في بلادي… يولد المسيحي مصلوباً ويعيش مصلوباً ويموت مصلوباً / عبدالغني علي يحيى

  أخي الحبيب الأحب حبيب تومي المحترم.
  تحية وبعد، فقد قرأت ببالغ السرور والمحبة تعقيبكم القيم الزاحز بالمعلومات والمعاني على مقال لي بضرورة عقد مؤتمر للأقليات في كردستان العراق، وفي عنوان تعقيبكم أو مقالكم وردكم إشارة الى تهميش متعمد للكلدان في كردستان، وفرحت جداً لنشركم الرد في اكثر من صحيفة الكترونية وكم أتمنى ان يمتد النشرالى الصحف الورقية لأجل أن تكون الفائدة أعم، ولا أخفي عليك انه حظي بعناية لافتة من لدن القراء بدليل سيل المكالمات التي تلقيتها منهم بشأنه.
  عتابك لي ولومك بخصوص استخدامي التسمية (المسيحيون) لشعبكم الذي اعده شعبي ايضاً طالما يشاركني في الوطن، اضف الى ذلك مشاركات اخرى، وتبقى وطنية المرء ناقصة مالم ينظر الى جميع مكونات وطنه نظرة واحدة ومالم يقف منها مسافة واحدة، ولكن ألا تراني معذوراً اذا علمنا أن بديلها اي التسمية ( الكلدان ، الاشوريين، السريان) وبعضهم يضع (الواو) بين التسميات تلك، تحرجني وغيري من الكتاب ايضاً سيما المتعاطفون مع شعبك والذي هو شعبي كما قلت، فأضطررت الى تفضيل التسمية (المسيحيون) على الاخرى مع الواو أو بدونها، ثم ان التسمية ( المسيحيون) التي اضطررت الى اعتمادها بدل الاخرى، لن تقلل من عظمة واصالة الكلدان الذي كشعب أسدى عبر القرون خدمات جليلة لأهل العراق والانسانية جمعاء، ولكي لا يوحي الظن، بأن عدم ذكري للكلدان في مقالي المشار اليه، اقصاء وتهميش لهم أحيلكم الى نص بحث قدمته ضمن حلقة دراسية استغرقت نحو (3) ايام في  عينكاوا والتي اقامتها المديرية العامة للثقافة السريانية حول دور الثقافة السريانية في الثقافة العراقية، والذي، اي البحث تضمن معلومات عن دور الكلدان في التقدم بالثقافتين العراقية والكردستانية كذلك. علاوة على عشرات الكتابات لي عن الكلدان، ومساهماتهم في الحركة الوطنية في العراق، و بالقدر الذي نجد فيه الكلدان شعباً عظيماً ويشكلون الاكثرية في القوميات التي تدين بالمسيحية في العراق، فلا ننسى ان الاشوريين يتقاسمون معهم العظمة، كونهم احفاد احدى اقدم الامبراطوريات (الامبراطورية الاشورية) والحضارات. وليت العظيمان يتحدان، فهما مكون واحد لايزرع الفصل والتمايز بينهما سوى خلافات قادتهما الممجوجة، تلك الخلافات التي كانت وما تزال من اسباب ضعفهم وتشرذمهم وقيام الة الارهاب، ارهاب الدولة والمنظمة السرية بحصد ارواح الالاف منهم الان وفي الماضي كذلك.
   عزيزي حبيب: محظوظ كان سيدنا النبي عيسى بن مريم(ع) حين صلب مرة واحدة كما يقول التأريخ والروايات المسيحية وطويت صفحة عذابه، مقارنة بمسيحيي العراق الذين ومنذ قرون يولدون مصلوبين ويعيشون مصلوبين ويموتون مصلوبين.
   قبل اعوام التقيت بقس من المسيحيين الكرد يدعى يوسف كان مسيحياً مخلصا ومعتزا بقوميته الكردية اشد الاعتزار، وكمعظم المسيحيين في العراق ضاقت بوجهه سبل العيش وسدت امامه دروب الحرية في بلده العراق، ما دفع به الى الهجرة الى باريس ليمارس طقوسه الدينية في احدى كنائسها قال لي، انه عندما كان طفلاً صغيراً ويخرج من بيته واذا باطفال الحي من المسلمين يتحرشون به قائلين: كافر… كافر، ثم يطاردونه ويمطرونه بالحجارة، ويهرع مذعوراً الى بيته ليحتمي بوالدته. وفي الموصل التي نشأت فيها وترعرت فأني وقفت منذ الصغرعلى المعاناة المسيحية، ولن انسى ما حييت الاهانات والشتائم التي كانت تلاحقهم في الاسواق والازقة من قبيل:( شكر وحليب خره بالصليب) و( جوزيف كي يناضل تحت الساعة) و( تلكيف استقلالوخ دين محمد بطالوخ) والذي لم يقله المسيحيون بل لفقه و ردده مسلمون متعصبون بغية الحاق الأذى بالمسيحيين، واقولها للحقيقة والتأريخ، ان المسيحيين كانوا ومازالوا من خيرة ابناء الموصل ويضرب بوطنيتهم المثل، ومن الأمثلة: عندما أراد نادر شاه احتلال الموصل، فان مسيحيي القصبات والبلدات شرق وشمال الموصل، توجهوا الى الموصل للدفاع عنها ومقاومة الغزاة الصفويين، بالمقابل يحدثنا التأريخ المعاصر، كيف ان وجهاء المسلمين في الموصل بعد الحرب العالمية الأولى انقسموا على انفسهم، وقد غابت عنهم كل معاني الوطنية، فلقد تمسك قسم منهم بالمحتلين العثمانيين فيما استقبل القسم الاخرالمحتلين الانكليز استقبال الابطال وبخطب حماسية عد تهم منقذين لامحتلين، ولم يسجل التأريخ المعاصر للعراق وكردستان، اي موقف مطعون في وطنيتة للمسيحيين العراقيين والكردستانيين اذ ظلوا ومازالوا مخلصين لتربة وطنهم وضد كل محتل.وفى سياق ردي عليك، أود القول ، أن بعضـا من المسيحيين يذهبون خطأ عندما يزين لهم الاعتقاد من ان الحكومة في العراق تقدمت على المجتمعات العراقية في الانفتاح علىالمسيحيين والرأفاة بهم ومعاملتهم بعدل وانصاف ، واقول ان العكس هوالصحيح, فلولا الحقد الاعمى للحكام والحكومات العراقية على المسيحيين, لماتجرأ فرد على جبهة المجتمع لأضطهاد المسيحيين .ان مذبحة (سميل) التى راح ضحيتها الالاف من المسيحيين وادت الى تشريد عشرات الاف منهم من الذين لجؤا الى سوريا والأقطارالأوروبية والآمريكية , لم تكن من فعل المجتمع بل الحكومة الملكية, والمتتبع  لتداعيات تلك المذبحة ، يستنتج ان الاهانات والمظالم التى طالت   المسيحيين على يد المجتمع الموصلي ظهرت وتوسعت على اثرمذبحة (سميل) التى ارتكبتها الحكومة تلك. وفى عام 1963 نصبت مشانق لعدد من النشطاء الشيوعيين المسيحيين في بلدة (تلكيف) من قبل السلطات البعثية التى اخذت اهاليها المسيحيين بجريرة المشنوقين عندما ارغمتهم على الخروج من دورهم واجبرتهم على التصفيق للحادث , وفي الستينات من القرن الماضي , بني جامع في تلكيف كاستفزاز للمسيحيين واذكر ان السلطات والمجتمع الموصلي كانو ينقلون المصلين ايام الجمعة بواسطة  الباصات لأداء الصلاة فيه ، لآن تلكيف كانت خالية من المسلمين . وفي عام 1969 اقدمت الحكومة العراقية على عبادة سكان قرية داكان المسيحيية . والأمثلة على اضطهاد الحكومات العراقية للمسيحيين لاتحصى. فعلى سبيل المثال لاالحصر اجبرت حكومة البكر – صدام عام 1977 اثناء الاحصاءالسكاني جميع الكلدان والاشوريين والسريان على تصحيح قوميتهم واستبدالها بالقومية العربية خلافاً لأرادتهم، ان تلك العلمية ايضاً كانت من تدبير الحكومة لا المجتمع، ولم تتوقف تلك الحكومة عند ذلك الحد بل حرمت المسيحيين في الموصل من تسجيل الدور والعقارات والمحال التجارية باسمائهم، ليس هذا فحسب بل انها هجرت الاف المسيحيين من المناطق الجبلية في كردستان وبالأخص في وادي نهله بالقرب من (عقرة) واسكنتهم في مجمع سكني قسري بعد ان صادرت قراهم واراضيهم واهدتها فيما بعد للمرتزقة المتعاونين معها. وعلى قدر علمي ان ذلك التجاوز بحق المسيحيين لم يسوى وبقيت قراهم واراضيهم مصادرةالى اليوم.
   أخي حبيب: اذا قمنا بتدوين حوادث القهر للمسيحيين وانتهاك حقوقهم في العراق فان مجلدات قد لا تكفي على استيعابها، وقد يكون دونها بكثير حوادث التميز العنصري التي حلت بالزنوج في امريكا وفي الماضي من الايام، أوالتي حلت باليهود في العراق، وعلى ذكر اليهود وما حل بهم، هو دون ما حل بالمسيحيين بكثير فالمظالم الوحشية التي نفذت بحق المسيحيين سواء من جانب الحكومات والمجتمعات العراقيتين فاقت بكثير تلك التي سلطت على اليهود في الماضي، فاليهود العراقيون لم يمروا بمذابح كالتي حلت بالمسيحيين في (سميل) و (داكان) ولم يمروا باعمال قتل وابادة وتهجير كالتي حصلت ضد المسيحيين وما تزال منذ عام 2003 والى الان، ولم يضطروا، اليهود، الى الهجرة الى الغرب مثلما اضطر المسيحيون إليها، لقد نقل اليهود الى اسرائيل برغبة منهم ومن الحكومة الملكية في أن. نعم ليس من وجه للمقارنة بين ما حل بالمسيحيين وبين ما حل باليهود من عذاب وهوان.
   أعود لأقول، ان استغلال الاقليات وتعذيبها تتحملها الحكومات في العراق بدرجة اولى. فقبل سقوط حكومة البعث كانت مدرسة الراهبات في منطقة الموصل الجديدة بالموصل تتعرض بين حين وحين الى هجمات بالحصو والحجارة من قبل الغوغاء والمراهقين الذين لم يتوقفوا عند ذلك الحت، انما كانوا يسمعن الراهبات البريئات الطاهرات كلمات بذيئة سيئة امتنع عن ذكرها. ثق واعتقد ان تلك التطاولات لو لم تكن تلقى استجابة من المسؤولين الحكوميين لما كانت تقع، اولم تقم تلك الحكومة بقتل الدكتور يوسف حبي وتقطيع اوصال راهبة مسنة في بغداد في الفترة ذاتها؟
   والقول السديد ( الناس على دين ملوكهم) ينسحب بقوة على العلاقة بين  الحكومة والمجتمعات العراقية وبين المسيحيين من جهة أخرى. فلو كان الحكام رحماء بين الاقليات لوجدت المجتمع السائد وقد حذا حذوهم. في الماضي، يوم كان الصراع على اشده بين الدول العربية المسلمة وبين اسرائيل كانت الاية القرانية (يابني اسرائيل اذكروا نعمتي عليكم واني فضلتكم على العالمين) محظورة تلاوتها في البرامج الدينية في اذاعات الدول العربية الا انه في الوقت ذاته كان يسمح وما يزال للأئمة ورجال الدين المسليمين ذكر (اليهود والنصاري) بشماتة في خطب الجمعة لأن الحكومة تسمح بذلك وسكوتها عن تلك الشماتة، بمثابة ضوء أخضر لأولئك الخطباء.
   على خطى حكومة البعث والحكومات التي سبقتها تسير حكومات ما بعد يوم 9-4-2003 في العراق في مجال التعامل مع المسيحيين ومكونات اجتماعية اخرى مغلوبة على أمرها، فمنذ ذلك التأريخ قتل وذبح وجرح ما لا يقل عن 1000 مسيحي في العراق، ونزح الالوف منهم الى كردستان او اخناروا المهاجر منافي لهم كما دمرت كنائس لهم في مدنً عراقية عدة. ترى هل سمعتهم يوماً بقيام الحكومة العراقية الحالية بالتحري عن المصير الذي انتهي اليه المسيحيون الذين قتلوا وهاجروا، كأن تعمل على اعادة اسكانهم في المناطق التي رحلوا منها أو تخصيص مبالغ من المال تعينهم على العيش بحرية وكرامة؟
   أمل من أخي حبيب ان لا يؤاخذني، من مخاطبتي للشعب الكلداني والاشوري والسرياني، من منظور هويتهم الدينية لا القومية، ناهيكم من ان هذه المخاطبة لا تلغي قوميتكم ولا تنفيها، فأنتم تواجهون منذ عقود اضطهادا مزدوجاً، ديني وقومي، ثم ان غيري ايضاً يتعامل مع هويتكم مثلي، راقب نشرات الاخبار التي تقول، ان مسيحياً اغتيل واخر اختطف أوذبح أوهجر، حتى حاضرة الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي.. الخ تخاطبكم من خلال هويتكم الدينية، وقلما نسمع، ان لم اقل لا نسمع قط، القول ان كلدانيا أو اشورياً في العراق قتل واضطهد، ولا ننسى ان تقديم الهوية الدينية للمسيحيين على الهوية القومية، لا يدمغ المسيحية السياسية ان جاز القول، بالتعصب الديني أو الارهاب ليس في العراق فقط وانما في العالم اجمع، مع الاخذ بالاعتبار ان في اوروبا وقارات مسيحية اخرى احزاب مسيحية منها جماهيرية وتفوز بالحكم احياناً عبر صناديق الاقتراع، وفوق هذا فالمسيحيون والحمد لله بعيدون عن التعصب  الديني والارهاب. وبودي القول ان الهوية الدينية ليست عنوانا للمسيحيين العراقيين وحدهم، بل انها شملت المسلمين كذلك وبالشقين المذهبيين الشيعي والسني في العراق والعديد من البلدان المبتلية بالصراعات المذهبية، لقد توارت الهويتان العربية والعراقية في هذا البلدوحلت محلهما هويتان مذهبيتان.
   عندي ان على المسيحيين العراقيين الكف عن الخلاف على التسميات التي ذكرناها، لأننا نخشى ان يشبه حالهم حال (المختلفين على كتابة الهمزة الى يوم القيامة) كما قال قباني الراحل أو المختلفون العرب والفرس حول اسم الخليج، وما عليهم الا أن يحتكموا، اي المسيحيين الى علمائهم الأفذاذ من اللغويين منهم بالأخص على اختيار الاسم، والى أن يحل الاسم المتفق عليه، فمن الاجدى بهم تطبيق الدراسة بلغتهم واطلاق اسماء قومية وشخصية مسيحية على مدارسهم وقراهم ومحالهم، والتكاتف لغرض القضاء على التجاوزات على مناطقهم الجغرافية سواء في العهد السابق أو الحالي، ففي قضاء الحمدانية ثمة محاولات مستميته لاختراق اراضي المسيحيين لكي تقام فوقها دور سكنية لغير المسيحيين، وفي برطلة مثلاً اخترقت ديموغرافيتها من جانب اقوام في الجوار، وليس من ذكر لذلك، ان العدالة تقضي باجلاءالغرباء عنها، وفي تلكيف، فان الخناق على التواجد التأريخي المسيحي يتواصل، وليس ببعيد حلول يوم يجد فيه المسيحيون انفسهم اقلية فيها، لذا على الاحزاب الكلدانية والاشورية والجماهير المسيحية وكذلك على حكومتي كردستان، والحكومة المحلية في الموصل، العمل بهدف وضع لتلك الانتهاكات، واعادة النازحين اليها بغض النظرعن قومياتهم واديانهم الى مناطق سكناهم السابقة.
    ختاما، ارى أن إزالة الحيف والغبن عن المكون المسيحي، ولكي لايشقى المسيحي طوال حياته، يجر صليبه من بلد الى اخر ومن مهجر الى مهجر، ومنفى الى منفى كسير الفؤاد حزينا متألما، ولكن لايحمل اولادهم واحفادهم العذابات من بعدهم، ويصيروا عبيدا ومظلومين كما ابائهم واجدادهم، ويوضع حد لرحلاتهم المفروضة عليهم نحو المجهول، يجب على القوى السياسية المسيحية وعلى حكومتي كردستان والعراق مع الفارق بينهما ومعهما اصحاب القرارفي ماوراء المحيط التدخل لايقاف المعاناة المسيحية في العراق وايجاد صيغة تنقذهم الى الابد من الظام و الاهانة والاستغلال.
وتقبل تحياتي الاخوية.
رئيس تحرير صحيفة راية الموصل – العراق
Al_botani2008@yahoo.com

You may also like...