فن صناعة العمالة؟

واحدة من أكثر مظاهر التقزز السياسي في معظم الأنظمة السياسية التي حكمت البلاد هي اتهام الآخر المختلف، بالعمالة والتعامل مع إسرائيل تارة ومع إيران تارة أخرى وثالثة مع النظام السوري وبالعكس من قبل الأطراف الأخرى، حتى وصلت الأمور في كثير من هذه البلدان إلى إعدام من يثبت تعامله بأي شكل من الأشكال مع الإيرانيين والإسرائيليين والسوريين من قبل النظام العراقي، وبالتأكيد كان السوريون أيضا يمارسون ذات السلوك، فليس أسهل من اتهام أي حركة معارضة أو مختلفة مع النظام السياسي أو الحكومة بتهمة التعامل مع الإسرائيليين كما يجري الآن في إعادة تصنيع ذات الثقافة مع إقليم كوردستان العراق في محاولة أو تحضير لمرحلة جديدة ينطبق عليها مقولة ( التاريخ يعيد نفسه ) كما كانت تفعل كل الأنظمة الدكتاتورية مع معارضيها ومع الحركة التحررية الكوردية وهي تهيئ الأرضية الإعلامية والنفسية لإبادة جديدة ضد تلك الحركة أو المعارضة، سواء من خلال تأليب الرأي العام أو شن حرب مكشوفة أو مؤامرات من وراء الكواليس؟

لقد كانت تهمة حزب الدعوة والمجلس الأعلى على طول الخط العمالة ( للعدو الفارسي المجوسي ) والخيانة العظمى التي حصدت أرواح الآلاف من خيرة شباب وشابات الحزبين، أما الشيوعيون فقد كانوا يتهمون أبدا منذ تأسيس النظام السياسي العراقي بالكفر والإلحاد والعمالة للسوفييت إضافة للشعوبية التي تسببت في شبه إبادة لهذا الحزب ولمرات عديدة، أما الحركة التحررية الكوردية والزعيم مصطفى البارزاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني فكانوا دوما يعرفون بالمخربين والمتمردين والزمر العميلة للاستعمار والصهيونية والامبريالية، وتحت هذه الشعارات أنتجوا حرائق حلبجة الكيمياوية وأباحوا إبادة ما يقرب من ربع مليون إنسان فيما سمي بالأنفال سيئة الصيت؟

ولم تكتف الأنظمة السياسية باتهام المعارضة والمختلفين معها، بل إنها أصبحت ثقافة أو سلوك تمارسه كثير من تلك الجماعات أو الأحزاب المعارضة في ما بينها حينما تختلف هي الأخرى، كما حصل مع الشيوعيين واتهامهم بالكفر والإلحاد، أو كما يحصل الآن من قبل طواقم الحزب الحاكم في الحكومة الاتحادية من اتهام إقليم كوردستان بالتعامل مع بعض المؤسسات الإسرائيلية، تارة بوجود فنيين ومدربين للبيشمه ركه وأخرى مع شركات الطيران الإسرائيلية في محاولة لا تختلف كثيرا عن محاولات النظام السابق حينما كان يحضر لمؤامرة جديدة أو عملية عسكرية واسعة أو إيجاد مبررات لعمل ما بالتأكيد لا يخلو من شر بأي شكل من الأشكال.

حقا إن هيكل النظام الدكتاتوري الإداري قد تم إسقاطه، لكن هيكله الثقافي وسلوكياته ومواصفاته ونهج تفكيره ما زال متكلسا في مفاصل كثيرة من نظامنا السياسي الجديد، حيث يتقمص الكثير من موظفي مراكز القرار المدني والعسكري تلك الصورة المرعبة للدكتاتور وهو يرمي ببندقيته أو مسدسه اطلاقات نارية أمام الجمهور، وعليه فان المشكلة ليست في اجتثاث بعض مسؤولي النظام السابق وإبعادهم أو عزلهم أو محاكمتهم فيما يسمى بقانون اجتثاث البعث، بل أنها تتركز في تلك الثقافة والنهج والسلوك الذي يسكن كثير من مسؤولي النظام الجديد، وصدق من قال إن البعض ولا أقول مثله كلهم، بعثيون وان لم ينتموا؟

كفاح محمود كريم

You may also like...