قوميتي أصيلة وليست بأقلية يا ناس! بقلم عبد الاحد قلو

عندما نؤمن بأن الانسان خُلق من جبلة من التراب والى هذه الجبلة سيعود بعد نهاية حياته الارضية، عندها سيعلم هذا الانسان بأن قيمته لاتستوجب ان يصارع او يقاتل اخيه الانسان عندما يتساوى في بداية تكوينه ونهاية حياته مع الاخر. ففي سفر التكوين، يُذكّر الله للانسان ويُعلّمه بأنه لا فرق بين رجل وامراة ولا بين سيد وعبد ولا بين جنس وآخر الاّ بفعل التقوى والصلاح. بالرغم من هذه التنبيهات الا ان الانسان وعلى مر الازمنة اختلف مع الاخر في السيادة والعبودية وفي المعتقد والافكار وفي العرق والجنس ولون بشرته وغيرها من الاختلافات التي ادت الى تواجد الصراعات والى يومنا هذا. وسبب ذلك يعود الى عدم استيعابهم لمبدأ الحرية ما بين البشر والتي هي احد الاسس الجوهرية لحقوق الانسان والتي تحافظ على كرامة الانسان ضد التمييز والاضطهاد على اساس العرق والجنس والمذهب والدين.

يشكل التمييز االعرقي العنصري مشكلة مستفحلة في عالمنا هذا، والذي يمس الاقليات بالذات واحيانا الاكثرية من السكان على حد سواء من مكونات ذلك المجتمع الذي فيه اثنيات وقوميات مختلفة. ان التمييز العنصري الذي تعرّفه الاتفاقات الدولية كونه: (بأنه اي تمييز او استثناء او تقييد او تفصيل يقوم على اساس العرق او اللون او النسب او الاصل القومي او الاثني. والذي ايضا يستهدف عرقلة الاعتراف بحقوق الانسان والحريات الاساسية المطلوبة للتمتع بها او لممارستها اسوة مع الاخرين وفي ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي الميادين الاخرى من مرافق الحياة).

في معظم دول العالم الثالث ومنها عالمنا العربي، فأن الاقليات وبالاخص القومية منها، تعاني من الكثير من المشاكل السياسية والثقافية وكل مايتعلق بهويتها التاريخية. وذلك ناتج من السياسة التي تنتهجها الانظمة الحاكمة في ذلك البلد، التي تكون وسيلتها او غطائها في الحكم، اما الدين او القومية او المذهب، والذين يلغون الاخر المختلف معهم في هذه الصفات او التسميات ويبقى الانتماء الوطني اخيرا عندهم ليس بذات الاهمية. ويصاحب غطائهم الذي اوصلهم لسدة الحكم طرق متعددة لمسك زمام التسلط ومنها الوراثة او الانقلاب العسكري او الدعم الاجنبي او الديمقراطية المطاطية والتي تمدد حكمهم وكما يشائون، هاملين شرائح المجتمع الاخرى ان كانت اقلية وفي بعض الاحيان ممكن ان تكون الاكثرية التي ليس لها حيل او قوة وكما هو في البحرين وسوريا، منشغلين في استفادة مكونهم السياسي بالاضافة الى منافعهم الشخصية ضاربين دستور الدولة وبما يضمن حقوق الاخرين عرض الحائط.

وهذا لايعني بالذات بأنني ادافع عن الاقليات فقط كأقلية عددية وانما ندافع عن السكان الاصلين الذين ربما تكون اعدادهم اقل من الكتل الاخرى وبالاخص من الكتل الحاكمة ولا يعني ذلك ايضا بأنهم اقلية وانما هم اكثرية بحضاراتهم وتراثهم واصالتهم وعمقهم التاريخي التي تكونت من تراكمات الاف السنين ووجودهم الحالي يصلنا الى عمق هذه الحضارة العريقة الزاخرة. واذا اخذنا مثلا العراق فسنجد بأن شرائح المجتمع ان كانت اكثرية عددية اواقلية فأنهم جميعا مساهمين في بناء هذا البلد. فالكلدانيون وقبل آلاف السنين ابتدعوا في العلوم والاداب الاجتماعية حيث كانت مسلّة حمورابي الكلداني وبتشريعاتها مفخرة لكل العراقيين الذين سبقوا العالم بالنظام والتشريع من خلال هذه المسلّة.

بالاضافة الى اكتشافهم للتوقيت الستيني والذين قسموا السنة الى 365 يوم واليوم الى 24 ساعة والساعة الى ستون دقيقة والدقيقة الى ستون ثانية وهكذا. وكذلك اشتهار الكلدانيين بعلوم الفلك والتنجيم والزراعة والتجارة وبناء الاعاجيب ومنها الجنائن المعلقة التي كانت احدى عجائب الدنيا السبعة في العالم، والتي بناها الملك نبوخذنصر الكلداني ترضية لزوجته. والتي كانت تمتاز بالزرع الذي كان يسقى وهو على ارتفاع اكثر من 32 مترا وبطريقة طبيعية وبدون وجود مضخات او وسائل اخرى الموجودة حاليا في دفع المياه للاعلى. وانما بطريقة استغلال نظام تخلخل الضغط للمياه من اسفل بناية الجنائن والتي كانت تمد المياه لتصل للأعلى لسقي المزروعات المتناثرة في قمة البناية (وحسب علمي بأنه تم اعداد مسابقة في ثمانينات القرن الماضي، لأكتشاف وعمل طريقة السقي وفق هذه المنظومة ولم يتوصل احدا لذلك على ما اعتقد).

وهكذا فيما يخص الاقليات الاخرى ايضا من السريان والاشوريين القدامى وليس المتأشورين الحاليين الذين لايمتون صلة بالعراق كونهم نازحين من مرتفعات المناطق الحدودية لأيران وتركيا ومنذ بداية القرن العشرين، وبالاضافة الى اليزيديين والصابئة والعرب والاكراد الذين يجتمعون سوية في تكوين المجتمع العراقي الزاخر بتنوعه والذي يُشبّه بالحديقة المزروعة بالورود الجميلة ذات الالوان الزاهية.

وبالمقارنة فأننا نجد في الدول الغربية، بأن السكان الاصليين مثل الهنود الحمر وهم اقلية عددية، نجد بأن لهم مميزات اكثر من السكان الاكثرية الحاكمة الاخرين، حيث لا تشملهم الضرائب في اسواقهم والتي تكون بضائعهم ارخص في المناطق التي يعيشون فيها وبفارق 13% أقل سعرا من المناطق الاخرى هذا فيما يخص كندا، ناهيك عن الامتيازات الاخرى التي لايسعنا ذكرها في هذه المقالة والتي يتميزون فيها. بينما نحن الكلدان اصحاب القومية الاصيلة وبالرغم من كوننا القومية الثالثة في البلاد بعد العرب والاكراد، وبعد ان كُنّا اعضاء في البرلمان ومجلس الاعيان ومنذ زمن الملكية. ولكن بعد 2003م تم ازاحتنا من كل النواحي السياسية والقيادية وسلمت زمام امورنا لفئة صغيرة من مكوننا المسيحي والمدعومة من الحكومة المركزية وكذلك من اقليم كردستان والتي ارادت ان ترضخ الكلدان وفق اجندات خاصة موجهة لغرض تفتيتها وتهجيرها خارج الوطن لسبب ما لايفقهه منفذي هذه الفئة التعبانة. والدليل على ذلك التفجيرات التي حصلت لكنائسها والاختطاف والقتل الذي طالهم ومنهم سيادة المطران الكلداني المبجّل مار فرج رحو وكهنة وشمامسة وناس مسالمين من قوميتنا الكلدانية (رحمهم الله جميعا).

ولكن اقولها من الاعماق: هنيئا للكلدان الاصلاء الذين لم يقبلوا ان يقتاتوا من موائد هجيني التسمية والقومية، والتي لم تؤتهم الظروف في المشاركة في هذه الحكومات والبرلمانات المتعاقبة بعد 2003م والتي لم تستطع هذه الحكومات ان تسعد شعبنا وبكافة قومياته ومكوناته الى يومنا هذا. لابل زادت من الامور الى اسوأ من ما كان، نتيجة لجشع واستغلال مبدأ الديمقراطية وتحت مسميات طائفية وشوفينية بعيدة عن روح الديمقراطية التي اوصلتهم الى سدة الحكم والديمقراطية براءة منهم. واقولها مرة اخرى، هنيئا للكلدان الذين كان تاريخهم مشرفا في خدمة وطنهم وعلى مر العصور. وليس خافيا بأحد بأن الساعة ستحين لمعرفة مستغلي ثروة البلاد بعد ان اصبح معظم سكان البلاد عائشين على خط الفقر، والحكام يتمتعون بما تمتد ايديهم لجني هذه الثروة ولقطع لقمة العيش عن هذا المجتمع الخائب من وعودهم الكاذبة، وسيكون يوم لحساب الجشعين ومنهم هذه الفئة الصغيرة والمحسوبة على مكوننا المسيحي وبتسميات وهمية لاتمت لهم بصلة والذي سيكون مصيرهم ذكرهم في مزبلة التاريخ ونحن صابرون.

عبدالأحد قلو

You may also like...