رسالة تقويةٍ للإيمان عظيمة!

نَشرَ صاحبُ الغبطة البطريرك الكلداني مار لويس روفائيل الأول ساكو الكليُّ الطوبى على موقع أليتيا.اورك رسالة مؤجهة الى مسيحيي العراق بالغةَ الأهمية، يحثُّهم فيها التشبُّه بأسلافهم المسيحيين الأوائل الذين استودعوهم وديعة الإيمان على غِرار تسلُّمهم إياها من الرُّسُل بمنتهى الفرح وبمتانة الشراكة الأخوية مستوحياً إياها من رسالة رسول الأمم بولس الأولى الى أهل قورنثية(11/23)، داعياً إياهم الى قراءة الماضي والحاضرعلى مثالهم بعُمقٍ وسط الحالة المأساوية التي أُجبِروا على عيشها اليوم، ناصحاً بأن نكون أقوى ايماناً من رُسُلِ يسوع لنتجنَّب التأنيب الذي تلقوه منه لقلة ايمانهم حين تعرَّضوا لعاصفةٍ أثارت فيهم الفزع كما يقول الإنجيليُّ متى(ما لكم خائفين يا قليلي الإيمان 8/26). ويُضيف غبطتُه: علينا أن نكون على ثقةٍ تامة بالرب يسوع، إذ لن يتركنا أن نغرق في بحر المِحَن كما تدارك رُسلَه ولم يجعلهم يغرقوا، وقد أكَّد ذلك في انجيل(متى 28/20 بقوله:هاءانذا معكم طوال الأيام).

 

وينتقلُ غبطتُه الى قول يسوع في انجيل يوحنا: (ولكنَّ المؤيِّد الروح القدس “الفارقليط” الذي يُرسلُه الآب باسمي هو يُعلِّمُكم جميعَ الأشياء ويُذكِّرُكم بجميع ما قلتُه لكم. قلتُ لكم هذه الأشياء لئلاَّ تعثروا. سوف يفصلونكم من المجامع بل تأتي ساعة يظنُّ فيها كُلُّ مَن يقتلكم أنَّه يؤدّي عبادة لله) يو 15/26، 16/1-3.

 

إنها عبارات لاهوتية لكنها صعبة ودقيقة لا نفهم معناها العميق إن لم نتأمل بها بالروح الذي أشار إليه يوحنا وشهد له، عندها تتكشَّف لدينا فاعلية الإنجيل في حياتنا الأرضية ونُدرك سِرَّ فادينا القائم من بين الأموات “الحي الأبدي” باعثِ النشاط في الكنيسة والعالم والمُنيرِ لدَربنا في عتمة الحياة. إنَّه مستقبلُنا  العتيد وأرض ميعادِنا المنشود، علينا أن نسعى للإتحاد به!

 

ما أعذبَ كلام الإنجيل يا سيدي البطريرك، وما أطيب أن نقتديّ نحن مسيحيو العراق بآبائنا وأجدادنا ونستمِرَّ أمناء لإيماننا على مثالهم، وكم هو جميل أن نتمسكّ بأرضنا التي تربطنا فيها علاقة وُثقى وامتدادُ تاريخٍ وأصالة، بالإضافة الى عوامل أخرى كالعادات والتقاليد واللغة، ولكن كيف لنا مُقاومة أهوال أبناء الشر التي تعصف بنا بين كُل فترة وأخرى دون أن يكون لنا مَن يحمينا؟ كيف لنا أن نثق بوعود حكوماتٍ مُهلهلة هي عاجزة عن حماية نفسها؟ وحتى إنَّ المُجتمع الدولي غيرُ راغبٍ في توفير الحماية لنا لعِلمه بأنها غيرُ مُجدية في البيئةِ الشرق أوسطية الغارقةِ في مستنقع الإسلام السياسي العصيِّ على التجفيف! عفواً أيها الراعي الصالح المتألِّم على مصير رعاياه، فإني بكلامي هذا أنقل لغبطتكم ما يدور على لسان جزءٍ كبير من شعبكم المسيحي في الداخل والخارج، إنكم قد فعلتم الكثير لشعبكم على أرض الواقع، ولم تبخلوا عليه برسائلكم ودعواتكم الإرشادية الأبوية، فأمر البقاء أو الرحيل مُرتبط باختيار أبنائه الذاتي الحر!

إننا نعلم أن الجماعات الصغيرة والكبيرة ومنذ اعتناقها لبشارة الخلاص المسيحية، وفيما كانت تُحافظ على ايمانها وتعيشه ضمن مسار حياتها اليومية، كانت قِوى الشرِّ تتصدَّى لها بكُلِّ قسوةٍ وشراسة هادفة الى تفكيكها وتدميرها، وها هو التاريخُ اليومَ يُعيدُ نفسَه، حيث أصبحنا في وطننا الأصيل جماعات صغيرة العدد نُعاني المُعاناة ذاتها وربَّما أسوأ منها مقارنة بهذا الزمن المتقدِّم على سواه من السابق له وإن كانت الأساليب مختلفة، وقد كنا الى الأمس القريب صامدين ومُصمِّمين على البقاء في مختلف أرجاء وطننا الغالي، مُهتمين بحمل رسالتنا الإنجيلية المُفرحة الى إخوتنا وشركائنا، وعلى حين غرَّةٍ اجتاحتنا عاصافة دكناء هوجاء، اجبرتنا على ترك منازلنا في مدننا وبلداتنا مُخلفينها وراءَنا مُرغمين لتغدو مسرحاً للنهب والسلب والمُصادرة، ومُسرعين لإيجاد ملاذٍ آمن لنا، فانهارت قِوانا وثبُطت عزائمُنا وخاب أملنا بالعودة الى ديارنا والبقاءِ فيها خشية من المجهول الذي قد يكون بانتظارنا.

 

ومع كُلِّ ما تقدَّمَ شرحُه، إنني مؤمن بأهمية انتظار مجيء المسيح من خلال الروح القدس الذي يحلَّ في الجماعة المسيحية فيُساعدها على الإصغاء الى كلمة الله الحياتية المُتجدِّدة. أجل، إنَّ الله حاضر، وإن كان لا يُرى، فهو يُخلِّص المتوكلين عليه، المؤمنين بصليب المسيح وقيامته المجيدة.  ودعائي هو أن يعيش إخوتي المسيحيون بعلاقةٍ متينةٍ مع الله ومع سائر بني البشر، مُستلهمين الروح القدس المُعزي والمؤيِّد القوي!

 

الشماس د. كوركيس مردو

في 29/9/2014   

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *