كلداني من مدينة السليمانية ، كان أكرم من حاتم الطائي!!!


أيها الكلداني الشهم .. سيتذكرك أهلك وناسك في السليمانية الى يوم الدين

كلمة لابد منها:

أنا وغيري وجميع سكان مدينة السليمانية وحتى بقية المدن سمعوا الكثير عن هذا الرجل الذي سنتناول جانب من حياته ومشاريعه الخيرية ودوره الوطني وألأجتماعي المشرف .. ولكن للأسف الشديد لم تكن تسليط أضواء الصحافة وألأعلام عليه وعلى أعماله بمستوى أعماله وسمعته الوطنية الكبيرة .. وهذا شىء محزن طبعاً!!.

بحثت كثيراً عن من يساعدني ويسعفني بالمزيد من المعلومات والصور والوثائق .. وأخيراً توجهت الى أحد ألأساتذة الكرام الا هو ألأستاذ الجليل كمال كريم من سكان سليمانية ألأصليين أباً عن جد ، حيث والده المرحوم ،كان علماً من ألأعلام والذي أرشدني بدوره الى حفيدة هذا الرجل العظيم.

نعم لقد وجهني الى ألأخت الفاضلة الدكتورة نوال حفيدة هذه العائلة الكريمة ذات ألأصل والنسب والذي أتشرف بالتعرف عليها. في الحقيقة الدكتورة نوال أنسانة معروفة في أنحاء السليمانية بسبب نسبها أولاً ولكونها كانت تملك صيدلية متميزة في شارع بيرميرد في مركز المدينة. نعم كانت صيدليتها بمثابة صيدلية حكومية حيث كان الفقراء يتجمهرون هناك وكانت توزع ألأدوية مجاناً لكل من لايمك ثمنها!!..
ولم لاء..؟؟ اليست حفيدة ذلك الرجل الكريم ..؟؟؟.

ولذلك كان الكثير من زملائها من أصحاب الصيدليات يحاربوها ويحاولون عرقلة أعمالها وتغليف أعمالها الخيرية وربطها بالسياسة. لذلك كانت نظرة ألأجهزة ألأمنية في المحافظة اليها نظرة كونها تساعد الناس المناوئين للسلطة. ومن خلال تلك الحالة تعرضت الى الكثير من المضايقات!!..

تحية الى ألأخت الدكتورة نوال والمقيمة مع زوجها وأولادها في السويد وبارك الله فيها. ومن الجدير بالذكر أن أشقاء وأبناء الدكتورة نوال متميزون جميعاً ويحملون شهادات أكاديمية عالية. منهم الطبيب ومنهم مهندس في مجال الكومبيوتر. وقد عملوا على تطوير الكثير من البرامج العالمية وأشتهروا في أوربا .

لا أنا ولاغيري، لايمكننا أن نشك في كرم وأخلاق ـ حاتم الطائي ـ لقد قرأنا جميعاً الكثير عن ( سخاء وكرم) ذلك الرجل الجليل الكريم. وأطلع الجميع على قصته مع فرسه التي كان يحبها وقد نحرها من أجل ضيوفه. وعشرات القصص ألأخرى.

نعم أنه ـ حاتم الطائي ـ أبو المكارم وألأخلاق ومن بني طي، تلك العشيرة العربية ألأصيلة التي أنجبت الكثير من النجباء وهنالك العشرات من ألأسماء اللامعة من أحفاد ذلك الرجل العظيم.

لاشك بأن الرجل ـ رحمه الله ـ كان عربياً… طيب:

ياترى هل كان هو الكريم ألأول وألأخير ..؟؟ وهل أن بقية شعوب العالم لايملكون شخصاً بمستواه ؟؟ أم ماذا ..؟؟.

نعم من حقنا أن نسأل. وفي نفس الوقت الرد جاهز وبالأدلة القاطعة:

نعم لكل شعوب الدنيا (حاتمهم) ولكن ككل ألأشياء هنالك درجات… اليس كذلك؟، فلربما هنالك من كان ولايزال يملك أكثر من (حاتم) .. ولم لاء!!؟؟

بعد هذه المقدمة البسيطة من حق القارىء الكريم أن يعرف ماذا أقصد وياترى من هو ذلك الرجل الجليل الذي نافس (حاتم الطائي) وبالأدلة الدامغة وبشهادة آلآف من البشر؟؟؟.
للكورد أيضاً حصة من (حاتم) .. ولكن اليوم نتحدث عن شخصية خالدة أبد الدهر، حاله حال (حاتم الطائي) يتذكره جيل بعد جيل. بأختصار أنه الكلداني الخالد عبد الكريم الياس. من أهلنا مسيحيوا السليمانية والملقب بـ (كريم علكة) …!!

شىء بسيط عن تلك العائلة الكريمة:

من العوائل الكلدانية التي أستقرت في مدينة السليمانية قادمة من قرية (أرموطة) القريبة من قضاء كويسنجق في محافظة أربيل.

ــ ولد عبد الكريم الياس 1867 وكان أكبر أشقائه (رزق الله، عبدالرحيم، فرنسي).
ــ والده الياس كان من كبار تجار الحبوب والقطن.

ــ بعد وفاة والده، أنتهج نفس العمل ولكنه طور التجارة وأصبح يتاجر مع أيران وأرسل أشقائه لغرض تنسيق التجارة مع كبار تجار هناك.

ــ خلال فترة قليلة كسب ثقة كبار التجار والسوق. وأصبح من أغنى ألأغنياء.

ــ كان متحدثاً جيداً. له أسلوب في أقناع الطرف ألأخر. ذكياً وتقي ـ يخاف الله ـ وأخلاقه عالية جداً. بالمقابل كانت نظرة المجتمع اليه نظرة حب وتقدير وأعجاب. كان من أشهر الوجوه ألأجتماعية في المدينة وكذلك في دواوين آل بابان والشيوخ البرزنجية وغيرهم.

ــ لقب العائلة علكة جاء من تصغير أسم والدهم ـ الياس ـ حين النطق بالكوردية. وهكذا أصبح ـ علكة ـ لقب العائلة ولحد اليوم.

المناصب التي تبؤها المرحوم كريم علكة:

نظراً لسمعته الطيبة وقابلياته تبؤ مناصب حساسة في ذلك الوقت ومنها:

ــ في فترة حكم العثمانيين، أصبح عضو في محكمة (جزاء) السليمانية. كان بمثابة ـ قاضي ـ حيث كان يصلح بين التجار أي خلافات كانت تحال اليه.

كان بأمكانياته الفذة يحل كافة الخلافات ويرضي كافة ألأطراف. حينها كان يرسل التوصية الى رئاسة المحكمة لأجل التصديق.

ــ عين وزيراً للمالية في حكومة الشيخ الملك محمود التي تشكلت في السليمانية بتأريخ 10 / 10 / 1922.

لماذا عبد الكريم علكة ؟؟؟:

من بين العشرات من التجار وألأغنياء وملاكي ألأراضي الزراعية وألأغوات والباشوات. ياترى لماذا هو بالذات نافس ـ حاتم الطائي ـ العربي.. لابل أشتهر أكثر بين الناس هناك؟؟؟.

للرد: نعم كان ولايزال هو ألأول وألأخير يستحق ذلك اللقب. واليكم القصة :

في سنوات ( القحط ) 1916 و1917 حيث الحروب والجفاف في آن واحد . أنتشر الجوع والبطالة بشكل مخيف. نعم لقد مات الكثيرون من الجوع. أصبح من المناظر الطبيعية أن ترى الجثث في الشوارع وألأزقة وداخل البيوت. وتبقى الجثث في تلك ألأماكن حتى من يتبرع بدفنهم!!. كانت مآساة بمعنى الكلمة !!.
نعم في هذه الظروف الصعبة يبرز ذلك الكلداني الشهم كريم علكة ويثبت للعالم بأن هنالك من هو أكرم من ـ حاتم الطائي ـ وبالأفعال وليس بالأقوال فقط!!.

في الوقت الذي أستغل العشرات من التجار (الجشعين) تلك الحالة برفع أسعار الطحين والحبوب، وأمسوا يبيعون (حقة) الطحين بثلاثة ليرات رشادية، وبذلك كونوا ثروات طائلة ولكنهم فقدوا سمعتهم وذويهم في نفس الوقت!!.

لكن الكلداني الشهم كريم علكة عمل بعكس هؤلاء حيث:

أشترى كميات كبيرة من تلك المواد وخزنها في مخازنه ووضع عليها حراسة مشددة وتصرف كالأتي :

ــ خفض ألأسعار لحد النصف للميسورون الذين كانوا يستطيعوا الشراء.

ــ للفقراء والمحتاجون مجاناً!!.. نعم مجاناً ومن غير مقابل .

ــ مطحنته الخاصة كانت تعمل ليل نهار لأجل الفقراء .

ــ فتح مخبزاً لتزويد الناس بالخبز مجاناً. المخبز كان شغال من الصبح الى المساء!!.

ــ في كل مساء كان يأمر بطبخ كميات كبيرة من (شوربة رز مع اللحم) لتوزيعها على مئات الفقراء والمحتاجين. وكان بأمكان الفقير أن يأكل هناك أو يأخذ حصة أهله أيضاً!!!.

ــ كان يقوم وبأستمرار بشراء كميات كبيرة من الحبوب والرز بأسعار مرتفعة ويوزعها مجاناً وبقية التجار متعجبون من تصرفه وكرمه وخلقه..!!

بذلك حمى آلآف من الموت المحقق. نعم كان له الفضل ألأول وألأخير في أنقاذ الجياع من أبناء مدينة السليمانية وحتى القصبات المجاورة ..!!.

أعمال خيرية أخرى:-

من المعلوم أن المرحوم كريم علكة كان مسيحياً. ولكن مع ذلك كان قد قدم الكثير الى جوامع مدينة السليمانية .. ومنها :-

كان يملك (كهريز) ماء. فقد تبرع بذلك الكهريز لخدمة جوامع السليمانية، فقد أمر بشق السواقي وأيصال المياه الى الجوامع التالية:-

جامع شيخ أمين، تكية روته، حمزة آغا، شيخ محمد برزنجي .. وجوامع أخرى.

وكذلك قدم الكثير من أجل الترميمات وأضافة الكثير من المرافق الى جوامع عديدة !!.

ــ أمر بدفن كافة الموتى وعلى حسابه الخاص .

ــ تفقده لأحوال الفقراء بنفسه .

ــ مساعدة المرضى وشراء ألأدوية لهم .

ــ شراء كسوة شتوية للعديد من الطلبة الفقراء.

ــ في ألأيام ألأعتيادية، كان يقيم الولائم لعامة الناس ويقدم لهم أفضل المأكولات.

ــ كان ألأسخى ألأكرم في مجال التبرعات (في كافة المجالات للأهالي والبلدية وغيرها) .. كان يتبرع أكثر من عشرة تجار مقتدرون .

كريم علكة الشجاع الشهم:

ــ أثناء قصف مدينة السليمانية من قبل الطائرات ألبريطانية، هاجر أكثر من 90% من ألأهالي المدينة وتركوا بيوتهم وحلالهم. لكن المرحوم كريم علكة والذي كان يسكن في محلة كويزة أبى أن يترك المدينة بل ظل وعائلته في المحلة وبقت بجوارهم عائلة الشخصية ألأجتماعية المعروفة الحاج أبراهيم آغا !!.
وحينما دخلت القوات البريطانية المدينة، توجه قائد العسكر الى بيت علكة وتعجب من وجودهم.. سأله:-

ــ عجباً لم تتركوا المدينة ؟؟

رد عليه المرحوم علكة :

ــ أنا بن هذه المدينة، من العيب أن أبقى أوقات الفرح وأتركها أيام الشدة!!.

تعجب القائد من شجاعة ووطنية هذا الرجل.. فأحترمه كثيراً..!!

ــ ما أن دخلت القوات البريطانية المدينة حتى قامت بسلب ونهب أكثرية دور الميسورين. منهم دار الشيخ محمود الحفيد .

قام المرحوم كريم علكة بشراء كل الحاجيات من الجنود البريطانيين وبعدها أعادها الى أصحابها من دون مقابل..!!

ــ في سنة / 1913 زار قنصل روسيا السليمانية. زار الكنيسة الوحيدة وطلب من القس أن يلتقي بأكبر شخصية في المدينة.

قال القس : لايوجد غير كريم علكة .

أرسل القنصل أحدهم ليأتي الى الكنيسة ويلتقي به. لكن المرحوم رفض الذهاب واللقاء بالقنصل..!!

حينها قال القنصل :

ــ طيب سأزوره أنا !!.

رد علكة لا أريد حتى زيارته. لماذا يريد مقابلتي. أنا شخص وطني لي حكومتي ولنا متصرف لواء. لا أريد اللقاء.لابد من أنه يبتغي شيئاً ما. لماذا لايزور المتصرفية.الرجل المتصرف هو الذي يمثل الحكومة والأهالي… ليس عندي شيئاً أبحثه مع قنصل روسيا ولا مع أي قنصل أجنبي..!!

لم يلتقي بالقنصل. وحينما سمعت السلطات المحلية الخبر شكروه على شجاعته ووطنيته !!.

ــ في سنة / 1922 أمرت بريطانيا وفي حالة عدم خروج الشيخ محمود من السليمانية ستقوم بقصف المدينة بواسطة الطائرات!!.

لذلك قرر ألأهالي من تشكيل وفد لمنع هذه العملية .

نعم شكلوا وفداً من الشخصيات التالية :

كريم علكة.

أحمد بك فتاح بك .

حاجي مصطفى باشا .

شيخ قادر الحفيد .

شيخ عبد الكريم قادر كرم .

توجهوا الى كركوك أولاً ومن هناك أبرقوا الى المندوب السامي البريطاني لغرض مقابلته. وعندها توجهوا الى بغداد. وكان المتكلم بأسم الجماعة هو المرحوم علكة لكونه كان يجيد العربية بطلاقة أضافة الى الكلدانية والكوردية والفارسية والتركية وألأنكليزية..!!

التقوا بالمندوب السامي وشرحوا مخاطر تلك العملية وأستنكار ألأهالي لها والنتائج الكارثية..!!

حينها التقى علكة بالمرحوم الملك فيصل ألأول وقد تباحثا كثيراً حول مواضيع عديدة ومنها أستنكارة لضم بعض المدن والقصبات الى لواء كركوك بعد أن كانت تابعة الى لواء السليمانية!!.

ــ 1923 هاجرالمرحوم علكة وأسرته الى كركوك. وهناك أيضاً ساعد الناس بكثرة. بعدها أستقرت العائلة في بغداد!!.

ــ كان المرحوم علكة أول من أدخل (سكر قند) الى السليمانية .

ــ بتأريخ 25 / كانون الثاني / 1948 ينتقل الكريم الوطني الكبير كريم علكة الى
جوار ربه ويدفن في المقبرة الكاثوليكية في بغداد.

وآلآن لقد أطلقت السلطات المحلية في السليمانية أسم أحد الشوارع بأسم / شارع كريم علكة..!!

مجرد أقتراح :

أقترح على بلدية السليمانية أقامة تمثال لذلك الكلداني الشهم. وأطلب من وزارة التربية وضع حياته وأعماله ضمن درس التربية الوطنية ليظل أسمه خالداً أبد الدهر !!… وأخيراً أتمنى على المجلس البلدي وشخص ألأخ المحافظ أن يجعلوا من مسكن هذا الرجل العظيم متحفاً ومزاراً ليزوره الناس والعالم من مختلف أنحاء العالم .

أعتقد أنه يستحق أكثر من هذا … مجرد أقتراح .

رحم الله كريم علكة. وبارك الرب بأعماله الخيرة. مكانه الجنات الخلد أنشاء الله تعالي. وكل الحب والتقدير لأسرته وأحفاده ولعموم الكلدان في العالم بأبنهم البار الخالد كريم علكة. وتحية لتلك ألأرض الطيبة التي عاش وترعرع عليها ذلك الكريم الشجاع الشهم … الف تحية لكل من كتبوا عن ذلك الرجل …. وهم كثيرون الحمد لله.

حمدان: هذه المقالة نشرت قبل اربعة اعوام ..لكن بسبب طلب العديد من الأخوة الأعزاء ها نلبي طلبهم ونعيد نشره من جديد مع الممنونية …
بعد نشر الموضوع بشهر سمعنا أخبار سارة منها:
ـ اطلاق أسم كريم علكة على أحدى المدارس وكذلك على شارع في قلب مدينة السليمانية..
فرحنا جدا بالخبر… كريم علكة يستحق أكثر..

جلال چرمگا

You may also like...