زوبعة الاستفتاء حول استقلال كوردستان …هل تغطي على مشاكل الإقليم ؟/ شه مال عادل سليم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                           www.shamal.لابد ان نراجع  وبسرعة جميع الاوراق المطروحة على الساحة السياسية الكوردستانية قبل ان نناقش جدية افكار وطروحات السياسيين الكورد الذين  يطالبون اليوم من القيادة  السياسية الكوردستانية ان تخطو خطوة جدية باتجاه اعلان الاستفتاء الشعبي لاستقلال كوردستان ام البقاء في اطار عراق ديمقراطي فيدرالي موحد …..

في يوم 29/ 1 / 2011 اصدرت حركة  كَوران ( التغيير) الكوردستانية بزعامة نوشيروان مصطفى  بيانا من 7 نقاط , طالبت فيه بحل البرلمان والحكومة الكوردية وكان هذا البيان كالشرارة التي اندلع منها لهيب المظاهرات التي  طالب فيها المتظاهرون في البداية بإصلاحات عامة والقضاء على الفساد في الإقليم، لكن جوبهت بالرصاص . . و بعد ان وصلت اعداد قتلى المتظاهرين الى عشرات وجرح المئات من المدنيين العزل آلاخرين، ارتفع سقف المطالب الى حل الحكومة والبرلمان، واستقالة رئيس الإقليم.

ان  استمرار المظاهرات وضغط المتظاهرين ادى الى عقد جلسة استجواب يوم 9 اذار (مارس) لرئيس حكومة الإقليم، برهم صالح، امام البرلمان الكوردي. وفي اجتماع استغرق عدة ساعات، استطاع فيها رئيس الحكومة الحصول على ثقة البرلمان باغلبية الأصوات من جديد.

كما وعد رئيس الحكومة  باجراء العديد من الإصلاحات، لكن وعوده لم تكن كافية لتهدئة الشارع الكوردستاني ، وانهاء المظاهرات التي خمدت يوم 19 نيسان (ابريل) بالقوة بعد ان انتشرت القوات الأمنية والآلاف من قوات البيشمركة في مدينة السليمانية ومنطقة كَرميان وجمجمال وكلار وحلبجة الجريحة .

وبهدف تهدئة الأوضاع السياسية في اقليم كوردستان، تم انعقاد اول اجتماع بين المعارضة التي تضم حركة التغيير بزعامة السيد نوشيروان مصطفى والاتحاد الاسلامي الكوردستاني والذي يعتبر الفرع الكوردي للاخوان المسلمين في العراق بزعامة السيد صلاح الدين محمد بهاء الدين صادق ، والجماعة الاسلامية الكوردستانية بزعامة الشيخ علي بابيروتمان من جهة، والحزبان الرئيسان ( الاتحاد الوطني الكوردستاني بزعامة مام جلال الطالباني والديمقراطي الكوردستاني بزعامة السيد مسعود البارزاني ) من جهة اخرى، سميت حينها بـ(الإجتماعات الخماسية)، لكنها لم تدم طويلا، حيث انتهت  يوم 27 من نفس الشهر، بعدما رفض الحزبين الحاكمين  تنفيذ مطالب المعارضة.

وتزامنا مع هذه العواصف الداخلية , وفي تموز (يوليو) 2011، تعرضت حدود اقليم كوردستان الى قصف مدفعي من قبل كل من ايران وتركيا بهدف مطاردة مقاتلي حزب العمال الكوردستاني (   PKK , بالكوردية (Partiya Karkerên Kurdistan ) ، وسقط في تلك الاحداث عشرات الضحايا المدنيين، كما تم إخلاء العديد من القرى الحدودية .

وفي الشهر ذاته شهد توترا كبيرا بين حكومة اربيل وبغداد خصوصا في ما يتعلق بمشاكل العقود النفطية والمناطق (المتنازع عليها) . ووصلت المشاكل بين الحكومتين الى حد غير مسبوق منتصف شهر اب (اغسطس) حينما ارسلت حكومة الإقليم قوات البيشمركة  لتتمركز بالقرب من ناحية جلولاء بمحافظة ديالى بحجة حماية المواطنين الأكراد، فيما ارسلت الحكومة المركزية عناصر الجيش العراقي الى المنطقة ذاتها مما تسبب في زيادة التوتر في المنطقة.

وفي الأيام الاخيرة من العام 2011، تحول اقليم كوردستان من اقليم  للصراعات والتناحرات الداخلية الى ساحة لتصفية المشاكل والازمات السياسة والقانونية العراقية، لا سيما بعد لجوء نائب رئيس الجمهورية، طارق الهاشمي الى الإقليم يوم 18 كانون الأول بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه على خلفية اتهامه باعمال ارهابية. 

ولابد من ذكر بانه، في يوم 2 كانون الاول ( ديسمبر ) 2011 تصاعدت ازمات بين الاحزاب الكوردستانية في منطقة بهدينان , عندما قام مجموعة من الشباب بعد صلاة الجمعة في قضاء زاخو بمحافظة دهوك، باحراق مجموعة من محلات بيع المشروبات الكحولية والفنادق السياحية ومحال للمساج ، وفي المقابل قامت مجموعات أخرى باقتحام أربعة من مقرات الاتحاد الاسلامي الكوردستاني في دهوك واحراقها.

 اتهم الحزب الديمقراطي الكوردستاني الاتحاد الإسلامي بوقوفه خلف احراق المحلات والفنادق، بينما اتهم حزب الاتحاد الاسلامي الحزب الديمقراطي بحرق مقراتهم . وعلى رغم العديد من المحاولات لتهدئة الأوضاع، إلا ان الإتحاد الاسلامي رفض الجلوس الى طاولة المفاوضات  مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني بسبب اعتقال عدد من كوادرهم بعد تلك الاحداث …. 

ومع نهاية العام ووجود العديد من الملفات والمشاكل العالقة بين الاتحاد الإسلامي والحزب الديمقراطي الكوردستاني، والأزمات العراقية بين القيادات السنية المتواجدة حاليا في الإقليم و المتمثلة بالهاشمي، وحكومة المالكي …..

وفي وسط هذه العواصف  والمشاكل المستعصية التي تعصف بوجود الاقليم والعراق والمنطقة برمتها تطالب بعض الشخصيات السياسية الكوردستانية في الاقليم بين حين واخر , باجراء استفتاء شعبي لتقرير مصير كوردستان…

في حين يرى المهتمون في الشوؤن الكوردستانية  بانه بالرغم من ان الشعب الكوردي كغيره من الأمم والشعوب يملك حق تقرير المصير وحق الاعلان عن دولته المستقلة , الا ان هذه المطالبات وفي هذا الوقت الحرج  تحديدا ما هي الا زوبعة مصطنعة  لتغطية المشاكل في الاقليم من جهة والهروب من مواجهة المشاكل الحقيقية التي تنخر في جسد المؤسسات والوزارات في الاقليم وفي مقدمتها الفساد الاداري والحزبي من جهة اخرى  ….

 والسؤال الذي يطرح نفسه وبالحاح هو:  الا تجلب هذه الاراء في هذا الوقت تحديدا ( اي في زمن انفجار بركان المشاكل في العراق والمنطقة برمتها ) للاقليم المزيد من المشاكل والعقبات الجدية من قبل الدول المحيطة بالعراق وخاصة ( تركيا , ايران , سوريا ) الذين عملوا ويعملون جاهدين لافشال تجربة النظام الفيدرالي في العراق ؟ هل هذه الاراء نابعة من دراسة معمقة وواقعية للاوضاع الداخلية والمحيطة بكوردستان ام هي الهروب من عظمة المشاكل التي تهدد الشعب الكوردستاني في الصميم ؟ هل يحتاج اتخاذ قرار الاستفتاء الشعبي لاستقلال كوردستان الى اطلاق تصريحات وتهديدات !! …..ام الى خطوات متانية ومدروسة من جميع النواحي تسبق الاستفتاء الشعبي , رغم ايماني المطلق في ممارسة  الشعوب حقها في تقرير مصيرها ؟  اليس هكذا تصريحات تشوه وتفرغ من جدية العمل من اجل اقامة دولة كوردية مستقلة ؟ لماذا اصبح حق استقلال كوردستان ورقة تهديد بيد السياسيين الكورد تطرح اثناء تفاقم المشاكل الداخلية ….في حين يرى البعض بان قيام دولة كوردية في هذه الظروف اشبه بحلم الشعراء وعندما يركض الانسان وراء الحلم يخسر المنجز والموجود على الأرض ….؟!  

اخيرا …  نعرف جميعا بانه يجب ان تسبق قرارالاستفتاء الشعبي الكوردستاني حول الاستقلال ام البقاء ضمن اطارالعراق خطوات جدية وفي مقدمتها  : توحيد البيت الكوردي ونبذ الخلافات الداخلية بين الحزبين ( الاتحاد والوطني الكوردستاني والديمقراطي الكوردستاني) ومنها  توحيد الادارتين بشكل فعلي والقضاء على مشاكل داخلية  كثيرة اخرى تهددنا في الصميم وهي من مخلفات الاقتتال الداخلي المدمر التي لاتزال اثارها السلبية  شاخصة في فكر الفرد الكوردستاني , والتي عجزت القيادة الكوردية وللاسف عن حلها ومنها توحيد الكلمة الكوردية من خلال فصل الهيمنة الاخطبوطية الحزبية الضيقة عن المؤسسات الحكومية وفي مقدمتها البرلمان والوزارات والمؤسسات الكوردستانية  الاخرى …كما يجب ان تسخر حكومة الاقليم جميع امكانياتها المادية والمعنوية لتطبيع الاوضاع في المناطق التي استقطعت من المحافظات الكوردستانية في زمن البعث البائد قبل ان تخطو اي خطوة جدية في طريق التحضير للاستفتاء الشعبي حول مصير الاقليم ليشمل الاستفتاء الشعبي جميع الكوردستانيين ليقولوا كلمتهم المصيرية الاخيرة في البقاء ضمن عراق فيدرالي ديمقراطي حر ، ام الانفصال واعلان جمهورية كوردستان الديمقراطية الحرة  ….. اذا كنا  فعلا مقتنعين بفكرة الاستفتاء الشعبي حول استقلال كوردستان …!!

You may also like...