كلنا مخـطـئون تائبون نأمل الغـفـران ، وهـنيئاً للنزيهـين مقـعـدَهم المحجـوز في مملكتهم

بدءَ الإنسان يخـطأ منذ خـلقه وإلى اليوم ، حـين صار يحـسد ويغار ويسرق ويعـتدي ويرتـكـب كل أشكال المخالفات قـبل وبعـد تشريع القانون ، فلا غـرابة أن نـراه اليوم يحاكي إخـيه القـديم بسلوكـياته تلك ، وعـليه فـلن تــُـنـتـقـص قـيمته ولا تــُـشَوّه حـقـيقـته إذا ذكـَّـرْناه بها فالكمال لله وحـده وهـكـذا فـضميرنا الذي يُـصقـل بمرور الزمن يدعـونا إلى الإعـتراف بإنحـرافاتـنا ليس مُهـِماً أمام محـكـمة أو صديق أو كاهـن بل المهم في دواخـلنا مع أنـفـسنا فـترتـفع قـيمتـنا في نـظرنا أولاً ثم عـند الآخـرين مثـلما نـغـسل الإناء القـذر فـيـبدو نـظيفاً ، ومن لا يعـترف بخـطئه فـهـو يقـرّ بإنحـرافه ، فـسائق المركـبة الذي يدهـس شخـصاً ما في الشارع ويسلـّم نـفـسه إلى السلطة ( ولا ينهـزم بضمير ميت تاركاً ضحـية فعـلته جـثة هامدة ) فإن سلوكه هـذا – كـتـصرّف إيجابـي ونياته السليمة وأسفه الواضح – يُـؤخـذ بنـظر الإعـتبار عـند محاكـمته ويعـمل عـلى تـخـفـيف عـقـوبته وهـو تشريع مألوف لدى أغـلب المجـتمعات المتحـضرة وحـتى العـشائـرية فللإنسان قـيمة ، وقـد يكـون جـميلاً أن نـذكـر أن الوعي بلغ عـند أنـظمة كـثيرة موغـلة في قِـدَم حـضارتها أو حـديثة العـهد حـتى ألغـت عـقوبة الإعـدام من قـوانينها مؤمنة أن الإنسان خـليقة الله حـين يرتـكـب إثماً عـظيماً يستـحق عـقـوبة ولكـنه ليس قـطعة خـشبـية نحـرقـها للتـدفـئة بنارها .

ويـبقى الإنسان كائـناً ضعـيفاً أمام جلالة الخالق ( قـل أمام جلالة الطبـيعة – فـذلك لا يقـدّم ولا يـؤخـر شيئاً ) فـجـبروته فانٍ وكـبريائه ذائب وعـنـفـوانه متلاشٍ وعـنجهـيته متبخـرة ولا يـبقى أزلياً سرمدياً إلاّ مَن كان هـو المحـبة ! وكـثيرون منا زاروا أو قـرؤوا أو سمعـوا عـن أناسٍ وهـم عـلى فـراش الموت ذليلين مستسلمين أمرهم للرب ومستـغـفـرينه ، كانوا في يوم ما عُـلماءَ بارزين طيّـبـين ، إقـطاعـيّـين طاغـين ، رجال دين وقـورين ، أصحاب رؤوس أموال متـكـبّرين ، قادة دول ظالمين ، مفـكـرين مصلحـين ، قـطاع طرق معـتدين ، خـطاطين بالفـحم الأسود أما عـند الخـط الأحـمر من الحـياة نـتساوى جـميعـنا ولا يتـميَّـز أحـدنا عـلى الآخـر سوى بنوع الكـفـن الذي هـو هـدية منا للتراب ، والخلاصة أنـنا جـئـنا إلى الدنيا عـراة ونغادرها عـراة فـنحـن لم نـفـرض أنـفـسنا عـليها بل أن الحـياة فـرضتْ نـفـسها عـلينا هِـبة لنا حـين وُلِـدنا لا بإرادتـنا وعـليه فالغاية من الحـياة هي أن نحـياها بصورتها الجـميلة ما إستـطعـنا إلى ذلك سبـيلاً ، وأنْ نعـيشها مع الآخـرين من صنـفـنا وكـذلك مع أصناف الأحـياء الأخـرى دون أن يتعالى الإنسان عـلى أخـيه الإنسان ، فـيتعـلم ويرسم وينحـت ويكـتب ويلوّن ويفـصّـل ويخـيط ويـبني … ! إنها حـركـته من أجـل التـطـوّر والتحَـسُّـن والحـصول عـلى حـياة أفـضل مع الزمن ، وكأنه يتسلق جـبلاً أملاً في الوصول إلى القـمة ناقلاً تجـربته إلى مَن يأتي بعـده . فالموجات البشرية الأولى المتـقـدّمة هي المضحّـية  تلاقي مصاعـب الطريق الكـثيرة فـتـنـقـل رسالة إلى الوجـبات البشرية التالية لتخـبرها عـما لاقـته من عـوائق المنزلقات وأدغال النباتات وزواحـف خـطـيرات عـلى الحـياة ومفاجآت قاتلات كي تـتجـنبها بقـدر إمكانيتها لتـكـمل المشوار فـتـخـبر الجـماعات التي بعـدها بالمستجـدّات وهـذه إحـدى غايات كـتابة التأريخ الذي لا يرحـم أحـداً من الكائـنات ، أليس ذلك منـطق سليم ! ومَن يُـخـفي الحـقـيقة مهما كانـت بسيطة أو ثمينة إنما يخـون نـفـسه وضميره وواجـبه وأمانـته وفي الأخـير يخـون قـريـبه الإنسان وأمته ، وأشَـبِّهُ ذلك بشخـص نائم عـلى الأرض تـقـترب منه أفعى التي قـد تعـضه ورفـيقه بجانبه يراقـب المشهد دون أن ينـبِّهَ صاحـبَه … أليست ساديّة مغـلفة بالـﭽـوكـليت ، إنه وفاء وإخلاص البعـض نـزيهي آخـر زمان فهـنيئاً لهم مقـعـدَهم المحجـوز في مملكـتهم ، ولكـن ليس كل إنسان يقـبل ذلك عـلى نـفـسه إلاّ المزَوِّر الذي يكـره الحـقـيقة فـيكـون خائناً لشعـبه .

You may also like...