صوريا وحلبجة صورتان لجريمة واحدة

جريمة صوريا اقترفت ضد شعبنا العراقي ، وتحديدا (الكلداني ،الكردي) المكونين الأساسيين في قرية صوريا ، قضاء زاخو ، محافظة دهوك ، القرية المتعايشة سلميا ، رغم الاختلاف الديني والقومي ، كأنهما عائلة واحدة ، متماسة تتقاسم  الضراء قبل السراء ، هموم ومآسي وويلات ، الى جانب الافراح والمسرات والمناسبات ، يتقاسمان كسرة خبز وكليجة الاعياد ، واللبن والجبن والزراعة ، وحتى الضحية والضيوف ، التي كانت تزور القرية ، بما فيهم ثوار كردستان ، منذ نشوء ثورة ايلول التحررية ، كانت صوريا تحتوي على 42 عائلة تسكن 42 بيتا ، شائت الصدفة ، ام هكذا كانت النسبة متساوية تماما ، بين المكونين الكردي والكلداني ، ولكل واحد منهما 21 بيتا (عائلة) ، لكن المختار ينتخب عن طريق الاقتراع ، شائت الحكمة ان يكون كلدانيا ، كونه يحمل صفات قيادية واضحة ، لادارة القرية ومعالجة مهامها وحل مشاكلها ، كان بمثابة الاب لعائلة صوريا ، محترم من ساكني القرية ، ومن القرى الاخرى المحيطة بها ، يمتاز بالحكمة والشهامة والعمومية وكل الصفات التي تخدم الانسان والقرية معا ، كان المعني هو خمو مروكي الملقب بابو الشهيدة ليلى البطلة.
مأساة الابادة الجماعية لصوريا وقعت في 16\09\1969 ، في زمن البعث الفاشي ، الذي مارسها القزم الوحشي ، عبدالكريم الجحيشي ، كضابط متعطش للقتل وسفك الدماء الطاهرة ، وقتل كل ما هو حي بما فيها الحيوانات والنباتات ، ناهيك عن البشر ، لفقراء شعب القرية المتطلعين ، نحو العيش البسيط بمرارة الظروف ، وبناء حياة اقتصادية واجتماعية في القرية ، تليق بالعيش على المال الحلال ، بدمهم وجهدهم ، جسدهم وتعرقهم النابض ، قاهرين كل ما يعيق طريقهم ، بعملهم الانتاجي الزراعي نباتيا وحيونيا ، للوصول الى الاكتفاء الذاتي النسبي ، لكن تلك الوحشية والهمجية ، للاسف قلبت الموازين القرية وعيشها المستقر ، فهجرت شعبها ، بعد قتل الغالبية المسالمة ، مسيحية ومسلمة ، كلدانية وكردية ، شيبة وشبيبة وطفولة ، حلت الكارثة لابناء القرية ، بعد تضحيات شعبها بتلقيهم انفال صوريا ، بضحاياها البشرية ، التي تجاوزت 50 شهيدا ، وزعت على اهل العائلة الواحدة (صوريا الكردية الكلدانية) واهاليها لحد الان ينتظرون ، من حكومتي الاقليم والمركز انصافهما ، وتعديل اوضاعهما من الوجهتين المعنوية والاقتصادية ، ونقول صراحة ، ما حل بالقرية ، مهما قدمت لها لا يعوض ، والمآسي والويلات والدماء والهدم والعذاب ، الذي مورس عنفا وقتلا ودمارا والتشرد من القرية ، لا يمكنه ان يعوض شعبنا في صوريا ، لكنه مطلوب انسانيا وحياتيا ، وكتاباتنا المتواصلة ، ساهمت منذ سنوات ، ولحد اللحظة  بقدر ما ، كواجب فكري وثقافي ، مطلوب من الجميع دون منّة ، لايصال جزء بسيط ، من هذه القضية المعقدة انسانيا للمعنيين ، لكن .. وللاسف العلاج  لا زال يراوح ، في طريقه لاصحاب القرية المعنيين ، رغم التفاتة المسؤوليين في كردستان العراق مشكورين ، وهنا نتسائل الى متى  يتم انصاف هؤلاء المظلومون يا ترى؟؟!!
علينا ان نذكر شعبنا ، نحن واثقون تماما ، لو توفرت الاسلحة الكيمياوية عند الجحيشي ، لما تردد باستخدامها أبدا ، والدليل وحشيته وممارسته ، بالقتل الجماعي لابناء وبنات وشيوخ وشباب القرية ، من دون ان يستثني احدا ، بما فيه رجل الدين الزائر للقرية ، حيث مارس كل ما هو متيسر ، من اسلحة آلية وشخصية ضد شعب صوريا ، هاجم الجميع بوحشية ، اوقفهم كالاصنام ، واعدمهم مسالمين حفات لا حولة ولا قوة ، بل سلموا قدرهم للاجرام ، بما فيها الكائنات الحية ، نباتا وحيوانا وانسانا ، وعليه الجريمة جريمة لا يمكن فصلها وافرزها ، مهما كانت كبيرة ام صغيرة ، لان الممارسة واحدة والفعل الواطي الاجرامي واحد ، مذكرين الجميع ان الجرحى لم يتم اسعافهم ، تركوا ينزفون حتى فقدانهم للحياة ، اليست هذه شبيه بانفال حلبجة يا ترى؟؟!!
لاننسى ان للقرية مواقفها الشجاعة ، في مساندة ودعم الحركة التحررية الكردية ، لرفدها بابنائها الذين قاتلوا ، الحكومات الاستبدادية البعثية والعارفية ومن ثم الفاشية البعثية ، كان لهم حضورهم ونضالهم ، في الخط السياسي للبارتي ، مثال وليس الحصر هرمز مروكي ، الذي سبق والف كتاب عن صوريا ، ودورها في الحركة التحررية الكردية ، بالاضافة الى مساهماتهم الوطنية الفاعلة ، في خدمة الوطن العراقي عموما .. اننا نضع امام الخيرين من ابناء الحكومتين الاقليم والمركز ، لانهاء ملف صوريا البطلة ، لاحياء شأن ودور ابنائها وبناتها ، وسبق لي شخصيا مطالبتي في كل عام ، واكرر واقول مرات ومرات لجعل صوريا ، نموذجا للتعايش السلمي ، بين مكونات كردستان والعراق ، وانصاف الشعب المظلوم اينما تواجد في ارض العراق الطيبة ، بايجاد حلول عملية وموضوعية بناء ، لارساء اسس ديمقراطية ، تعي حقوق الناس وتنصف اوضاعهم ، وتعالج مشاكلهم الحياتية ، ومصائبهم التاريخية ، عبر الانظمة الفاسدة والمفسدة ، والاستبدادية الفاشية المتعجرفة ، التي دمرت شعبنا ووطننا ، ولا زال شعبنا يعيش اوضاع استثنائية ، تجاوزات فردية وحتى جماعية ، يتلقاها  بمرارة  هنا وهناك  ، بلا راقب ولا رقيب على فعل دنيء اجرامي ، حتى خارج المسائلة القانونية ، بالاضافة الى اساليب الاحتيال على القانون نفسه ، مختلف الطرق والاساليب الملتوية ، منعا لتنفيذ القانون ، ناهي عن الروتين القاتل الممارس ، ضد احقاق الحقوق وتغييبها وبطلان فاعليتها ، ان اوجاع ومآسي ودماء ودموع وهدم وتنكيل لصوريا ، لا تقل اهمية مما اصاب حلبجة 1988 ، بل الفرق هو عامل الزمن للحدث ، فكلتاهما جرائم بشعة ضد الانسانية وضد الحوان والنبات معا ، فهل من منصف يا ترى؟؟!!
(الكرة في ملعب ، الحكومتيين الاقليم والمركز معا ، ايهما يجيد تنفيذ الواجب الانساني ؟؟!!)
نقترح الالتقاء مع اهالي الضحايا في صوريا ، ودول العالم اجمع ، وغالبية الناجين من الموت المحقق في حينها ، هم الآن في مدينة ملبورن \ استراليا ، للاستماع منهم واليهم ، وما يرونه مناسبا لهم ولعوائلهم  ولقريتهم ، المفروض ان تكون نموذجية عصرية متطورة ، من جميع النواحي ، الدراسية والصحية والاجتماعية ، وتولي لها الدولة ، اهتمام خاص وعناية فريدة ، ونصب تمثال خاص الى (ليلى) البطلة ، تلك الشابة الجريئة ، التي قاومت الجلاد وفعله المشين ، محتفظة باياديها الطاهرتين ، في الدفاع عن شعبها وقريتها ، انها بحق اسطورة القرية المناضلة ، التي اثبتت وجودها على الارض العراقية الطاهرة ، شابة تستحق التقييم والتقدير والاحترام.

ناصر عجمايا
ملبورن \ استراليا
12\09\11
nassersadiq@hotmail.com

You may also like...