ثورة ايلول التحررية ودور الشعب الكلداني والشهداء الأبرار في صوريا الكلدانية

 

habeebtomi@yahoo.no

يحتفل الشعب الكوردي هذه الأيام بمرور نصف قرن على  ثورته التحررية التي انطلقت في  11 ايلول عام 1961 بقيادة المرحوم ملا مصفى البارزاني ، إذ اندلعت شرارتها حينما امطرت الطائرات العراقية بعض مناطق كوردستان بوابل من القنابل مستهدفة تجمعات الثوار في بعض المواقع  مثل دربند بازيان ووادي دولي خلكان وغيرها واعتبر ذلك اليوم يوم انطلاق ثورة ايلول . والشرارة الأولى التي اندلعت في ذلك اليوم سرعان ما انتشرت جغرافياً وغطت مناطق مهمة من كوردستان ، وفي الجانب البشري كانت مع تقادم الزمن تكسب الدعم والتأييد من طبقات الشعب المختلفة وبشكل خاص فئة الشباب ، وفي جانب التكوينات المجتمعية من المذاهب والأعراق كان شعبنا الكلداني في مقدمة المؤيدين والداعمين لتلك الثورة التي اصبح جزءاً منها بحكم التداخل الأجتماعي في كوردستان العراق .

 كنت من الذين ساهموا بهذه الثورة ايام الشباب في مطاوي الستينات من القرن الماضي ، وكانت ثمة شريحة كبيرة من ابناء شعبنا الكلداني مساهمة بتلك الثورة بصورة وأخرى ، بداية من اشتراكنا  في معارك طاحنة الى جانب قوات البيشمركة ـ وبعضهم كان يطلق عليها في تلك الأيام اسم ( لشكر ) ـ الى المساهمة في تقديم المساعدات المالية والعينية الى تقديم العتاد والسلاح ، وكان ثمن تلك المساهمة هو كوكبة عريضة من الشهداء الأبرار ، إضافة الى تعرض عوائلنا الى السجون والمعتقلات والى التهجير والأعتداء .

لقد اشتركنا في معارك كثيرة جنباً الى جنب مع قوات هرمز ملك جكو وأحياناً عملنا تحت امرته ولم نفكر يوماً بالتفرقة القومية او المذهبية ، وبعد استشهاده بدأنا نخوض معارك لوحدنا بشكل مستقل او مع الفصائل الكوردية في المنطقة ، وكمثال غير حصري استيلائنا على مركز شرطة تللسقف الذي يبعد حوالي 15 كيلومتر عن جبل القوش وكانت لنا خسارة كبيرة باستشهاد الرجل الشجاع امين عبي وهو من قرية بيرموس البطلة . الأسماء كثيرة لا مجال لذكرها في هذا المقال القصير والمعارك كثيرة إن كان في جبل القوش او في جبل عقرة او في اية مناطق اخرى حيث كانت قيادة البارزاني وقيادة حسو ميرخان تقررها .

إضافة الى هؤلاء المقاتلين كانت ثمة نخبة كلدانية تعمل في جوانب مهمة مختلفة في هياكل الثورة ، فثمة صديقي الكلداني الألقوشي الأخ ( ك . م ، لا اعطي لنفسي الحق في ذكر اسمه ) كان يعمل في وضع وترتيب مطبعة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في تلك الفترة الحرجة ، وكان هنالك كادر آخر القوشي من بيت طعان التحق من الجيش في صفوف الثوار وكان يشرف على جهاز اللاسلكي في مقر ملا مصطفى البارزاني في رانيا عام 1964 ، وكان الطبيب حنا زلفا معروفاً وله مكانة طيبة في ثورة ايلول لدوره في استشفاء عدد كبير من المرضى والجرحى في المعارك ، لقد كان توما توماس قائداً عسكرياً مرموقاً خطط لكثير من المعارك الناجحة . المحامي جرجيس فتح الله كان معروفاً بمواقفه تجاه الثورة الكوردية وله كلمة مسموعة لدى المرحوم البارزاني . لقد اغتيل قيصر منصور في بغداد وهو مترجم في صفوف الثورة الكوردية وكان له مكانة محترمة في قيادة الثورة الكوردية ، والمرحوم يونان هرمز من قرية صوريا الكلدانية الذي الف كتاباً تحت عنوان ايامي في ثورة كوردستان(*) ، وقد ادرج اسماء شهداء قرية صوريا الذين وقعوا صرعى نتيجة تصرف اهوج من شخص عنصري حاقد يعمل ضمن قوات حكومية مؤدلجة بنظرية قومية شوفينية ودينية عنصرية .

 أجل شكلت كوكبة الشهداء الأبرار في قرية صوريا الكلدانية تاجاً مهيباً لنضال شعبنا الكلداني وفي هذه القرية امتزجت دماء الشعبين الكوردي والكلداني على تلك الأرض الطيبة ، لقد نقلت رفاتهم بوقار ومهابة الى مثواهم الأخير وكانت توابيتهم ملفعة بالعلم الكوردستاني ، وباعتقادي ان هذه المناسبة كانت فرصة سانحة لأظهار حالة التعايش في كوردستان إذ كان يجب ان يكون العلم الكلداني الى جانب العلم الكوردي ملفوفاً على رفات الشهداء الأكرمين .

يوم تأسيس الأتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان وضعنا امامنا بأن تكون باكورة اعماله هو تسليط الأضواء على تلك المأساة الأنسانية التي لحقت بشعبنا الكلداني في تلك القرية الآمنة الهادئة ، وذلك بعد ان طوى الزمن ذكراها وعلاها غبار النسيان ، وهذا كانت الأقلام الكلدانية الحرة التي تفتخر بتاريخ الشعب الكلداني ومآثره وتاريخه انبرت تلك الأقلام لتسلط الأضواء على تلك اللحظة المأساوية ، وهكذا افلح اتحادنا في جذب الأنظار الي تلك المجزرة الوحشية التي وقعت احداثها قبل حوالي اربعة عقود ، لكن الغريب بعد ذلك انبرت حيتان الأعلام كعادتها ولكي لا يفوتها الحدث لتجير المسالة لحسابها ، ونحن نتساءل اين كنتم طيلة هذه العقود الأربعة ؟ لمذا لم تذكروا يوماً تلك الكوكبة من الشهداء ولم تذكروا اسم صوريا في مناسبة من المناسبات ؟

المزايدات بدأت ويتبرع بعضهم لوضع العلم الآشوري على رفات شهداء شعبنا الكلداني ، وأقول لهؤلاء الأخوة شكراً لكم فنحن لنا تاريخنا واسمنا وقوميتنا وعلمنا ، لاننا الأبناء الأصلاء للوطن العراقي ، واقول شكراً لعروضكم  لكن لسنا بحاجة اليها . فقط نطلب منكم وانتم بالقرب من دائرة صنع القرار ان تكونوا اكثر عدلاً وان تحترمون الآخرين وتطلعاتهم القومية والمذهبية والأنسانية .

 ليس من العدالة والوجدان الأنساني ان يصار الى تسييس وأدلجة قضية الشهداء الأبرار في صوريا وتجييرها لحساب احزاب بغية تحقيق مكاسب حزبية ضيقة .

 في الحقيقة دائماً ينبري سؤال وهو لكم اخواني في الأحزاب الآشورية وهو : متى تتعلمون ثقافة أحترام الرأي الآخر واحترام وجهة نظره مهما كانت مختلفة مع رؤيتكم ، ومتى تنبذون افكار الوصاية والتكبر على اخوانكم من الكلدان والسريان ؟

ما يعرف عن كوردستان انها وفية لمن ضحى بحياته او ماله او انخرط في صفوف البيشمركة ، وفي وقتها فقد كافأ المرحوم ملا مصطفى البارزاني الشعب الكلداني بشكل خاص والمسيحيين في كوردستان بشكل عام حينما عين الكاهن الكلداني بولص بيداري عضواً بأعلى هيئة قيادية في كوردستان في وقتها وهو مجلس قيادة الثورة .

إن كوردستان اليوم مع الأسف لا تسير بخطى المرحوم ملا مصطفى البارزاني في مكافئة الشعب الكلداني إذ ان حق هذا الشعب قد سلب ومسحت اسم قوميته الكلدانية من مسودة اقليم كوردستان ، واليوم ليس للشعب الكلداني في اقليم كوردستان اي حقوق قومية او سياسية مستقلة بل تفرض عليهم وصاية ليصبحوا اتباع لأحزاب قومية آشورية لا تتسم بالعدالة والمساواة . وهدفهم الوحيد يرتكز على إلغاء الهوية الكلدانية الأصيلة من الخارطة القومية العراقية . إن اقليم كوردستان لا يجوز ان يكون ظالماً بعد ان كافح الظلم وكان الشعب الكلداني الى جانبه في كفاحه ونضاله .

إنها معادلة لا يمكن تصديقها ، فنحن إذ نولج في العشرية الثانية من القرن الـ21 شعوب العالم تنهض وترفض الوصاية والتبعية وترى في الحرية والديمقراطية املها وهكذا شعبنا الكلداني الأصيل يرفض تلك الأملاءات وهو يتناغم مع تطلعات الشعوب اليوم في الحصول على حريتها وحقوقها في العالم وفي المنطقة .

نتطلع الى كوردستان ان تكون ارض للتعايش والتسامح وان تقف القيادة الكوردية ( رئاسة وحكومة وبرلمان ) على مسافة واحدة بين جميع مكونات الشعب في اقليم كوردستان .

حبيب تومي / اوسلو في 19 / 09 / 11

ـــــــــــــــــــــ

(*) الأسماء والمعلومات  لتلك المجزرة  البشرية مستمدة من كتاب هرمز يونان الموسوم ايامي في ثورة كردستان ، وكتابي الموسوم  :ملا مصطفى البازاني قاتد من هذا العصر  وهو معد للطبع : حيث ورد :
 صرعت راحيل زوجة منصور يوسف وهي تحمي رضيعها بجسدها ، وصرع القس حنا يعقوب قاشا راعي كنيسة أفزورك (وقدم الى هذه القرية ضيفاً ليقيم القداس فحسب وبعد ذلك يعود الى كنيسته ، لكن الحدث الدامي كان ينتظره ـ الكاتب )، والشماس اوراها وابنه جوزيف وبنته وارينة وصرع المختار خمو وزوجته كترينا وابنته ليلى ، ويضيف الكاتب قوله : صرع عمي موسى وهو كادر الحزبي في القرية وكذلك اخي الأصغر الصبي نجيب ، وكذلك اخي الشاب كوريال الذي وصل لتوه من زاخو لمتابعة معاملته لدخول الجامعة في بغداد ، كما صرعت ( يونو ) مع طفليها الصغيرين وصرعت شوني زوجة شابو وابنها امجد مع ابنتها جميلة ، وكذلك صرع الطفلان ياقو بن ايليا وناجي بن كوركيس والشاب يلدا وابنته الصغيرة باسمة وصرع كليانا مرقس الرجل الشغول الدؤوب .
ودائما نبقى مع الكاتب يونان هرمز وهو ابن القرية فيضيف : صرعت زوجة اوسماني فيرو مع ابنتيها صبيحة وفيروز ودفنت هذه الأخيرة في القبر الجماعي لشهداء صوريا .. وصرعت ايضاً قمري وابنتها نادرة وشيرو زوجة علي ايسف خجا وابنتها ، وكذلك اثنتان من بنات محو باتيلي ، وسقط ضعف هذا العدد من الجرحى ، لقد سربت الحكومة خبراً مفاده ان القس حنا قاشا توفي نتيجه نوبة قلبية مدعية ان الخبر نشرته بطريركية بابل للكلدان . ويقول شاهد عيان وهو اخو الكاتب بطرس الذي اصيب بإطلاقات في جسمه يقول بطرس :
كنا على اهبة الأستعداد للهرب لكننا وثقنا في كلام القس من انه سيشرح للضابط ان اهالي القرية فلاحون بسطاء لا يعرفون شيئاً عن الألغام ، وهم اناس مسالمون لا شأن لهم بما يجري .. ويقول بطرس كنا نعتقد ان الضابط سيسألنا عما إذا كنا نعلم من وضع اللغم .. كان يتقدم الجميع القس حنا والعم خمو فباتوا اولى الضحايا وقتلت ليلى لأنها حاولت ايقاف الضابط من الرمي وقتل معها اخي كوريال .. وبعد ان سقط الجميع بين قتيل وجريح احرق الجنود سياج البستان لكي لا ينج احد من المصابين فأخذوا يقتلون من يصادفوه وبقروا بطون بعض النساء وقتلوا الأطفال الرضع في المهد بالحراب . وعن مادلين اخته التي تبلغ من العمر يومئذٍ عشر سنوات والتي افادت بنفس المعلومات وأضافت : تهاوى الجميع على الأرض بين قتيل وجريح وقد حاول بعضنا التخلص لكن الجنود منعونا من الهرب وتعالت الصراخات وتعالى الأنين من كل جهة ، تكدس بعضنا فوق بعض مثل حزم الحصاد كباراً وصغاراً . شعرت بإصابتي بعد لحظات وعلمت ان امي قد صرعت وهي تحمل اخي الصغير نجيب الذي اخترقته الرصاصات .. وتمضي الصبية التي تبلغ من العمر عشر سنوات : ورأيت راحيل زوجة منصور يوسف تخترقها عدة رصاصات وهي تحاول ان تحمي طفلها الرضيع فقتلت ونجا الطفل بأعجوبة وسط صراخه وعويله ( ما زال حياً يعيش في كندا ) وشعرت بعطش غريب وبانهيار قواي .. تسللت من بين الجرحى والدماء تلطخ ثيابي وتنزف مني بغزارة حاولت الزحف الى الساقية القريبة وألقيت نفسي فيها لأطفئ عطشي ومكثت فيها حيناً حتى جاءني اخي الأكبر فحملني على ظهره بمساعدة اخي الجريح ايضاً الى اقرب قرية . وبينما نحن ماضون وجدنا بعض الأطفال ومعظمهم دون العاشرة وقد تيتموا وتشردوا ينوحون ويبكون .. ( لمزيد من التفاصيل راجع يونان هرمز : ايامي في ثورة كردستان ص 75 ـ 91 وكذلك كتاب الأستاذ مسعود البارزاني الجزء الثالث ص 215 ـ 216

You may also like...