فراق العزيز يوقظ الذكريات مرثاة للصديق العزيز يونس اودو/ نجيب اسطيفانا

 

     اثار عندي فراقك المفاجئ يا عزيزي ابا كاميران شجوناً ممتزجة بذكريات راسخة في ذهني ومحفورة في فؤادي. في الوقت ذاته فتح غيابك امام عيني صفحات مشرقة لحقبة مهمة في حياتنا طوتها قسراً قسوة الزمن وغطتها اتربة احداث الضياع في اوطان المهجر. بقصد الابتعاد عن صخب الحاضر البائس ارمي بذكرياتي الى الوراء واغتنم الفرصة لالقاء نظرة على وجهك الصبوح الفرح واصم اذني عما يحيط بي من الاصوات واتذكر التعليقات والاحاديث الهادفة التي كنت تطرحها اعتراضاً على الظلم وادانة للممارسات الجائرة لاجهزة الدولة آنذاك. لم تكن تلك الاجواء خالية من القاء الدعابات البريئة من هذا الشخص او ذاك، وبذلك كان يكتمل مشهد شيق ومثير.
يدفعني فراقك يا عزيزي يونس ان اتجاهل جبال امريكا واوربا كي امعن التفكير في جبلنا، جبل القوش بصخوره القاسية وثناياه الجرداء، لكنها زاخرة في الحيوية وخالدة في وجداننا. عندما اتذكرك يا ابا كاميران تتضائل في عيني المؤسسات التعليمية والجامعة العريقة في بلاد الغربة وتبرز عوضها ثانوية القوش المتواضعة بطلابها الحريصين غريزياً على تامين مستقبلهم دراسياً. ويظهر امامي مشهد كادرها التدريسي ليبرز شخصك نشيطاً مخلصاً لاداء الرسالة التربوية وتأهيل اجيال مستقبل اهلنا في بلدتنا وفي وطننا.
كم اشتاق يا عزيزي يونس لالغاء حاضري املاً بايجاد بديل عنه تكون انت واحبائنا الراحلين والباقين جزءاً جوهرياً لمشهد ترنوا اليه نفسي. حينها تنبسط امامي طرقات القوش الظليلة وانت بحركاتك الرشيقة والسريعة تخترقها مرات ومرات ومعك العزيز نوري سورو والمرحوم اندراوس وانا.
ليت لي ان اتجاهل ولو الى حين ما نسمعه من القنوات الفضائية وما نقرأه عبر الرسائل الالكترونية وما نجنيه من ثورة المعلومات كي اركز بنفس هادئة على اهتماماتنا الفكرية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي لانها كانت اللبنات الاساسية في بناء شخصيتنا واطر افكارنا وموئلاً لانسانيتنا.
بكل صدق اذرف الدمع مرتين: مرة بفقدانك يا يونس وانت ذلك الانسان الذي اتسم بالتواضع ومحبة الجميع وبعيداً بعيداً عن الانانية والغرور والتحامل، واذرف الدمع ثانية بسبب مواقعنا المالوفة وتبعثرنا وفقداننا لجذورنا الاصلية والتي نمت بديلاً لها جذور في تربة نجهل خواصها ولا نضمن لها مستقبلاً.
هكذا، بمرارة وأسى يغادرنا الاعزاء وتخلد ذكراهم عطرة في اذهان الاهل والاحباء والمعارف. لتكن مرتاح الضمير وقرير العين يا فقيدنا الغالي يونس وانت في حياتك الابدية في فردوس السماء، سيما والجميع فخور بما تركته من بصمات في مجال العائلة والمجتمع والبلدة.
في الوقت الذي اعزي نفسي، اقدم التعازي القلبية لعائلة الفقيد ولذويه ولكل اهل القوش.
نجيب اسطيفانا/ المانيا
6- 7- 2010

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *