في الطريق الى المؤتمر القومي الكلداني ومناقشة بعض المزاعم الخاطئة عنه

 

كان يوماً ربيعياً مشمساً في اوسلو يوم حزمت حقائبي ، برفقة الزوجة ام رياض ، ونحن نتوجه الى مطار اوسلو للانطلاق في رحلة لقطع المحيط الأطلسي ، وذلك بغية حضور المؤتمر الكلداني المزمع عقده في مدينة ديترويت والتي اصفها بأنها قلعة الكلـــــــــدان ، وليس هنالك مجال للاستغراب من هذا الوصف بعد علمنا انها اكبر مدينة في العالم فيها تجمع سكاني من الكلدان ويربو على 120 الف كلداني والذي يفوق تعداده اكثر من اي مدينة اخرى إن كان في الوطن العراقي والذي وصف بأنه بلاد الكلدان او في خارج هذا الوطن .

في كل رحلة احاول ان اقرأ كتاباً وأعلق عليه في مقال ، لكن في هذه الرحلة رغم الساعات الطويلة التي تستغرقها الرحلة إلا ان الأمر اختلف عزيزي القارئ هذه المرة ولكن قبل معرفة السبب ، اليك هذا السؤال المحرج :

هل تستطيع ان تقرأ كتاباً وزوجتك تجلس الى جوارك ؟ لنترك جواب هذا السؤال معلقاً في الفضاء ، كما انا معلق بين الأرض والسماء .

لكن مع ذلك توفر لي بعض الوقت ، كان كافياً لقراءة مقال طويل كان قد اعجبني كثيراً ولهذا طبعته واحتفظت به كملزمة ، والمقال يتناول شخصية ماكسميليان روبسبير الذي كنا ندرسه في التاريخ المدرسي بأنه خطيب الثورة الفرنسية وهو كذلك فعلاً ولكن اكثر من ذلك فإن روبسبير كان درس القانون وفقهه وفلسفته وتاريخه ، وعاش في مجتمع منقسم بشكل حاد الى ثلاث طبقات : رجال الدين والنبلاء والطبقة العامة التي تشكل 98 بالمئة من الشعب .

تخرج روبسبير محامياً وتوجه عام 1789 من مدينته ( اراس ) الى باريس وفي نفسه طموح بتغيير العالم ، إذ كان يؤمن بحرية جميع البشر ، وكانت باريس في تلك الفترة تعيش المخاض العسير الذي نجم عنه ولادة الثورة الفرنسية ، وفي هذه المرحلة يتألق نجم روبسبير ويصبح رجلاً قيادياً ومتنفذاً في تلك الأيام التي اختلط فيها الحابل بالنابل ، وفي الأجواء الثورية تصبح الأعدامات هي الشغل الشاغل لقادة الثورة التي يقف على راس هرمها روبسبير ، الذي كانت مهنته قاضياً ويدافع عن القانون وعن المظلومين ، لكنه يتحول مع الفكر الثوري الى اكبر مجرم مهمته تصفية كل من يشك بأنه معاد للثورة ، إن كاتبة هذا المقال هي ميسون البياتي التي تقول :

ان روبسبير جسد شخصية رجل القانون الذي يتحول الى مجرم ، وكان الروائي العظيم دوستويفسكي في روايته الرائعة ( الجريمة والعقاب ) الذي حلل النفس البشرية قد نجح في اثبات بإمكانية تحول الرجل المدافع عن القانون الى مجرم ، وهذا ما حل بروبسبير الذي قدم الآلاف من الأبرياء لتقطع رؤوسهم بالمقصلة وهي عبارة عن شفرة ثقيلة يحملها عمودان تهوي على منطقة الرقبة لتفصل الرأس عن الجذع ونفس المقصلة هوت على روبسبير لتفصل رأسه عن جسمه ، ومعنى ذلك ان الثورة تأكل ابناءها . ، إن روبسبير هوى بنفس السرعة التي حلق بها .

اعود الى عنوان المقال الذي يدور حول المؤتمر الكلداني الذي يعتبر تظاهرة قومية والذي تصدر بحقه وحق المؤتمرات الأخرى بعض المزاعم الخاطئة ، لكن بالرغم من ذلك فنحن الكلدان احوج ما نكون الى مثل هذه النشاطات ، فثمة تعتيم إعلامي مبرمج لدفن كل ما اسمه كلداني ، وهكذا تبقى مثل هذه المؤتمرات متنفساً إعلامياً لأثبات الوجود .

كل ما يكتب عن الكلدان في هذه المرحلة له اهميته إن كان مقال او بحث تاريخي او أكاديمي او مقترحات سياسية للعمل القومي ، لأننا ببساطة نفتقر الى فضائية كلدانية والى نوافذ إعلامية فاعلة ، كما نفتقر الى تمثيل سياسي في الدولة العراقية وفي اقليم كوردستان فلم يعد امامنا إلا قول الكلمة وهي النافذة الوحيدة المتاحة لنا في هذه المرحلة .

افكر بالمؤتمر القومي الكلداني وماذا يمكن ان يقدم هذا المؤتمر ؟ اجل نحن نعلق امالاً كبيرة ، لكن في الحقيقة ان المنجزات تبقى رهن اروقة المؤتمر ما لم يصار الى جعل المؤتمر نقطة الأنطلاق نحو العمل الجاد في بغداد وفي اربيل وفي واشنطن ومع الدول والمنظمات المعنية بحقوق الأقليات .

إن المؤتمر ينبغي ان ترسم فيه خارطة الطريق ، فهندسة الخارطة تكون بالجهود المشتركة لجميع الحاضرين ودراسة وملاحظة المقترحات والأفكار والدراسات الواردة لهذا المؤتمر ، وبعد ذلك يصار الى متابعة كافة المحاور التي قررت في هذا المؤتمر .

هكذا نقطع الاف الأميال وتملؤنا الآمال في بداية انطلاقة جديدة مستفيدين من التجارب والعبر السالفة

فنحن الكلدان لا نطلب اكثر مما نستحقه ، ولسنا ضد من حقق له مكاسب من الدولة العراقية ومن اقليم كوردستان ، ونحن بدورنا نطمح ان نحقق لنا مكاسب اسوة بغيرنا من المكونات ، لا نغالي إذا قلنا بأننا مع الحقوق المشروعة للاشوريين والسريان والتركمان والأرمن والأكراد والسنة والشيعة والشبك والأيزيدية وغيرهم من المكونات نحن مع حقوق هذه المكونات ، لكن نحن (الكلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدان ) ايضاً خلقنا الله على هذه الأرض قبل آلاف السنين ونريد ان يكون لنا حقوق مثل بقية البشر في وطنهم . نطمح ان يكون لنا وجود وكرامة وشخصية وهوية في وطننا ، العلم السوسيولوجي يفيد بعدم وجود شعب بدون هوية ، ونحن الشعب الكلداني ما يتعلق بهويتنا تفيد بأن ديننا مسيحي وهويتنا الوطنية عراقية وهوية قوميتنا كلدانية نحن نحترم الجميع دون استثنتاء ونريد من الجميع احترام هويتنا وكرامتنا بنفس المستوى .

المطالبة بحقوقنا لا تعني انا ضد حقوق الآخرين ولا نريد ان تكون على حسابهم ولسنا اوصياء على اي مكون عراقي او مسيحي ولا نقبل بنفوذ ووصاية اي مكون عراقي او مسيحي علينا نحن الكلدان لنا خصوصيتنا ونعتز بها وهذا ما نسعى اليه في مؤتمرنا الكلداني العام في ديترويت الذي اتخذا شعاًراً يقول :

“وحدتنا ضمان لنيل حقوقنا القومية والوطنية” ومع هذا الشعار الضامن لوحدتنا ، لكن مع الأسف نلاحظ ان بعض الأخوة المنتمين والموالين الداعمين لخطاب الاحزاب الآشورية يروجون لمزاعم بأن المطالبة بحقوق الكلدان يعمل على تقسيم او تمزيق الأمة المزعومة ، فمؤتمراتنا الكلدانية توسم بأنها مؤتمرات انقسامية ، ولكن نفس المجموعة توسم المؤتمرات الآشورية بأنها مؤتمرات قومية وحدوية ، فنحن نلاحظ بأن هؤلاء يكيلون بمكيالين ، فنحن الكلدان جزء من الوطن العراقي وجزء من المجتمع الأنساني ، لنا حقوق كبقية البشر ، وفي الحقيقة لا يمكن الفصل بين لوائح حقوق الأنسان ولوائح حقوق الأقليات وإن من يقول انه يناصر حقوق الأنسان ويقف ضد حقوق الكلدان فهو فاقد للصدقية والموضوعية، إذ لا يمكن فصل حقوق البشر وتجزئتها ، إن كانوا من الكلدان او غيرهم .

حينما نناشد كنيستنا الكلدانية بالوقوف مع شعبها ، يتطوع بعضهم ( من الكتاب الكلدان الموالين للاحزاب الآشورية ) بان هذه الدعوات هي لأجل إقحام الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية بالشؤون السياسية . علماً ان هؤلاء الكتاب لا ينبسون ببنت شفة حينما تتدخل الكنيسة الآشورية بالسياسة من اوسع ابوابها ، وتختفي شجاعة هؤلاء الكتاب وتتحول الى صمت عجيب ( ولدينا تطرق لهذا الموضوع في مقالات قادمة ) .

إن المؤتمر يدعو كل الأطراف للمساهمة في هذا المؤتمر بما فيها مؤسسة الكنيسة الكلدانية التي بدأت تمارس دوورها التاريخي النشيط والفاعل في المسائل الوطنية وبدأت في توحيد الخطاب المسيحي ، كما بادرت الى خطوات جدية بإعادة الثقة مع الكنيسة الآشورية ، وهكذا لم يبق امام غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الكلي الطوبى إلا ان يلتفت لشعبه الكلداني ، وأن يقف مع حقوق شعبه الكلداني الوطنية المشروعة في وطنه العراقي وفي اقليم كوردستان ، إن انحياز البطريرك الكلداني لشعبه الكلداني ليس إثماً .

نتمنى نبذ الفكر الإقصائي بين ابناء الشعب الواحد ، لأن مثل هذا الفكر لا يكتب له النجاح في القرن 21 ، ولأجل ، إن الترويج لمبادئ وأفكار ومفاهيم الوحدة والتآلف بين ابناء شعبنا ، وتسويق افكار الأحترام المتبادل وقبول الآخر هي الطريق الأسلم لإزالة الاحقاد والكراهية بين ابناء الشعب الواحد ، وإن رغبة وعمل غبطة البطريرك الكلداني وزياراته للكنائس الآشورية لا تجدي نفعاً في توحيد القلوب ما لم يسود بيننا خطاب ملؤه المحبة ونبذ الكراهية وافكار الأقصاء التي مزقت صفوف هذا الشعب المسكين بعد سقوط النظام في نيسان 2003 .

في هذا المؤتمر نفتح قلوبنا ونمد ايدينا لمصافحة كل الأطراف التي تتعامل معنا بمحبة واحترام .

د. حبيب تومي ـ ديترويت في 09 ـ 05 ـ 2013

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *