قضية معاصرة “كفن تورينو” / قلم المطران سـرهد يوسـپ جمّـو


كفــــــــــن تورينـــــــــو

مرت ثلاثة عقود ونيّف منذ اجتمعت في قاعة ملاصقة لكاتدرائية تورينو في

ايطاليا، مساء 8 تشرين الاول 1978، نخبة مختارة من علماء الدنيا،

الاختصاصيين في الاقمشة والكيمياء والفيزياء والطب والتصوير

الفوتوغرافي واللغويين ومؤرخي الفن ومفسري الكتاب المقدس، وقد جلبوا

معهم احدث وادق ما توصل اليه العلم المعاصر من آلات وتقنية، لكي

يفحصوا قطعة من القماش طولها 14 قدم و3 إنجات وعرضها 3 اقدام و7

إنجات، تنفرد بين كل اقمشة العالم في انها تحتوي صورة مطبوعة فيها

بنوع غريب لا مثيل له في ما هو معروف من الظواهر الطبيعية والفنية.

والغرابة هي: ان هذه الصورة المطبوعة في القماش، اذا سحبتها الالة

الفوتوغرافية، عوضَ ان تنتج صورة سلبيةNegative  (ويدعوها اهل

الحرفة: جام)، فهي تنتج مباشرة صورة ايجابية Positive أي ان قطعة

القماش ذاتها تكون بمثابة الجام او الـ Negative امام عدسة الكاميرا.

وان هذه الصورة المطبوعة في القماش قد انطبعت فيه بطريقة تسمح لأن

يؤخذ لها صورة فوتوغرافية ثلاثية الابعاد، اي طولا وعرضا وعمقا، وهي

تقنية معاصرة تمكن العلم الحديث من انتاجها في العقود الاخيرة اما ما

تعكسه هذه الصورة فرجل مائت مثخــن بالجراح، تنطبق اوصافه تماما على

ما يرد فــي الانجيل من وصف لوقائع تعذيب وصلب المسيح ودفنتـه.

ولفترة خمسة ايام عمل العلماء بــــدون توقف. وقد سُمِح لهم ان يقوموا بكل

انـــواع الفحوص والاختبارات بشرط واحد هو: الا يدمروا شيئاً من القطعة

الاثرية. ولا زال المشتركون في هذه المجهود العلمي يحللـون فحوصهم

ويقارنون استنتاجاتهم. وقد تبعتها دراسات متنوعة عديدة حتى اليوم.

وسوف نستغل في عرضنا هذا اخر النتائـــج والنظريات المعروضة.

ان ما يجدوني الى الدخول في هذه الموضوع الشائك هو ثلاثة عوامل:

الواحد علمي والاخر ايماني والثالث تاريخي. الاول هو ان كفن تورينو يمثل

لغزاً حيّر العلماء المعاصرين بالرغم من كل ما توفره لهم التقنية الحديثة من

وسائل لكشف اسرار المادة. والثاني هو: ان هذا الكفن قد يقدم دليلا حسيا

اعجازيـا يعكس بدقة مجسمة حادثةَ تعذيبِ وموتِ، وربما قيامةِ المسيح

الرب. والثالث: لانه قد يكون لهذا الكفن الاحجية علاقة بتاريخ كنيسـتنا

الكلدانية حسب نظرية بعض المؤرخين المتتبعين للموضوع.

فالى تحليل كل من هذه العوامل:

( 1 ) طبيعة الصورة المطبوعة في الكفــن:


ان الفحص الميكروسكوبي الذي اجـري للقماش الكفن سنة 1978 انتج اولَ

وصف علمي كامل للصورة المطبوعة فيه. وهو التالي:

ان ما تراه العين المجردة في قطعة القماش هذه هو لون باهت متميز في

نسـيج الكتان يشكل ملامح الصورة. وهذا التلون الاصفر الباهت سطحي جدا

بحيث انــه لا يصيب الا خلايا قليلة لا تبتعد الا قليلا عن سطح النسيج.

واللون الباهت هو هو في كافة ملامح الصورة. الا انه اذا اصاب خلايا اكثــر

عمقا في النسيج بان اصفراره اعمق. وهـذا الفرق في عمق اللون انما يعود

الى مـدى اقتراب الكفن من الجسد او التصاقه به اذ كان يحتاطه، ففي

المواقع التي كان القماش ملتصقاً فيها بالجسد، كمقدمة الرأس، يبان اللون

اعمق، وفي المواضع التي لم يكن ملتصقا بها، كالعينين، يبان اللون باهتا.

وهذا هو العامل الذي جعل الصورة هذه ثلاثية الابعاد. ونظرا لضآلة الفرق

بين المناطق الملونة في القمـاش وبقية القطعة، فان تقاطيع الصورة لا

تلوح متميزة للعين المجردة الا اذا ابتعدت عنها حوالي سبعة أقدام على

الأقل.

والى جانب هذه الصورة باهتة اللون، تتواجد في مواقع عديدة من القماش

بُقع حمراوية اللون مختلفة الكثافة، لا تزال ماهيتها موضوع جدل بين

العلماء، فمنهم من يؤكد على انها صبغ او طلاء، ومنهم من يؤكد على انها

دم بشري، ويمكن تصنيفها الى خمس مجموعات:

1- بصمات لجروح في ظهر الرجل، وعددها اكثر من 120، وهي آثار الجلد

بالمجلدة الرومانية المستعملة حينذاك.

2- مجموعة جراحات الرأس والوجه، نتيجة خرز اكليل الشوك على الراس

ونتيجة اللطم على الوجه، وبين جروح الرأس بقعة وسطية مسارها واضح

على الجبين.

3- آثار المسمار على كل من الرسغين، في نقطة النفاذ ونقطة الخروج –

ومع ان الرسغ الأيمن تغطيه في الصورة اليد اليسرى، الا ان الدم الجاري

منه يشير اليه بلا ريبة. ومع ان الرسغ هو الموقع الوحيد في اليد الذي

يتمكن من حمل ثـقل الجسم المصلوب، فقد فات الفنانين ذلك كما فات علماء

التشريح في العصر الوسيط، فصوروا المسيح المصلوب وقد ثـقبت راحتا

يديه. وجدير بالذكر ان الرسغ يمكن ان يثـقب، دون كسر العظام التي تلتقي

فيه، في موقع دقيق واحد لم ينتبه اليه المشرحون حتى القرن التاسع عشر.

غير انه يبدو ان منفذي احكام الصلب كانوا قد تمرسوا على موضعه منذ

عهد بعيد. واذا اخترق مسمارٌ هذا الموقع من الرسغ فانه سيعطل او يؤذي

جداً العصب الذي يحرك الابهام بحيث تنطوي هذه تلقائياً على اليد. وبالفعل

فان صورة الكفن تشير الى الابهام وقد انطوت على راحة اليد.

4- آثار المسمار في القدمين المثـقوبتين، وقد وضعتا الواحدة فوق الاخرى

واخترقهما مسمار واحد.

5- جرح جنب اليمين، وهو جرح كبير موقعه بين الضلع الخامس

والسادس، مقياسه 4,4 سم طولاً و 1,1 سم عرضاً وهو مقياس الحربة

الرومانية تماماً. ويمكن التمييز في هذه البقعة بين سائل كثيف وسائلٍ

مخفف يجسّم واقع جريان الدم والماء من الجنب المفتوح.

( 2 ) محتــوى الصورة:


ان قطعة القماش المعنية فُرشت تحـــت الجسد من موقع القدمين، ثم احاطت

بالرأس ثم فُرشت على القسم الامامي من الجسد. بحيث انها تعكس الجسد

كله. وتمثل الصورة رجلا ملتحيا، طوله 5 اقدام و11 انجا. عمره بين

30-35 سنة ووزنه حوالي 175 باونا. بنيته وعضلاته متينة من نوع

اولئك المتعودين على العمل اليدوي. وقد مات ميتة عنيفة. فآثار الجروح

والرضوض والثقوب العميقة والبطن المنتفخ كلها واضحة ومتطابقة تماما

مـــــــع معطيات علم التشريح. فلنأتي الى تفاصيل ذلك:

1- ان ملامح الوجه واللحية وتقليعة شعر الرأس في رجل الكفن تنتمي الى

الجنس السامي وتتميز تماما عن ملامح المناطق الاغريقيـة – الرومانية.

وتشير الدراسات عن الكفن ان نمط اللحية وشعر الرأس فيه هو من النوع

الذي كان شائعا بين اليهود في القرن الاول الميلادي. وادق ميزة في هذه

التقليعة ارسال شــعر الرأس حتى ينتهي بظفيرة غير مربوطة تنحـدر خلف

الرقبة مقدارا. وهذه الملاحظة فاتـت الفنانين الذين رسموا صورة المسيح في

القرون الوسطى بدون هذه الظفيرة.

2- ان الجروح الناتجة عن الجلد في رجل الكفن تغطي الجسم كله ماعدا

الرأس والقدمين ومقدمة الذراعين. وهي تتطابق تماما مع وضع السوط

الروماني المثنى او المثلث الرؤوس. وهناك في جسم رجل الكفن ما يزيد

على 120 أثراً من آثار ضربة السوط. ويتضح من الصورة ان آثار السوط

قد حُكّت في منطقة المنكب الايمن وذلك نتيجة حمل ثقل صلب.

ان مثل هذا الجَلد العنيف ينتج فـــي معظم الاحوال نزيفا داخليا في منطقة

الصدر بحيث ان القفص الصدري يمتلا تدريجيـا بالسائل الدموي، مما يضغط

على الرئتين فيعجل الموت بالاختناق. وفي حالة امتلاء القفص الصدري

بالسائل الدموي، فان الدم الكثيف يستقر في القعر بينما يطوف السائل

الدموي الاخف في القسم الاعلى، بحيث انه لو ثُقب القفص الصدري فان

السائل الكثيف سوف يجري اولا ثم يتبعه السائل الدموي الخفيف. وبالفعل

فان الكفن يعكس جرحا في جانـب القفص الصدري تنطبق مقاييسه تماما

على رأس الحربة الرومانية، وقد جرى من هذا الجـرح نوعان من السائل

الدموي: الواحد كثيــف والاخر خفيف.

3- ان رُكب رجل الكفن تعتريها الجروح والرضوض، ولا سيما جرحٌ واسع

في الركبـة اليسرى، دليلا على ان الرجل سقط تحـت وطأة حمله.

( 3 ) المـوت بالصـلب:


1- إن الصورة المطبوعة في كفن تورينــو الاثري تكشف الكثير عن طريقة

موت الرجل الذي تعكس جسده. واضح ان الرجل مات مصلوبا. والموت

بالصلب يعني موتا تدريجيـا بالاختناق. ذلك لان وضع الجسم على الصليب،

بالذراعين المرفوعتين والجذع المتدلي، يجعل مـن التنفس عملية عسيرة

جدا بحيث انها تـؤدي آخر الامر الى الاختناق. بيد ان اولئك الذين لهم بنية

متينة يمكنهم ان يقاوموا هذه النهاية المأساوية فترة طويلة. ولذا كان منفذو

حكـم الاعدام يعجلون الموت بكسر ساقي المصلوب بمطرقة ثقيلة، فتتعطل

قدرة القدميــن المسمرتين على سند الجسم ودفعه الى الاعلى، فيتهدل بالمرة

ويتم الاختناق سريعا. غير ان رجل الكفن ليس فيه ساق مكسورة. ذلـك لانه

اسلم انفاسه، من اثار التعـذيب والنزيف، قبــل ان يحتاج صالبوه الى اللجوء

الى هذا المشهد الاخير من المأساة. والبطن المنتفخ، الواضح في الصورة،

دليل على ذلك، لانه النتيجة الفيزيولوجية التي يؤدي اليها الاختناق.

2- ان وجه رجل الكفن تغطيه الجـروح والاورام، واهمها: تورم يكاد يغـلـق

عينـه اليمنى، وتورم في الانف مع تحرك عظمه. الاول يشير الى ان الرجل

ضرب على وجهه، والثاني يدل على ان الرجل اصطدم بوجهه، ربـما على

الارض اذا سقط تحت ثقل صليبه. وهناك ايضا اثار في الصورة تشير الى ان

قسما من اللحية قـد نتف. والمعروف ان اليهود كانوا يقومون بـهـذه الاهانة

في حالة واحدة هي جريمــة التجديف، وهـي التهمة التي وجهـوها الـى

يسـوع.

3- ان جـلد الرأس في رجل الكفـن قـد ثقبته الجروح في مواقع عديدة. وهـذه

الجروح تتطابـق مع الاثار التي يتركهـا اكلـيل من الشوك اذا غرس في

الرأس. والجديد في هـذا اكلـيل صورة الكفـن انه ليس اطارا دائريا فارغا في

الوسط كما اعتدنا ان نتصوره، ولكنه غطـاء دائري كالعرقچين يغطي الرأس

كله وينغـرس فيه. والمعـروف انه لم يرد في التاريخ ذكــر لمصلوب غرس

في رأسه اكليـل من الشوك ماعدا السـيد المسـيح. ولان الانجيل لم يذكر

نوعيـة اكليـل المسـيح فان الفنانـين صوروه وكأنه حلـقـة دائرية فارغة في

الوسط، على الطريقة الاغريقية والرومانية.

لاشك ان القارىء اللـبيب قد قارن بنفسه معطيات صورة الكـفن مع وقائع

تـعذيب وصلب المسـيح كما وردت في الانجيل، ولا ريب انه لاحظ التطابق

بينهما. ولان هـذه المـعـطيات معروفة لـدى المطلعـين فسوف نكتفي هـنا

بمرور سريع على النصوص الانجـيلية لتسهـيل مقارنتها:

“فأمر بيلاطس بأن يؤخـذ يسوع ويجـلد” (يو 19، 1 ـــ متى 27، 26 ـــ

مر 15، 15).

“وأخذوا…يضربونه بقصبة عـلى وجهه ويبصقون علـيه” (مر 15 ـــ 19 ــ

متى 27، 29 ـــ يو 19، 2).

“وضفروا اكليـلا من شوك ووضعوه على رأسه” (متى 27، 29ـــ مر 15،

17 ـ 20،  يو 19، 2).

“فساروا بيسوع فخرج حاملاً صلـيبه” (يو 19، 17).

“وبينـما هم ذاهبـون به، امسكوا سمعـان، وهـو رجل قيريني كان راجعـا من

الحقل، فالقـوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع” (لو 23، 26 ـــ متى 27،

32 ــ مر 15، 21).

“اذا لم ابصر اثر المسـمارين في يديه وأضع اصبعي في مكان المسـمارين،

ويدي في جنبه، لا اؤمن” (يو 20، 25 ـــ لو 24، 39).

“وصرخ يسوع صرخة شديدة ولفظ الروح” (مر 15، 37 – متى 27، 50 –

لو 23، 46 – يو 19، 30).

“فجاء الجنـود فكسروا ساقي الاول والاخـر اللذين صلبا معه. اما يسوع فلم

يكسروا ساقيه لانهم لما وصلوا اليه رأوه قد مات. فطعنه احـد الجنود بحربة

في جنبه، فخرج علـى اثرها دم وماء” (يو 19، 33 ــ34).

4- واذا كان الانجـيل يورد معـلومات وافيـة عن صلب المسيح، فهو يمر

على مراسيم دفنتـه مرورا مقتضبا. ولـذا لابـد لنا هنا ان نلتجيء الى تقالـيد

الدفـن عند اليهود في زمان المسيح كما ترد في الوثائق التاريخية.

وتعلـمنا هـذه الوثائـق ان عادة القـوم كانت ان يكفـن الجسـد بقطعة او قطع

من القماش. الا ان مجموعة قوانـين الشريعة اليهـودية كانت تفرض ان

يكفـن المحكوم عليهـم بالاعدام بقطعة رئيسية واحدة من القماش. وكذا هو

الكفـن المحفوظ في تورينو. كما تشيـر التنقـيبات الاثارية عن “جماعة

قمران” اليهــودية الى ان الهـياكل المكتشـفة هـناك كانـت راقدة على الظهـر

والـيدان الواحـدة فوق الاخرى تغـطيان منطقة الحوض. وكذا هي صورة

الكفـن.

ويضيف الانجيـل ان السبـت كان قـد اوشك على البدء، حين انزال المسيح

من صليبه، ولـذا اجريت مراسيم الدفنة على عجـل، وان النسوة “اعددن

طيبـا وحنوطا، واستـرحن في السبت على ما تقضي به الوصية” (لو 23،

26). وانهـن عدن، فجـر الاحد الى القبـر ومعهـن الطيب الذي اعددنه

لاستكمال ما بدَءنـَهُ قبل حلول السبت، وبين ذلـك غسل الجسد، الذي لا يذكر

الانجيل شيئا عنه مع انه بين اصول الدفنة اليهودية، وكذلك حلاقة اللحية

والرأس وقص الاظافر. والواقع ان مجموعة القوانين المذكورة تمنع هـذه

المراسيم عن المحكوم عليهم بالاعدام، ويبدو أن جلب الطيب كان تعويضاً

عن الغسـل.

وقبل العبور الى نقطة اخرى، فلننتبه الى ملاحظتـين اخيرتـين عن صورة

الكفـن:

أ- ان التصوير الثلاثي الابعاد يشير الى وجود شيء ما يقسم لحية الرجل.

وقد ارتاى بعض الباحثين ان ذلك من اثار عصابة كانـت تشد الفكـين الى

بعضهما، منعـا لانفتاح الفـم في اعقاب الموت، وكانت تعقد في اعلى الرأس.

وبالـفعـل، فكأنّ شعـر الرأس في صورة الكفـن قد تجمع من جانب الوجه

الايسر عند حافة قطعة غير مرئية.

ب- يبدو ان قطعا معدنية صغيرة قـد وضعت على عيني رجل الكفـن.

والغرض مـن وضعها اغلاق العـينين لئلا تنفتحا بعد الموت وارتاى بعض

العلماء انها قطع نقدية. وقـد تبين من التنقيبات الاثارية لمقبرة يهـودية مـن

القرن الاول وجود قـطع نقدية معدنية مـع الجماجم. وقـد توصل الاستاذ

فرنسيس فيـلاس (من جامعة لويولا في شيكاغو) الى ان قطعـة المعدن شبه

المدورة على عين رجل الكفـن انما هي فلس من عهـد بنطيوس بيلاطس.

ومن كل ما سبق هو ذا نحن نلخص فيما يلي:

مواصفات صورة الكفــن:


ان صورة الكفـن سطحية لا تتغلغل الا قليلا في خلايا النسيج، وهي غنية

بالتفاصيل الدقيقة حتى ان العلماء تمكنوا ان يحصوا فيها عـدد اثار ضربة

السوط، وليس في الصورة اي اثـر لصبغ او مسـحوق او معجون، وهـي

ثلاثية الابعاد وذلك اعتمادا على مدى بـعد القماش من الجسد عند احتوائه

له، وهي تتفاعل كجام سلبي امام التصوير الفوتوغرافي، وليس فيها اثر

لاتجـاه الفرشة او اليد ــ عند تطبيق مادة كيماوية ما ــ فهي خالية من

الاتجاه، وقد تعرضت سنة 1532 لحريق لم يبدل شيئا من خواصها كمــا لم

يبدل الماء الذي رش عليها حينئذ شيئا من طبيعة او وضوح الصورة فهي

مستقرة كيمياويا.

( 4 ) كـيف انطبعـت الصورة:

ترى “كيف” انطبعت هـذه الصورة الفريدة؟ ذاك هو السؤال الذي حيـر

العلماء. وقـد قدموا عبر السنين فرضيات ونظريات وضعت واحدة واحدة

على محـك الفحوص والاختبارات العلمية. وهي ذي اهمها:

1- نظرية الرسم:


ان فنانا عبقريا من القرن الرابع عشر (وهو العهد الذي ظهر فيه الكفـن في

اوربا) رسم الصورة في القماش مستخدما اصباغا خاصة وريشة دقيقة لم

يقم الكومبيوتر المعاصر مـن قراءة اتجاهها. ان نظرية الرسم هي اضعـف

النظريات في حل احجية الكفـن لانها لا تتفـق مع معظم خواص الكفن. فقد

ثبت من الفحـوص المختبرية انه ليس في الكفـن مقومات اية مـادة صبغية.

والمساحيق والاصباغ لا بد لهـا ان تتغلـغـل في خلايا النسيج بينما صورة

الكفــن سطحية، وهـذه المسـاحيق والاصـباغ لا بـد ان تتأثر بالنار والماء ـــ

وهو ماتعرض له الكفــن سنة 1532 ـــ ولكن الصورة لم تتأثر بهمـا. اضف

على ذلـك ان الرسم الفني لايمكن ان ينتـج صورة ثلاثية الابعـاد كما هي

صورة الكفـن.

2- نظرية التلاصق المباشر:


وتعني ان تتفاعل قطعة القماش كيمياويـا مع جثة ــ وفي عملية تقليد: مع

تمثال مهييء لهـذا الغرض ــ فتنطبع الصورة على القمـاش بالتلاصق

المباشر. كما قد يحدث اذا ســود الانسان وجهه بالفحم ثم الصق عليه قطعة

من قماش. غير ان هـذه النظرية ايضا تجابهها معظم الاعتراضات التي

جابهـت نظرية الرســم من ضرورة تغـلـغل الصبغ في القماش … الـخ.

اضف على ذلـك ان مثل هـذه الصورة تأتي مشوهة بالكد تتميز معالمها

بخلاف صـورة الكفـن الدقيقة المفصلة.

3- نظرية التصوير البخاري:


وهي ان يبث الجسم، نتيجة تفاعلات كيمياوية، بخارا يتصاعد من الجسد

وينطبـع صورةً في الكفـن. وقد دلـت الاختبارات ان الصورة الناتجة عن هـذه

العملية غير واضحة بالمرة وانها “غير سطحية”. اي ان البخار لا يتوقف

عند خلايا النسيج السطحية بل يتغـلغل في النسيج كلـه. فضلا عن ان هـذه

التفاعلات لا يمكن ان تنتـج قط صورة ثلاثية الابعاد. وفي حالة التصـويـر

البخاري، كيف ترى انطبعـت صورة النقد المعـدني في الكفـن مع انهـا لا

يمكن ان تبث بخارا.

4- نظرية الاشعاع والاكتواء:


اي ان يبث الجسم طاقة ضوئية حرارية لفترة ما تتفاعل مع قطعة القماش

حتى تصبح هـذه بمثابة الجام فـتنطبع عليه صورة الجسـم. ويبدو ان هـذه

النظرية اكثر ملاءَمة لخواص الكفــن من بقية النظريات. ولكن كيف يعتمـد

العلماء على نظرية علـمية تسلم بان جسما مائتـا يصدر منه ضوء

وحرارة؟!

والنتيجة الاخيرة القائمة حتى اليوم هـي: ان العلماء لم يتوفر لهـم حتى الان

تفسير علمي عن طبيعة تكوين صورة الكفـن. وحتى نظرية الاكتواء (اي

الكوي او الشيط) انـما هـي نظريـة ارجحية حسب، اذ هي تترك العـديد من

الصعوبات والتساؤلات العلمية دون حل. واذاً السر هو: كيف تم ما تم، فان

واقعة حدوثـه لايمكن ان تنكر. ففي كل الاحوال، ان الفحوص والاختبارات

تشير الى ان الرجل الذي احتـواه الكفـن كان رجلا حقيقيا، عُذب وصُلب

بالطريقة التي عذب وصلب بها المسيح كما جاء في الانجيل، وانه دفن

حسب تقاليد اليهـود في غضون القرن الاول. فمن هو الرجل؟ وكفـن مـن

هـذا الكفـن؟

( 5 ) كفـن مزيف ام أصيل؟

هل ان كفـن تورينـو نتيجة عملية تزييـف، القصد منهـا تقليد كفـن المسيح،

قام بها عبقري في غضون القرن الرابع عشر، احتار به وبسحـره علماء

القرن العشرين والألف الثالث؟ ام ان كفـن تورينو كفـنٌ اصيل لرجل حقيقي

صلب ومات ودفن فـي فلـسطين في النـصف الاول من القرن الاول، ومن هو

الرجل؟

فالى الشق الاول. ولكي نتوصل الى الجواب عليه، نتساءل: هل هناك في

القماش اي اثـر لصبغ او مسحوق او معجون او اية مادة تلوينية اخرى

طبيعية او اصطناعية؟ هل هناك فـيه اي اثر لعمل فنان كاثار الفرشة او

بصمات الاصابع وهي ترسم بالاصباغ؟ وهل بإمكان مزيّف من القرن الرابع

عشر ان يكون حاصلا على كـل المعلومات التي تقتضيها مثل هـذه العمليــة

الوحيدة في التاريخ وعلى كل القدرة التقنية التي تلزم لاخراجها في القماش

الكفـن؟

ومع وجود من يؤكد بين العلماء على ان الصورة في القماش انما هي نتيجة

صبغ او طلاء، هناك العديدون بينهم من يؤكد ان الصورة ليست نتيجة لأية

مادة تلوينية، وليس هناك اي اثر لاتجاه الفرشة او الاصابع عند الرسم.

علما بان الكفـن قـد لفحه حريق سنة 1532 فلم يغيـر شيئا من الصورة،

كما رش عليه الماء في تلـك الحادثة، ولا بالماء تأثرت الصورة. بل ان

الصورة سطحية، سلبية كالجام الفوتوغرافي، ثلاثية الابعاد بحيث يستحيل

ان تكون نتيجة عملية رسم.

لـقـد حاول علماء عديـدون ان يقلـدوا صورة الـكفن، بمختلف الوسائل التي

توفرها لهـم الاكتشافات والاختراعات المعاصرة، فجاءت تحقيقاتهم جزئية

مبتورة بعيدة الشبه عن صورة الكفن حتى انهم تحققوا من عجزهم عن

المجاراة. ومن اين لإنسان من القرن الرابع عشر، مهما كان عبقريا، ذاك

التبحر في علم التاريخ والاثار حتى ليعرف منها ما اكتُشف في هذه العقود

الاخيرة حسبُ، وذاك الاختصاص في علم التشريح والـطب حتى ليسـبق

بمعلوماته جامعاتنا بقرون، ومن اين له تلك الدقة المرهفة في العمل حتى

ليعجز الكومبيوتـر عن اكتشاف وإن زلة صغيرة في الاداء؟ بل ان هذا

العبقري يتحدى التقليد الفني الجاري فيضع المسمار في رسغ اليد وليس في

راحتها، ويغطي الرأس باكليل كالعرقچين وليس كالحلقة الفارغة، ومن كل

ذلك، وبدون اصباغ ولا ريشة ينتج صورة لها المواصفات الاعجازية التي

مـرت. ولو وجد انسان من هذا الطراز، اما كان هـو ذاته الاعجوبة؟

( 6 ) من هـو الرجل الذي لفه كفـن تورينـو؟


هو ذا نحن امام قطعة من قماش تعكس صورة رجل شرقي السمات، يهودي

التقليعة، مات بعد ان عُذب وصُلب على الطريقة الرومانية ثم دفـن حسب

مراسيم الدفنـة اليهودية. وفي احتمالية أصالة هذه قطعة القماش، فلمن

الـكفن؟

لا ريبة اننا اذا قارنا تفاصيل تعذيـب المسيح وصلبه ودفنته، كما وردت في

الاناجيـل المقدسة، بمعطيات صورة الـكفن، لدُهـِشنا لما بين هذين الجانبين

من تطابق تام بل مثيـر للعجب حتى ان الكفن يلقي اضواء اضافية على

النص الانجيلي نفسه.

وفي موضوع هذا التطابق، فلننتبه الى بعض المميزات الخاصة المرتبطة

بحادثة صلب المسيح وهي ذي:

لقـد امر بيلاطس بجلد المسيح، ترضية لليهود، على امل اطلاق سراحه،

وهو امر غير معتاد بالنسبة الى المحكوم عليهم بالاعدام. ثم كلله الجند

بالشوك استهزاء بادعائه انه المسيح “ملـك اليهود”، وهو امر لم يذكر قط

في التاريخ عـن مصلوب. وعند الصلب ثقبت يداه، ولم تربطا بحبال كما كان

ممكنا. ولم تكسر ساقاه كما كان جاريا. بل طعـن جنبه بحربة وجرى منه دم

وماء. ودفن بكفـن فاخر، وهو امر غير مألوف بالنسبة الى المحكوم عليهم

بالاعدام لانهـم كانوا عادة من العـبيد او الثوار او المجرميـن لا يهتم بهم

احـد بل لا يجسر احد على الاقتراب من صليبهم. وقد دفن يسوع على عجل

لان السبت كان قد اقترب، فلم تُكمّل فيه كافـة مراسيم الدفنة اليهودية

التقليدية.

كل هـذه المميزات التي تجعل من حادثـة صلب المسيح واقعة فريدة من

نوعها، تنطبـق تماما على رجل الكفـن.

وعلاوة على كل ذلـك، فانه يبدو من ان لهـذا الرجل خواص وقدرات اضافية

ذلـك:

أ) لأن الكفـن لا يعكس اي تفسخ في الـجسد الذي التف حوله، دليـلا على ان

الرجل لم يبـق فترة طويلة ملتحفا بكفنه. وسكان الشرق الاوسط يعلمون ان

اربعة ايام هي عادة ما تبلغـه الجثة من مقاومة حتى تبدأ بالتفسخ. فجسد

رجـل الـكفـن انفصل عن غطائه قبل اليوم الرابع.

ب) ان طريقة مغادرة الجسد لهـذا الكفن طريقة محيرة اعجازية. فان الدم اذ

يجري علـى الغطاء الجلدي فهـو يتخثر بعد قليل مشـكـلا بقعا لها هندستها

وحدودها الذاتية. فـاذا وضع على هـذه البقع كتان ثم انتزع عنها، فـان هـذه

البقع سوف تتكسر حدودها الاصلية وتتشوه. غير ان الملاحظ في اثار بقع

الـدم الباقية في صورة الكفـن انـها لا زالت على وضعـها الاصلي، لم تتكسر

حدودها ولم تتشوه هندستها فكأنّ قماشا لم ينزع عنها بـعـد ملاصقة، وكأن

الجسد انزلـق انزلاقا من الكفن بطريقة لا تقوى يد بشرية على مجاراتها.

ج) ان جسد رجل الكفـن برهـن على قـدرة تصويرية خارقة، فقد طبع صورته

الذاتية على القماش بطريقة لا شبيه لها في ما هـو معروف فـي دنيا الطبيعة

او الفنون. والرأي الراجح ان ذلـك قد تم بطريقة الاشعاع والاكتواء. وهـذا

يعني انه انبثــق من الجسد ضوء وحرارة تفاعلا مع القماش الكفـن فانطبعت

فيه تقاطيع الجسد دون اية مادة تلوينية، صورةٌ سطحية ثلاثية الابعاد، وان

العلم لا يدري كيف تم ما تم ولا يعرف وسيلة لتقلـيد هـذه العـملية.

وهـكذا يتوقف العلم بنا اليوم عند هـذه النقاط، وبينها قضية لا زالت

امكانيتها قائمة:

1) ان كفن تورينـو كفـن اصيل لرجل حقيقي صلب ودفن في فلـسـطين ابان

القرن الاول الميلادي.

2) ان ما تعكسه الصورة المطبوعة فيه ينطبـق تماما على وصف الاناجيل

لتعذيب وصلب ودفنة يسوع المسيح.

3) وان هـذه الصورة انطبعت فيـه بطريقة الاشعاع والاكتواء، على الارجح،

وان ما تتضمنه مـن خواص لا يجد العـلم له تفسيرا او شبيها.

والان الى الجانب التاريخي: ماذا يفعـل في تورينــو كفـن لرجل دفن في

فلسـطين؟

( 7 ) كفـن تورينـو وخلفيته التاريخية:


لابد ان القارئ اللـبيب قد انتبه، مـن خلال عرضنا لموضوع الكفـن هـذا، الى

نقطـة مهمة وهي اننا لم نشر حتى الان الى اية وثيقة تاريخية تتحدث من

قريب او بعـيد عن بقاء كفـن السيد المسيح بين مخلفات التاريـخ المقدسة.

ولم نذكر حتى الان شـيئا عن قصة هـذه القطعة الكتانية التي دعيت “كفـن

تورينــو” وما جـرى علـيها عبـر الاجيال والسنين، ولا عمـا تقوله السلطة

الكنسية المسؤولة فيها. وذلـك لان قصة الكفـن، من الناحية الوثائقية، كما

سنرى فيها من الغموض والتعقيد شيء كثير. بحيث انه، لولا تحليلات

الـعـلوم الحديثة التـي تتمكن ان تقدم لنا اليوم ادلة موضوع النقاش (في

انتظار النتائج النهائية) عن هوية الـكفن وخواصه ومحتواه، فان الوثائق

التاريخية اذا اعتمد عليها وحدها تترك فجوات وتساؤلات بارزة في قصة

هـذا الـكفن وسفرته عبـر القرون والبلدان. وعلى كل حال فلنأت الى ما

توفره لـنـا هذه الوثائق ولنترك للقـاريء النبيه تـقييم الادلة الوثائقية

ونظـرات الباحثين فيهـا.

ان قطعة القماش المعنية “كفـن تورينــو” خرجت من ظلام المجهول الى

مسرح الاحداث سنة 1357، اذ عرضت لاكرام الحجاج في كنيسة صغيرة

في بلدة ليري الفرنسية التي تبعد حوالي 100 ميل الى الجنوب الشرقي مـن

باريس. وكان هـذا الكفـن حينذاك في حـوزة نبيل من سلك الفرسان اسمه

جوفري دي شارني، كان قد قتل قبل ذلك بسنة واحدة في معركـة بواتييه

(بين الانكليز والفرنسيين) فقامت ارملته (جان دي فيرجي) وعرضت

القماش الكفـــن على انه كفن المسيح، في الكنيسة التي كـان زوجها قد

بناها، مبتغية من وراء ذلـك الانتفاع من تبرعات الحجاج لسـد مصاريـف

الكنيسة والقائمين عليها. وما ان انتبــه اسقف الابرشية، هنري، الى ذلـك

حتى اوقف العرض متشككا في هـوية الـكفن ومصدره -حين ذاك خبأت عائلة

دي شارني الـكفن حتى توفي الاسقف، ثم عادت الى عرضه سنة 1389

بعــد ان استحصلت رخصة بذلـك من القاصد الرسولي ممثل البابا في فرنسا.

علما ان القاصد الرسولي، تفاديا لاطلاق حكم متسرع لم يقل ان قطعــة

القماش تلـك هي كفـن المسيح او ان الصورة المعكوسة فيـه انطبعت مباشرة

من جسـد المسيح، بل اكتفى بالقول انها “تمثل كفـن المسيح”، وعلى هـذا

الاساس فان عرضها امام المؤمنين لا يضر التقوى المسيحية.

بيد ان اسقف الابرشية الجديد، بييـر دآرسي، خليفة هنري، احتج بقوة لـدى

البابـا كليمنت السابع في مذكرة كتبها نهاية تلـك السنة مستندا الى موقف

سلفه الذي، حسب المذكرة، فحص الموضوع في حينه واستنتج ان قطعـة

القماش هـذه ليست كفـن المسيح انما هي نتيجة عمليه تزييف قام بها فنان

ماهر، وان الغرض منها جمع دراهم الحجاج. فكان طلب الاسقف من البابا

ان تُسحَب اجازة عرض الـكفن تفاديا لخداع المؤمنين في حقيقتـه. وكانت

حجة الاسقف ان الشعب يقدم اكرامه لـهـذه قطعة القماش والصورة

المطبوعة فيه على انها كفن المسيح لا على انها “تمثّل” كفن المسيح.

ويبدو ان البابا كان قد فحص الموضوع بنفسه فرفض طلب الاسقف في

سحب اجازة عرض الكفـن امام الجمهور بل فرض عليه “سكوتاً دائمياً”

عـن هـذه القضية. وهـكذا تتابع عرض القماش الكفـن امام الشعب.

ولكي تضمن عائلة دي شارني مستقبل الكفـن فقد سلمته الى امراء عائلة

ساڤويا. وعند انتقال مقر هـذه العائلة الملكية الى تورينـو في ايطاليا انتقل

الـكفـن معها، بل قبلها، الى هـذه المدينة سنة 1578، وفيها مكث حتى

يومنا، حيث وضع تحت الاقفال المحكمة في كاتدرائية تورينـو وتحت وصاية

اسقف المدينة التي منها استمـد الكفن اسمه في القرون الاخيرة فدعي

“كفــن تورينو” علما بان السلطة الكنسية المسـؤولة لم تطلق حتى اليوم

حكما نهائيا عن اصالـة الكفن، بل تركت الموضوع مفتوحا للبحث والنقاش.

ان ما اثار مسألة اصالة الكفـن في القـرن الاخير حتى استقتطبت اهتمام

الدوائر العلمية في مختلف انحاء العالم هـو الصور الفوتوغرافيـة التي

سحبت للكفن لاول مرة نهاية القرن الماضي. فان هـذا الكفن عرض امام

الجمهور في كاتدرائية تورينـو لثمانية ايام ابتداء من 25 ايار 1898،

وذلـك بمناسبة مرور خمسين سنة على تاسيـس المملكة الايطالية (وملوكها

من عائلة ساڤويا)، اذ دعي المصور سيكوندوپــيّا الى التقاط صور

فوتوغرافية للكفن قبل اعادته الى صندوقه المقفول. وفي منتصف ليلة

28 ايار ذهل المصور سيكوندوپــيّا امام “جامات” الصور لانها كانـت قبـل

غسلها اوضح مما كانت بـعـد غسلها. اي ان الكفـن نفسه تفاعل امام الالة

الفوتوغرافية وكانه جام سلبي. وهكذا طرحت ظاهرة الكفن الفريدة هـذه

علـى بساط البحث العلمي حتى علم من اسراره ما علـم خلال العقود اللاحقة

. ويمكننا القول ان العلــم الحديث، بالاته المرهفة، وجـد في هـذا الكفـن

حججا علمية قد تدعم اصالته التأريخية اقوى بكثير من حجج الاسقف پيير

دارسي الطاعنة فيهـا. ومن ثم اعيد النظر في تحليل الوثائق المتوفــرة واذا

بالباحثين يلقون اضواء جديدة علـى خلفية الكفن التأريخية.

( 8 ) قصـة “المنديليون” في مدينـة الـرهـا:

والسؤال الأول الذي يفرض نفسه:

– من اين لعائلة فرسان فرنسية، مغمورة نسبيا، ان تستحوذ على اثر

تأريخي من هذا الطراز؟ واين كان هـذا الكفن خلال كل العصور الماضية؟

وكيف لم يرد ذكره في الوثائق التأريخية؟

والواقع، اننا لو بحثنا عن “كفـن” للمسيـح في كل ما يتوفر لـنا من الوثائق

القديمة لما لقينا شيئا عنه على الاطلاق. ولكن، اذا بحثنا في تلك الوثائق

عن “صورة للمسيح لم تصنعها ايادٍ بشرية” فحينذاك سوف تحلق بنا

نصوص جديرة بالثقة في عالم الذخائر المسيحية وتحط بنا في العاصمة

البيزنطية قسطنطينوبوليس. ومن ثمه في الرها، المدينة التي انطلقت منها

الحملة التبشيرية نحو بلاد الرافدين انتهاءً بتاسيس كنيسة المشرق، في

القرون الاولى وهي في الوثائق:

ان اوسابيوس القيصري، اشهر مؤرخي المسيحية في عصورها الاولى

واوثقهم كتب حوالي سنة 325 مؤلفه النفيس “تأريخ الكنيسة” وفيه اقدم

ذكر معروف لقصة تبشير الرها وقصـة ملكها ابجر الخامس واتصلاته مع

المسيح وتـلاميذه. وقد اكتـُشفت، اواسط القرن الماضي، مخطوطات سريانية

قديمة في دير نيتربان في صعيد مصر الاسفل، تتضمن اقدم النصوص

الارامية لقصة ابجر ومراسلته مع المسيح. كما يتوفر لنا تقرير من القرن

العاشر عن “قصة صورة الرها” كتب باليونانية في مدينة القسطنطينية

اعتمادا على المصادر الارامية السابقة. ومن هـذه الوثائق الاساسية وغيرها

يبني الباحثون هـذه القصة التاريخية الخلابة قصة صورة وجه المسيح.

ان الرها القديمة احتلت موقعها بلدةُ اورفه التركية، وتبـعـد عن الحدود

السورية ثلاثين ميلا. وكانت على عهد المسيح عاصمة مملكة صغيرة

مستقلة تقع بين امبراطوريتين عملاقتين متنافستين: هـما الفارسية شرقا،

والرومانية غربا. وكان ملوكها قد عقدوا حلفا مع الفـرس مكـّنهم من

المحافظة على استقلاليتهم وادارة شؤونهم الذاتية. وقد اثرَت المدينة من

وضعها وموقعها ذاك اثراء مرموقا. فقد كانت تعبـر حدودَها القوافلُ الشرقية

محملةً بالحريـر والتوابل وانواع البضائع. اما ثقافة الرهـا ولغتها فكانت

ارامية وكانت تلـك هـي اللغة السائدة يومذاك في بلاد ما بين النهرين ومعظم

سوريا وفلسطين. وكان جالسا على عرش المملكة الصغيرة، ابان حياة

المسيح، أبجر الخامس (من سنة 13 ــ 50م). واصيب الملـك بمرض عضال

(يبدو انه برص او شلل او كلاهما). واذ سمع بخبر يسوع والعجائب التي

يصنع بعث اليـه برسول يدعوه للقدوم الى الرها قصد شفائه. غير ان

المسيح عوض الذهاب الى الرها وعد بارسال تلميذ لاحقا لشفاء الملـك

المستنجد. وهنا يتحدث اوسابيوس، استنادا على ما وجده في ارشيف الرها،

عن المراسلة التي جرت بين الملـك ابجر ويسوع.

ان المصادر المنوه بها تجمع على ان الرسل بعثوا الى الرها بـعـد قيامة

المسيح مار أدّي أحد السبعـين تلميذا (وفي النصوص اليونانية: تدّي

تديوّس). وعند وصول مار أدّي الى المدينة طلب مقابلة الملـك. وكان

الرسول قد جلب معه، على حد قول المصادر، وذلك حسب رواية يونانية من

القرن العاشر، قطعة قماش مطبوعا عليها صورة وجه المسيح. ودعى

اليونانيون هـذه القطعة لاحقا “مانديليون” اي “المنديل” فعندما دخل مار

ادي بلاط ابجر وضع صورة وجه المسيح على جبينه وكأنها بيرق له وتقدم

نحو سرير الملك. وما ان راها ابجر حتى تجلى له نور ينبثق منهـا بهر

عينيه، وسرت قشعريرة في قدميه المشلولتين ونهض من سريره وتخطى

نحو الصورة وكأنه يعيش في رؤيا. وعندما استلم من الرسول صورة

المسيح شفي من برصه ايضا. ثم تلقى الملـك من مار ماري تعليم الانجيل

وحينئذ استفسر عن الصورة المطبوعة في الكتان، لانه عندما فحصها

بعنايــة وجد انها ليست مكونة من “الوان بشرية”. وكان مندهشا من

قدرتها. فحدثه ادي عن ساعـات نزاع المسيح وشرح له ان الصورة انما

نتجـت عن عرق الدم الجاري منه لا عن المساحيق.

( 9 ) من الـرهـا الى القسـطنطينية:

بعد ان اطلع مار ادي الملـك ابجر على شخصية المسيح وتعليمه، وعلى

ماهية الصورة التي حملها معه، تتابع المصادر، اقتبل ابجـر العماذ، هو

واهل بيته، وافسح المجال لمار ادي لكي يكرز بالانجيل في مدينة الرها كلها.

فآمن كثيرون. غير ان معـنـو الرابع، ابـن ابجر، الذي خلف والده على

العرش سنة 57م ارتـد الى الوثنية واضطهد المسيحيين. وهنا اختفت

“صورة المسيح” من مسرح الاحداث والوثائق. وسوف يستدل من المصادر

اللاحقة ان المسيحيين اخفوها في كوة في سور المدينة الغربي، وهنـــاك

رقدت آمنة من تقلبات الزمان خمسة قرون تقريبا، حتى اكتشفت والى

جانبها قنديل سنة 525، عندما رممت الاسوار بأمر من الامبراطور

البيزنطي جوستنيان، اثر فيضان عارم زعزع معظم بنايات المدينة.

كان اكتشاف صورة وجه المسيح في اسـوار الرها حدثا اطرب الشرق

المسيحي، وحينئـذ امر الامبرطور فشـيدت كنيسة جميلة في الرها على اسم

ايا صوفيا ضمت الذخيرة الثمينة. ومنذ ذلـك الحين عاد المؤرخون يتحدثون

عن “صورة الرها” التي تفـردت على حد تعبيرهم بميـــزة خاصة اضحت

كنية لـهـا هي انها “غير مصنوعة بأيدٍ بشرية”. واثّرت تقاطيع الصورة

المهيبة علـى الفن اللاحق في تصوير وجه المسيح.

وفي كاتدرائيـة ايا صوفيا الرهاوية بقيت هـذه “صورة المسيح” (والتي

دعاها اليونانيون منديليون اي المنديل) محفوظة حتى دخول المسلمين سنة

639. وقـد احترم الفاتحون الـعـرب قدسية هـذه الذخيرة فلم يمسوها بأذى

ولا آذوا الكاتدرائية التي تستضيفها. كذلـك عبرت هـذه الذخيرة بسلام موجة

محاربة الايقونات (723 ــ 842) التي عمت العالم البيزنطي والعالم

الاسلامي سواء بسواء. ويبدو ان السبب الرئيسي في ذلـك هو ما كان

يعترف لهـذه الصورة من انها “غير مصنوعة بأيدي بشر”، حتى كان ربيع

943م حين قام القائد البيزنطي يوحنا كوركواس بحملة جسورة اخترق فيها

حـدود الامبراطورية العباسية حتى بلغ اسوار الرهـا، وفاوض المسلمين على

تسليم (المنديليون) مقابل الافراج عن 200 من اسراه المسـلمين ودفـع

12000 قطعة فضة. ورغم احتجاجات مسيحيي الرها فقد وافق خليفة بغداد

بعد تردد ونقاش على تسليم الذخيرة النادرة. وهـكذا غـادرت الذخيرة الرها

حتى وصلت القسطنطينية بأبهـة ملوكية في 15 اب 944، وطوف بهـا وهي

ضمـن صندوقها المرصع حول اسوار المدينة واستقــرت اخر الامر علـى

مذبح خاص في كاتدرائية ايا صوفيا واعتبـر وجودهـا في الـعـاصمة

البيزنطية حدثا كبيرا حتى خصص يوم 16 آب عيدا سنويا للاحتفال بها.

وبقي المنديليون مكرما مصونا في مقره تحتاطه شعائر الاجلال والتهـيب

بحيـث لم يكن يسمح بزيارته الا لنخبة من القوم وفي مناسبات استثنائية.

وبلغـت روما سنة 1011 نسخة تقلـد المنديليون. ومن هـذه النسخة

وحولهـا حيكـت اسطورة تقول ان امرأة تقية (وارينه) لاقت يسـوع في

طريق الالام ومسحت وجهه “بالمنديل” الذي انطبعت عليه تقاطيع الوجه

المخضب بالدماء، ودعيت الصورة “فيرونيكا” ومعناهـا مـن اللاتينية:

الايقونة الحقيقية (ڤيرا آيكون).

وفي هـذه الحقبة بالذات، اي حوالي ســنة 1025، حدث تطور فجائي في

مفهـوم المنـديليون فقد اخذ شهـود العيان الذين سمح لهـم بالاطلاع على

قطعة القماش والصورة التي فيـه يصفونها لا كأنها “صورة وجه المسيح”

حسب، بل على انها صورة جسد المسيح كله. كما شرع الفنانون يرسمون

لوحات تمثل المســيح منزلا من الصليب ومهيئا لـكي يُلف بقطعة قماش

بحجم الجسم كله لا بحجم منديل للوجه. ومن تلـك الوثائق المعاصرة ما جاء

في “التأريخ الكنيسي” الذي كتبه المؤرخ الانكليزي اورديريكوس فيتاليس

حوالي سنة 1130 عن قصة ابجر. يقول: لقد ملك ابجر اميراً علـى الرهـا،

وارسـل اليه الرب يسوع اثمنَ ثوب، به مسح عرق وجهه وفيه انطبـعـت

باعجوبة تقاطيع المخلص، وهـو يعكس لاولئك الذين يحـدقون فيه صورة

ومقاييـس جسد الرب (عند مينيى، الاباء اللاتين 188، 690). وجاء في

مخطوط لاتيني من نفس الحقبة عن قصة ابجر: ان المسيح وجّه لأبجر هـذا

الخطاب: اني ارسل لك ثوبا صيغت فيه لا صورة وجهي فقط بل وجسدي كله

(المكتبة الفاتيكانية، 5696، ورقة 35).

هـذا التطور في مفهوم المنديليون (اي من ذخيرة يتمثل فيهـا وجه المسيح

فقط الـى ذخيرة تعكس جسد المسيح كله) لا يجد له المؤرخون الا تفسيرا

مقبولا واحدا: ان المنديليون كـان منذ جلبه الى الرها مطويا على بعضه

بحيـث سقط موقع الوجه علـى الطبقة الاخيرة العليــا، فكان يخيل للناظر انه

صورة للوجه قائمة بذاتها. وقد رُصّع الوجه منذ عهـد ابجر بالذهب ووضع

القماش على حطته في صندوق ثميـن فشاع عنه انه صورة وجه المسيح.

ويبدو ان قطعة القماش اخرجت من صندوقها ونشرت بكل امتدادهـا في

مناسبات ابان القرن الحادي عشر. وحينذاك اخذ المؤرخون يتحدثون لا عن

صورة وجه المسيح حسب بل عن صورة لجسده كله. ولما كان يتعذر عليهم

تصور انطباع صورة المســيح بالاكتواء (اي بالاشعاع والحرارة) من الجسـد

المائت ــ وهي نظرية مرتبطة بتقنية التصويـر الفوتوغرافي الحديث ــ فقد

تخيلوا الصورة قـد تكونت من انطباع الوجه والجسد المخضب بالدم.

(10 ) من القسـطنطينية الى المجهول:


نستخلص من كل ما مر ان مجموعة من المؤرخيـن المعاصرين قد توصلوا

الى القول بان كفن تورينــو هو هو المنديليون (صورة الرها) الوارد ذكـره

في الوثائق التأريخية، وقد اعتـُقِد في القـرون العشرة الاولى انه صورة

لوجه المسيـح لان القماش كان مطويا ومحفوضا في صندوق بحيـث لا تبان

منه للناظر الا صورة الوجه، وقد وُصفت هـذه الصورة في حينه بانها لم

تُصنَع بأيـدٍ بشرية وليس عليها اثر من اصباغ، وفٌسـرت طريقة صياغتها

يومذاك بانها انطبعت من وجه المخلص اذ كان يعرق دما في بستان

الزيتون، ومن هـذه الصورة الاصيلة صُنعت نسخـةٌ تقلـِّدهـا نُقلـت الى روما

وعنها حيكت اسـطورة تقول: ان “وارينه” قدمت “منديلا” للمســيح وهـو

فـي طريق الآلام مسح به وجهه المخضب بالدم فانطبعت علـى المنديل

تقاطيعُ وجهـه، وفي القسطنطينية ــ اذ نُشر القماش في كـل امتداده إِبّان

القرن الحادي عشر ــ اكتُشف ان تقاطيع الصورة الغريبة ليست للوجه وحـده

بل للجسد كله، وحينذاك فُسرت الصورة على انـها انطبعت من جسد المسيح

المنزَل من الصليـب، وهنا التقى المنديليون بكفن تورينــو اذ تطابقت

مواصفات الاثنين وامكن الاستنتاج انها نفـــس قطعة القماش التي مرت

بمختلف تلـك المراحل.

وتجدر الملاحظة بان الفنانين البيزنطييـن استوحوا لوحاتهم عن وجه

المسيح، منذ اواسـط القرن السادس، من المنديليون (صورة الرهـا) بعـد

اكتشافه في اسوار المدينة. واذا نحـن قارنـّا اليوم تلـك اللوحات بصورة وجه

الرجل في كفـــن تورينو، كما فعل العالم الفرنسي ڤينيون، فاننا سنلاحظ معه

15 نقطة تشابهٍ حاد بارز فـي التقاطيع، وهـي تبين بوضوح ان صورة

الكفـن كانت النموذج الذي استوحى منه الفنانـون لوحاتهم.

وهكذا يبـدو ان النظرية القائلة بان كفـن تورينـو هـو هو المنديليون او

صورة الرهـا تلاقي اليوم قبولا واسعا، وفي حالة أصالة الكفـن تكون

الوحيدة التـي تقدم شرحا وثائقيا مرضيا عن اصـل كفـن تورينـو وخلـفيته

التأريخية. وقـد تكون اوضح شـهادة وثائقية عن ذلـك من مصدرين:

1 ) الاول، تقرير خلـّفه حارسُ الكنوز والذخائـر البيزنطية في الكابلة

الامبراطورية التي كانـت تضم المنديليون، واسمه نيكولاس ميزاريتيس، وقد

كتب سنة 1201 اثر تمرد في البلاط وشغـب قام به العوام، محذرا من خطر

اهانة القدسـيات التي كان مسؤولا عن حمايتها. يقول: “ففي هـذه الكابلة

يقوم المسيح من جديـد. والدليل الواضح هو ثوب واقمشة الدفنة. اما ثوب

دفنة المسيح فهـو كتان من مادة رخيصة سهـلة الاقتناء، لازال يفوح منه

عطر الطيب، وهـو يتحدى البلى، ذلـك لانه لف الجسد القدسي العاري المائت

عقب الآلام” (طبعة هـايزنبرغ، ص 30). وهـكـذا فان حارس الذخائر لا

يتحدث بـعـد عن صورة وجه المسيح بل عن ثوب الدفنـة الذي لف جسده

المائت.

2 ) والثاني من قلم فارس فرنسي اسمه روبرت دي كلاري، كتب مذكراته

سنة 1203ــ 1204، وكان قد رافق الحملة الصليبية الرابعة التي انطلقـت

من فرنسا، لكي تعيد الامبراطور البيزنطي الهارب اليكسيوس الرابع الى

عرشه، على ان يزحف الجميع من هناك نحو الاراضي المقدسة. وبالفعل

فقـد اعاد الافرنج الصليبيون الامبراطور الى عرشـه ولكن المشادات بين

الافرنج، وكانوا جنودا خشنين، والبيزنطيين وهم اهل رقة واناقة، احتمدت

سريعا حتى بلغت حـد الانفجار المسلح. ويبدو ان الامبراطور امر بـعـرض

المنديليون/الـكفن فـي كنيسة العذراء سيدة پلاشيرني، وكانت ملتقى

التجمعات الشعبية، لرفع المعنويات والاحتماء بالقدسيات في ساعات الشدة.

يقول دي كلاري:”وكان هناك كنيسة اخرى تدعى القديسة مريـم سيدة

پلاشيرني، فيها يُحفظ ثوب الدفنة الـذي لـف ربنا، وهو يرفع منتصباً كل

جمعة، بحيث ان صورة ربنا يمكن ان تـُرى فيه بوضوح” (روبرت دي

كلاري، فتح القسطنطينية، ص112). وما عتــم الاصطدام ان حصل.

وفاضت موجات الصليبيين علـى شوارع العاصمة الناعسة. وكانت تلـك

اياما وصمت تاريخ الغرب بالعار، اذ لم يتورع الافرنج من ارتكاب افضع

الجرائم وامتهان كرامة القدسيات في البيوت والقصور والكنائس. وبين ما

اختفى من كنوز العاصمة العريقة المنديليون/الكفن، وعنه كتب الفارس دي

كلاري وهـو شاهـد عيان لما جـرى: “ولا احد، يوناني او افرنجي، علم قط

ما جرى لثوب الدفنة بـعـد ان اسـتبيحت المدينة”.

القضـية القائـمة:


اجل، لقد اختفى الكفن الاحجية من العاصمة البيزنطية يوم استباحها

الصليبيون الافرنج. وهو ذا نحن بعـد سبعة قرون امام الاحجية من جديد في

كفن اظهرته للـعيان عائلة فرسـان فرنسـية من ورثة الصليبيين في بلدة

ليري قرب باريس، وهـو الذي يقف امامه علماء اليوم حيرى في سره.

ومع ان قطعة صغيرة من زاوية في اهداب الكفـن قد اُخضعت للتحليل

المختبري (Carbon 14) سنة 1988، وجاءت النتيجة تنسب الكفـن الى

العصر الوسيط بين سنة 1260 – 1390، فان الدراسات التي تعاقبت بعد

ذلك حتى اليوم ترى ان ذلك التحليل قد يحتاج بعد الى فحوصات اضافية، اذ

يبدو انه قد تناول موقعاً من الكفـن ثبت فيه ترفيف ونسيجٌ اضافي من سنة

1534، حين قامت فرقة من الراهبات باصلاح الضرر الذي اصاب الكفـن

بسبب الحريق الذي التهم الكنيسة التي كانت تحويه سنة 1532- وهناك من

العلماء من يقدّم أدلة واحتمالات تشير الى عدة عوامل تكون قد أدَّت الى تبدل

التركيبة الكيمياوية للقماش- ولا بد من الانتباه الى ان من ينكر أصالة الكفـن

معتمداً على علمه وآلاته لا يجيب بتاتاً على تساؤلات اساسية:

1-     كيف تكونت هذه الصورة بخواصها العجيبة الغريبة؟

2-     وكيف توفرت التقنية التي انتجتها والعلم الذي اقتضاها لفنان في

مطلع القرن الرابع عشر؟

وما زالت الفحوصات تـَتـَتـابع من عشرات بل مئات الاختصاصيين في كل

فروع العلم، وهي بمجملها تعبير عن الانبهار العلمي امام هذا الكفـن

الاحجية.

تلـك قصة كفـن تورينـو. فاذا لم يكن هـو هـو كفـن المسـيح، فما عسـاه

يكون؟

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *