غبطة مولانا البطريرك هل ترك البلاد هو فعلاً بيع هوية وخيانة وَطَن ْ !!!!!!!

                          ( نكأتَ جُرحَاً لمْ يَنْدَمِل بَعْدُ )

                                            (5)

خاهه عَمّا كلذايا

نزار ملاخا

مفدمة ثابتة

نشر موقع عنكاوة دوت كوم في حقل اخبار شعبنا بتاريخ 27/2/2014 بقلم بسام ككا، مقالاً بأسم غبطة البطريرك تحت عنوان ( البطريرك ساكو : ترك البلاد بمثابة بيع الهوية وخيانة الوطن ) ولما استغربت من أن رئيساً للكنيسة الكلدانية في العراق والعالم يقول مثل هذا الكلام الجارح والكبير، تهمة ما بعدها تهمة، مسؤولية كبيرة، تخوين عدة ملايين من البشر، ليس له إطلاع بطريقة هجرتهم وغير ذلك، قلتُ في نفسي استفسر من غبطته قبل ان أتسرع فكتبتُ له رسالة إستفسار بتاريخ 18/5/2014 وأرسلتُ نسخة منها إلى سيادة المطران شليمون وردوني وسيادة المطران يوسف توما، وأنتظرت لحد هذا اليوم ولم استلم جواباً من اياً منهم، أستنتجت من ذلك بأن مقولة السيد بسام ككا لربما صحيحة وليس تقويل ما لم يقله غبطته وإلا لمَ السكوت ؟ لذلك قررتُ التوضيح والرد واقول لغبطته لن أتجاوز الخطوط الحمراء مطلقاً ولكن نتناقش نقاشاً علمياً منطقياً بعيداً عن كل التأويلات. وسأتطرق إلى أنواع الهجرة واسبابها ولماذا يترك المواطن وطنه ويهجره، هل تَرَفاً ؟ أم بَطَراً أم أن هناك اسباب خفية ؟

يبدو أن هناك بعض السطحيين الذين لا يفقهون معنى رسائلي هذه وتصوروها تجاوزاً على الكنيسة، لذا فإنهم يحاولون تبرير ما يفعله القادة، ولكننا لا نرد على هؤلاء لعدم أهميتهم، أما بالنسبة لنا فنحن حياديون، لا نحابي ولا نجامل أحداً على حساب المبادئ، لنا نظرتنا، ولنا تصوراتنا، ونستقرئ الأحداث بموجب خبرتنا، سواء كانت خبرة سياسية أم إجتماعية أو دينية أو ثقافية، لذلك سنستمر في حلقاتنا إلى أن نستكملها ويُعلن غبطته براءتنا من التهمة التي وُجِّهَت إلينا، واضعين نصب أعيننا عدم المساس بتاريخ المسؤول المعني والإبتعاد كلياً عن شخصنة الأمور، نحن ننتقد التصرفات وهذا دفاعنا ضد التُّهَم التي وجهت إلينا، وهو نقد بَنّاء وليس هَدّام، لا نمسح الأكتاف، ولن نبوّس اللحى كما يفعل غيرنا، لسنا مع الكفة الثقيلة بقدر ما ننصف المظلوم، لسنا لا محكمة شرقية ولا غربية كما يفعل غيرنا، ولا نوجّه التُهم جِزافاً، ولسنا ممن يجمع النقاط السلبية على الأشخاص كما يفعل اليوم أحد الإخوان، نقدنا الغاية منه تذكير كما يقول المثل العراقي ” ذَكّر عَسى أنْ تَنْفَع الذِّكرى ” وعسى الله أن يهدينا جميعاً إلى جادة الصواب، اقول قولي هذا وأنا أتذكر مقولة أحدهم حينما قال ” عَلَّمني الطّموح أن أنسى الجروح ” .

الهجرة يا غبطة مولانا البطريرك هي معاناة ثلاثية، كما هي ثلاثية شعارك ولكن بلا تشبيه، فأنت في شعارك اصالة ووحدة وتجدد، ونحن في هجرتنا ألم ومرارة وحسرة،

الهجرة أَلَم على فقدان غوالي واشياء لا تقدّر بثمن يأتي في المقدمة منها الوطن، الذي ولدنا فيه، وصنعنا تاريخنا فيه، وتركناه خلف ظهورنا على أمل أن نعود في يومٍ ما إليه،

الهجرة ألم على فقدان أصدقاء أعزاء ومجتمع وتاريخ

الهجرة مرارة كبيرة جداً أمَر من العَلْقَمِ، بسبب ضياع الحقوق وفقدانها وعدم الإنسجام مع المجتمعات الجديدة، وفات علينا الوقت لبناء علاقات وتكوين صداقات.

الهجرة حسرة على مجتمعنا الذي ضاع وأنهار، وحسرة على بلدنا الذي تنهشه أنياب الذئاب،

الهجرة حسرة على تاريخنا الذي حاول الأجنبي أن يمحيه ويحاول إخوتنا في الوطن أن يزيدوا من تمزق الوطن وإنهيار الأمن، الهجرة حسرة كبيرة على وطننا وبلدنا الذي سيخلو من مكوناته ومن علمائه ومن الخبرات والثقافات والأيدي العاملة،

الهجرة ألم كبير على فقدان الأمل بالعودة إليه في يومٍ ما،

الهجرة هي الرحيل إلى المجهول، هي الوداع الأخير الذي لا وداع بعده، هي التلويح الأخير بالأيادي، والمناديل، هي التنهدات الحارة، هي الدموع التي تنساب على الخدود، دموع الفراق العصيب، هي الآهات والأنّات التي أمتزجت بكلمات الوداع،

هذه هي إرادة الحياة أن نعيش غرباء إلى الأبد، معاناة ما بعدها معاناة، يقولون عُد، كيف أعود إلى بلد تعيش فيه الضباع، وتًهان فيه الأسُوُد، مَن فيه تأقلم على أجوائه، ومَن تمكن من الإفلات من أنياب الذئاب تنهشه أنياب الحسرة في الغربة،

هجرتنا يا مولانا كانت بحثاً عن الإستقرار الذاتي، وما زلنا نبحث، ولن نجده إلى أن نعود، ومتى نعود ؟ وكيف نعود ؟ وهل وجدنا في الهجرة ما كنا نبحث عنه ؟

الهجرة ألم كبير بسبب عدم تمكننا من المشاركة في بناء وطننا، لما يعانيه من فئوية وتحزبية وطائفية وفقدان الأمن والأمان، وفي بلدان الإغتراب، كانت الواجبات أقسى ولا أقل قسوة كما عشناها في بلادنا، فلكل آلامه ومآسيه ومعاناتنا تجاهه،

بعد أن كنا في وظائف مرموقة في بلادنا، عشنا في بلاد الغربة نعمل بأدنى الوظائف، لا هم يعترفون بخبرتنا وتحصيلنا العلمي، ولا نحن بقي فينا أمل وإمكانية لكي نعيد ما درسناه في بلدنا قبل عدة عشرات من السنينن ونعود كالأطفال إلى مقاعد الدراسة لنتعلم الف باء اللغة الجديدة، لا هُم وفّروا لنا فرص العمل بموجب ما نملك من خبرة وشهادة وتخصص، ولا نحن أستطعنا التأقلم مع ما موجود من أعمال، ترى هنا المهندس يعمل طباخ، والطبيب يغسل صحون، وغير ذلك، لذا فإن الهجرة وقرارها ليست بتلك السهولة، ما لم تكن أهون الشَّرَين، أن تبيع تعب وجهود السنين الطويلة ومدخراتها لتضعها بيد شخص يوصلك إلى ما تعتقده أماناً، وكم من حالات نصب وإبتزاز وسرقة اموال وإحتيال وضحك على الذقون حدثت،

في بلد الهجرة كل شئ مختلف عن بلادي، بدءاً بالهواء والماء وإنتهاءً بأكبر الأشياء، طبيعة الطعام وشكله وساعاته، تعودنا أن نأكل ثلاث وجبات، هنا تجعلها خمسة، العمل كلّه مجاني وسرقة جهود تحت مسميات عديدة منها التدريب، محو التاريخ والعادات والتقاليد تحت مسمى الإندماج، اللغة، طبيعة المجتمع، أولادنا وهم الهم الأكبر، كيف نستطيع أن نعمل توازناً ما بين تربيتهم داخل البيت وبين ما يتلقونه من تعليم خارج البيت، فالطفل هنا يقضي جُلَّ وقته في المدرسة، يعلّموه على النوادي المدرسية وغير ذلك، كما يشرحون له قوانينهم وما هي حقوقه مما يتعارض وتربيتنا وعاداتنا وتقاليدنا، اللغة وهي المشكلة الأكبر، فمعظم اولاد المهاجرين نسوا لغتهم، حتى أن هناك الكثير من العوائل تتكلم لغة البلد الذي تعيش فيه مع أطفالهم وداخل البيت، وأطفالنا أصبحوا بين نارين، وكيف يمكنهم أن يقيموا توازناً بين العادات والأخلاق التي يجب أن يأخذونها من عندنا، وبين ما يتعلمونه في المدارس، وهذا ما حدا بالكهنة أن يقرأوا الإنجيل لمرتين اوثلاث، فالكاهن يقرأه بالكلدانية و العربية ومن ثم يأتي شخص آخر ليقرأه بلغة أهل البلد، كأن تكون اللغة سويدية او إنگليزية أو دنماركية وغير ذلك، وهذا يعني أنه بعد عدة سنوات وليست ببعيدة لن تكون هناك حاجة إلى كاهن كلداني في هذه البلدان، لأن الجيل الجديد كله لا يعرف الكلدانية ولا العربية، وهذه مسؤولية الكهنة. معاناتنا من ذلك كبيرة جداً، كيف نعمل توازن بين تربيتنا وما ينشأ عليه أولادنا من الحرية والإباحية الموجودة في المدارس وعلى العلن وفي وسائل الإعلام ( صحف ومجلات وتلفزيون ) وغير ذلك،ـ الكل تغير وقد يتغير في أية لحظة، حتى الكهنة تغيروا فأصبحوا ماديين أكثر مما هم روحانيين، وأصبحوا ديكتاتوريين اكثر مما هم ديمقراطيين، في بلد الإغتراب كل شئ قابل للتغيير حتى العقيدة والدين والمذهب، وبسهولة جداً، ألا تعتقد غبطتكم بأن هذه كلها تحديات يجب أن تساعدوننا في وضع الحلول لها، بدلاً من أن تنعتوننا ببائعي هوية وتتهموننا بخيانة الوطن ؟ عند مَن نجد السبل الكفيلة والطرق السليمة والأساليب العلمية الحديثة للتعامل مع هذه الحالات وإن كانت فردية، فغداً ستصبح ظاهرة إجتماعية.

في بلدان المهجر حتى الأسرار الكنسية تغيرت، سر الإعتراف من اكبر وأخطر الأسرار لم يعد يمارسه أحد على الإطلاق، للكثير من الحالات السلبية التي رافقته ولا مجال لذكرها هنا، الزواج نسب كبيرة منه فاشلة، والزواج المدني القى بظلالِهِ على مجتمعنا المحافظ، حيث  إقامة العلاقات الجسدية والجنسية خارج نطاق الزواج وخارج إطار الكنيسة والشرع والدين، وبكل صلافة يلتقون، ويمارسون الجنس وثمرة الشر تنمو وتكبر وتصبح بشراً ( أولاد غير شرعيين ) والكهنة لا يعيروا اي إهتمام لتفشي مثل هذه الحالات، أليس الأجدر أن تأخذوا هذه العلل على محمل الجد لتطرحوها على المختصين وتجدوا الحلول الناجعة لها بدلاً من توجيه التهم إلينا ؟ أليست هذه تحديات كبيرة وخطيرة لم تكن موجودة في مجتماعاتنا ؟ المرأة التي تهجر زوجها وتعيش في كَنَف رجل آخر ثم ما تلبث أن تعود إليه بعد سنة أو سنتين، ما هو دور رجل الدين تجاه ذلك ؟ وقف مكتوف الأيدي وذلك لإنشغاله بأمور أخرى فأصبح الكاهن كالجابي، قابلتُ واحداً منهم وعندما سالته مستفسراً عن أحواله ولماذا هو كئيب، قال والله أنا كئيب لأن زوجتي تتزوج الآن وهي ما زالت على ذمّتي شَرعاً، ولكنه طلاف مدني وزواج مدني،  ماذا تقول لأبنك لو جاءك في يومٍ ما ليقول لك، ما معنى الحلال والحرام ؟ ولماذا هذا الشئ حلال وهذا حرام ؟ حتى رجال الدين تساهلوا في ذلك، ولم يعودوا يؤمنوا بالجنة والنار واليوم الأخير والدينونة والقيامة، لقد تأقلموا مع الوضع هنا وأندمجوا أسرع من العلمانيين، ماذا أقول لولدي عندما يأتيني ليقول لي ( بابا إن  فلان له صديقة ويأخذها معه إلى البيت وينامون سويةً، وها هو عنده ولد منها ) وغداً سيقوم الكاهن بتعميذه ؟ وتقديم له الخدمات الدينية الأخرى ؟ أليس الأجدر بغبطتكم أن تتدارسوا المشاكل التي كانت سبباً والمعاناة التي أجبرتنا على إتخاذ أخطر قرار وهو الهجرة، بدلاً من إتهامنا بما لا يليق بنا ؟

هذه جملة من التحديات التي تواجهنا في بلدان الإغتراب سقناها كأمثلة بسيطة ولكنها حقيقية وواقعية ونعيشها في مجتمع الغربة، لا أعتقد لو كانوا في العراق يجرأون على فعلها .

ولنا لقاء   /   26/06/2014

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *