توما توماس جسّد وحدة العراق في القوش

 
يوم الجمعة الموافق 22 من اكتوبر الجاري ، خرجت القوش عن بكرة ابيها لكي تستقبل رفاة

المناضل العراقي توما توماس وشريكة حياته المناضلة الماص زلفا ، نعم كانت القوش

بانتظار هذا اليوم لكي تستقبل ابنها بعد فراق دام  حوالي اربعة عشر سنة .

 من المفارقات التي سمعتها من احد الأصدقاء في نفس اليوم  ، انه توجه نحو السوق لكي

يشتري علبة سكائر واستغرب حين لم يجد محلاً واحداً مفتوحاً ، وبعد ان تجول خارج السوق

وجد محلاً مفتوحاً وفيه شاب يافع وهو يقول للصديق الذي يطلب علبة سكائر بخجل

وباعتذار  : الآن سأغلق المحل إذ ليس مناسباً ان يجلبوا رفاة توما توماس وأنا اتغيب عن

الأستقبال ، أجل كان موكباً مهيباً قلما تكرر مثيله في تاريخ القوش .

لكن يبقى اهم من ذلك كثافة الوفود والشخصيات التي تقاطرت الى القوش صبيحة ذلك اليوم

من مناطق بعيدة وقريبة وما لفت انتباهي الوفود والشخصيات الوافدة من عنكاوا ودهوك

وغيرها ، وكان الوافدون من مختلف المكونات الجميلة في المنطقة من المسلمين والمسيحيين

 والأزيدية ومن العرب والأكراد ومن شتى مناطق العراق ومن خارج العراق ، وكانت بنات

وأولاد الراحل توما توماس وذويه في مقدمة المستقبلين لهذه الوفود والشخصيات ، كما تجدر

 الأشارة الى جهود منظمة الحزب الشيوعي في القوش حيث كانت صاحبة الدعوة والمبادرة

 التي لا قت الأستحسان من قبل شتى الأوساط في المنطقة وكانت الفضائيات المختلفة قد

شاركت في تغطية نقل مراسيم الموكب المهيب لنقل الرفاة من دهوك الى القوش كثير من

وسائل الأعلام  وفضائيات عربية وكردية وعشتار وآشور وغيرها .

هذا الموكب المهيب كان مناسبة لتصفية القلوب ولتعزيز الأنتماء العراقي ، فالمناسبة شكلت

نقطة ضوء تبرز بأنه مهما اختلفت انتماءاتنا السياسية والقومية والدينية والأثنية والعرقية

فإننا ابناء الوطن العراقي الواحد ، وإن هذه الهوية هي مصدر قوتنا ، وإن كان ثمة اختلاف

بيننا فالهوية العراقية الأصيلة يمكن ان تشكل الواحة الجميلة التي ينتعش فيها كل الأزهار

 وكل الألوان ، إن انتماء توما توماس يشكل حلقات متصلة فهو ابن صادق توماس ومن

عائلة ككا الألقوشية ، وهو مسيحي كاثوليكي ومن القومية الكلدانية وهو منخرط في صفوف

 الحزب الشيوعي منذ الخمسينات من القرن الماضي ، وهو مقاتل شجاع في صفوف الأنصار

 الى جانب ثورة الشعب الكوردي ، وأخيراً هو مناضل عراقي عمل من اجل تعزيز وحدة الشعب

 العراقي ، وإرساء حكم ديمقراطي علماني على ارض العراق ، وفوق ذلك هو مؤمن بانتمائه

الأنساني . هذا هو توما توماس الذي جمع كلمة العراقيين في موكب رفاته لتدفن في مثواها

الأخير في القوش الحبيبة الى قلبه ، التي استقبلته بتلك الحفاوة المنقطعة النظير .

 إن القوش التي تشكل جغرافياً نقطة لقاء بين السهل والجبل ، وفي الخارطة القومية فإن

القوش الكلدانية هي نقطة لقاء بين القوميتين الكوردية والعربية ، وفي العهد العثماني كان

 حولها ( القوش ) خلاف بين تبعيتها لولاية الموصل ( العربية ) ام لولاية بهدينان

( الكردية ) ، هكذا نأمل ان تبقى القوش نقطة تواصل وتفاهم العربي الكردي ، وإن تحترم

خصوصيتها الكلدانيــــــــة . أجل كان الموكب المهيب لتوما توماس ورفيقة دربه عاملاً لتعزيز

اواصر التفاهم والمواطنة بين كل المكونات العراقية الأصيلة ، والتي تقطن هذه المنقطة منذ

قديم الزمان .

 بقي ان نقول ان توما توماس قد كرس حياته للنضال ، وكلنا نعرف كم هو هذا الطريق

محفوف بالمخاطر ومكلل بالتضحيات ، وكانت عائلته الكريمة تتحمل العبئ الكبير من

الملاحقات والتشرد والأضطهاد .

 لقد تجلت قابليات توما توماس النضالية وتبلورت شخصيته القيادية حينما انخرط في صفوف

الأنصار الى جانب ثورة الشعب الكوردي  ، فكانت السفوح والوديان والشعب العاصية وقمم

الجبال كوردستان تحكي قصة رجل شجاع ، لقد تسلح توما توماس الى جانب البندقية بالحكمة

 والذكاء ، وهكذا تميزت شخصيته بتلك القابليات ، فكان ان كسب الأحترام والتقدير حتى من

عدوه .

هكذا بقي توما توماس في حركة دائبة يفرض حضوره وعرف على ساحة النضال في الوطن

 العراقي عموماً وعلى ذرى جبال كوردستان خصوصاً ، دأب مواظباً في درب النضال دون ان

 تثنيه عروض الترغيب والأغراء او اساليب الأرهاب والتهديد .

تقول المناضلة الأسبانية دولوريس إيباروري :

أفضل للانسان ان يموت واقفاً على ان يعيش راكعاً ، أجل لم يركع توما توماس في حياته ،

 فقد بقيت قامته سامقة لا تهزها الرياح العاتية .

 لقد عملت في فترة الشباب من عمري مع توما توماس الى جانب زملاء آخرين شجعان

بعضهم قد ودع هذه الحياة وآخرين لا زالوا يواصلون الحياة بيننا ، ولقد لمسنا من توما

توماس في وقتها التواضع والتضحية والإقدام والشجاعة والحكمة ، لقد عمل فترة الى جانب

المناضل الشهيد هرمز ملك جكو ، ومع المرحوم حسو ميرخان وقابل مرات عديدة قائد الثورة

 الكردية الملا مصطفى البارزاني وكان له كلمة مسموعة لدى القيادة الكوردية ، وإن كانت

السياسة قد ابعدته لفترة محدودة عن جبال كوردستان فإن المحصلة الرئيسية تشير بخط

عريض الى العلاقات الأخوية النضالية مع قضية الشعب الكوردي .

لقد احب توما توماس القوش وكانت القوش ترمز وتجسد عنده الوطن العراقي برمته ، وها

هو يعود اليوم الى القوش ، ومع رفيقة دريه الأنسانة المضحية ، والتي يمكن ان ينطبق عليها

 مقولة ان وراء كل انسان عظيم امرأة ، وهكذا فإن هذه المراة الماص حسقيال زلفا بقيت الى

جانبه في السراء والضراء ، وهي الى جانبه في تربة الوطن ، إن هذه البادرة الوطنية

والأنسانية التي تبنتها منظمة الحزب الشيوعي في القوش ، تستحق الثناء والتقدير ، كما انها

 مناسبة لتحية العائلة الكريمة للمناضل توما توماس  .

المجد والخلود لكل شهداء العراق العظيم .

حبيب تومي / القوش في 23 / 10 / 2010

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *