فيثاغورس ونظام الأعداد الكلداني/بقلم بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

يفترض بالذي درس الهندسة المستوية في المرحلة المتوسطة أن يتذكر منطوق نظرية (6) التي تقول:

 الزاوية الخارجية لمثلث قائم الزاوية تساوي مجموع الزاويتين الداخليتين المقابلتين لها إذا لم تسعفه

 الذاكرة بأن صاحب هذه المبرهنة هو فيثاغورس الأغريقي (اليوناني) المولد الذي عاش في القرن السادس

قبل الميلاد وقيل فيه بأنه “أب” للرياضيات وفيلسوف زمانه فضلا عن كونه رياضيا. جاب بلاد ما بين

النهرين في ريعان شبابه لسنوات ونهل من علوم الشرق، خاصة  النظام العددي الكلداني الذي أسعفه ببلورة

 نظام عددي منافس له شاع في الغرب واتخذ أسمه وأصبح النظام الكلداني في عقر داره منسيا.

نتناول في هذا المقال نبذة مختصرة عن هذا الموضوع الشيق الذي دوّخ الأقدمين والمحدثين على أمل تتمة

الموضوع في حلقات قادمة. نبدأ من حيث تعلمنا أن “لكل شىء حساب”. ما أجمل هذه المقولة التي ورثناها

عن أجدادنا! ليست هذه بفرضية كي نتحقق منها، بل نتيجة لدراسات معمقة عن أحوال الكون والبشر توصل

 إليها الكلدان قبل الآف السنين. وأهم ما قدم الكلدان للبشرية جمعاء هو الأرقام ولغتها والدراسات الفلكية

وما تمخضت عنه، فكان الوليد نظاما لرياضيات معقدة يصعب فك رموزه السحرية حتى الساعة بسبب سرية

العمل في تطويره. يسمى النظام الرياضي هذا بـ (النظام العددي الكلداني) الذي يقرن مع الحروف اللغوية

فيعطينا قيما نفسر في ضوئها خط الحياة والمستقبل وحركة الكون برمته. لقد حاول الكلدان الربط بين تناغم

 الكواكب والنجوم وما يحدث على الأرض وكأن الكون يرقص على سمفونية بإيقاعات رقمية مختلفة.

يعتبر النظام العددي الكلداني أقدم وأعقد نظام حسابي من كل الأنظمة الرقمية في العالم القديم والحديث، بل

وأكثر دقة من نظام فيثاغورس الذي نال شهرة أوسع بسبب بساطته. إن ما يميز النظام العددي الكلداني عن

 نظيره الفيثاغورسي هو انغلاق الأول على نفسه، ربما بسبب حكمة نجهلها، وانفتاح الثاني على العالم

الغربي. كان الكلدانيون يعتبرون الرقم (9) مقدسا لاعتبارهم أن ما من شخص يمكنه كسب قيمة هذا الرقم

من الطاقة وتوظيفها خلال سنين حياته ما لم يكن استثناء، بينما يرى أنصار فيثاغورس المحدثين في الرقم

(10) بعدا روحيا وأنسانيا متمثلا بخطى المسيح ودرب صلبه ورمزا للكمال. وبينما يرتبط النظام العددي

الكلداني بالحروف اللغوية كأن نقول بأن حرف الألف يساوي واحد، فأن نظام فيثاغورس عبارة عن متوالية

عددية، كما هو الحال في كتابتنا الأعداد بالترتيب، أي على خط مستقيم. ويتميز النظام الكلداني باستخدام

العدد المزدوج، أي رقمين متجاورين، مما يجعل طريقة حساب العمليات الرياضية معقدة بالنسبة إلى المفسر

 لكثرة المعاني المتولدة والتأويلات، بينما يختزل النظام الغربي كل الأعداد إلى رقم منفرد. ورغم هذه

الاختلافات، فان النظامين متشابهان في غايتيهما، أي أن القاسم المشترك بينهما واحد، خاصة اعتماد الأرقام

 من 1 – 8، وهو محاولة الكشف عن لغة الأرقام وتناغمها مع الكون. وبمعنى آخر، يحاول علماء الأعداد

الكشف عن ماهية الأرقام والحروف اللغوية المكافئة لها والصلة الوثيقة بينها وبين الجوانب الروحية

والمادية لبني البشر. وأية محاولة لفهم هذه العلاقة الوشيجة بين الجوانب المختلفة ستمكننا مستقبلا من

فهم افضل للتناغم القائم بين كل مكونات الكون الذي يشكل الإنسان محورا مركزيا فيه.

وإلى الملتقى في حلقة قادمة…

 

جامعة جدارا/ الأردن

 في 23/7/2010

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *