رفـيق في الحـزب بدون إنـتـماء



إستـراحة لتهوية أجـواء القـرّاء

لا يخـفى عـن العـراقـيّـين في الخـمس وثلاثين سنة المنصرمة قـبل السقـوط عام 2003 أنْ أناساً عـديدين كانوا يطـمحـون إلى الحـصول عـلى درجة رفـيق أو ما يَـسمى بشرف العـضوية وغـيرها ، ولستُ متأكـّـداً إنْ كان أولئك مخـيَّرين أم ملـزَمين ولكـني أدري أنهم كانـوا يلهـثـون بشـتى الطرق للحـصول عـلى تلك المصطلحات وأثـمارها وذلك بملء قـسيمة أو حـضور منـتـظم للإجـتماعات أوكـتابة بحـوث حـول كـتاب السيد القائد أو تـقارير ضد المعارضين أو مشاركة في مسيرات أو كـسب آخـرين أو أيّ عـمل يُـرضي السادة الكِـبار بما فـيه هـزّ الذيل ، ورغـم هـذا فالبعـض يُـخـفي عـلينا اليوم إرتـواءَهم من عـصير الفـواكه الناتج من تلك الأثمار . وقـد مررتُ بمواقـف عـديدة كان المسؤول يناديني بالـ رفـيق ، وفي إعـتـقاده إنه يـؤدي واجـباً حـزبـياً وربما في ظـنه أن لهذه الكـلمة سحـراً يجعـل المقابل رفـيقاً فعلاً بأوتوماتيكـية عَـفــَـويّة وبالتالي يسجـل لصالحه نـقـطة في سِـجـِـلـِّه عـسى أن يرتـقي درجة وأكـثر .
ورغـم أنّ هـناك مَن يـدّعي بالإستـقلالية ولكـنـنا نـقـول لهم : عـلينا ! مو مَـلـّـينا ، وحـتى الثـلج بالدهـن ﮔـَـلـّـينا ؟ إلاّ أنّ  تــُـرْس المستـقـلـين الحـقـيقـيّـين ودفاعاتهم القـوية وأنا منهم وطيلة تلك السنين كانـت العِـبارة – سائـر في خـط الحـزب والثـورة – التي كانـت تــُـسْـكِـتُ العـديدين وتـلجم أفـواه الآخـرين بالإضافة إلى بـياض صفحـتـنا الأمنية هـذا من جهة ، ومن جهة أخـرى صَدَق مَن قال ( لا تـتـحـدّى إنساناً ليس لديه شيءٌ يخـسره ) فـكم من مرة أثـناء الحـياة الوظيفـية قـلتُ مازحاً : أنا مدرس بسيط هـل سيحـوّلونـني إلى سِـكِـن مدرس ؟ وكـذلك أثـناء خـدمتي العـسكـرية قـلتُ : أنا جـندي بأدنى رتبة وﭽـمالة بالجـبهة ، هـل سيُـخـفِـضون رتبتي وأصبح سِـكِـن جـندي – وينقـلوني وين ؟ طبعاً مع تـجَـنـُّـبي المساس بما لا يمسّه حـتى الذين هـبطـوا من السماء .
( 1 ) – عـنـد مطلع كانون الأول عام 1973 عُـيّـنـتُ مدرساً في مركـز محافـظة واسط وفي نهاية الشهـر أبْـلِـغــْـتُ بالحـضور إلى بناية نـقابة المعـلمين ولما حـضرتُ طـُـلِـبَ مني دفع بدل إشـتراك ( 250 فـلساً ) شهـرياً نـقـداً فـقـلت : أنا لستُ عـضواً فـي النقابة ! قال لي الموظف : رفـيقي إن الإشتـراك في النقابة أوتوماتيكي ، وكإجـراءات إدارية وقـّـعـْـتُ عـلى الإستمارة الروتينية فـليس منـطـقـياً أنْ أعارض أنا وحـدي من بـين مئات الألاف من أعـضاء الكادر التعـليمي في العـراق ( وبعـدها بأشهر صار الإستـقـطاع من الراتب مباشرة ) ، إذن أنا رفـيق بـ 250 فـلساً .
وبعـد مدة ( لا أتـذكـّـر متى بالضبط 1974 ) تـلقـيتُ دعـوة لحـضور إجـتماع لأعـضاء النقابة فـتـصوّرته مؤتمراً ، ولما حـضرتُ رأيته إجـتماعاً لمدرسين عـددهم بحـدود العـشرة أو أكـثر . وهـنا تـذكـّـرتُ إجـتماعاتـنا في الأخـوية المريمية أيام زمان ( من النشاطات الشبابـية الكـنسية والمجازة من قِـبَـل الدولة تهدف إلى تـقـديس الذات والآخـرين وخـدمتهم وذلك بالصلاة والعـمل الخـيري ) وتـخـيَّـلتُ الإجـتماع كعادتـنا سيـبدأ بالصلاة : بسم الآب والإبن والروح القـدس ، الإله الواحـد آمين . ولكـن الذي حـدث هـو صلاة من نوعـية أخـرى ، فـقـد طـلب أحـدهم منا الوقـوف ثم نادى بصوت خـجـول ورأسه منحـني قـليلاً نحـو الأسفل قائلاً : رسالتـنا ! فأجاب الجـميع كأنهم يدمدمون … أمة عـربـية واحـدة ذات رسالة خالدة . ثم أردف مكملاً : أهـدافـنا ! فأجاب الجـميع أيضاً … وحـدة حـرية إشتـراكـية ، وهـكـذا تـخـيَّـلتُ أنْ يرسموا عـلامة الصليـب عـلى وجـوههم كـعادتـنا خاتمة للصلاة ولكـنه قال : تـفـضـلوا رفاق ، فالرفاق تـفـضلوا وجـلسوا وبدء الإجـتماع بـ : قال الحـزب وحـكـت الثورة والرفـيق النائب والفلان الفلاني والأخـبار وهـكـذا …. فـقـلتُ لنـفـسي : إذن ! آني رفـيق ﭽـِـبـير وما أدري بنـفـسي في إجـتماع سياسي . وبعـد خـروجـنا سألتُ أحـدهم عـن النقابة ونشاطها ولماذا لم تـُـذكـَـر في الجـلسة فـقال : هـيّه تجي بالتسلسل وحـْـدة وَرا الـّـلوخ . ومن بعـدها لم أحـضر إجـتماعاً مثيلاً لذلك أبداً ، فـقـد دعاني معاون مدير عام تـربـية واسط يوماً مستـفـسراً عـن غـيابي المتكـرر فـتعـذرتُ بحجج فـطيرة كـعـدم الإستـقـرار نـفـسياً والإنشغال في تحـضيري مادة الدرس بإعـتباري حـديث العهد بالتدريس ثم السفر كل يوم خـميس وجـمعة إلى بغـداد والتي إنـتـقـلتُ إليها في عام  1978 .
( 2 ) –  إلتـحـقـتُ بمعـسكـر التاجي كـجـندي إحـتياط ثم نـُـقِـلتُ إلى الجـبهة بتأريخ 6 تشرين الثاني 1982 تعـويضاً عـن الخـسائر وهـناك إلتـقـيتُ بطلابي من أهـل الكـوت وهم جـنود مثلي ، وبعـد سنـتين بالضبط تـسرّحـتُ بتأريخ 5 تشرين الثاني 1984 ونحـن في هـجـوم سيف سعـد رغم عـرقـلة آمر سرية المقـر الرائـد خـضر لتـوقـيع كـتاب تسريحي وتلك قـصة أخـرى . وخلال تلك الفـتـرة دُعـيتُ مرة إلى قـلم السرية ( إدارة يعـمل فـيها ضباط الصف عادة ) ونادوني بمصطلح رفـيق وسُـئِلـتُ عـن الإنـتماء ، وأعـتـرف الآن أنـني أردتُ أن – أتعـيقـَـلْ – فـقـلتُ : إن مسؤولية حـماية الوطن ملقاة عـلى عاتق أبنائه وحـينما دعاني إلى خِـدمَـتِه والدفاع عـنه قـبلاً أوالآن في حالة حـرب لم أتأخـر دقـيقة واحـدة ، وكما تعـلمون كـلنا مشاريع دائمة للإستـشهاد ليس مِنـّة وإنما واجـباً ، أما الإنـتماء إلى الحـزب فهي بلا شك خـدمة إضافـية ولكـني لستُ مؤهلاً لها لأن بسمارك يقـول : إن السياسة هي فـن العـمل في حـدود الممكـن ، وأنا أرى نـفـسي لستُ فـناناً فلا أنـفع للعـمل في هـذا الحـقـل ، فـقال لي أحـد ضباط الصف : شـنو إحـنا كـلنا فـنانين دُنـبُـﮔــْـﭽــيّة ؟ قـلتُ : حاشاك مو هـذا القـصد ولا بهذا المعـنى ، ولكن القـصد أنه يحـتاج قابلية وشجاعة ، فـقال آخـر : لعـد أنت شـلون مشروع للإستـشهاد وما عـندك شجاعة ؟ قـلتُ : الشجاعة المقـصودة هي الشجاعة الأدبـية .
( 3 ) –  وأثـناء الخـدمة ( 1983 ) جـمعـونا نـحـن المستـقـلين في حانوت اللواء ( ملجأ واسع محـفـور بالشـﭭـل ومُسقـف بالـﭽـِنكـو – أخـمّـن عـددنا بـين خـمسين – سبعـين جـندياً ) وجاء إثـنان من قـلم اللواء وإبتـدأ أحـدهم يسألـنا : منو بـيكم مستـقـل ؟ فـكـلنا رفعـنا أيادينا ، فـسأل أول جـندي من جهة يمينه : إسمك ، محـل سكـنك ، أنت ليش ما منـتمي ؟ قال : والله إحـنا سَـمّاﭽـة بالأهـوار وما إجانا واحـد فـد يوم لمنـطـقـتـنا وحِـﭽـى ويانا بالموضوع ! فـقال له : عـندك مانع هـسَّه تـنـتمي ؟ قال لا ، فـقال : تـجـيـب صورتين إمّا تـصوّرها بالمعـسكر أو لمّا تـروح إجازة . ثم إنـتـقـل إلى الثاني : إسمك ، محـل سكـنك ، ليش ما منتمي ؟ قال الجـندي : إحـنا ناس فـلح بالأرياف وْمَـحَّـد مَـرْ عـلينا فـد يوم ، فـقال له : عـندك مانع حالياً تـنتمي ؟ قال : لا ، قال : تـجـيب صورتين ، وهـكـذا سأل الثالث والرابع ولما رأى أن الإجابات صارت ساذجة ومتـكـررة عـلى هـذا المنوال نابعة من الخـوف ، توقـف عـن طرح الأسئلة وقال : إخـوان هـسَّه أنـتو كـلتـكم رفاق بالحـزب ، وكل واحـد يجـيـب صورتين ويكـتب إسمه وعـنوانه ويقـدمها إلى عـريف الفـصيل ، أكـو سؤال ؟ فـكان صمتٌ في الملجأ ، لكـنـني رفـعـتُ يدي فـقال لي : تـفـضل رفـيقي ( صرتُ رفـيقاً بإمتياز ) فـقـلتُ : إسمنا وعـنوانـنا موجـودين بقلم السرية ، لكن الصورتين لويش ؟ قال : حـتى نسوّيلكم قـسيمة إنـتماء ! ليش ؟ قـلتُ : حـضرتك ما أخـذتْ رأيي ، آني ما أريد أنـتمي ، قال : ليش يابا ؟ قـلـتُ : آني إجـيت هـنا حـتى أساهم بالإنـتـصار عـلى العـدو بعـون الله ، فـقال له رفـيقه الثاني : أتركه حالياً بعـدين نصيحه للقـلم ، ولم يَـصِحـني أحـدٌ حـتى تـسرّحـتُ .
( 4 ) – في الصباح الباكـر من أحـد أيام الجـمعة شـتاءاً 1984 ( إستـراحة في الجـبهة ولم نكـن مكـلفـين بأي واجـب ولا تـدريـب ما عـدا الحـراس المبلغـين مسبقاً ) دقـتْ صافـرة رئيس عـرفاء الوحـدة للتجـمع خلال ثلاثين دقـيقة بالقـيافة الكاملة… بندقـية وخـوذة وﭙُـسطال مصبوغ … وهـكذا أصبحـنا جاهـزين في ساحة العـرضات متـوقـعـين من هـذا التجـمع المفاجىء والباكـر وفي يوم إستـراحة ، قـراءة برقـية إنـتهاء الحـرب مثلاً أو تسريح بعـض المواليد أو حـركة اللواء إلى مكان المعـركة حـيث الحـرب حامية أو تبليغ آخـر مهم جـداً ، ولما جاء آمـر السرية المقـدم إدريس من أهـل الرمادي جـرتْ الروتينات العـسكـرية مثل تـقـديم الموجـود … ثم صفـن السيد القائـد آمر السرية في وسط الساحة دقائقاً بـدَتْ أمامنا كأنها ساعات ونحـن نـنـتـظر ما الذي سيقـوله وأخـيراً نطق وقال : الحـزب يقـود المسيرة ويقـدم تـضحـيات فكـل واحـد مو بعـثي هـو كـلب إبن الكـلب ، ثم تـركـَـنا ومشى ونحـن ساكـتون ، فأعـطى الضابط إيعازاً لنا بالتـفـرّق فـتـفـرقـنا إلى ملاجـئـنا وصرنا كِلاب لأنـنا لسنا رفاق .
( 5 ) – بعـد التسريح من الخـدمة إلتحـقـتُ بدوامي المدرسي في منـتـصف تشرين الثاني 1984 وحـملات الجـيش الشعـبي حامية لا يفـرقـون بـين المتسرّح من الجـيش في البارحة أوغـيره من الناس . وفي عـصر أحـد الأيام طـُـرِق باب دارنا في الحـبـيـبـيّة / بغـداد ولاحـظـنا من الشباك أنهم جـماعة الجـيش الشعـبي فـخـرجـتْ زوجـتي وسألوها عـني فـقالت : ليس موجـوداً . وتـكـرر طرقهم لباب دارنا في تلك الأمسية أكـثر من أربع مرات حـتى الساعة 11 ليلاً وأنا في داخـل البـيت ، فـكان الجـواب الذي يحـصلونه ( ليس موجـوداً ) ! فـسألوها : متى يرجع ؟ فأجابتْ : إنه يُـدَرّس تـدريساً خـصوصياً ويتأخـر في أكـثر المرات ، فـقالوا لها : حـينما يرجع قـولي له أن يأتي عـندنا إلى مقـر المنظمة فـنحـن خـفـر حـتى الصباح ! . فـنمتُ حـتى الصباح وذهـبتُ إلى المدرسة أولاً وحـكـيتُ الموضوع لمديـر مدرستي الذي يعـتـز بي ( الأستاذ مَـلـَـكْ – إعـدادية قـرطاجة – حي الأمانة ) فإتـصل بمن يهمه الأمر ( مَيانة وياهم ) فـقـيل له أن لديهم حـملة تأطير المنطقة ( كـسب جـميع المستـقـلين ) فـقال لهم : إن مدرسنا أعـرفه مخـلصاً كـفـوءاً أميناً مواظباً وليس معارضاً ولا يحـب السياسة ، ومن حـيث الولاء فهـو سائر في خـط الحـزب والثورة وإذا ضغـطـتم عـلية قـد تـدفـعـونه إلى خانة المتـذمّـرين فهل تـرَون ذلك صحـيحاً ؟ وقـلتُ للمدير : أنا مستـعـد أن أعـطي لهم تعـهّـداً بأن لا أنخـرط في أي تـنـظيم معادي للحـزب والثـورة ؟ فـقال لي : إنهم لا يهمهم ذلك بل يريدون منك الإنـتماء ، والحـق يقال فـفي النهاية أخـذوا بكلامه وتـركـوني .
( 6 ) – وهـذه آخـرها في نهاية الثمانينات كان في مدرستي ثلاثة مدرسين مستـقـلين : يونس كـردي منقـول من السليمانية ( رياضيات ) – وأحـمد عـربي ( إنـﮔـليزية ) – وأنا كـلداني ( فـيزياء ) . وجاء إلى مدرستـنا مسؤول هـو عـضو فـرع أو شعـبة الثورة ( زامل حـنـون لفـتة إستـشهـد في مدينة الثورة إبّان إنـتـفاضة 1991 ) برفـقة رجـل في الثلاثينات من عـمره أشقـر لم يتـكـلم عـلى الإطلاق بل كان مستمعاً فـقـط . وإجـتمع الرفـيق بكـل واحـد منا عـلى إنفـراد في غـرفة المدير المغـلقة ودَعانا إلى الإنـتماء إلى الحـزب والرجـل الأشـقـر حاضر ، فالكـردي تجاوب فـوراً ، والعـربي قال ليس لديه مانع بشرط أنْ لا يجـتمع مع الفلاحـين والعـمال ! فـردّ عـليه الرفـيق : شوف رفـيقي ، الحـزب ما يفـرّق بـين الموظف والعامل والفلاح ( نـْـوِخـَـذ بوشه ! ) فـسكـتَ أخـونا ولبّى الطلب . ولما جاء دَوري في الأخـير قال : رفـيقي ! نحـن نسمع عـنك أنـك مدرس جـيد والمدير والطلاب راضين عـنك ، إش عـجَـب أنتَ ما منـتمي لِـهَـسّه ؟ قـلتُ آني ما أحـب السياسة ، قال : ليش إحـنا مو خـوش ناس ؟ قـلتُ : لا ، بالعـكس مو هـذا قـصدي وإنما آني ما أرغـب العـمل السياسي ، قال : ولكـن الحـزب يقـود العـملية التربوية من رياض الأطفال وإلى الجامعة وأنت جـزء من هـذه المؤسسات ! قـلتُ : صحـيح ولكـن أرى نـفـسي لا أصلح لهذا النشاط ، قال : عـندنا تعـليمات أن وزارة التربـية يجـب أن تـصبح مغـلقة حـزبـيّاً ( ويقـصد أن جـميع منتـسبي وزارة التربـية يجـب أن ينـتموا إلى الحـزب ) ومَن لا ينـتـمي يُـنقـَـل إلى مكان آخـر ، قـلت : إلى أين مثلاً ؟ قال : مثلاً إلى وزارة الصناعة ، فـقـلتُ : لا فـرق عـندي أن أخـدم بلدي هـنا أو هـناك فأنا موظف في الدولة ، قال : ومَن يدري ، ربما غـداً يأتي قـرار بأن تـصبح وزارة الصناعة مغـلقة أيضاً . فـقـلتُ : إذا صار الأمر بهذه الصورة فأكـيد سينـقـلونـني من هـناك إلى وزارة الزراعة !! وهـنا لم يرضَ بإجابتي فـتـصوّر أنـني أستهـزىء ، فـقال : خـلي أﮔــُـلـَّـكْ بصراحة !! عـندنا تعـليمات كل واحـد مو بعـثي نرسله إلى الجـبهة !! (( لقـد تـورّط رفـيقـنا معي بهذا التـصريح ولو كان يدري بـجـوابي له ، ما كان ينـطق بهذه العـبارة الـتهـديدية  )) فـكان ردّي له مباشـرة دون إنـتـظار : وتـﮔـولون ، الجـبهة ساحة شـرف ! أشو طِـلـْـعَـتْ مـنفى للمستـقـلـّـين ؟ فإحـْـمَـرَّ وجهه وإرتـجـفـتْ شـفـته العـليا وصار يـبحـث عـن كـلمات كي يجـيـبني بها وقال : موهـذا قـصدي ولكن أﮔـول أنه عائـلتـك تـتـبَـهْـدَل ، قـلتُ : عـندنا مليونين مقاتل في الجـبهة ، هـذوله عـوائـلهم كـلها متـبَـهْـدلة ؟ وين الحـكـومة وين الحـزب وين الثـورة وين الأمن وين الشرطة … ؟ قال : لا ، مو هـذا قـصدي ، قـصدي أنه أنـتَ الـّـلي راح تـتـبَـهـدَل ، قـلتُ : إسمعـني زين ، آني يعـرفـوني بالمدرسة ما أبـيع وطـنيّات ولا أتـلـوَّﮒ لـواحـد ولا أتـملــّـق لذاكْ وما دَ أنـتـظر منـصَبْ ولا تـرقـية ولكن واحـد يـحـﭽـيها لله ! أيهما أسمى شـرفاً المدرس في المدرسة أم الجـندي بالجـبهة ؟ قال : ثـنينهم سِـوِيّة ! قـلتُ : لا ، آني هـنا بالمدينة شَـكـو عـليّ ، بالصيف بردان وبالشتا دفآن ، وكل عـصرية آخـذ عائلتي ونروح نـزور أقارب وأصدقاء ونستمتع بالحـياة ، وبعـدين آني أمسك بإيدي الطباشير بأناقة ولمّا يصير غـبار عـلى قـمصلتي أنـفـضه بأصابعي ، أما الجـندي بالجـبهة فـهـو ياكل أكـله نـُـصّه تراب ، نايم عَـل ﮔاع وشايل دمّه بـﭽَـفـّه في كل لحـظة هـو مشروع دائم للإستـشهاد ، فهـو أسمى شـرفاً وعـليه ما عـندي مانع أروح للجـبهة مو باﭽـر ولكن اليوم وْهَـسَّه . وهـنا تـغـيَّـرتْ لغة رفـيقـنا وقال : أستاذ ، الحـزب فـخـور بأمثالك ، والحـزب ما يجـبر واحـد ، المهم الواحـد يخـدم الوطن من موقعه بإخلاص ، وآني هـْـوايَ أشكـرك ، ثم غادر بسلام . ولم يناديني أحـد بالـ رفـيق فـيما بعـد إلى أن غادرتُ العـراق عام 1992 .
في مقال لاحـق : آمـر سرية المقـر في الجـبهة – المدير العام للبريد والبرق والهاتف – مدير معـمل النور للمصابـيح الكهـربائية في التاجي –  مدير الذاتية في تربـية الرصافة – مدير دائرة الكهـرباء الوطنية في الدورة – رفـيق في منطقة حي آسيا / دورة يجـمع الفـلوس لبناء الفاو – يواجهون إشكالاً مع المستـقـل الخائف مايكل  سـيـﭙـي .

بقـلم : مايكل سـيـﭙـي / سـدني – أواخـر تموز2011

You may also like...