خواطر في السياسة والتسامح

 

يا لحظ الكورد الوافر!!

الازمة المالية التي تمر بها كوردستان اليوم بعد قطع بغداد ميزانية الإقليم بهدف تجويع شعبه وخلق الاستياء ومن ثم الفوضى وتركيع قيادته والتي باءت بالفشل، تذكرني بقصة للكاتب الساخرعزيز نسين،1 “وهي ان حمولة كبيرة من الاسمدة الكيميائية وصلت الى البلاد، أطلع رئيس الوزراء على الخبر، فأمر بتوزيع الأسمدة على الفور ولكن قبل ذلك طلب من وكيله ان يضع جانبا كمية من الاكياس لحديقته وحقوله الواسعة، وبعد ان قام الوكيل بتنفيذ امر سيادته أخذ حصته أيضا ولم ينس أقاربه من تلك المادة وبعدها قام باخبار السيد وزير الزراعة حول الموضوع والذي سارع بدوره وبكل إخلاص وتفان الى تنفيذ الأمر خدمة لفلاحي بلاده الاعزاء بعد ان أخذ ما يحتاجه من السماد واحتياجات المعارف، أمر وفي عجالة، السيد القائمقام بالمهمة ومن ثم مدير الناحية وموظف التوزيع ولم ينسى احد من هؤلاء حصصه وحصص الاخرين من الاقرباء والاصدقاء، وفي النهاية انتهى الامر بوصول كيس واحد من السماد الى كل قرية وتجمع الفلاحون بعد إبلاغهم من قبل العمدة بالخبر الهام والسعيد وطلب أن يجلب كل منهم منديلا ليأخذ حصته، من السماد ملعقة طعام واحدة لاغير، مما حدا بأحد البسطاء من الفلاحين أن يتساءل وهو ينظر الى ما في المنديل من السماد: ترى هل يأكلها قبل الطعام أم بعده؟! “وبما ان وزارة المالية في الحكومة الإتحادية كما يقال سوف ترسل راتبي شهري تموز وآب الى شعب كوردستان إن صدقت!!، فالكورد بذلك يستلمون، بعد مخاض طويل ملعقة واحدة من الميزانية أو أقل،” ويا لحظ الكورد الوافر”!!.

الكيل بمكيالين!!

Bring Back Our Grils أو “أعيدوا الينا فتياتنا”، شعار تم رفعه في جميع انحاء العالم لدى اختطاف 230 طالبة في نيجيريا من قبل جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد الارهابية المعروفة بالهوساوية “بوكو حرام” أي “التعليم الغربي حرام”، ففي شهر نيسان من هذا العام قامت القيامة الإعلامية ولم تقعد في فرنسا واوربا بل وجميع انحاء العالم ولم تتحدث سوى عن هذا الحدث الجلل، حيث قامت التظاهرات النسائية للتنديد بهذه الجماعة لمساندة ودعم هؤلاء الفتيات في محنتهن، ومن هنا كان هذا الشعارالذي تم رفعه من قبل العديد من الشخصيات المعروفة وفي مقدمتهم ميشيل أوباما السيدة الاولى في القصرالابيض والتي عبرت عن شجبها وقلقها حيال مصير الفتيات النيجيريات. إلا ان العجب فيما نرى ونسمع من صمت الاعلام الفرنسي والعالمي حول اختطاف مئات من الفتيات والنساء الايزيديات عند غزوة داعش لمدينة شنكال الكوردية بداية هذا الشهر، علما أن أعدادهن يفوق اعداد الطالبات النيجيريات المختطفات، هذا الامر دعانا أن نتساءل اين اللافتات والتظاهرات العارمة؟ فالحدث أخطر من أن نتصوره فالسكوت على العنف الجنسي من خلال الاغتصاب لنساء الديانات الاخرى جريمة وشرعنة لما يقوم به الظلاميون. نحن نعيش في مجتمعات تعتبر فيها المرأة شرف عائلتها وأهلها وعشيرتها. أين الشعارات المنددة للعالم المتحضر؟ أين انت يا ميشيل أوباما؟ صمتك يؤذينا.

كرم شعب

أعلنت احدى وكالات الانباء الكوردية ان أكثر من مليون من الهاربين من بطش تنظيم داعش والعنف الطائفي لجأوا الى إقليم كوردستان من جميع المحافظات العراقية وعدد كبير من رعايا دول الجوار، مما زاد عدد سكان كوردستان الى أكثر من ستة ملايين نسمة، أمر مقلق ويحتاج الحدث الى اكثر من دراسة وتخطيط لاستيعاب هذا الكم الهائل من البشر، فنسبة هؤلاء تزيد عن 20% من سكان كوردستان. لدى بحثي في احصائيات لعدد الأجانب في فرنسا، وجدت ان نسبتهم 11% فقط، أقصد هنا بالأجانب الأشخاص غير المولودين في فرنسا، وعلى الرغم من أن فرنسا هي من الدول العظمى لديها إمكانيات كبيرة في إيواء الأجانب واحتوائهم، لذا من حقنا ان نتساءل كيف يستطيع اقليم كوردستان جمع الاضداد دون حدوث مشكلات امنية وإجتماعية تذكر، وتهيئة سبل العيش والكرامة والسلامة لكل المتواجدين على ارضه وهي محاصرة من قبل الحكومة الاتحادية التي حاولت بكل السبل إيقاف عجلة التقدم فضلا عن محاولاتها المستمرة البائسة في تشويه سمعة الاقليم لتغطية فشلها من خلال اعلام مضلل. لقد كانت مبادرة الاقليم في إستيعاب العدد الكبيرللنازحين من سهل نينوى من إخوتنا لنا سريعا رغم امكانياته المتواضعة وبعض الثغرات التي حصلت بسبب قلة ذات اليد قبل ان يمد العالم العون. وللحقيقة لا يمكن حجب الشمس بغربال ونقولها بمباهاة ان شعب كوردستان وقيادته جديران بالإحترام.

ثقافة التسامحقبيل عدة أيام، ولشدة حرارة الصيف في محطات الميترو إرتأيت التنقل بواسطة الباص من قلب العاصمة الفرنسية وفي احدى اجمل مناطقها، ما ان دخلت الباص لشراء التذكرة فوجئت بان السائق ذو لحية طويلة يستمع الى آيات قرآنية من جهاز التسجيل وبصوت مرتفع يصل الى اسماع الجميع، الامر الغريب ان السائق هو موظف في احدى شركات النقل الباريسية المهمة وحسب القانون، ممنوع الاستماع الى الموسيقى او الاغاني من المذياع حفاظا على سلامة الركاب، ولكن لم أجد من يكترث بل على العكس كان يبدو على الجميع الهدوء دون ظهور اية علامات إستياء على وجوههم. وفي مشاهدة أخرى، ولدى ركوبي لباص آخر، لحظة دخولي الباص خيل الي أنني في أفغانستان كون عدد النساء المحجبات كان يفوق عدد السافرات، ولكن هذه الظاهرة لم يغضب أحد ولم اسمع أي تعليق ينم عن عدم الرضى. في مشاهدة ثالثة، في مساء يوم ما، ولدى عودتي الى المنزل، دخل القطار رجل من أصول افريقية في منتصف العمر وبدأ بالخطابة، أعتقدت في البدء انه مجنون، ولكنه كان احد المبشرين الانجيلين الذين يقومون بالتبشير ودعوة الناس الى اعتناق دينهم، وعلى الرغم من ازعاجه للركاب إلا أن أحدا لم ينبس ببنت شفة أو يعترض، وفي قلب العاصمة رأيت رهبانا من كريشنا وهم في مسيرة سلمية لجلب انتباه الناس بلباسهم البرتقالي وصلواتهم الغريبة. كل هذه المشاهد التي رأيتها وفي دولة علمانية، هى علامات تنم عن مدى ثقافة وتمدن الناس وتسامحهم مع بعضهم، الجميع يعيشون بشكل سلمي دون أي مشكلا ت، فما بالنا نحن في مجتمعاتنا لا نقبل أفكار أو ديانات الاخرين أو مذاهبهم بل ولا نتحمل من له وجهة نظر غير التي نتبناها؟!.

1 إعتمدنا على فكرة القصة وليس النص

د. تارا إبراهيم
باريس

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *