حوار مع مُلحِد على أرتفاع ( 38000) قدم

في بداية تموز الماضي كنت في رحلة من تورنتو – كندا الى أوربا ، وصادف أن يكون الراكب بجانبي رجلا في مثل عمري تقريبا ، وحال أقلاع الطائرة من المطار ، قدّمَ نفسه ، وذكر بأنه كندي من أصل بولندي ، وأنه في كندا منذ ثلاثون عاما ولاحظت أن لغته الأنكليزية ليست بأحسن من لغتي كثيرا مما شجّعني على الأستمرار في التحدث معه فقلت أني أيضا كندي ولكن بلدي الأصلي هو العراق، ولدى سماعه أسم العراق صدرت عنه كلمة (أوه) وأردف قائلا كان العراق بلدا رائعا ، فقلت أجل كان ، ونأمل أنه سيعود رائعا !! . قال أعتقد بأننا في عمر واحد ، فقلت له كم عمرك ؟ فأجاب لقد دخلت توّا في السبعين ، فقلت له ، أذا أنا قد سبقتك بثلاث سنوات ، فقال ، لا يظهر ذلك عليك ، فشكرته على هذه المجاملة.

كانت الطائرة قد أستقرّت على مسارها نحو الأطلسي وبأرتفاع حوالي (38000) قدم عن مستوى سطح البحر عندما فتح جريدته ( تورنتو ستار ) وأخذ يقلب صفحاتها ، فأستقرّ على الصفحة التي كانت منشورة فيها صورة الأمير البريطاني (وليام) وزوجته ( كيت ) فأشار أليهما وقال ، أنهما أسعد شخصين في الكون .قلت قد يكون كلامك صحيحا ولكن حتما لديهما بعض الأوقات التي تفارقهما السعادة ، لأنه حُكْمٌ صادر على كل خليقة للله عز وجلّ منذ سقوط آبينا آدم . ولا توجد سعادة مطلقة ودائمية على هذه الأرض. فقال لي ، أذن فأنت تؤمن بوجود الله ؟ فقلت له ، وهل أنت لا تؤمن ؟ أجاب كلا. فقلت له ، هل فكّرت كيفَ نشأ وخُلِقَ الكون ؟ وأنت كيف خُلِقتَ ؟ فأجاب خُلِقتُ نتيجة التطوّر ، قلت تقصد ، نظرية داروين ، قال شيىء من هذا القبيل فقلت أنأ أرفض أن أكون كالحيوان لأنني أملك عقلا ، والأهم أنني أملك ضميرا يؤهلني أن أميّز بين الخير والشر ، وهو المراقب الذي يمثل علامة وأرادة الله فيّ وبواسطته أستطيع التمييز بين ما هو موافق لأرادة الله ، وما هو مخالف لأرادته . ونحن المسيحيين ولا سيّما الكاثوليك ، نؤمن بأن هذه العلامة توضع فينا في المعمودية والميرون المقدس الذي نلناه بالمعمودية التي تقدست به أجسادنا . وأن المؤمن بالله يؤمن بأن السعادة الحقيقية ليست على هذه الأرض ، بل في السماء بعد الموت وبعد أنتقال روحه الى خالقها الذي هو الله.

فقال لي أن هذا ليس الاّ من ضمن ما يروّجه رجال الدين خدمة لغاياتهم الشخصية ، وأني أخالفك الرأي لأن الأنسان عندما يموت فهو كالحيوان ينتهي كل شيىء بموته، ولا يوجد شيىء يسمى الحياة الأخرى . فقلت له ، هل تعني أن الذي يعيش حياته على هذه الأرض في عمل الخير ومساعدة الناس والذي يمارس عبادة الله ويعمل بموجب وصاياه التي بلّغها للأنسان عن طريق رسله وأنبيائه ويزرع المحبة والسلام في قلوب الناس ، وسأعطيك مثالا على واحد منهم تعرفه جيدا وهو مواطنك البابا مار يوحنا بولس الثاني الذي هو من بلدك ( بولونيا ) . سيكون مصيره كمصير ( س ) من البشر الذي قتل أو تسبب في قتل الآلاف ، وزرع الرعب والخوف بين الشعوب والأمم ، أو تسبب في نشر الأرهاب ودَعَمَهُ ، ورغم كل هذه الجرائم التي لم يُحاكم من أجلها في حياته ، سيكون مصيره كمصير البابا الراحل ؟ فقال نعم ، لأنه لا وجود لأي حياة بعد الموت. فقلت له ، لكن المليارات من البشر المؤمنين ، ومن مختلف الديانات يخالفونك الرأي هذا ، فقال هناك المليارات الأخرى من الناس التي لا تؤمن بالحياة الأخرى . فقلت له حسنا يا صديقي ، لنفرض ، (مجرّد فرض ) أن كلامك هذا صحيح ، وأن لا حياة ولا حساب للأرواح بعد الموت ، ومن جهة أخرى ، لنفرض ( وهذه حقيقة ) أن الحياة الأخرى هي حقيقية ، وأن الله قد هيأ الجنة للذين آمنوا به وعملوا بوصاياه ، وأنه قد هيأ أيضا الجحيم وعذاباتها للذين نكروه ولم يؤمنوا به وعملوا كل أنواع الشر في حياتهم

والآن فأننا أمام حالتين:

الأولى – وجود الله ووجود الحساب والدينونة ووجود الجنة للصالحين والجحيم للأشرار
الثانية – لا وجود لله وبالتالي لا وجود للحساب والدينونة ولا وجود للجنة والنار

فأذا مات شخصان أحدهما مؤمن والآخر غير مؤمن وصادفا كلاهما هتين الحالتين ، ألا تعتقد معي بأن موقف غير المؤمن سوف يكون صعبا جدا ، وسوف يكون قد خسر كل شيىء في الحالة الأولى. أما المؤمن فسوف لن يخسر شيئا في الحالة الثانية وسوف يتساوى كلاهما في النتيجة . بينما يكون قد ربِحَ الحياة الأبدية في الحالة الأولى

بطرس آدم

You may also like...