في ذكرى تأسيس الحركة الديمقراطية الآشورية استمرار الخطاب الإقصائي التخويني

لتأسيس منظمة او حزب لا بد من توفر عدة عوامل لكي تجد تلك المنظمة او ذلك الحزب الأرضية الأجتماعية والسياسية والموضوعية اللازمة لكي يتمتع ذلك الحزب بالمناخ الملائم لنموه وتطوره وتوسعه لتحقيق برامجه المطروحة ، هكذا بدأ حزب الزوعا ، والذي بدأ كحركة عسكرية ، ثم طغت على هذا التنظيم السمة الحزبية ، ومع ان الحركة الديمقراطية الآشورية تحولت الى حزب سياسي بحت إلا ان هذا الحزب يفضل البقاء تحت تسمية الحركة .

كانت عوامل مساعدة لأنبثاق هذا الحزب وتطوره وتوسعه في ساحة المكون المسيحي المتكون من الكلدانيين والسريان والآشوريين ، وهذه العوامل يمكن تلخيصها بالنقاط الآتية :

اولاً : ـ كانت فترة تأسيس هذه الحركة متزامنة مع الفترة التي نضجت ظروف تفكك المعسكر الأشتراكي بعد ان اوشكت الحرب الباردة الى بلوغ نهايتها وتمخضت على هدم جدار برلين ومن ثم انهيار الكتلة الأشتراكية فكان تفكك الأتحاد السوفياتي الى جمهوريات مستقلة .

إن انهيار المعسكر الأشتراكي بزعامة الأتحاد السوفياتي السابق قد ترك آثاره السلبية على الأحزاب الشيوعية العربية ومنها الحزب الشيوعي العراقي ، وفي هذا الحزب كانت هنالك اعداد مهمة من ابناء شعبنا المسيحي ، ونتيجة الفراغ السياسي الذي تركه الحزب الشيوعي العراقي وجد هؤلاء ضالتهم في الحزب المكون حديثاً وهو الحركة الديمقراطية الآشورية ، ولهذا نجد في صفوف الكوادر القديمة للحركة عناصر كثيرة لها خلفية شيوعية لا سيما من كوادرها من الألاقشة .

ثانياً : ـ كان من حسن حظ التنظيم الجديد ( الزوعا) انه لم يكن هنالك تنظيم قومي كلداني ، مما يسّر له العمل بين الكلدانيين انفسهم بتوجهات دينية وتحت شعارات جذابة منها ضرورة تلاحم وحدة شعبنا وهذا الطرح الوحدوي ذات الطابع المخملي الناعم كان مبطناً بفكر قومي إقصائي سوف ينفضح بمرور الزمن .

ثالثاً : ـ الثقل الكلداني وإمكانياتهم المادية ( لا سيما في اميركا) وضعت تحت تصرف الحركة بدعوى انه تنظيم علماني مسيحي لا يفرق بين مكونات هذا الشعب .

رابعاً : التدخل الدولي في حماية الأكراد والمكونات الكوردستانية الأخرى في اقليم كوردستان وخلق ملاذ آمن كانت ايضاً في مصلحة هذا التنظيم الذي وجد الدعم ايضاً من الجانب الكوردي ، والحزب الشيوعي العراقي في المنطقة الذي كانت له تنظيمات وقواعد عسكرية في كوردستان .

هذه الأسباب وغيرها كانت في صالح انبثاق هذا التنظيم وتطوره .

في التوجهات النظرية للحركة كتب السيد هرمز طيرو سلسلة مقالات تحت عنوان علمانية الحركة الديمقراطية الآشورية . ولسنا هنا في شأن مناقشة فحوى المقالات لكن نكتفي بالتعليق على العنوان فحسب ، والعنوان يدلنا الى ما دفتي الكتاب او متن المقال .

إن تطبيق العلمانية كنهج سياسي لا يفضي حتماً الى نظام ديمقراطي عادل فالعلمانية قد تصل الى تخوم الحكم دكتاتوري والأمثلة كثيرة في هذا المجال ، فالحزب الألماني النازي كان حزباً علمانياً وكذلك حزب البعث العربي الأشتراكي ، ذات التوجهات العروبية ، كان يتميز بفكر إقصائي بحق المكونات القومية غير العربية في الوطن العربي . كما ان علمانية كمال اتاتورك لم تشكل عائقاً دون محاولات صهر الأقليات القومية الأخرى في بودقة القومية التركية وتحت ذريعة خلق مجتمع (متجانس) في الدولة التركية التي نشأت على انقاض الأمبراطورية العثمانية الواسعة التي كان تتسم بالكوزموبوليتيكية ، اي متعددة الأعراق والقوميات .

في هذا المقال نحيي الحركة الديمقراطية الآشورية بالذكرى 33 لتأسيسها ، لكن هل ان هذه الحركة تميزت بخطابها الديمقراطي والعلماني كما يدل اسمها وكما وصفها الكاتب هرمز طيرو الذي يبدو انه من كوادر ومن منظري الحركة .

السؤال للحركة هل ان علمانية الزوعا هي كعلمانية حزب البعث العربي الأشتراكي والحزب الأتاتوركي ؟ وإن كان الجواب هو النفي ، فلماذا تسعى الحركة الى إقصاء الهوية الكلدانيــــــة من الخارطة القومية العراقية ؟ ويظهر ذلك جلياً من خطابها السياسي العام ومن تصريحات سكرتيها العام السيد يونادم كنا الذي افتى بأن اي آشوري ينضم الى الكنيسة الكاثوليكية يصبح كلدانياً ، وفي الحقيقة إن هذه النظرية تبدو محيرة ، إذ كيف يصبح آشوري القومية كلداني القومية بعد ان ينضم الى الكنيسة الكاثوليكية ، اعتقد ان هذه النظرية سوف تحير علماء الأجتماع والسياسة على حد سواء .

تطرح الحركة الديمقراطية الآشورية باستمرار مسالة وحدة المسيحيين من الكلدان والسريان والآشوريين وتقول بأن كل المسيحيين في العراق هم قومية واحدة ؟ والسؤال هو :

هل ان الحركة تسعى الى هذه الوحدة على طريقة كمال اتاتورك ، اي بإلغاء جميع القوميات وصهرها في بودقة القومية التركية ؟ اي ان ننصهر جميعاً في القومية الآشورية وكفى المؤمنون شر القتال ؟

هل تسعى الحركة الى هكذا وحدة اقصائية ؟

ام ان الحركة تعمل من أجل شراكة ندية بين جميع الأطراف اي بين الكلدان والسريان والآشوريين والأرمن على اسس من التفاهم والتكافؤ بين جميع الأطراف ؟

حبذا لو نقرأ جواباً لهذا التساؤل وغيره ، إن كان الجواب من قبل الأخ هرمز طيرو أو من الأخوة الكتاب الكلدان المنخرطين في صفوف الحركة او من الموالين لها والذين غالباً ما يكيلون لنا تهم من قبل انفصاليين ومقسمي شعبنا المسيحي المظلوم ، فهل الخطاب الوحدوي لهؤلاء الأخوة هو من اجل الشراكة ام هو عمل تذويب الآخرين كما فهل مصطفى كمال اتاتورك ؟ ولا نقول كخطاب حزب البعث لكي لا ( يزعل ) الأخوة منافحي الحركة الديمقراطية الآشورية من الكلدان .

لقد اتسم خطاب الحركة منذ تأسيسها بمفهومية إقصاء الآخر ( الكلداني) وتخوينه فهل سوف يستمر هذا الخطاب بعد ان بلغت الزوعا المرحلة العمرية التي امدها الزمني ثلاثة وثلاثين سنة بالتمام والكمال ؟

يقول المرحوم توما توماس في أحدى رسائله :

إن من هم كلدان لا يمكن تبديلهم بجرة قلم الى اشوريين كما يحلو للاخوة الآشوريين ذلك ، إنها تعقيد للعمل القومي والوحدة وإنها آمال البعض بإحداث إنقلاب في التاريخ ..

فهل يحترم الأخوة الألاقشة من منافحي الزوعا كلام المناضل المرحوم توما توماس ؟

في المقال السابق اقتبست من المؤرخ صاعد الأندلسي في كتابه طبقات الأمم ، لكن اليوم نستشهد بمؤرخ عربي آخر وهو ( ابي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي في كتابه التنبيه والأشراف ، دار صادر بيروت ص 78 ـ 79 ، وهو قبل قبل صاعد الأندلسي ( توفي 462 هجرية ) والمسعودي ( ت 346هجرية ) ، يكتب المسعودي :

: ان الأمة الثانية هم الكلدانيون .. وكانت دار مملكتهم العظمى مدينة كلواذي من ارض العراق .. وكانوا شعوباً وقبائل منهم النونويون والآثـــــــوريون والأرمان والأردوان والجرامقة ونبط العراق وأهل السواد .. وكانت بلاد الكلدانييـــــــــــن العراق وديار ربيعة وديار مضر والشام وبلاد العرب . وهنا ايضاً لا نريد التطرق الى عشرت المرات التي يذكر الكتاب المقدس الكلدانيين كقوم اصيل في بلاد ما بين النهرين .

من هنا نحن الكلدانيين حينما نتشبث وننادي بقوميتنا الكلدانيــــــــة ليست غايتنا تشتيت شعبنا المسيحي المغلوب على امره ، إننا بكل إخلاص ومحبة نحترم تاريخنا وقوميتنا ومقابل ذلك نتعرض الى خطاب إقصائي تخويني من قبل الحركة وكوادرها ، والسؤال هنا الى متى تبقى الحركة سجينة الأفكار الإقصائية التي لا تلائم وروح العصر ؟

لقد تخلصنا من الحكم الشمولي الدكتاتوري وتوقعنا ان ذلك كان من أجل حرية الإنسان وكرامته ولم تقم من أجل الاستبداد العسكري أو الديني أو طغيان الأغلبية أو من اجل إلغاء قومية عراقية اصيلة وهي القومية الكلدانية ، في الحقيقة انه قلق ينتابنا باستمرار .

إننا نستقبل الذكرى 33 لميلاد الحركة الآشورية والمشهد واضح امام مراقب محايد بأن الحركة الديمقراطية الآشورية تتميز بخطابها الإقصائي التخويني لكل من يفتخر بتاريخه وهويته الكلدانية وتحاربة بشكل عنيف ، ولا تقبل بأي نقد مهما كان شكله .

لحد اليوم اثبتت الحركة الديمقراطية الآشورية ، مع الأسف ، بأنها عبارة عن حزب قومي شمولي لا تقبل اي اختلاف في الرأي وإن المخالف لها يوضع في خانة الأعداء ، ونحن الكلدان لنا تجربة مع هذا الحزب وأنا شخصياً لدي تجربة شخصية مريرة مع هذه الحركة الديمقراطية الآشورية بسبب أفكاري المعارضة لأي توجهات متزمتة . والسؤال المهم سيبقى قائماً :

هل ان الحركة ستبقى بعد هذا العمر الطويل حزباً سياسياً شمولياً إقصائياً بحق الشعب الكلداني وتستمر على إقصائه من الساحة القومية العراقية؟

ام انها سوف تصحح مسيرتها وتبدل نهجها وتطبق ما ورد في اسمها من مصطلح (الديمقراطية ) الذي يعني التعددية واحترام الرأي الآخر المخالف ، وتوجه كوادرها ومؤيديها الى سلوك التعامل الأخوي مع الآخر وقبوله كما هو وليس كما تريده الحركة ، هذا هو تفسير معنى ( الديمقراطية ) ، فإن كان اسمها الحركة الحركة الديمقراطية الآشورية ، فأولى معاني الديمقراطية هي احترام معتقدات الآخرين واحترام انتماءاتهم دون فرض وصاية عليهم ، هكذا درسنا الديمقراطية وهذا هو مفهومنا لها . ولا ادري إن كان للحركة مفهوم آخر للديمقراطية .

اتمنى مخلصاً ان تكون الحركة الديمقراطية الآشورية ( الزوعا ) حزب ديمقراطي بشكل واقعي وليس على الورق فحسب .

باعتقادي المتواضع ان الخطاب التخويني الأقصائي للحركة هو المسبب الرئيسي في انقسام شعبنا والى خلق تلك الأحتقانات بين ابناء الشعب المسيحي الواحد في العراق المتكون من الكلدان والسريان والآشوريين والأرمن .

حبيب تومي / القوش في 20/04 / 12

You may also like...