قداسة الحبر الأعظم البابا بندكتس السادس عشر في أمان الله


الحياة عبر،والحياة مدرسة،والحياة مشوار قصير ولكنه مليئٌ بالمواقف،مليئٌ بالقرارات وخاصة للشخصيات العامة التي تؤثر وبقوة على مجموعة من البشر وقد تؤثر على العالم بأسره.

كان صعود الأب الأقدس البابا بندكتس السادس عشر الى السدة البابوية بعد إنتقال البابا الطوباوي الراحل يوحنا بولص الثاني الى الأخدار السماوية في سنة 2005 كأول بابا ألماني منذ مايقرب المئات من السنين،وكان رغم عمره الكبير نسبياً آنذاك 78 سنة إلا أن إنتخابه كان تواصلاً على النهج الذي إختطه سلفه الراحل لإكمال البناء لغرس الإيمان في الأجيال الصاعدة وإعادة النفوس الى رب المجد وتجديد الإيمان بالثوابت الكاثوليكية وتحديات العولمة ومواجهة الإنفلات الأخلاقي وأهمها نقل الكنيسة الى القرن الواحد والعشرون قرن التحديات الكبرى،وعليه كان قداسة البابا بندكتس الخلف والراعي الصالح الذي تحمل عِظم المسؤولية الدينية والإخلاقية في قيادة دفة الكنيسة الكاثوليكية الى الذرى لإعلاء كلمة الحب والحق والإيمان والتعزية لسائر البشر.

حقاً إن القلم يعجز عن وصف المشاعر لهذا الأب الأقدس،فهو وإن حَمَل الأمانة لثمان سنوات مفعمة بالعمل والأمل إلا أنه لم يتوانى عن الترجل من أعظم كرسي على وجه الأرض ألا وهو الكرسي البابوي،بتجرد ونكران ذات بلا حدود،لقد إعترف قداسته أمام الله أولاً ثم أمام العالم بضمير ٍنقي وعقل راجح أن صحته وقواه الجسدية لا تُعينه في خدمة الكنيسة الكاثوليكية وفي خدمة شعبها المؤمن الذي تعداده أكثر من المليار ومائتا مليون نسمة،وكان خبر إستقالته من الكرسي البابوي قد صَدم العالم لما يُكنه لهذا الرجل المقدس من شعور بالإحترام والتقدير لمواقفه الدينية والدنيوية في شؤون الأمم والشعوب،ولا عجب أن أغلب روؤساء دول العالم المتحضر باركوا قراره وخطوته وشجاعته رغم شعورهم بالأسى لغياب صوتٌ مُحبٌ نقيٌّ صادقٌ في لُجة هذا العالم المتصارع بلا هوادة.

إن الحبر الأعظم هو رئيس دولة الفاتيكان،ولكن بلا جيوش وبلا شرطة أو قوات أمنية عدا الحرس السويسري الذي لايتجاوز عدده العشرون فرداً يحمل الرماح القديمة ويلبس حُلل القرون الوسطى،ولكن مع ذلك فإن تأثير قداسته الروحي والمعنوي والإنساني نلمسه في متابعة العالم لآرائه ونشاطاته الروحية والزمنية،وبإعتقادي المتواضع فإن شخصية البابا أي بابا في هذا العصر هو كعمود النور يوجه البشرية الى طريق الإيمان والخلاص.

لقد كانت إستقالته من منصبه السامي أكبر دليل ومثال يحتذى في الترفع عن السلطة الدينية والدنيوية للمسؤولين والحكام والمتسلطين،أن آن الأوان للترجل عندما لايقدر الفرد أن يقوم بأعباء منصبه على الوجه الأكمل مرضياً الله والشعب،وكما قال قداسته ( أن تُحِبْ الكنيسة،يجب أن تتحلى بالشجاعة لتجاوز الصعوبات والآلام والقرارات ودائماً أن تضع مصلحة الكنيسة في ضميرك )،وقال أيضاً ( أنا لن أترك الصليب،بل أقف بشكل جديد عند أقدام الصليب ).

ما أعظمك أيها الأب الأقدس وما أعظم إيمانك وسيظل التأريخ يذكر فترة حبريتك الجليلة المميزة ويتذكر وقفتك وترجلك في الوقت الذي لم تستطع مواصلة الخدمة والمشوار،هنيئاً لكم وهنيئاً للمؤمنين في هذه الأرض.

لن نقول لقداستكم وداعاً بل في أمان الله وحفظه وأن يمدكم العلي القدير بنعمته بصلواتكم لخدمة البشرية المعذبة في أقاصي الأرض ولوطننا الأم العراق وخاصة لشعبنا المسيحي المتألم.

مرة أخرى…في أمان الله أيها الأب الأقدس.

مؤيد هيلو … سان ديييغو

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *