عودة الصدر العراق تساهم في ضبط التيار

   اختلف نـــــــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، مع الراي القائل بان عودة زعيم التيار الصدري الى العراق ستساهم في اعادة العراق الى المربع الاول بسبب ما تثيره من مخاوف من عودة العنف لدى اكثر من طرف، معتبرا ان العودة ستساهم في ضبط التيار الصدري من جانب، وفي تدعيم العملية السياسية على اعتبار ان التيار الصدري احد اهم اعمدتها، فهو صاحب اكبر عدد من المقاعد تحت قبة مجلس النواب الحالي، من جانب آخر.

   واضاف نـــــزار حيدر الذي كان يتحدث اليوم على الهواء مباشرة الى الزميل ملهم الملائكة معد ومقدم برنامج (مجلة العراق اليوم) والذي تعرضه اسبوعيا الاذاعتين الالمانية باللغة العربية وراديو دجلة:

   ان الحالة الطبيعية هو ان يكون الصدر في العراق بين انصاره اما وجوده في مدينة قم المقدسة في الجمهورية الاسلامية في ايران فهي حالة شاذة ومؤقتة، فما معنى ان يتواجد زعيم اكبر تيار شعبي في العراق خارج حدود بلاده؟ تاركا انصاره وراء ظهره يشتكي من خروقاتهم وتجاوزاتهم زعيمهم قبل الاخرين؟ الا ان تكون هناك ظروف غير طبيعية تجبره على ذلك؟.

   ان عودة السيد مقتدى الصدر الى مسقط راسه مدينة النجف الاشرف بعد غياب قسري دام قرابة اربعة اعوام، سيساهم في ضبط التيار الصدري الذي يشكو من انفلاته الامني والسياسي واحيانا الفكري والسلوكي الكثير من شرائح المجتمع العراقي، فوجود الصدر الى جانب اتباعه سيسهل عليه مهمة ضبط ايقاعاتهم الامنية تحديدا ما يساعد على ضبط الشارع العراقي بصورة افضل.

   ان عودته ستساعده على العمل من اجل سد الثغرات التي يتسلل منها المغرضون الى داخل تياره والتاثير فيه بما يخرب العملية السياسية وعملية البناء والاعمار.

   كما ان عودته الى العراق سيسقط ورقة الضغط الايراني على التيار وزعيمه والذي يتهمه به كثيرون خاصة من اعداء العراق الجديد الذين يحاولون استغلال كل حركة وسكنة لهذا التيار للطعن بمصداقيته وانتمائه وولائه.

   ان عودة الصدر ستقلل من التاثير الايراني على قراراته السياسية تحديدا، وهو الامر الذي يصب في مصلحة العراق والعملية السياسية الجارية في البلاد.

   بالاضافة الى كل ذلك، فان وجود الصدر في العراق سيسهل عملية التحاور والتشاور التي يحرص القادة والزعماء على مواصلتها معه باعتباره شريك اساسي في العملية السياسية والحكومة الحالية، اذ لا يعقل ان يظطر السياسيون الى السفر الى هذه الدولة او تلك للاجتماع بالصدر كلما دعت الضرورة الى ذلك، وتحت مراى ومسمع المسؤولين في تلك الدول، واحيانا عناصر الاستخبارات والاجهزة الامنية فيها.

   لقد اعلن الصدر في خطاب العودة الذي القاه في مدينة النجف الاشرف عن ثلاثة اسس مهمة وهي:

   اولا: العمل والسعي لطي صفحة الماضي بما تحمل من آهات وآلام بسبب ظروف الحرب الطائفية التي فرضها الارهابيون على المجتمع العراقي، خاصة اثر تفجيرهم للمرقدين الطاهرين للامامين العسكريين في مدينة سامراء المقدسة.

   ثانيا: وقوفه الى جانب الشعب العراقي في مطاليبه العادلة، خاصة على صعيد مطالبة الحكومة العراقية الجديدة بالعمل على تنفيذ المشاريع التي تحقق حاجات الناس الاساسية والخدمات الحياتية اليومية، كالكهرباء والماء وفرص العمل والتعليم وغير ذلك.

   ثالثا: بذل كل الجهد من اجل ضبط ايقاعات التيار الصدري، من خلال دعوته للتيار بعدم الانفلات باي شكل من الاشكال، ومخاطبتهم بانه لا يريد ان يسمع شكوى ضدهم من اي احد.

   برايي، فان الصدر سيتعامل بمسؤولية اكبر ازاء الوضع العراقي بعد ان قرر الدخول في العملية السياسية بكل مفاصلها، ومن اوسع ابوابها، فعندما يمتلك التيار الصدري اكثر من اربعين نائبا في مجلس النواب، وسبعة حقائب وزارية في الحكومة ونائبا لرئيس مجلس النواب، بالاضافة الى تسنمه لعدد كبير من المواقع الادارية المهمة في مؤسسات الدولة، فان ذلك يعني انه مصمم على ان يتعامل بمسؤولية اكبر مع الامور، فالصدر لم يعد يتحمل مسؤولية تياره فقط وانما مسؤولية الدولة والعملية السياسية ما يفرض عليه التحلي بالعقلانية والواقعية بشكل اكبر، ما يؤهله للنجاح في تحقيق رغبات تياره بالدرجة الاولى في الحرية والرفاهية والحياة الحرة الكريمة، فضلا عن عموم شرائح المجتمع العراقي التي تنتظر منه ومن غيره من الزعماء السياسيين ان يفوا بوعودهم التي قطعوها على انفسهم عندما دعوا الناخب العراقي لمنحهم الثقة في الانتخابات النيابية الاخيرة.

   لقد تعلم الصدر من تجربة السنوات الثمان الماضية دروسا كثيرة، على راسها، في رايي، هو الدرس القائل بان الدولة لا تبنى بالسلاح كما ان طموحات الشعب لا تتحقق بالشعارات واللافتات والهتافات، وانما بالعلم والعقل والحكمة المبنية على الفكر السليم القادر على تحديد الاولويات ليتم على اساسها رسم الخطط والاستراتيجيات من اجل تحقيق النهوض الحضاري وعلى مختلف الاصعدة، خاصة التعليمي والصحي والاكاديمي وغير ذلك.

   ان العراقيين، خاصة ابناء التيار الصدري، ينتظرون الكثير من مؤسسات الدولة للنهوض بمستوياتهم المعاشية والتعليمية والصحية، فالى متى يظل الشباب العراقي يتسكع في الطرقات والشوارع من دون ان يجد فرصة عمل تاخذ بيديه الى حالة معاشية افضل؟ من اجل حياة حرة وكريمة؟ والى متى يظل الطالب متسيبا في الشارع لا يجد الفرصة التعليمية المناسبة التي تؤهله لتطوير مداركه العلمية والتعليمية والتربوية؟ والى متى يظل المواطن العراقي لا يجد الفرصة المناسبة لتلقي العلاج لابسط مرض يلم به، بسبب تردي الوضع الصحي في البلاد؟ والى متى يظل الخريج صاحب الشهادة العلمية لا يجد الفرصة المناسبة لتوظيف مهاراته وخبراته التعليمية لخدمة البلد؟ والى متى يظل المواطن العراقي البسيط يتلقى العجاج في الوقت الذي ياكل فيه الكبار الدجاج، على حد قول المثل المعروف؟.

   ان الصدر شريك اساسي في العملية السياسية، في البرلمان والحكومة وغيرها من مؤسسات الدولة العراقية الجديدة، ما يحمله مسؤولية استيفاء عبء هذه الشراكة بشكل عقلاني، وكما هو معروف فان التطرف لا ينسجم مع مثل هذه الشراكة باي شكل من الاشكال، كما ان الفردية هي الاخرى تتناقض والشراكة التي قبلت بها كل الاطراف السياسية، ولذلك فانا على يقين بان السيد مقتدى الصدر سيحث اتباعه على نبذ التطرف بكل اشكاله، خاصة التطرف الفكري والثقافي الذي يسعى الى فرض ثقافات واتجاهات فكرية معينة على كل المجتمع العراقي، فنحن نعرف تماما بان المجتمع العراقي متعدد الديانات والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية ولذلك لا ينبغي لاحد ان يفرض رؤيته على الاخرين مهما كان هذا الـ (احد) وانما ينبغي على الجميع ان يبحثوا عن القواسم المشتركة والارضيات المشتركة بين الجميع من اجل الاتفاق على اقرب الصيغ التي تمثل الغالبية من العراقيين، خاصة على الصعيد السلوكي الذي يفرضه الاتجاه الثقافي، فلا يجوز التنافس والمزايدات بين الجماعات على حساب الحريات الشخصية للناس.

   كما انه سيحث اتباعه على سلوك طريق التشاور مع الاخرين وعدم الاستفراد في الراي الذي يخص العراق ومجمل العملية السياسية، لان من مصلة الصدر وتياره ان ينجح العراق وتنجح العملية السياسية، وتنجح العملية الديمقراطية.

   ان اعلان الصدر في خطابه عن قراره في محاسبة الحكومة على الانجاز وليس على الولاء او الانتماء او الاتجاه، يعني انه يفكر في التاسيس لرؤية وطنية في التعامل مع مؤسسات الدولة بعيدا عن المحاصصة، فان مثل هذا القرار سيدفع بالصدر الى محاسبة وزراء ونواب تياره وكتلته النيابية قبل ان يحاسب غيرهم، ليثبت جدية ما يذهب اليه بهذا الشان، وهذا امر حسن سيساهم في العمل على ترك المحاصصة وراء ظهورنا، والا فالى متى يبقى كل تيار او حزب او زعيم يدافع بالباطل عن نوابه ووزرائه مهما اخطاوا او قصروا او فشلوا، ولكنه في نفس الوقت يقيم الدنيا ولا يقعدها اذا ظن ان وزيرا او نائبا آخر من غير جماعته ارتكب خطا او فشل في مهمته؟.

   ان محاسبة الحكومة على الانجاز يساهم في تجاوز المحاصصة والحزبية الضيقة التي عرقلت الانجاز المنتظر من مؤسسات الدولة، لانها عرقلت الاداء النيابي على صعيد المراقبة والمحاسبة والمعاقبة، كما انها عرقلة نظام المحاسبة الذي من الواجب ان يتبعه رئيس مجلس الوزراء تجاه كل من يقصر او يفشل في مهمته بغض النظر عن قرب او بعد هذا الوزير او ذاك منه او من حزبه او كتلته النيابية.

   ان هذه الطريقة من التفكير والعمل ستؤسس الى الحالة الديمقراطية الحقيقية التي يصبو اليها كل العراقيين بعيدا عن المحاصصة والحزبية والمذهبية والمناطقية التي شلت مؤسسات الدولة وعرقلت الانجاز وعلى مختلف الاصعدة.

   انها ستسقط كل ما من شانه ان يوصد الابواب بوجه الطاقات والكفاءات والخبرات غير المنتمية الى حزب او زعيم او جماعة، وهذا ما يؤسس لبناء الدولة الحديثة، فالموقع يجب ان يمنح لمن يستحقه بالعلم والمعرفة والخبرة والتجربة والنزاهة والصدق والامانة وليس لمن يتمتع بالولاء لهذا الزعيم او ذاك، او للاقرب له او لحزبه ومذهبه، ابدا، فان ذلك فساد اداري وسياسي ما بعده فساد، ينبغي محاربته بكل الطرق الدستورية والقانونية.

   13 كانون الثاني 2011

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *