تمنيات الشيوعيين وقوى اليسار والديمقراطية للشعب والوطن في كل عام جديد

في كل عام جديد عادتاَ يتبادل فيه الاصدقاء كلمات المودة والتهاني مع تطلعهم الى تحقيق التمنيات للشعب العراقي بالعيش في أمن واستقرار وحياة حرة كريمة , والتمتع بالحقوق  والحريات والديمقراطية والسلام وان تتحقق العدالة الاجتماعية مع تمنيات للوطن بالاستقلال التام والتقدم والازدهار وان يكونا بخير في ظل نظام ديمقراطي تعددي تداولي فيدرالي . ,هذا على صعيد التمني الشخصي أما على الصعيد السياسي هوكيفية الربط بين التمنيات والفعل على الارض .المناضلون من اجل تحقيق هذه  التمنيات لقد جسدوها في طموحات وأقروها في برامج احزابهم , وحولوها الى قيم نضالية ذات فعل جماهيري لتحقيقها ولتلبية طموحات الشعب وتطلعاته وبناء الوطن . ونسجوا لهم علاقات متميزة مع المجتمع لتهيئة مستلزمات الفعل الجماهيري وإرتباطاَ بالواقع العراقي فهناك حقيقة غائبة عن ذهن الكثير من السياسيين , وهي تكمن في العلاقة العضوية الجدلية المصيرية بين الشعب والوطن والحزب الشيوعي العراقي ومعه قوى اليسار والديمقراطية  . جوهر ومحتوى العلاقة هو تعايش وتفاعل قائم على قناعات راسخة بهذه القيم وشكل العلاقة طردية وهذا ما يؤكدها تأريخ العراق الحديث .هو انه كلما ينهض الحزب الشيوعي العراقي والقوى الديمقراطية ويتسع تأثيرهما في الحياة السياسية كلما تتسع معها الحريات السياسية ويحصل الشعب فيها على مكاسب , وتسن قوانين ذات وجهه تقدمية تخدم مصالح العمال والكادحين والفلاحين وفئات الشعب الاخرى وتتحقق تحولات إقتصادية واجتماعية وقانونية . وإن كان من مثال حي هو إن أعظم الانجازات تحققت للشعب والوطن في ظل نهوض الحزب الشيوعي العراقي في الفترة ما بين عام 1958 الى عام 1961 وكذا في فترة نضال الحزب العلني وضغطه وتأثيره في الشارع التي تزداد نضجاَ وتأثيراَ واتساعاَ مع الجماهير .

مثال آخر من التاريخ يؤكد على سر العلاقة :

في شتاء عام 1979 عقد الدكتاتور المقبور صدام حسين مؤتمر صحفي ونقل المؤتمر من خلال التلفاز وكنت حينها في العراق وقد شاهدت المؤتمر الصحفي , كان هناك سؤال من صحفية المانية سألت الدكتاتور السؤال التالي : ما هو مستقبل الاقتصاد العراقي بعد هجومكم وملاحقتكم للحزب الشيوعي العراقي؟ استقبل الدكتاتور السؤال بغباء وأطلق قهقهته المعروفة وأجاب ( ليش يابه شنو علاقة الاقتصاد بضرب الحزب الشيوعي العراقي ) . بلا شك انه لم يفهم السؤال ولم يستوعبه ,كانت تقصد به الصحفية الالمانية كيف ستكون التوجهات الاقتصادية القادمة أي وجهة السياسة الاقتصادية للحكومة وسياساتها العامة بعد تبني الدولة نهج العداء للحزب الشيوعي وللديمقراطية , وما حصل فعلاَ في العراق آنذاك  يؤكد ان للحزب الشيوعي العراقي دور مؤثر في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلاد وعلى تقدم الوطن وازدهاره ويكون الدور اكثر فاعلية بلا شك عندما يساهم في صنع القرار السياسي لانه يضع المصالح العليا للشعب والوطن فوق اي اعتبار . ما يمر به العراق اليوم من ازمات خطيرة تؤكد وكأن التاريخ يعيد نفسه بسبب طبيعة التحالفات وغياب الديمقراطية .

الوضع الخطير الذي يمربه البلد مرتبط بطبيعة التحالفات :

يمر العراق اليوم بواحدة من المحن السياسية الخطيرة التي هيمنت على الوطن المحكوم برؤية ونهج وعلة خبيثه قاتله وهي علة المحاصصة الطائفية والقومية ( التي تشكلت كنتيجة للاصطفافات الطائفية المدمرة ) التي قيدت البلد بسلسله من الازمات المتعددة والمتواصلة , وذات الدورة القصيرة والتي هي بلا شك أقصر من دورة أزمات الراسمالية , لكنها تحمل في طياتها مخاطر كبيرة مدمرة على مصالح الشعب والوطن ويصعب الخروج منها , والمحاصصة الطائفية إختزلت الشعب بطائفتين وحولته الى رعاية طائفيون لا مواطنيين وأسهمت في دوام أزمة السياسة واستمرار دورة العنف في البلاد.

مبادرة الحزب الشيوعي العراقي :

قبل نهاية العام الماضي 2011 أطلق الحزب الشيوعي العراقي مبادرته الوطنية ودعا فيها الى إجراء حوار وطني شامل وعقد مؤتمر تشارك فيه كل القوى السياسية سواء المتمثله في البرلمان والحكومة او غير المتمثله , لتقريب وجهات النظر ولحل الازمة السياسية في البلد التي تضرر منها المواطن والوطن , وطالب الحزب الشيوعي ان يتبنى الجميع الخيار الديمقراطي لحل الازمة السياسية وذلك من خلال الاتفاق على اجراء انتخابات مبكرة تقام على اساس تعديل قانون الانتخابات حسب قرار المحكمة الاتحادية وان يكون العراق دائرة انتخابية واحده وهذا هو احد معايير الديمقراطية التي تتطلبها مصلحة البلد وتشكيل الهيئة المستقلة الجديدة للانتخابات , وسن قانون للاحزاب , وشكل الحزب الشيوعي العراقي وفود وإلتقت بالسيد رئيس البرلمان والسيد رئيس الجمهورية , والسادة نواب رئيس الجمهورية ,والسيد رئيس المجلس الاسلامي الاعلى وكتل واحزاب وشخصيات سياسية . وتفهم واقتنع الجميع بهدف ومنطلقات الحزب الشيوعي العراقي من هذه المبادرة. رغم ان غالبية الكتل والاطراف لديهم وجهه ايجابية من الحوار او ان لديهم مبادرات إلا أن السيد رئيس الجمهورية قد تبنى المبادرة ودعا الى عقد مؤتمر وطني .

الحزب الشيوعي العراقي ما كان بأمكانة ان يطلق هذه المبادرة ويعبئ الراي العام العراقي ويخلق راي عام رسمي وشعبي ضاغط لتبني المبادرة . لولا حضوره وتأثيره الفاعل في الحياة السياسية في البلاد , صحيح ليس لديه مقعد في البرلمان وليس له منصب وزاري , ولكن قوة الحزب الشيوعي العراقي تكمن في حضوره وتأثيره في الشارع العراقي , وفي تلاحمه مع الشعب وتفاعله مع حاجاته ومشاكله وهمومة وتطلعاتة وتبنيه لقيم النضال من اجل اسعاد الشعب وتقدم الوطن , والحقيقة الاخرى التي لا يدركها كثير من السياسيين حالهم حال الدكتاتور صدام حسين وهي ان مواقف وسياسة وبرامج وتوجهات ونضال واهداف الحزب الشيوعي العراقي تلتقي مع المصالح العليا للشعب والوطن . من هنا تأتي قوة تأثير الحزب الشيوعي العراقي  . وبلا شك التأثير ايضاَ لقوى اليسار والديمقراطية التي عقدت مؤتمرها الثاني الذي سيكون لها حضور فاعل في البلاد بعد ان تم تأسيس قطب ثالث ديمقراطي ومن المؤمل ان تنضم له بقية قوى اليسار والديمقراطية ليزداد التيار قوتاَ وتأثيراَ .

تفكيك الاصطفات الطائفية ضرورة وطنية ديمقراطية لا تقبل التأجيل :

ان احد اهم اسباب الازمة السياسية الخطيرة في البلاد هي ناتجة عن طبيعة الاصطفافات والتحالفات الطائفية القائمة في العراق والتي تكونت منها حكومة المحاصصة الطائفية والقومية أكدت تجربة تسعة سنوات ان هذه الاصطفافات لا تبني دولة المواطنة . وان استمرار هذه الاصطفافات سيشكل خطر على الوحدة الوطنية وعلى مستقبل الوطن . أن جوهر ومحتوى هذه الاصطفافات الضارة يكمن ليس فقط في المحاصصة على بسط الهيمنة على السلطة السياسية والغاء الآخر ومعادات الديمقراطية وانما ما هو اخطر وهو الاحتشاد المذهبي والطائفي وأعطوا لهذا الاحتشاد بعد سياسي . هذا هو جوهر كتلة التحالف الوطني بمجموعها وكتلة القائمة العراقية والتحالف الكردستاني هو احتشاد قومي لا يحمل اي ملامح ديمقراطية . كل تكتل من هذه الاصطفافات له رؤية حول شكل الدولة بعيده كل البعد عن الدولة المدنية الديمقراطية . وان الشعب بدأ يتوجس من هذه الاصطفافات واستمرارها . لان التجربه العراقية أكدت ان اي خلاف او صراع سياسي يحصل بين هذه الكتل تسعى الى تشبييهه على انه صراع مذهبي طائفي والمذاهب والطوائف منهم براء .هنا تكمن خطورة الاصطفافات الطائفية للكتل السياسية التي تقود السلطة في البلاد . وأن هذه الاصطفافات الطائفية والقومية أقحمت العراق في تجاذبات إقليمية خطيرة تتدخل في الشأن العراقي .

من وجهة نظري أرى  ان الوطنية الصادقة والحرص على بناء الدولة المدنية الديمقراطية يتطلبان تصعيد الضغط الجماهيري والاعلامي والسياسي لقبر هذه الاصطفافات الطائفية التي أنهكت الشعب وساهمت في ديمومة العنف والارهاب , وغاب الامن والاستقرار وغابت الخدمات وحقوق وحريات المواطن . ان هذه الكتل من منطلق الحفاظ على مصالحها أولاَ تبحث لنفسها عن سبل لأجراء تسوية مؤقتة فيما بينها , وتتجنب الحلول الجذرية الديمقراطية للازمة السياسية الذين هم سببها . مصلحة الشعب تدعوا الى  كل من لديه ضمير حي من داخل هذه الكتل ومن لديه حس وطني صادق ان يعلن التخلي والانسحاب من هذه الاصطفافات ويعلن الانتماء الى الوطن والعمل على خلق اصطفافات جديدة ذات طبيعة سياسية وطنية بمحتوى ديمقراطي .

أين يكمن خطرالاصطفافات الطائفية الحالية :

خطرالاصطفافات الطائفية والقومية انها أنتجت للشعب حكومة محاصصة طائفية وقومية بأمتياز ليس لها علاقة بأي قانون  , اما الدستور في هكذا حكومة يستغل ويخضع للاجتهادات ,إنها تعد في القوانين الدولية من أسوء أنواع النظم السياسية في العالم  . صحيح يوجد برلمان الا ان قرارات البرلمان محكومة بالتوافق  وأن هذا النوع من النظم السياسية القائم على المحاصصة ليس لانه لا ديمقراطي فحسب وانما هو منتج دائم للأزمات الخطيرة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والقانونية وإن هذه الازمات لاتنتهي وتزداد خطورتها على المواطن وعلى مستقبل الوطن .

1- أن نظام حكم الاصطفافات الطائفية اصبح يعمل بهويات ثانوية بعيدة عن الهوية الوطنية وهذا ما يعرض الوحدة الوطنية للخطر , وشاع الفساد المالي والاداري في اجهزة الدولة , اكدت التجربة ان احزاب وتكتلات الاصطفافات الطائفية بقيادتها للسلطة السياسية تمكنت من صنع البؤس والفاقه والحرمان والجهل واتساع البطالة وبالذات بين الشباب والتهميش لأوسع فئات المجتمع العراقي وصنعت الثروة لها وللمنتفعين منها  .

2- ان كتل الاصطفافات الطائفية لا تؤمن ببرامج ومشاريع وخطط وطنية لبناء دولة مدنية ديمقراطية , هذه بالنسبه لهم مجرد شعارات يرفعونها في الحملات الانتخابية فقط لا غير , أما في الواقع فجميعهم بلا إستثناء لديهم خطط ومشاريع واجندات ينوون تنفيذها في المجتمع , رسمت من وحي افكارهم المتحجرة ورغباتهم المتعصبة , يقف ورائها تأثير اقليمي ايضاَ واهداف ذات صبغة تدميرية بحق الفكر الديمقراطي والتنوع الفكري والاثني للشعب العراقي مع معادات الثقافة والفن والابداع في المجتمع فهم يعملون لذاتهم ولمشروعهم التدميري وليس للصالح العام .

3- الحرية والديمقراطية في العراق تتعرضان دائماَ للخطر وللاستغلال والاحتيال والتلاعب من قبل اعدائها ومنهم كتل الاصطفافات الطائفية , فهم رفعوا شعار الحرية والديمقراطية كتكتيك لتحقيق غاياتهم من خلال آليات الديمقراطية ( الانتخابات ). وما يؤكد صحة ذلك هو إن اصطفافات المحاصصة الطائفية والقومية شرعوا قوانين حسب رغباتهم الذاتية , وواحد من قوانينهم المعادية للديمقراطية هو التعديل الاخير لقانون الانتخابات البرلمانية في 7-3-2010 الذي تحاصصو على تشريعه لاجل اقتسام السلطة والغاء الآخر وإلغاء التنوع الفكري والسياسي في المجتمع العراقي ومنع ممثلي التنوع السياسي والفكري  ( من شيوعيين ويساريين وديمقراطيين وليبراليين ومستقليين من الوصول للبرلمان ) ولاجل تفصيل مستقبل العراق وشعبه وثرواته حسب مقاساتهم , وبهذا أرادوا ان يختزلواالشعب العراقي الى طائفتي الشيعة والسنه والاكراد , وما اكدته التجربه انهم اليوم يحصدون فشلهم ويؤكدون على هشاشة وطنيتهم وعلى بؤس فكرهم ودنائة نفوسهم وذاتية خططهم ومشاريعهم المعادية للديمقراطية , وهم جميعاَ اليوم امام الشعب يتجرعون كأس السم الذي أرادوا ان يسقوه للآخرين .

4- كل شيئ اخضعوه للمحاصصة الطائفية والقومية , عرضوا القضاء للمحاصصة وأضعفوا استقلاليته وجعلوه هيكلاَ واسماَ فقط ويتحدثوا باسم القضاء في الاعلام, وإحتفظوا لأنفسهم بالملفات الأمنية وملفات الجرائم  التي إرتكبت بحق الشعب , ويساومون بعضهم على البعض الآخر عليها لغرض فرض إرادتهم , الهيئات المستقله جميعها عرضوها للمحاصصة جيش الوطن عرضوه للمحاصصة الأمن والشرطة عرضوها للمحاصصة لن يبقوا شيئاَ بدون محاصصة وميليشياتهم هي تحت رعايتهم .

5- لهذا ان كتل المحاصصة الطائفية والقومية هي اليوم في أضعف حال أمام الشعب العراقي .  وهذا من وجهة نظري لانهم اصبحوا يشكلون عبئاَ ثقيلاَ على بناء الدولة المدنية الديمقراطية هذا اولاَ . وثانياَ  متهمون جميعاَ بمسؤليتهم عن تدهورالوضع السياسي الخطير في البلاد . وثالثاَ ان نهج المحاصصة الطائفية والقومية وما اكدته التجربة انه فشل في إدارة الدولة . ورابعاَ انهم فقدوا المصداقية والنزاهه والشفافية امام الشعب .

6- ما أكدته التجربه ان حكومة المحاصصة الطائفية تخشى اليوم من الحراك الشعبي الجماهيري الضاغط عليها , فهي تخشى وتحسب حساب لتنامي واتساع الاحتجاجات الجماهيرية التي انطلقت في يوم 25/ شباط 2011 , وساهمت فيها جماهير الشعب المكتوية من نار سلطة المحاصصة الطائفية والقومية. ما تريدة الغالبية من ابناء الشعب العراقي هو دولة مدنية ديمقراطية وليس دولة المحاصصة الطائفية والقومية المزيفة بكلمات براقة مخادعة وشعارات كاذبة  .

تحسباَ وتخوفاَ من تصاعد الاحتجاجات الجماهيرية بدأوا يعودوا للعقل والحكمة وينصاعوا للضغط  الجماهيري والسياسي عليهم فاجمعوا على بدأ الحوار وعقد المؤتمر الوطني من وجهة نظري هذا ضروري ومهم ولكنه يدخل في باب الحلول المؤقته التي تهدئ وتجمد الصراع المدمر فيما بينهم لفترة مؤقته , ويبقى الحل الجذري للازمة السياسية هو البديل في تبني الخيار الديمقراطي . والسؤال هنا هل يتبنى المؤتمرالوطني القادم الخيار الديمقراطي بالاتفاق على اجراء انتخابات مبكرة ونزيهه ويشارك فيها مراقبون دوليون ومن الجامعة العربية مع تعديل قانون الانتخابات وتشكيل الهيئة المستقله للانتخابات وسن قانون للاحزاب وتفكيك التحالفات الطائفية والقومية ؟

10-1-2012

 

You may also like...