صقلية …جوهرة البحر المتوسط

جزيرة صقلية التي يعانق البحر جبالها الخضركانت محطة في ترحالي هذا الصيف، مشاهداتي بدأت من المطار الى آخر يوم بقيته في هذه الجزيرة التي تتلاقى فيها الروائح الشرقية مع التقاليد الغربية لتمنح الجزيرة روحا خاصا ، كل ما فيها يبعث على الفضول للتعرف على كل صغيرة وكبيرة..

رحلتي بدأت من “باليرمو”عاصمة الجزيرة التي تتميز بجمالها وأبنيتها الصفر واشجار التمورالقصيرة، وكنائسها المقببة التي يبدوانها كانت مساجد في الماضي عندما كانت صقلية تخضع للحكم الاسلامي .فتاريخ الجزيرة هو تاريخ حافل بالصراعات ما بين الاقوام على مر الزمن للسيطرة عليها وفرض ثقافتها ولغتها مثل اليونانيين و الرومان والعرب والالمان والاسبان نظرا لموقع الجزيرة الجغرافي الهام .              

ربما منحت كل هذه الغزوات الجزيرة طابعا خاصا من حيث أشكأل وسيماء الناس، فالناس هنا من اصول متباينة وذوو اشكال مختلفة ولكنهم يميلون الى الشكل الشرقي واللون البرونزي، وحتى ان لهجتهم الصقلية تختلف عن اللهجة الايطالية كونها مزيج من اللغات، فقد لاحظت على سبيل المثال العديد من الكلمات العربية في لغتهم مثل مسكينو او مسكين باللغة العربية، وتالي بمعنى طالعي او انظري باللغة العربية أو بعضا من الكلمات الفرنسية مثل تراغافكي او ترافيي “يعمل باللغة العربية “…

الجزيرة تتمتع باطيب الماكولات التي تختلف تماما عن الأكل الايطالي، ولها ايضا أكل الشوارع الخاص بها ، فكثيرا ما لاحظت عربات تبيع ساندويج الطحال الذي تتميز به الجزيرة عالميا، وساندويج يسمى بانيلي وهو عبارة عن قطع مقلية من طحين الحمص، وكذلك كرات الارز المحشوة باللحم او الجبن ولها حجم البرتقالة والتي تسمى ارنجينا، وهي أشبه بالكبة المعروفة لدينا ولكن بحجم اكبر، يقال ان هذا الطعام موروث عربي…وغالبا ما تباع المأكولات في البارات التي  لاتعتبر اماكن لشرب الكحول، بل مكان عائلي يستطيع اي شخص ان يرتاده ويطلب قهوة او بيرة او حلويات او اكلات خفيفة او المثلجات الايطالية رائعة المذاق. اما من اشهر الحلويات في الجزيرة فهي ما يسمى بالكانولي، وهو ملفوف مصنوع من الكعك وفي داخله كريمة الماسكاربوني الحلوة.

مما لفت انتباهي ايضا ان الناس تعير العلاقات العائلية اهتماما كبيرا او بالاحرى العلاقات الاجتماعية، فغالبا ما كنت الاحظ ثلاثة اجيال من الاجداد والاباء والاحفاد يتمتعون معا على ساحل البحر، عندما تسأل شخصا في الشارع عن عنوان ما، فهو يساعدك وفي الوقت نفس                                          يحاول التكلم معك وكأنه يعرفك منذ زمن بعيد..وهم يتميزون بالتحدث بصوت عال والتعبيرباليدين. ومن أهم ما تمكن ملاحظته في الجزيرة هي صناعة الدمى المتحركة بالخيوط التي يستخدمها الصقليون في الاوبراوالمسرحيات ورواية القصص والغناء ،ولكن هذه الدمى المتحركة هي عادة تعود بشكلها ومنظرها الى القرن الثالث عشر، وغالبا ماتحكي قصصا تعود الى ذلك الزمن ،لذا تنتشر قي الجزيرة محلات صانعي الدمى التي مازال لها جمهورها الى يومنا هذا .  

الجزيرة تتمتع ببعض الخدمات العامة وبها كل المقومات السياحية ولكنها مهملة من قبل الحكومة وتعاني من مشكلة البطالة التي تعتبر من اهم المشكلات في الجزيرة لذا يلجأ اهلها الى تركها الى مدن كبيرة أودول اخرى، كما حدث في السابق عندما هاجر الالاف من الصقليين الى امريكا وكونوا جماعات من المافيا هناك. أما عن المافيا هنا، فيقال انها موجودة لحد الان ولكن لديها نفوذ اقل من السابق، كما لاحظت ان مطار باليرمو يحمل اسم مطار فالكوني وروسلينو تيمنا باسم القاضيين اللذين تم اغتيالهما من قبل المافيا في جزيرة صقلية بداية التسعينيات من القرن الماضي.

سواحل البحرالذهبية هي ما تتميز به الجزيرة وخصوصا في مناطق مثل جيفالو ومونديلو ..حيث تنتشر اسواق الصيادين التي يجب الذهاب اليها في الصباح الباكر للحصول على السمك الطازج.. اما جبال الجزيرة فهي خضر ورائعة الجمال، وفي قمة كل جبل كنيسة او مرقد لقديس، صادف ان زرت مرقد القديسة ” سانت روزالي” القديسة التي تحمي مدينة باليرمو حسب إعتقاد أهلها، حيث يبدو ان سكان باليرمو في أحد الازمان كانوا يعانون من الطاعون، فقام الناس بحمل رفات القديسة والتجوال بها في انحاء المدينة، كي تشفي أهلها من هذا المرض والكثير الكثير من هذه القصص المنوعة موجودة في هذه الجزيرة الخلابة .

مجلة – صوت الاخر – أربيل

د. تارا إبراهيم –  ايطاليا   

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *