عادل امام من التكريم الى التحريم/د.عامر ملوكا

كثيرا مايتعرض المبدعون والمفكرون والعلماء الى النقد الحاد لابل الاكثر من ذلك التكفير والزندقة واهدار دمهم وكم هم مبتلون , فان كانت انظمة دكتاتورية او انظمة اسلامية متشددة تنادي بتطبيق الشريعة  فهي تضع الاديب والفنان والمبدع والعالم في موقف صعب وقاسي محددة له سقوف واطئة جدا وقاتلة لروح الابداع والتجدد فيه فلايستطيع من خلالها ان يقدم ابداعه بالشكل والمضمون الذي يرتايه خوفا من سلطة الحاكم او من التكفير والزندقة والتي تصل الى تطبيق حد الردة وقطع راس المرتد والمستند الى الحديث النبوي (من بدل دينه فاقتلوه) البخاري . وفي مثل هذه البيئة , الابداع يولد ميتا وان اراد الابداع الحياة وان يرى النور فسوف يكون بمواجهة اما سيف الحاكم بامر الله المدعوم من رجال الدين او سيف التكفير والردة. وكم هي من مهمة صعبة وشاقة ان يحاول المبدع ان يوازن بين الابداع كابداع مطلق وبين اهواء الحكام واحكام الشريعة والتي يحاول فيها طرح ابداعه بالشكل الذي هو يريده ولكن بشرط ان تحقق رضا الحكام ورجال الشريعة (كالاديب الذي تطلب منه ان يكتب قصة رائعة ومؤثرة على ان يستخدم عشرة حروف فقط من الابجدية).المبدع اذا كان اديبا او شاعرا او عالم اجتماع اوفيلسوفا لايستطيع في عالمنا العربي  من التعبير الحر, فتراه تارة يختبي تحت اسماء مستعارة وهذه الظاهرة نجدها فقط في عالمنا العربي بشكل واسع او محاولة التعبير بالتلميح الغير مباشر وبحذر شديد كما حاول الاستاذ الكبير الحاصل على جائزة نوبل للادب عام 1988 عن روايته الرائعة اولاد حارتنا .
حاول المبدع الكبير نجيب محفوظ ان يطرح وجهة نظره الخاصة بالديانات الابراهيمية الثلاث وقصة الخلق والكون وعلاقة الدين بالعلم من خلال رموز وشخصيات بشكل غير مباشرتاركا التفسير للمتلقي وهذا ماحاول المبدع نجيب محفوظ ايصاله ولكن ومع كل الجهود التي بذلها الكاتب لم يفلت من اتهامه بالالحاد والكفر والزندقة واخرج عن الملة .وصرح الشيخ عمر عبد الرحمن بعد نشر رواية سلمان رشدي (ايات شيطانية ) .
“اما من ناحية الحكم الاسلامي فسلمان رشدي ومثله نجيب محفوظ مؤلف اولاد حارتنا مرتدان وكل مرتد لابد ان يقتل  ولو كنا قتلنا نجيب محفوظ ماكان قد ظهر سلمان رشدي ” وكانت لمثل هذه الاتهامات وقعها في الشارع العربي ليتعرض بعدها المبدع نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال ويعتقد البعض ان لهذا التصريح علاقة مباشرة مع محاولة اغتيال محفوظ إذ حاول شاب اغتياله بسكين في عام 1994 وقال “انهم” قالوا له ان هذا الرجل (محفوظ) مرتد عن الإسلام.
الاتهام بالالحاد والزندقة  في التاريخ الاسلامي ليس جديدا واستنادا الى المؤلف عبد الرحمن بدوي  وكتابه تاريخ الالحاد في الاسلام  ,ففي سنة 163 هجرية بدأت حملة الخليفة العباسي أبو عبد الله محمد المهدي على الزنادقة حيث تم إلقاء القبض على معظمهم وأمر الخليفة الذي كان حينئذ في دابق بقتل بعظهم و تمزيق كتبهم ومحاكمة البعض الاخر وتم تخصيص قضاة لهذا الغرض وكان القضاة في العادة يطالبونهم بالرجوع عن الزندقة او الحكم بالقتل .
يذكر المؤلف بان الملحدين والزنداقة كانوا لايعترفوا بالفرائض الإسلامية مثل الصوم و الصلاة و الحج او الإدعاء بانهم يستطيعون ان يكتبوا نصوصا أحسن من القرآن.
وقد قسم الزنادقة الى ثلاثة اصناف :
المانويون ومنهم صالح بن عبد القدوس و عبدالكريم بن ابي العوجاء l  لذين كانوا يؤمنون بالمانوية.
المتكلمين ويقصد بهم المشككين ومنهم ابن الراوندي و أبو عيسى الوراق الذي كان أستاذا لابن الراوندي.
الأدباء ومنهم بشار بن برد و أبو نواس و أبو العتاهية .
وكان ابن الراوندي عالما فذا وفيلسوفا كبيرا غزير الانتاج ويعتبر المكتشف الحقيقي للكريات البيض  ويمكن تلخيص بعض المناقشات والتشكيكات في الفكر الإلحادي الذي طرحه ابن الراوندي بالنقاط التالية:
•        إمتحان سبب تفضيل اللغة العربية على غيرها من اللغات.
•        نقد لشعائر إسلامية ووصف الحج و الطواف و رجم الشيطان شبيهة بعادات وثنية وطقوس هندوسية وإنها كانت تمارس من قبل العرب في الجاهلية.
•        سبب عدم قدوم الملائكة لمعونة المسلمين يوم معركة أحد.
•        إعتبار غزوات الرسول محمد سلبا ونهبا .
•        تهكم من وصف الجنة فحسب ابن الراوندي “فيها حليب لا يكاد يشتهيه إلا الجائع و الزنجبيل الذي ليس من لذيذ الأشربة والإستبرق الذي هو الغليظ من الديباج”
•        ان الذي يأتي به الرسول إما يكون معقولا او لايكون معقولا فإن كان معقولا فقد كفانا العقل بإدراكه فلا حاجة لرسول وإن كان غير معقول فلا يكون مقبولا.
نقد للقرآن من ناحية كونه فريدا حيث كان ابن الراوندي مقتنعا حسب رأيه بان القرآن ليس فريدا ويمكن كتابة نص احسن منه وإن عدم مقدرة احد على محاكاة القرآن يرجع إلى إنشغال العرب بالقتال.
اما الشاعر بشار بن برد اتهم بالزندقة فأمر الخليفة المهدي بضربه، فمات تحت السياط ودفن بالبصرة.
فيقول في قصيدة له
وإنني في الصلاة أحضرها
ضحكة أهل الصلاة إن شهدوا
أقعدُ في الصلاة إذا ركعوا
وارفع الرأس إن هم سجدوا
ولستُ أدري إذا إمامهم
سلم كم كان ذلك العددُ
 
وتذهب الكثير من المصادر الاسلامية الى تصنيف معظم ان لم يكن كل الفلاسفة والعلماء العرب  بالملحدين والزنادقة ومن هؤلاء ابن سينا,الفارابي ,الرازي,ابن الهيثم ,ابو العلاء المعري ,ابن باجة ,ابن طفيل ,ابن رشد,ابن المقفع ,الجاحظ,الكندي والقائمة تطول فاذا كانت الحضارة العربية تفتخر بعلومهم وفلسفتهم ونفتخر ايضا بان اوربا قد استفادت ونقلت الكثير من علومهم , ويصنفون  ملحدين وزنداقة من وجهة النظر الاسلامية  والغريب ان معظم علمائنا ومفكرينا ومبدعينا وعبر التاريخ الاسلامي يتهمون بالالحاد والردة حيث يذكر  كتاب اعلام واقزام في ميزان الاسلام  لكاتبه الدكتور سيد بن حسين العفاني قائمة طويلة جدا من المبدعين والمفكرين العرب  وتحت عنوان هم العدو فاحذرهم ومن هولاء المبدعين رفاغة الطهطاوي ,عبد الرحمن الكواكبي , محمد عبدة, جميل صدقي الزهاوي, بدر شاكر السياب , عادل امام , نجيب محفوظ , طه حسين وتوفيق الحكيم ونوال السعداوي ………………… وبعد مرور اكثر من عشرة  قرون على اول حملة في العصر العباسي على المبدعين والفلاسفة والشعراء والعلماء الزنادقة  لازلنا نرواح مكاننا  و ليس لعامل الزمن اية تاثير كاننا ندور في حلقة مفرغة واذا كنا نكفرونقتل العقول النيرة والمفكرة والتي بها ترتقي وتزدهر الامم  وهي الثروة الحقيقية لتطور الامم والشعوب فكيف سوف نلحق بالامم المتطورة  والسؤال الذي يطرح نفسه اين الخلل ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
 في الدين ام في العلماء والمفكرين والمبدعين؟؟؟؟؟ واذا شخصنا الخلل ماهو الحل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فهل ستكون التحولات في عالمنا العربي نحو التشدد واسلمة المجتمع في العقود الاخيرة هي المحرك والشرارة للنهضة القادمة التي طال انتظارها وخاصة بعد فشل تجربتهم وبعد ان وضعوا في الواجهة وفشل مشاريعهم و قيادة المجتمع نحو المجهول لنعيش بعدها عصر النهضة العربية ويعزل رجال الدين عن السياسة كما حصل لاوربا قبل اكثر من قرنين ويطلق العنان لحرية الفكر والتفكير وازالة كل القيود وفسح  المجال للتقد ولاشئ فوق النقد .
 هل لامريكا دور في هذا عندما تسمح بصعود الاسلام المتشدد الى الواجهة وبالتالي الفشل السياسي وتدهور الاقتصاد والحياة الاجتماعية لتمهد وتهيئ  الطريق نحو النهضة العربية التي طال انتظارها  كما كانت الاجواء مهيئة في اوربا عندما طغت الكنيسة ورجالاتها على مجريات الحياة. وللاسف الشديد حتى نهظتنا لانستطيع ان نقوم بها لوحدنا ولكن لابد من المساعدة كالكسيح المقعد البائس والمحبط.
 واخيرا وليس اخرا تاتي قضية المبدع عادل امام واتهامه بازدراء الاسلام من قبل محكمة جنح الهرم   في القاهرة بالحبس ثلاثة اشهر ودفع غرامة قدرها 1000 جنيه,بتهمة ازدراء الدين الاسلامي من خلال اعماله الفنية وصدر الحكم برئاسة المستشار محمد عبد المعطي.
عادل امام الممثل المصري الذي بداءت نجوميته في منتصف السبعينيات واستطاع خلال مشواره الفني ان يقدم مجموعة رائعة من الاعمال الفنية والتي حاول  فيها التقرب من الحدود التي اعتبرت من المحرمات (الكلام في الدين او السياسة يسلمك الى اقرب مركز للشرطة ) في المجتمعات العربية والاسلامية وخاصة مع بداية التسعينات  أخذت أفلامه الصبغة السياسية الاجتماعية التي تعكس اهتمامات رجل الشارع .المفارقة ان عادل امام تم اختياره عام 2000 سفيراً للنوايا الحسنة في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، والظاهر ان نواياه لم تكن حسنة حسب تفسير الاسلاميين فبدلا من السير على خطا المفوضية العليا ويكرموا الفنان عادل امام  اتهموه بازدراء الدين الاسلامي .
هكذا نعامل مبدعينا ونحن متاكدون لو كانت هناك حريات كما في العالم الغربي لقدم الفنان عادل امام الكثير الكثير من الابداع الفني ولكن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ونفس الشئ ينطبق على الاف المبدعين ولكنهم مقيدون ومكبلون والجدير ذكره ان عالمنا اليوم ليس كالامس فنستطيع ان نقسم التاريخ الاسلامي الى قسمين الاول قبل عصر الاتصالات والثاني بعد عصر الاتصالات وسوف تكون هناك لامحال  متغيرات مهمة وكبيرة في عالمنا  العربي الذي تم عزله بشتى الطرق والوسائل وفي المستقبل المنظور. ………. 
اننا لابد ان نربط مصير الانسان والمجتمع بالوسطية وهو المبدا القائم على الحل الوسط وعدم التطرف يمينا او يسارا ويعتقد ان الوسطية  ولدت نتيجة الصراع بين الكنيسة و الملوك التابعين لها من جهة و بين المفكرين و الفلاسفة من جهة أخرى،الفريق الأول:كان يرى أن الدين صالح لمعالجة جميع شؤون الحياة ،والفريق الثاني:كان يرى أن الدين غير صالح لذلك فهو سبب التأخر و الذل .

و إن العقل الانساني هو القادر على وضع نظام صالح لتنظيم شؤون الحياة . و بعد صراع مرير بين الفريقين اتفقوا على حل وسط و هو الاعتراف بالدين كعلاقة بين الإنسان و الخالق على أن لا يكون لهذا الدين شأن في الحياة و ترك تنظيم شؤون الحياة للبشر. وان الوسطية تتطابق كثثيرا مع توجهات افلاطون (إثباتُ وجودِ خالق ٍ أو صانع ٍ ، ولكنّها لا تُعنى بشيءٍ من حياةِ الخلق ِ ، فهي موجدة ٌ للخلق ِ ، لكنّها تركتْ التصرّفَ في الكون ِ ، وتفرّغتْ في حياتها المثاليّةِ ) . التعصب الديني او المغالاة في التعصب للامور الدنيوية كلاهما سوف يكون لهما تاثير غير ايجابي على حياتنا.  ولابد لنا ان نفصل الدين عن العلوم الانسانية وعن الدولة التي هي من نتاج الانسان .
وأصبح نقد المسيحية مألوفاً في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وخاصة في فرنسا وانجلترا، حيث ظهر هناك ضعف ديني،وظهر  اول كتاب مصرح ٍ بالإلحادِ ، وداع له ، في اوربا في سنة 1770 م وقد كان لمؤلف بقلم لودفيج فويرباخ  عام 1841 بعنوان جوهر المسيحية الاثر الكبير على فلاسفة كثيريين من بينهم ماركس، ودافيد شتراوس، ونيتشه وانجلر وبناءا على افكارهم اعتبر الله اختراعا بشريا وفعاليات وطقوس دينية لتحقيق الاماني.
 
كان لعصر النهضة في اوريا دور كبير في الخروج عن سلطة الكنيسة ودورها في توسيع التفكير الحر وخلق فضائات للاستفسارات الشكية. ونقد الدين ورجالات الكنيسة ومن رواد هذه المدرسة ليوناردو دا فينشي, نيكولو مكيافيلي، وبونافنتور دي بيريرز، وفرانسوا رابليه.
 
السؤال الذي يطرح نفسه هل صمدت المسيحية او اختفت بعد عصر النهضة وفسح المجال لكل الاراء المؤيدة والمخالفة وحتى الالحادية منها ؟؟؟؟؟؟
الجواب بالتاكيد كلا وانما لازالت العقيدة المسيحية تلعب دورا في الحياة السياسية والثقافية . وانتقل الدين المسيحي من الواجهة الى الكواليس باستثناء بعض الاشخاص والمجاميع  المعادية للدين . ويبقى للكنيسة دورها الريادي في الامور والقضايا المصيرية المهمة.
والسؤال الاخر اذا كان الدين من الله فمن سيحمي الدين الله ام الانسان ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
د.عامر ملوكا
21 \2\2012

You may also like...