تنصيب غبطة البطريرك ساكو وسط حضور حكومي وديني واسع

في يوم تأريخي لا يُنسى، وبحضور دولة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، ونائب البرلمان العراقي، السيد أسامة النجيفي، وعدد من الشخصيات الحكومية والكنسية وعلى رأسهم البطريرك مار غريغوريوس الثالث لحام، بطريرك الروم الكاثوليك، والبطريرك مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الكاثوليك، وعدد من الأساقفة ممثلي الطوائف المسيحية في الشرق، وبحضور عدد من السفراء ومنظمات المجتمع المدني وجمع غفير من المؤمنين، تمّ صباح اليوم، الأربعاء 6 آذار 2013، تنصيب غبطة أبينا البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو كلي الطوبى في كنيسة مار يوسف الكلدانية في الكرادة. 

 

وتخللت المراسيم الكنسية قراءة لسيرة حياة البطريرك الجديد، وتلبيسه صليبًا وخاتمًا يدلّ على سلطته كرئيس للكنيسة وتسليمه عكازًا يشير إلى مهمته الراعوية كبطريرك. وبعد مراسيم التنصيب ألقى غبطته كلمة شرح فيها برنامجه المستقبلي للعمل مع جميع الطوائف والديانات، وفيما يلي نصّ كلمة غبطته: 

1- إنِّي أَشْكرُكُمْ مِن صميمِ فؤادي على حضورِكم ومشاركتكم الحارِّة  في تنصيبي. أَنا، أَخاكم لويس الَّذي يُشارِكُكم في الشِّدَّةِ والمَلَكوتِ والثَّباتِ في يَسوع (رؤيا 1/9)، أتيتُ اليكم من الموصل الحدباء، حيثُ ترعرت ودرستُ وخدمتُ ككاهن، ومن كركوك، مدينة النار الازلية، حيثُ خدمتُ كأسقفٍ وتركتها بدموع، واليومَ أعودُ الى بغداد، مدينة السلام حيث كنت ادرتُ المعهد الكهنوتي البطريركي وعلّمتُ في كلية بابل الحبرية. اشكر الله تعالى وإخوتي الاساقفة في المجمع المقدس باختيارهم لي لاعود مجددًا الى بغداد كبطريرك، أي كأبٍ افتحُ قلبي وفكري للجميع. جِئْتُكُمْ راغبًا أن اخدمكم حتى بذل الذات واحمل شعاري الذي يشكل مسيرتي: الاصالة والوحدة والتجدد لان العالم من حولنا تغيَّر ونحن يجب ان نتغير. وعلى الكنيسة ان تتجدد. والتجديد ضرورة، وعدم قبوله  يعني البقاء في الماضي والجمود. لذا سوف نقوم بتجديد طقوسنا وتوحيدها في كل الأبرشيات وكذلك اساليب تعليمنا ونؤوِّن بنى كنيستنا بحزم وشجاعة وفقا لدعوة المجمع الفاتيكاني الثاني والارشاد الرسولي  لكي يفهمها المؤمنون ويشاركوا فيها وينشدوا اكثر الى المسيح وكنيستهم.

2- اني لست من السذاجة بحيث لا أرى اين نحن نقف وما هي التحديات والمخاطر، ولا اقبل ان اضع عُصبًا سوداء على عينيَّ لحجب رؤيتها.   مسؤوليّتي جسيمة والتركة  ثقيلة، لكن آملي بكم  كبير لمواجهة الواقع بجرأة وموضوعية ووضوح.

3- مِنْ مُنطلَقِ ان كنيستنا الكلدانيّة هي أكْبَرَ الكنائس المَسيحيَّة فيْ العراق، اعرب عن رغبتي الصادقة  والتزامي المطلق بالسعي مع كنيسة المشرق الاشورية الشقيقة والكنائس الاخرى، وخصوصًا من خلال مجلس رؤساء الطوائف المسيحية لتحقيق وحْدةِ المسيحيِّيْنَ التي صلّى من اجلها سيدنا يسوع المسيح، كيْ نشْهَدَ مَعَاً لمحبته وغفرانه وخلاصه. ومع مجلس البطاركة الكاثوليك اتمنى ان ندرس كيفية تطبيق توجيهات الارشاد الرسولي: “الكنيسة في الشرق الاوسط” في واقعنا المحلي الحالي لتقوية الشركة بيننا وعيش الشهادة.

4- كما َساَعْمَلُ مَعَ إِخوتِي المُسْلِميْنَ والايزيديين والصابئة المندائيين مِنْ أَجْلِ توطيْدِ أُسُسِ العيْشِ المُشتَرَكِ الكَرِيْمِ، وَإِرْساءِ قيم العدالة والحُرِّيَّةِ والمُساواةِ، مؤكداً التزامي بالحوار مع اخوتي الاجلاء علماء الدين المسلمين شيعةً وسنةً، والحمد لله كنتُ طيلة الوقت على صلة وثيقة بهم في الموصل وكركوك، وكانوا يقولون لي ” أنت غير شكل!” واليوم انطلاقًا من رسالتنا الدينية السمحاء والمنفتحة ومن أُخُوَّتِنا في الخلق، اجدد عزمي بالتواصل معهم في نشر ثقافة السلام والالفة والأُخوة والاحترام المتبادل والتعاون فتغدو كنائسنا وجوامعنا وحُسينيّاتنا مراكز اشعاع روحي وانساني كما يريدها الرحمن. وبهذا النهج يتحقق مجد الله وتكون لنا الطوبى التي أعطاها المسيح “لصانعي السلام”.

5-  نحن ككنيسة لسنا بعيدين عن الاحداث، بل نرافقها  باهتمام وصلاة، ولا نبحث  عن امتياز أومنفعة ذاتيّة، انما  نبغي بناء جسور من المحبة والتعاون مع كل المكونات الدينية والاثنية من اجل تعزيز العيش المشترك وتوفير شروط الكرامة الانسانية للجميع.  ومن منطلق وطني وانساني اناشد الجميع  حكوميين وسياسيين احتكام لغة الحوار والاعتدال والوفاق،  وتجنب كافة اشكال التعصب والتنابذ والكراهية والعنف. فالسنوات الماضية كانت مليئة بالاحداث والاخطارولايزال شبح الخوف والقلق والموت  يخيم على اهلنا، وهذا  لن ينتهي الا  بتكاتفنا  ومحبتنا واخلاصنا وتعاوننا وولائنا لَلوطن وَحْدَهُ. يكفي دماء ودمار. ان العظمة الحقيقية هي في الخدمة والتضحية وترسيخ ما هو خير وحق وشريف وليس من خلال التسلط.

6–  السلام مشروعٌ يتكاملُ ويتناغم، عندما  يشعر كل واحد من طرفه بالمسؤولية، و يُوسع افاقَه لتشمل الجميع دون تفرقة. بالمحبة وبالعودة الى بعضنا البعض نسير على طريق السلام والحياة والازدهار، عندها  سنتخلص من مشاكل عديدة. صلاتنا  وأملنا أنْ يَعُوْدَ  السلام والامان والاستقرار عاجلا  الى بلادنا  المعذبة فتنهض روحيّا  وعلميّاً  واقتصاديّاً وعمرانيّاً واجتماعيّاً.

7- وهنا اتوجه الى المسيحيين بشكل خاص، وأقول لهم: اشكرهم لشهادتكم  الحيةّ للمسيح وتعلقكم بكنيستهكم حتى في وقت المحن والتشرد.   تقواكم وسخاؤكم  مثال حي نفتخر به.  اعرف قلقكم وهواجسكم, لكنني ادعوكم  الى رفع حاجز الخوف عنكم وعيش الواقع بايمان ورجاء. انتم لستم اقلية طارئة في هذه البلاد، انتم هنا منذ الفي عام وأنتم أصل البلاد. ومع المسلمين القادمين من الجزيرة العربية  قد أسهمتم بجدارة في بناء الحضارة العربية والثقافة الاسلامية من خلال الترجمة والتاليف و” بيت الحكمة”. معًا عشتم الحلو والمر. فما بالكم  اليوم خائفين ايها القطيع الصغير. راجعوا نظرتَكم إلى أنفسكم والى هويّتكم، واقرأوا  الواقع قراءةًً مُعمقةً، وافهموا جيدا معنى حضوركم وشهادتكم. دوّروا الزوايا  ووحدوا صفوفكم  لتغدوا  جماعةَ حيّة متفاعلة ومساهمة في صناعة مستقبل بلدكم. لا تنسحبوا او تهاجروا تحت اية ضغوطات كانت، هذه بلادكم وارضكم والاسهام ليس بالعدد، انما بالمواقف والعطاء. إذا استمرّت الهجرة  على هذه الوتيرة لا سمح الله، فسيأتي يوم يصبح فيه مسيحيو الشرق مجرَّد جزء من الذاكرة، بعدما كانوا فيه شرارة الحياة. بقاء المسيحيين في أوطانهم  وتواصلهم هي بالدرجة الاولى مسؤولية العرب والمسلمين.

8. أطلب صلاتكم  من اجلي  لكي يعينني الرب على اتمام  ما بدأه من سبقني على هذا الكرسي البطريركي وان احافظ على الايمان بامانة وانقل رسالة المسيح بنقاوة واكمل مشيئة الله في حياتي وحياة الكنيسة التي اتمنني عليها. واقول له كما قال اشعيا: ” ها انا لك فارسلني”( اشعيا6/9). شكرا لكم  ووفَّقَنا اللهُ وسَدَّدَ خُطانا لخدمة الكنيسة والوُطن والناس

عشتم وعاش العراق

وألقى سعادة رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي كلمةً بارك فيها لغبطة البطريرك وشكره على كلمته التي اعتبرها برنامج عمل، كما شكره على تشجيعه للمسيحيين على عدم مغادرة البلاد والبقاء في وطنهم كونهم مواطنيه الأصليين وعليهم أن يساهموا في بناء الوحدة الوطنية المنشودة. كما ألقى السيد أسامة النجيفي، رئيس البرلمان العراقي وسعادة سفير العراق لدى الكرسي الرسولي، السيد محمد الصدر، كلمةً عبّرا فيها عن فرحتهما بهذا اليوم الوطني وأشادا فيها بدور المسيحيين في العراق.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *