسة الأصدقاء في القهاوي والنوادي ويقضي معظم الوقت معهم وهذا يحصل أكثر عندما يكون الرجل قد تجاوز الخمسين من عمره بسبب حاجتهِ إلى من يسمعهُ، وربما يبحث عن امرأة أخرى وهذا ليس مُستبعد. وهذه حياة زوجية مشتركة ليست ملككَ وحدكَ، أنتَ أيُّها الرجل، بل هناك زوجة وأولاد، وان كنت لم تبحث عن صداقة تربطكما أنتَ وزوجتكَ منذ البداية، أفضل من أن تبحث عنها خارجًا، فلنْ يكون عيشكَ سهلاً ومُستقًرا.
نلاحظ مثلا في الدول الأوربية، إن المرأة عندهم ليست فقط زوجة ومربية ومهتمة بالمنزل وينتهي دورها عند هذا الروتين، بلْ هي صديقة زوجها. كيف هذا؟! مثلاً نجدهما يخرجان معًا ويتفقان ويقرران معًا، ويُجالسان ويُحادثان بعضهما، ويتعاونان أيضا في العمل وأمور المنزل من شراء الحاجيات المنزلية والطعام وتربية الأبناء معًا ومتابعتهم، ويسهران في مشاهدة فلم أو مسلسل معًا، ويُنصت إلى آرائها وأفكارها، ويقرأن الكتب ويناقشان مُوضوعاتها، بمعنى يكونان مُتساويان في الفكر والتعليم والثقافة والتحاور وبهذه الطريقة يُحافظان على حياتهما الزوجية مُنعشة ومُتجددة ويشتاق كل واحد لرؤية الآخر. وهذه المساواة حصلا عليها قبل الزواج من التعليم المشترك ومن ثقافة المجتمع.
والى إن تصل المُساواة بين الشاب والفتاة إلى هذا المستوى في مُجتمعاتنا نحن، يحتاج الأزواج إلى إن يكونوا أكثر قربًا ووفقًا من زوجاتهم ويرفعوهم إلى مستواهم في الرأي والمعرفة. وعليك إن تتذكر أيها الرجل دائمًا بأن تتعامل مع زوجتك بعطف وتقدير وتدعمها وتشجعها وترعاها وتحيطها بحنانك وتشعرها به، كما تعامل اقرب أصدقائك. فإذا كان هذا الشخص صديقك وتتعامل وتتحدث معهُ مُبتسمًا وبكل احترام وتحافظ على شعوره؟ فكيف بالأحرّى سيكون سلوكك وردَّة فعلك تجاه زوجتكَ وشريكة حياتك ونبضك؟!
فالأمر ليس شاقًا وصعبًا إذا كونتَ صداقة مع زوجتك. فالموضوع لا يتطلب منكَ سوّى إن تشاركها في الحديث وتُجالسها وتستمعَ إلى آرائها، وتتحدث معها عن أمور صادفتك أثناء عملكَ أو أحداث مرتْ بكَ أو أمور أثارتْ استغرابك، أو تشاركان معًا في اختيار أثاث المنزل وشراء حاجيات جديدة للأولاد، وتشاركها في قراراتك بدون إن تفاجئها …الخ. فالمرأة تحبُّ الاستطلاع ومعرفة كلَ جديدٍ ومُثيرٍ، ومثل هذه الأمور يبعث فيها الشوق للتعرف على المزيد، وتسعدُّ أكثر عندما تُدركَ إن رأيها مسموعٌ ويُحترم، ولقرارها أهمية. فكل ما تريدهُ المرأة هو صحبة أحد يُطمئنُها عندما تكون واقعة تحت ضغط، وأيضا يقدم لها الرعاية ويشعرها بحنانهِ وأنهُ دومًا بقربها، ولن تجد أفضل صحبة غير شريك حياتها، لأنهُ هو الأقرب إليها وهو من تحتاجهُ وقت شدتها وضيقها.
وأخيراً نقول بأن:
الله خلقَّ الإنسان منذ البدء ذكراً وأنثى، وجعل بينهما المحبة التي هي أساس حياتهما. وعندما ينطلق الآخر من نفسهِ  ليتقرب وليفهم نفسهُ من خلال فهمهِ للطرف المُقابل، عندها يستطيع إن يُحاور ذاتهُ ويُحاورَ الآخرين ويعرف ماذا تريد نفسهُ أو ما لا تريدُ؟ وعندها أيضًا يصبح فكرهُ يحاور فكرًا ويُجادلهُ فينطلق الحوار مُتناغمًا، مُتفهمًا، مُشتركًا، مُتكاملاً. ويصبح قلبهُ ينبوعًا تُحركهُ العاطفة والوجدان والمشاعر نحو هذا الآخر الذي أنتَ شريكهُ ولست مالكهُ، بدلاً من إن يكون هنالك دائمًا ذاتًا تُصارعُ ذاتًا، فتسير الحياة عكس ما تريد!
والحياة ليست فقط عمل، فكل الناس تعمل لتحقق ذاتها، لكن الهدف الأخير في النهاية هو الربح، فماذا تفيدكَ الأموال إذا خسرتَ الإنسان والروح؟! فلابدَّ من إن تخصص وقتًا لبيتك ولزوجتك تقضيه معهم وتُجالسهم، وبذلك تكسب صداقتها وتفتح آفاقًا واسعةٍ للسعادة الزوجية.
13/11/2011

You may also like...