رسالة إلى الكلدان الأحرار

نخبة من الكتاب الكلدان تطرقوا منذ سنوات لموضوع الهوية القومية التي كثر فيها الكلام واشتدت فيها الخصومة، جميعنا يعلم بأن هناك من يعمل على إثارة صراع داخل المجتمع المسيحي العراقي في التطرق إلى موضوع الهوية القومية وتشويه الحقائق التاريخية وخلق قومية جديدة تحت تسمية مركبة هجينة بكلدان سريان أشور لتكون تسمية بديلة عن تسميتنا التاريخية التي ورثناها أباً عن جد.

لقد تحمل الشعب الكلداني المتواضع كثيرا لعقود طويلة من الزمن تحت شعارات القومية والتحرر والاشتراكية والديموقراطية ولم يحصل منها إلا الإساءات والترويع والقتل والتشريد وقد اشرنا بأصابع الاتهام إلى سياسة الحكومات العراقية الرسمية المتعاقبة فيما يعانيه الكلدان في بلدنا. وإذا كنا نؤمن أشد الإيمان بدورها الحاسم في الوضعية المزرية للهوية الكلدانية والثقافة واللغة في وطنها الأم ( بلاد الرافدين)، يتعين علينا أن نقوم بنقد ذاتي لأنفسنا بما اقترفناه نحن كذلك كأبناء الكلدان في حقها بعيدا عن الانتهاكات الجسيمة لسياسة الدولة العراقية التي طالت الكلدان.

صحيح أن الكلدان كانوا ضحايا سياسة رسمية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 بل وقبله حاولت تغيير معالم المجتمع العراقي والخصوصية العراقية المختلفة التي يتميز بها ” العرقية والدينية والمذهبية ” ، فعملت في اتجاهات متعددة تحمل في طياتها الكثير من قبيل ( النافع أو غير النافع ، المقدس أو المدنس ، أنت عربي أو أنت كردي ) إلى غير ذلك من أباطيل ظلت تقض مضجع الإنسان الكلداني البسيط الذي سعى وبكل الطرق لبلوغ الطرف الأول ” عربي / كردي ” ، وحاول جاهدا التنكر لصلب هويته ظنا من انه يحسن صنعا، وعلى وجه الخصوص إبان حكم البعثيين لمدة 35 سنة في زمن صدام حسين فارتضى بطريقة أو أخرى بالتعريب، عن وعي وعن لاوعي. اختار أسماء غير أسمائه، عادات غير عادته، بل الأسوأ من كل هذا انه أصبح يتفنن في الدفاع عن العروبة التي وفدت إليه من مكان آخر وأوهمته سياسة حكومة البعث البائدة  بانتمائه للعروبة مع غيره من العراقيين رغم أن لديه لغته ولسانه الخاص إذا أخذنا الأمر من ناحية اللغة.

إننا كمواطنين عراقيين أصلاء ملزمون بتصحيح بعض المغالطات كما يفهمها البعض منا وهي مغالطة ككثير من المغالطات التي نعيشها في ما نعرفه عن ذواتنا وأهلينا ومحيطنا. على الكلداني أن يؤمن بالاختلاف، أن يفتخر بذاته بعيدا عن روح التعصب، أن يعتز بانتمائه للقومية الكلدانية، الأكيد إن احترام الآخر لنا وكسبنا لوده والقبول به كي تتاح لعقولنا فرصا إضافية وسلوكية تتسع لتستوعب الابتكار والتواصل، وتؤسس لأخلاق قوامها الصدق والثقة والتفاهم بيننا فنفرض احترام الآخر لنا لا بالانجراف في تيار التبعية العمياء له.

بدءا في بيوتنا، يجب على الأسرة الإشراف على تربية الناشئة في الافتخار بالذات الكلدانية، على تعلم لغتنا ولهجتنا المحكية التي هي أساس هويتنا الكلدانية وبالتأكيد على ضرورة الانفتاح على غيرها من اللغات، على التشبع بالقيم والتراث الكلداني وأن نجعل نقل موروثنا الثقافي والتراثي إلى أبنائنا وأحفادنا أمانة في أعناقنا، لأن مميزاتنا وخصائص موروثنا معرضة للذوبان والزوال، وما نراه اليوم شيء يندى له الجبين، إذ نجد كلدان اليوم تنكروا لكل ما هو كلداني، فلا غيرة لهم على كلدانيتهم، لقد نمنا بما فيه الكفاية، لقد آن الأوان لاستيقاظكم.

نحن كلدان حتى النخاع، والعراق وطننا، نتمسك بثوابتنا الوطنية التاريخية وحرى بنا كعراقيين إن نفتخر بكلدانيتنا كما هي، كفانا إحساسا بالدونية، كفانا معاناة وترديد قصص الموت والحزن والألم، لنتصرف بتلقائية مسئولة مع الآخرين، لنعمل على إزالة سياسة الإقصاء والتهميش والتمييز لشعبنا وقبولنا كما نحن، لنتجاوز الأحكام المسبقة الجاهزة، لنفتخر بتراثنا ونعتز به، يجب علينا العودة إلى جذورنا فنستنبط من ذاكرتنا الجماعية وتاريخنا لنرى أخطاءنا وأمجادنا على حد سواء، لنتعايش مع الآخر المختلف عنا، إنها خطوات نحو العراق الجديد الذي ننشده.
20 08 2011
wadizora@yahoo.com

بقلم : وديع زورا

You may also like...