رأي في أدب وفكر الأديب الأب يوسف جزراوي/ سهى بطرس هرمز

 
حياة كل إنسان هي بمثابة لوحة جميلة يرسمُها بريشتهِ، ومعزوفة عذبة يُلحنُها بأناملهِ ليُطربَ بها مسامع الآخرين، وكتاب يخطهُ ويُكمل صفحاتهِ بقلم أفكارهِ ونتاجات سنينهِ. إنساننْا هذا، الله خلقهُ مُميزًا ومُتمايزًا ويمتلك من القُدرات والمواهب ما لا يعّد ولا يُحصّى، هذا إذا عرفَ كيف يكتشفُها ويُنميها ويبّلورها في سبيّل خدمة الآخرين ومِن ثم نفسهِ.
كموهبة الكتابةِ التي قبل أن تكون أسلوب ومعرفة هي فن وتعبير وموهبة ومبدأ وموازنة وأنامل تخط أجمل العبارات والكلمات العذبة التي تبهر الفكر وتنور العقل وتدخل القلوب، خارجةٍ من خبايا النفس ونابعّة من تأملات أعماق ذاتًا عاصرتْ وشهدتْ خبرات كثيرة وأطلعتْ على تجارب الكثيرين وعايشتهم وعاشتْ لهم.
والأب يوسف جزراوي واحدٌ من هؤلاء الذين يمتلكون موهبة نادرّة في أسلوب الكتابة. كتابات هي ثمرة مسيرة حيّاة ممزوجةٍ ما بين الحكمة والصمت الهادئ، وما بين الفكر والشعور معًا، أطلق عليها شخصيًا (كتابات كاهن أو كتابات الحكيم الصغير) لأنني ألتمستْ فيها عمق الفكر والحكمةِ والرزانة في فكر يسبق عمرهِ! كتابات تحمل كلمات شفافة، من يقرأها يجدُّها كالعطر الذي يُسكب في دواخل كلٌ نفسًا ليُعطرها، ومعزوفةٍ رائعةٍ تُطرب القلوب، وشمعة متوهجةٍ تنير الدروبَّ.
والذي ندركهُ بأن كُل شيء في هذه الحياة أما نتركهُ أو يتركنْا ألا البصمة التي نبصمها على تاريخنا. والأب يوسف جزراوي كاتب وصاحب رسالة بصمَّ بصمتهِ في حياة وعقول ونفوس الكثيرين من خلال عرض أفكارهِ بين دفتيِّ كتبٌ عديّدة من تأليفهِ. أفكارًا وكتابات عديدة أمتازتْ بالانفتاح والتمييز والتجديد، والتي لاقتْ صداهّا وأثرها ووزنها في حياة كل قارئ لها، أتسمتْ بأسلوب أدبي رفيع وواعي، تعطي للقارئ بصيّرة عميقة في شخصية كاتبها وأفكارهِ وتحليلهِ للأمور، كما أتسمّتْ بالطرح الموضوعي المُتكامل وأسلوب الكتابة الجمالي الشيق الاحترافي والراقي. 
ومن يطلع على كتابات الأب يوسف جزراوي يجدهُ أنهُ لمْ يركز على الكتابةِ لمُجرد الكتابة فقط، بلْ جسدَّ كل ما هو مكنون في الشخص من عُمقٍ وأبعادٍ شخصية ونضجٍ وعطاءٍ ومحبةٍ. ركزَّ فيها على الإنسان ككائن مُتمايز تتجلىّ فيه صورة الله من خلال إلتزامهِ بكل أعمال البرِّ والتقوّى. كما قيمَ الإنسانية، وكتبَ عن المرأة (الأم، الأخت، الزوجة، الحبيبة، الأبنة) وأعطى لها قالبًا فنيًا جميلاً ولم يُحجمها لكونها أنثى. تفننْ في طرح ومُعالجة الكثير من المشاكل والقضايا وخصوصًا في الحب والزواج مُتنوراً ومُستعينًا بالعدّيد من الخبرات والتجارب التي استقاها من واقع حياة الكثيرين الذين صادفهم في حياتهِ الكهنوتية، كما قدم الكثير من النصائح وأكدَ أن الإنسان أن لمْ يذق مرارة الحياة فأنهُ لنْ يشعر بحلاوتها، وأن الدنيا بقدر ما هي قاسية ألا أنها بذات القدرِ جميلةٌ ورائعةٌ.
 خاطبَ قارئيه بقصص وحكايات روحية وإجتماعية وحياتية، والتي البعض منها هي ثمرة تأملهِ وفكرهِ الشخصي والبعض الآخر قام بترجمتها من الانكليزية، للتقريب من خلالها من فهم وفكر القارئ وأيضَا للتقريب واستيعاب الحياة بمعناها الحقيقي، لأننْا بالتأكيد نعيش ونتعايش في هذا الكون مع أشخاص مُختلفين في كل شيء، وهذه القصص ستولد لدينا الخلفية التقريبية لمْا تتخللهُ الحياة من تجارب ومحن وهدوء وثورات.
أيضا نرى في بعض مؤلفات الأب يوسف مُشاركة قُرائهُ في حياتهِ وتنقلاتهِ وسفراتهِ وخبراتهِ ولقاءاتهِ وتطلعاتهِ للحياة، داخل إطار واضح المعنى يعطيك أنطباعًا بأنك عاصرتْ وعايشتْ تلك الحياة التي ذكرها وعاشها، واصفًا إياها لهم بطريقةٍ شفافيةٍ وأكثر تشوقًا.   
حقيقة كتابات الأب يوسف إذا أعطيناها وصفًا يليق بها، هي كزخات مطر تكونت من أبخرة تجارب الحياة لتستقر في سماء النفس والروح ولتعود لتهطل عطاءً عذبًا وراقيًا. عندما نقرأها نلتمْس فيها العُمق الإنساني والتأملي والإرشادي، وبمضمون يُعطي كل ما هو جوهرّي وساميّ في حيّاة البشر، مع دعوة إلى حياة مسيحية إنسانيةٍ عميقةٍ، ساعيًا إلى ترسيخِ بذرةَ المحبةِ والإيمان في حياة المؤمنين التواقيّن إلى حياة روحية مُتجددة. كتاباتٌ هي لمنْ يقرأها نشيدُ محبةٍ ووميض نور يُبصر دربَّ الكثيرَ من الشُباب المُقبل على الحياة الزوجية والمتزوجين لمراجعة علاقاتهم والوقوف على أخطائها والعيش بتناغم وتفاهم وأحترام قدسية الزواج. كما نجدُ فيها حوار مع الذات ومع الآخر، نلتمسْ فيها الألم والفرح والأمل والشوق والمُغامرة والدمعةِ والابتسامةِ والتسامح، وكذلك التأمل الذي هو دومًا رفيق قلمهِ والموسيقى رفيقةَ أفكارهِ.
كاهنًا أمسك بقلمهِ ليفصح بين أسطر أوراق لكتب عديدة خاصتهِ عن مكنونات وخواطر الكثيرين ليُفيدَ ويستفيدُ منها الآخرين، فاتحًا آذان قلوبهم (وكم للقلوب من آذان) لتصغي لما يسطرهُ، راسمًا بأناملهِ لوحةٍ جميلة بتأنيِّ وبدقةٍ وتركيز شديدين، مُتأملاً ومُختارًا ألوان عديدة، ليخرج في النهاية بتحفةِ مُميزة نادرة، لوحةٍ خطىّ فيها عمق أفكارهِ وخواطرهِ وخبراتهِ وخبرات العدّيد من العوائل الذين صادفهم خلال مسيرتهِ الكهنوتية، طارحًا كل مُميزٍ ومُنفردٍ ومُقنعٍ في ذات الوقت، لتلاقي في النهاية مؤلفاتهِ وكتاباتهِ الروحية والإنسانية المزروعة بين طيات كتبهِ العديدة، صدّى واسع وتألقًا دائميًا.
ولا يسعني في النهاية ألا أن أتمنى المزيد من العطاء للأب يوسف والشكر الجزيل والتقدير لإشراك نحن قارئيهِ فيما أختبره في الحياة، ويا ليت لو لا يحرم قارئيه من كتاباتهِ. 

You may also like...